Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode_alt.php on line 1270
منتديات واتا الحضارية - منتدى الدكتور إبراهيم عوض https://wata.cc/forums/ ar Thu, 30 May 2024 12:27:15 GMT vBulletin 60 https://wata.cc/forums/1k/misc/rss.png منتديات واتا الحضارية - منتدى الدكتور إبراهيم عوض https://wata.cc/forums/ <![CDATA[رأيى فى كتاب كمال أبو ديب: "الرؤى المقنعة- نحو منهج بنيوى فى دراسة الشعر الجاهلى"]]> https://wata.cc/forums/showthread.php?109663-%D8%B1%D8%A3%D9%8A%D9%89-%D9%81%D9%89-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%AF%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D9%86%D8%B9%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%89-%D9%81%D9%89-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%89&goto=newpost Wed, 29 May 2024 19:49:56 GMT

إبراهيم عوض

رأيى فى كتاب د. كمال أبو ديب: "الرؤى المقنعة- نحو منهج بنيوى فى دراسة الشعر الجاهلى"
(الهلس النقدى على أصوله. فى المقال شىء غير قليل من التسامح مع ذلك الهلس النقدى)
===========================
الاتجاه البنيوى
أما الاتجاه النقدى الجديد الخامس الذى تجلَّى فى تناول النقاد العرب المحدثين للشعر العربى فهو الاتجاه البنيوى. والبنيوية، كما يقول أصحابها، لون من ألوان التمرد على الدراسات النقدية التقليدية القائمة على الحفظ والرصد التاريخى المستند إلى حياة الشاعر وأحداث عصره، إذ هى ترتبط بالنَصّ ولا تبتعد عنه ، كما تضع نصب عينها أن لكل جنس أدبى نظاماً خاصا يتم التوصل إليه من الأنساق الفردية المتحققة فى الأعمال الأدبية المختلفة، ثم الانطلاق منه بعد ذلك إلى النصوص الفردية من أجل دراستها فى ضوء علاقتها بالنسق العام . ومن هنا رأينا فلاديمير بروب يصل من خلال دراسته للقصة الخيالية إلى تصور بنية كلية عامة للقصة سماها ((القصة العمدة)) أو ((الأنموذج)) تتوفر فيها كل الاحتمالات البنائية للإحدى والثلاثين وظيفة التى استطاع استقراءها فى عشرات الحكايات . وتهتم البنيوية أيضاً بدراسة الأنماط التى يمكن أن يستشفها من يقرأ أى عمل أدبى أو يستمع إليه سواء أكانت أنماط أصوات تتكرر فى أماكن مختلفة من القصيدة أو أنماط معانٍ تتكرر فى شتى كلماتها. وهذه الأنماط من شأنها توحيد النّص وإبراز عناصر معينة فيه ، وإن كان هناك من يرى أنه إذا كان من السهل تطبيق المنهج البنيوى على فنون الأدب السردى مثل الأسطورة والرواية والمسرحية حيث يمكن تقسيم السياق السردى إلى عناصره كتتابع الأحداث والحبكة والشخصيات، فإن الأمر فى الشعر بخلاف ذلك، إذ ليس له مثل هذه العناصر . ولعل مما يثير الدهشة والاستغراب أن نتساءل: أليس فى النقد العربى القديم ما يومىء إلى أن أسلافنا قد تنبهوا إلى مفهوم البناء فى القصيدة الشعرية؟ والجواب هو أن هؤلاء الأسلاف قد لاحظوا أن الشعراء الجاهليين عادة ما يفتتحون قصائدهم بالوقوف على الأطلال والبكاء عندها جاعلين ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها بحثا عن الماء والكلإ، ثم ينتقلون من ذلك إلى النسيب وشكوى الوجد وألم الفراق بغية استمالة الأسماع والقلوب، إذ كان الحب والحديث عنه مما يُدْخِل البهجة على النفوس، فإذا استوثقوا أنهم قد ملكوا الأسماع والقلوب عقَّبوا بذكر ما يستوجب حقوقهم عند من يقصدون مدحهم فوصفوا رحلتهم ومشاقها، حتى إذا اطمأنوا أنهم مهَّدوا السبيل إلى قلوب من يمدحونهم دخلوا فى المديح وفضّلوهم على أشباههم وحرّكوا أَرْيَحِيّتهم... وهكذا. وعليهم خلال ذلك كلّه أن يَعْدِلوا بين هذه الأغراض فلا يغلّبوا قسماً فيها على حسابِ آخر ولا يطيلوا فيُمِلّوا أو يقصّروا فُيِخلّوا .
على أن الأمر لم يقتصر عند حدّ الملاحظة بل تعدّاه إلى أن جعلوا هذا البناء فَرْضاً على الشعراء المتأخرين فقالوا مثلاً إنه لا يصحّ لأحد من الشعراء أن يقف على منزلٍ عامر بدلاً من الأطلال، أو أن يذكر أن رحلته كانت على حمار أو بغل لا على ناقة أو بعير، أو أن المياه التى وردها أثناء تلك الرحلة كانت مياها عذبة جارية لا آجنة طامية... إلخ . كما اشترطوا أن يكون مطلع القصيدة من الجودة والوضوح وشدة الأسر وقوة الأثر بحيث يدفع الجمهور إلى التنبه والإصغاء، وأن يكون الخروج من موضوع إلى موضوع من الحذق والبراعة بحيث لا يشعر السامع به، وهو ما يسمونه ((حسن التخلص))، ثم أن ينال ختامُ القصيدة من عناية الشاعر ما يجعله لاصقاً بالذهن فلا يُنْسَى، وأطلقوا على ذلك ((حسن المقطع)) . والمقصود من كل ذلك أن يكون هناك لون من الوحدة يضم التنوع فى الموضوعات.
فهذا هو ناظم القصدية العربية (أو قل/ بناؤها أو بنيتها) عند نقادنا القدامى. صحيح أن هذه البنية لا تتحقق لكلّ القصائد بل لبضعها فقط، وأغلب ما يكون ذلك فى شعر المديح، بَيْد أنه ينبغى أيضاً ألا يفوتنا أن بنية الحكاية، كما استخلصها بروب، لا تتحقق فى كلّ الحكايات، فقد تتقلص وظائف إحدى الحكايات إلى اثنين فحسب، وقد تزيد حتى تتجاوز الثلاثين. وفوق ذلك فإنَّ نقادنا القدامى لم يكتفوا بأن يوردوا لنا بنية القصيدة العربية كما فعل بروب فى بنية الحكاية، بل عملوا على تفسيرها نفسيا واجتماعياً (أو قل: إنسانيا وقوميا)، إذ ذكروا مثلاً ميل النفوس إلى النسيب واضطرار القبائل العربية دائما إلى الارتحال بحثا عن الماء والكلإ فى مواقع جديدة.
ويُعَدّ د. كمال أبو ديب أحد أوائل الدراسين العرب الذين تناولوا الشعر العربى على أساس بنيوى، وذلك فى كتابه المسمى بــــــ ((الرؤى المقنَّعة- نحو منهج بنيوى فى دراسة الشعر الجاهلى))، الذى كان فى الأصل مقالات وأبحاثا نشرها فى أوقات ومجلات متفرقة ثم جمعها بعد ذلك بين دفَّتَىْ كتاب صدر عن ((الهيئة المصرية العامة للكتاب)) سنة 1986م. وهو يصف الاستمرار فى تناول الشعر الجاهلى على الأسس التى كان يرتكز عليها ابن قتيبة أو حتى د. طه حسين ود. شوقى ضيف بأنها ((من السذاجة بمكان)) . ومن ثم يعلن أنه سيستعين فى دراساته هذه بخمسة تيارات بحثية متميزة فى هذا القرن: وهى التحليل البنيوى للأسطورة، والتحليل التشكيلى للحكاية، ومناهج تحليل الأدب المتشكلة فى إطار معطيات التحليل اللغوى والدراسات اللسانية والسيميائية، والمنهج النابع من بعض المعطيات الأساسية فى الفكر الماركسى، وهو المنهج الذى يُوِلى عناية خاصة لاكتناه العلاقة بين بنية العمل الأدبى والبِنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، وكذلك تحليل عملية التأليف الشفهى فى الشعر السردى ودور الصيغة (formula) فى آلية الخلق، مع التصرف فى هذه المناهج حسب ظروف البحث .
وهو يؤكد أن هناك درجة كبيرة من الشبه بين بنية القصيدة وبنية الحكاية، فالقصيدة (مِثْلَ الحكاية) تتألف هى أيضاً من وظائف قد تصل إلى إحدى وعشرين، وقد تتقلص إلى وظيفتين ليس غير. إلا أنه يستدرك قائلاً إن ثمة فرقا جوهريا بين بنية القصيدة وبنية الحكاية يتمثل فى أن ترتيب الوظائف فى القصيدة متغير هو أيضاً كعددها، أما فى الحكاية فثابت لا يتغير . كما أنه، فيما ذكر لنا، قد لاحظ أن لكل وظيفة فى الشعر الجاهلى تقريباً (مثلما هو الحال فى الحكاية) نقيضاً يمثل تجاوزاً أو حلاً لها: فالتحريم يقابله الانتهاك، والإحساس بالنقص يقابله إشباع هذا النقص... وهكذا، وهو ما يسميه بــــــ ((الانتظام الثنائى الضدى)) .
ثم يقول إن ((التعميمات السائدة حول بنية القصيدة الجاهلية هى فى أساسها ذات طبيعة انطباعية لأنها تصدر عن قراءة لعدد محدود من القصائد)). وهذا العدد المحدود، حسبما قال، لا يصلح أن يكون ممثلا حقيقياً لهذا الشعر . وبعد قليل يضيف قائلا إنه قام بتحليل مائة وخمسين قصيدة جاهلية مكَّنته ((أن يميز تحت الخيوط المعنوية المتعددة (أى الموتيفات) والحركات الكثيرة المختلفة للخيوط المضمونية فى الشعر الجاهلى تيارين من التجارب الجذرية يشكلان ثنائية ضدية: التيار الأول تيار وحيد البعد يتدفق من الذات فى مسار لا يتغير مجسّدا انفجارا انفعاليا يكاد أن يكون لا زمنيا وخارجا عن السيطرة لا يُكْبَح، أما الثانى فهو تيار متعددة الأبعاد، أو هو بالأحرى نقطة التقاء ومصب لروافد متعددة، لتيارات تتفاعل وتتواشج، ويكتمل التبلور النهائى لهذا النمو فى سياق زمنى ويجسّد عملية خلق للفاعليات المعاكسة وتحقيق التوازن بين الأضداد فى الوعى)) . ويتجسد التيار الأول، كما يقول، فى سيطرة نبض واحد وحالة انفعالية مفردة، ويتحقق ذلك فى قصائد الهجاء والغزل والرثاء وبعض الخمريات... إلخ، على حيث يمثل النمط الثانى مستوى من التجربة أعمق فى دلالاته الوجودية من النمط الأول، حيث ((يتواشح الاحتفاء بالحياة ويلتحم مع إحساس مأسوى بحتمية الموت والطبيعة اللانهائية للحياة ذاتها)). وبرغم أن التيار الأول قد يتخذ بنية ذات شريحة واحدة أو بنية متعددة الشرائح فإن التيار الثانى لا يتشكل إلا فى بنية من النوع الأخير. وهو يرى أن أية قصيدة هجائية يمكن أن تمثل التيار الأول ذا البنية الوحيدة الشريحة، بينما تمثل عينية أبى ذؤيب الهذلى فى رثاء أولاده هذا التيار نفسه فى حالة البنية المتعددة الشرائح. أما التيار المتعدد الأبعاد فإن المثال الأكمل له فى نظره هو معلقة لبيد . ومع ذلك كله نرى الدكتور أبو ديب فى موضع آخر من كتابه الذى بين أيدينا يقول ما مُفَاده أن من المحتمل وجود أنماط بنيوية أخرى فى الشعر الجاهلى غير هذه الأنماط الثلاثة ، وذلك بالرغم من أن مفهوم البنية يقتضى العموم، إذ رأينا كيف يذكر بروب أن هناك بنية واحدة للحكاية الشعبية فى جميع أرجاء العالم، بينما بِنَى القصيدة الجاهلية وحدها قد بلغ عددها عند الدكتور أبو ديب ثلاثاً ولا يزال الباب مفتوحاً أمام بِنىً أُخرى. بل إنه يطلق على كل قصيدة يحلّلها اسماً خاصا بما قد يوحى على الأقل بأن لكل من هذه القصائد بنية خاصة بها لا تشاركها فيها غيرها: فمعلقة لبيد تُسَمَّى ((القصيدة المفتاح))، ومعلقة امرىء القيس ((القصيدة الشبقية))... وهكذا. وقد ذكر الأستاذ الباحث نفسه فى هذا الكتاب أن تجليات البنية فى الشعر الجاهلى من الكثرة بحيث ((تجعل الحديث عن بنية ثابتة للقصيدة الجاهلية عبثا يفتقر إلى أدنى شروط العلمية والمعرفة الشمولية)) . كما عاد إلى هذا المعنى فى موضع آخر من ذات الكتاب فأكد أن الدراسة التحليلية الإحصائية قد كشفت زيف الإيمان بأن للنص الجاهلى بنية ثابتة أو طاغية . صحيح أنه كان يردّ بذلك على ما قاله ابن قتيبة من وجود بناء ثابت للقصيدة العربية القديمة، لكن هذه الملاحظات هى من العمومية بحيث تندرج تحتها أية محاولة للوصول إلى بنية واحدة للقصيدة الجاهلية. ورغم ذلك كله فإننى أعدّ هذه النتيجة إحدى النتائج الإيجابية للبحث، إذ ليس البناء الفنىّ لأى جنس أدبىِ شيئا جامداً ثابتاً، بل هو صورة تتغير وتتطور مع الزمن كما هو مشاهد. يستوى فى هذا الشعرُ وفنُّ القصص والفنُّ المسرحى. وهذه فى الواقع ضربة مُصْمِيَة للاتجاه البنيوى فى النقد الأدبى. وممن؟ من واحد من أشهر دعاته! كذلك يرى الأستاذ الناقد أن ثمة احتمالاً لتشكيل المعلقات بنيةً واحدة تتمثل فيها الرؤية المركزية للثقافة فى استجابات مختلفة من نص إلى نص للأسئلة الأساسية فى الوجود الجاهلى . والمعروف أن الملعلقات تختلف فى موضوعاتها واهتماماتها، وهذا يصدق على كثير جداً من قصائد الجاهلية، فكيف يا ترى يمكن تصنيفها على حسب ما قاله؟ وثمة ملاحظة أخرى، وهى أن الأستاذ الدكتور قد ذكر فى بداية الكتاب، كما رأينا، أن للقصيدة الجاهلية وظائف مثلما للحكاية الشعبية وظائف، لكنه عند تحليل ما حلَّل من قصائد جاهلية لا يأتى بذكر لهذه الوظائف البتة بل يتحدث عن الوحدات التكوينية والحركات والجُمَل اللغوية وحُزَم العلاقات... إلخ، وهو ما يعنى أن الأمر لا يخرج عن حدود الكلام والادعاء.
ويكثر الأستاذ الباحث من ذكر ما تسميه البنيوية بـــــ ((الثنائيات الضدية)) ويحرص على إبرازها فى القصائد التى يحلّلها (كالموت والحياة، والجفاف والطراوة، والصمت والضجة... إلخ) معلقا عليها أهمية شديدة، إذ يرتكز عليها فى تفسير النص الشعرى . وأحياناً ما تستحق هذه الثنائيات ذلك الاهتمام الذى يوليه الناقد إياها، وأحياناً أخرى لا تستحق ذلك، ينما فى أحيان ثالثة نحسُّ أن الناقد يستنطق النصّ هذه الثنائيات كرها دون أن يكون لها وجود فيه. فمثلاً أين التضاد بين ((المحلّ)) و ((الـمُقَام)) أو بين ((الظباء)) و ((النعام)) أو بين ((النُّؤْى)) و ((الثمام)) أو بين ((الصُّلْب)) و ((السنام)) أو بين ((اللهو)) و ((النِّدام (أى المنادمة))) أو بين ((السُّنّة)) و ((الإمام)) فى الأبيات التالية من ملعلقة لبيد:
عَفَت الدياُر محلّها فمقامها بِمِنَى تأبَّدَ غَوْلُها فرجامها
فَعَلاَ فروع الأيهقان وأَطْفَلَتْ بالجهلتين ظباؤها ونَعَامُها
عَرِيَتْ وكان بها الجميع فأبكروا منها وغودر نُؤْيْها وثمامها
بِطليح أسفار تركن بقية منها فأحنق صلبها وسنامها
بل أنت لا تدرين كم من ليلةٍ طَلْقٍ لذيذ لهوها وِندامُها
من معشرٍ سَنّتْ لهم آباؤهم ولكل قوم سُنّةٌ وإمامها؟
ليس ذلك فحسب، بل إن العلاقة فى عدد من هذه الثنائيات هى، على العكس، علاقات تواؤم لا تضاد كما هو واضح. كما أن القصد من التضاد فى بعض الحالات الأخرى إنما هو إبراز الشمول كما فى قول الشاعر:
دِمَنٌ تجرَّم بعد عهد أنيسها حِجَجٌ خَلَوْن: حلالُها وحرامُها
ذلك أنه يريد أن يقول إن أعواماً كاملة قد انقضت منذ ذلك الحين بأشهرها الحلال وأشهرها الحرام معاً. ومثل ذلك البيتُ التالى أيضاً:
من كل ساريةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ وعشيةٍ متجاوبٍ أرزامها
كذلك فإن التفرقة بين السباع من جهة والظباء وحمار الوحش من جهة أخرى على أساس أن الأولى تدمَّر وتقتل والأخرى تنشر الحياة وتجدّدها تبدو غير مقنعة، فالسباع هى أيضاً تنشر الحياة وتجدّدها. أليست تتزاوج وتتكاثر مثل الظباء وحمير الوحش سواء بسواء؟ وبالمثل يمكن النظر إلى العلاقة بين الأطلال فى بداية معلقة امرىء القيس والمطر والسيل فى نهايتها على نحو يخالف نظرة د. أبو ديب إليها، فهو يرى أن هناك ثنائية ضدية بين ((سكون الأطلال واندثارها)) و ((الحيوية الغامرة والجارفة فى عاصفة المطر والسيل)) ، وهى رؤية تُغْفِل أن السيل الذى تصفه أبيات الملك الضِّلِّيل إنما هو سيل جارف مهلك: فهو ((يَكُبّ على الإذقان دوح الكَنَهْبُل))، ويُنْزل العُصْم من قمم الجبال كل منزل، ويقتلع جذوع النخيل، ويهدم البيوت اللهم إلا ما كان مَشِيداً منها بجندل، فضلا عن إغراقه السباع. بل إن ثبيراً ذلك الجبل الشاهق الضخم يبدو فى عرانين وبله وكأنه ((كبيرُ أناسٍ فى بِجَادٍ مزمَّل))، أى شيخ ضعيف متهالك قد تلفّف فى بجاده من شدة القرّ، وهى صورة أبعد ما تكون عن الحيوية الغامرة. صحيح أن هناك بيتا يتحدث عن انطلاق مكاكىّ الجواء غِبَّ تهطال المطر تملأ الفضاء بصوتها العذب، لكن هذا البيت يبدو غريباً وسط صور الدمار التى خلَّفها السيل وراءه. ونفس الشىء ينطبق على ما يخلعه الأستاذ الناقد من ثنائية ضدية على فعل الأمر الذى يفتتح به امرؤ القيس معلقته: ((قِفا))، إذ يقول: ((تبدأ القصيدة الشبقية بفعل أمر فى صيغة المثَنى: ((قِفا))، ويقتحم هذا الأمر خيال المتلقى من الوهلة الأولى بثنائية ممثلة فى وجود صاحبين، وبتضاد يتمثل فى ((أنا فى مقابل الآخر))... إلخ)) . ذلك أن الثنائية الضدية حسب الأمثلة التى قدمها لنا فى دراساته التى بين أيدينا تقتضى أن يقترن التضاد بالتثنية فى شىء واحد لا أن يقع كل منها على شىء مختلف كما هو الحال هنا: فالتثنية فى هذا المثال متحققة (كما هو واضح من الكلام) فى الشخصين اللذين يتجه إليهما الشاعر بالخطاب، ومن ثم كان ينبغى أن يكون التضاد بينهما هما أيضاً لا بينهما من جهة وبين الشاعر من جهة أخرى. وهذا، بطبيعة الحال، إن كان ثمة تضاد بين الشاعر ورفيقيه، وهو ما لا وجود له، إذ الثلاثة يجمع بينهم البكاء من ذكرى الحبيب والمنزل. أى أننا لسنا بإزاء ((أنا فى مقابل الآخر)) بل بإزاء ((أنا مع الآخر)). وهكذا يتضح لنا تهافت الأفكار التى يطرحها د. أبو ديب.
والأن فلننتقل إلى أنواع البنية التى ذكرها الأستاذ الناقد للقصيدة الجاهلية. فمن ذلك ((البنية وحيدة الشريحة ذات التيار وحيد البعد))، وقد مثَّل لها ببائية امرىء القيس:
أرانا مُوضِعين لأَمْرِ غَيْبٍ ونُسْحَر بالطعام وبالشرابِ
وسرّ وصفها بأنها ((ذات تيار وحيد البعد)) أن الأستاذ الدكتور يرى أنها تدور كلها من أولها إلى آخرها على معنى حتمية الموت لا غير ، على عكس معلقة لبيد، التى ينتظمها تياران: تيار حتمية الموت، وتيار الانتصار على الموت . أما كونها ((وحيدة الشريحة)) فلأن الشاعر فيها لا يتحدث إلا عن وجودٍ واحدٍ لا غير هو وجوده هو، بخلاف ما عليه الوضع فى عينية أبى ذؤيب، التى تدور كلها من أولها لآخرها هى أيضاً على معنى حتمية الموت، لكنها تصوّر ذلك من خلال الحديث عن عدة وجودات تعرضت كلها للهلال: وهى أولاده، والحمار الوحشى، والثور الوحشى، والبَطَلان المتحاربان. أى أن لك وجود يمثل شريحة من الشرائح المشار إليها .
بَيْد أن القراءة الفاحصة للنصوص الشعرية التى أوردها الأستاذ الباحث قد تؤدى إلى نتائج مختلفة عما توصَّل هو إليه. فمثلا يمكن تفسير بائية امرىء القيس على أنها تحدٍّ للموت وعدم مبالاة به لا استسلامٌ عاجزٌ له، إذ يبدو لى أن عذل العاذلة المذكور فى القصيدة إنما هو من أجل استهداف الشاعر للأخطاء المــُبِيرة رغبة فى الانتقام لمقتل أبيه واسترداد ملكه الضائع، فهو يقول لها: إننى أعلم أننى أتقحّم غمرات الموت، ولكن ماذا أفعل وقد مات أبى ولا بد من الثأر له ممن قتلوه؟ لقد ورثتُ شرف الأصل ومكارم الأخلاق عن آبائى وأسلافى، وهذا الشرف وهذه المكارم توجب علىَّ أن أتحدّى الموت ولا أعمل له أى حساب، فأنا ميت ميت إن عاجلاً أو آجلاً، فَلأُبادرْ بنفسى الموت إذن غير هياب. وهذا معنى قوله:
فكلٌ مكارم الأخلاق صارت إليــــــــــــه همــــــــــــــــتى وبه اكتسابى
فبَعْضَ اللوم عاذلتى، فإنى ستكفينى التجارب وانتسابى
..........................
أبعد الحارث الملك بن عمرو وبعد الخير حُجْرٍ ذى القباب
أُرَجّى من صروف الدهر لينا ولم تَغْفُل عن الصمّ الهضاب؟
وأعلم أننى عما قريب سأَنْشَبُ فى شَبَا ظُفُرٍ وناب
كما لاقى أبى حُجْرٌ وجدِّى ولا أنسى قتيلا بالكلاب
كذلك يلفت النظَرَ فى تحليل د. أبو ديب لهذه القصيدة وقوفُه عند اسم جدّ الشاعر ((الحارث)) محللاً إياه تحليلا لغويا للاستعانة به على تفسير القصيدة، إذ يقول: ((فالحارث يُشْتَقَ من الحرث، والحراثة رمز للجهد الإنسانى لإخضاع الطبيعة وتجاوز خضوع الإنسان لفاعلية الزمن المدمرة بتحويل الأرض إلى مصدر للغذاء يعطى القوت خارج الدورة الموسمية. وفى شق اسم الحارث بالصفة ((الــــمَلِك)) تكتسب هذه الصفة أهمية جذرية، إذ إن كونه مَلِكا خَلْقٌ لنمط وصل ذروة الإنجاز والتحقق، فهو يملك فعلا فى مقابل الشاعر الذى يركب فى اللُّهام الـــمَجْر من أجل أن يملك)) . وأحسب أن هذا إبعاد فى النُّجْعة فى بيداء الوهم، فـــــ ((الحارث)) هو اسم لجدّ الشاعر سمّاه به أبوه وليس اسماً خلعه عليه حفيده امرؤ القيس كى يضيف عليه هذا المعنى الذى ذكره الأستاذ الناقد. ونحن نعرف أن معانى أسماء الأعلام لا تنطبق عادة على أصحابها، وإلا لكان كلُّ مَن اسْمُه مثلا ((كريم)) أو ((شجاع)) أو ((أسد)) كريماً فعلا وشجاعاً ومهيباً جليلا، وهو ما لا يقول به أحد. بل إن عدم التطابق هذا هو أوضح ما يكون فى حالة الحارث بن عمرون فقد كان ملكا، والملوك لا تحرث ولا تزرع ولا تصنع لأنها لا تشتغل بأيديها. ثم أين كان الحارث بن عمرو وأين كان ملكه حين نظم امرؤ القيس هذه الأبيات؟ الواقع أنه كان قد هلك وهلك معه مُلْكه. أقول هذا لأن الأستاذ الباحث قد تكرر وقوفه على هذا النحو أمام أسماء الأعلام فى كل قصيدة حلَّلها حتى لو كانت أسماء مواضع، كما فعل مع اسم ((مَدافع الرَّيان)) (فى معلقة لبيد) و ((المِقْراة)) ، و((دارة جُلْجُل)) (فى معلقة امرىء القيس) مثلا: فهو يرى أن ((الريان)) يدل على الرىّ، مع أن ((مدافع الريان)) فى الواقع قد ((عُرِّى رسمها خَلَقا)) كما يقول لبيد، أى أنها جفّت وَدَرَسَتْ وانطمست معالمها. و ((المقراة)) مشتقة عنده من مادة ((ق ر ر))، التى تشير (كما يقول) إلى مكان يتجمع فيه الماء منسابا من أماكن أكثر علوّا، مع أن هذه الكلمة مشتقة فى الحقيقة ((ق ر ى)) لا ((ق ر ر)) كما هو ظاهر بيّن... إلخ . وكل هذا يؤكّد أن الأمر هنا جعجعة أكثر منه طِحْنا.
وبعد، فإن هذه الدراسات تدل على طول نَفَس فى الاستقصاء والتفصيل، والتفتيت والتجميع، والربط بين مفردات النصّ وأطرافه المتباعدة التى ليس بينها فى الحقيقة ارتباط. ولهذا السبب لا بدَّ للقارىء من التذرع لها بسعة البال والصبر على ما سوف يناله عند قراءتها من إرهاق شديد أثناء محاولته اللحاق بصاحبها فى خطواته الواسعة ذات الإيقاع السريع. كذلك كان من الأفضل لو أن د. أبو ديب قد ألغى الدوائر والمثلثات والسهام التى لا نخرج منها بشىء سوى أن الكاتب يتحذلق فى مواضع لا تصلح فيها الحذلقة وأنه يريد التغطية على فراغ كلامه من مضمون حقيقى. وهذه سمة أخرى من سمات النقد الجديد تجعله أشبه بأحجية السِّحْر.

إبراهيم عوض

رأيى فى كتاب كمال أبو ديب: "الرؤى المقنعة- نحو منهج بنيوى فى دراسة الشعر الجاهلى"
(الهلس النقدى على أصوله.
فى المقال رغم ذلك شىء غير قليل من التسامح مع ذلك الهلس النقدى)

===========================
الاتجاه البنيوى
أما الاتجاه النقدى الجديد الخامس الذى تجلَّى فى تناول النقاد العرب المحدثين للشعر العربى فهو الاتجاه البنيوى. والبنيوية، كما يقول أصحابها، لون من ألوان التمرد على الدراسات النقدية التقليدية القائمة على الحفظ والرصد التاريخى المستند إلى حياة الشاعر وأحداث عصره، إذ هى ترتبط بالنَصّ ولا تبتعد عنه ، كما تضع نصب عينها أن لكل جنس أدبى نظاماً خاصا يتم التوصل إليه من الأنساق الفردية المتحققة فى الأعمال الأدبية المختلفة، ثم الانطلاق منه بعد ذلك إلى النصوص الفردية من أجل دراستها فى ضوء علاقتها بالنسق العام . ومن هنا رأينا فلاديمير بروب يصل من خلال دراسته للقصة الخيالية إلى تصور بنية كلية عامة للقصة سماها ((القصة العمدة)) أو ((الأنموذج)) تتوفر فيها كل الاحتمالات البنائية للإحدى والثلاثين وظيفة التى استطاع استقراءها فى عشرات الحكايات . وتهتم البنيوية أيضاً بدراسة الأنماط التى يمكن أن يستشفها من يقرأ أى عمل أدبى أو يستمع إليه سواء أكانت أنماط أصوات تتكرر فى أماكن مختلفة من القصيدة أو أنماط معانٍ تتكرر فى شتى كلماتها. وهذه الأنماط من شأنها توحيد النّص وإبراز عناصر معينة فيه ، وإن كان هناك من يرى أنه إذا كان من السهل تطبيق المنهج البنيوى على فنون الأدب السردى مثل الأسطورة والرواية والمسرحية حيث يمكن تقسيم السياق السردى إلى عناصره كتتابع الأحداث والحبكة والشخصيات، فإن الأمر فى الشعر بخلاف ذلك، إذ ليس له مثل هذه العناصر . ولعل مما يثير الدهشة والاستغراب أن نتساءل: أليس فى النقد العربى القديم ما يومىء إلى أن أسلافنا قد تنبهوا إلى مفهوم البناء فى القصيدة الشعرية؟ والجواب هو أن هؤلاء الأسلاف قد لاحظوا أن الشعراء الجاهليين عادة ما يفتتحون قصائدهم بالوقوف على الأطلال والبكاء عندها جاعلين ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها بحثا عن الماء والكلإ، ثم ينتقلون من ذلك إلى النسيب وشكوى الوجد وألم الفراق بغية استمالة الأسماع والقلوب، إذ كان الحب والحديث عنه مما يُدْخِل البهجة على النفوس، فإذا استوثقوا أنهم قد ملكوا الأسماع والقلوب عقَّبوا بذكر ما يستوجب حقوقهم عند من يقصدون مدحهم فوصفوا رحلتهم ومشاقها، حتى إذا اطمأنوا أنهم مهَّدوا السبيل إلى قلوب من يمدحونهم دخلوا فى المديح وفضّلوهم على أشباههم وحرّكوا أَرْيَحِيّتهم... وهكذا. وعليهم خلال ذلك كلّه أن يَعْدِلوا بين هذه الأغراض فلا يغلّبوا قسماً فيها على حسابِ آخر ولا يطيلوا فيُمِلّوا أو يقصّروا فُيِخلّوا .
على أن الأمر لم يقتصر عند حدّ الملاحظة بل تعدّاه إلى أن جعلوا هذا البناء فَرْضاً على الشعراء المتأخرين فقالوا مثلاً إنه لا يصحّ لأحد من الشعراء أن يقف على منزلٍ عامر بدلاً من الأطلال، أو أن يذكر أن رحلته كانت على حمار أو بغل لا على ناقة أو بعير، أو أن المياه التى وردها أثناء تلك الرحلة كانت مياها عذبة جارية لا آجنة طامية... إلخ . كما اشترطوا أن يكون مطلع القصيدة من الجودة والوضوح وشدة الأسر وقوة الأثر بحيث يدفع الجمهور إلى التنبه والإصغاء، وأن يكون الخروج من موضوع إلى موضوع من الحذق والبراعة بحيث لا يشعر السامع به، وهو ما يسمونه ((حسن التخلص))، ثم أن ينال ختامُ القصيدة من عناية الشاعر ما يجعله لاصقاً بالذهن فلا يُنْسَى، وأطلقوا على ذلك ((حسن المقطع)) . والمقصود من كل ذلك أن يكون هناك لون من الوحدة يضم التنوع فى الموضوعات.
فهذا هو ناظم القصدية العربية (أو قل/ بناؤها أو بنيتها) عند نقادنا القدامى. صحيح أن هذه البنية لا تتحقق لكلّ القصائد بل لبضعها فقط، وأغلب ما يكون ذلك فى شعر المديح، بَيْد أنه ينبغى أيضاً ألا يفوتنا أن بنية الحكاية، كما استخلصها بروب، لا تتحقق فى كلّ الحكايات، فقد تتقلص وظائف إحدى الحكايات إلى اثنين فحسب، وقد تزيد حتى تتجاوز الثلاثين. وفوق ذلك فإنَّ نقادنا القدامى لم يكتفوا بأن يوردوا لنا بنية القصيدة العربية كما فعل بروب فى بنية الحكاية، بل عملوا على تفسيرها نفسيا واجتماعياً (أو قل: إنسانيا وقوميا)، إذ ذكروا مثلاً ميل النفوس إلى النسيب واضطرار القبائل العربية دائما إلى الارتحال بحثا عن الماء والكلإ فى مواقع جديدة.
ويُعَدّ د. كمال أبو ديب أحد أوائل الدراسين العرب الذين تناولوا الشعر العربى على أساس بنيوى، وذلك فى كتابه المسمى بــــــ ((الرؤى المقنَّعة- نحو منهج بنيوى فى دراسة الشعر الجاهلى))، الذى كان فى الأصل مقالات وأبحاثا نشرها فى أوقات ومجلات متفرقة ثم جمعها بعد ذلك بين دفَّتَىْ كتاب صدر عن ((الهيئة المصرية العامة للكتاب)) سنة 1986م. وهو يصف الاستمرار فى تناول الشعر الجاهلى على الأسس التى كان يرتكز عليها ابن قتيبة أو حتى د. طه حسين ود. شوقى ضيف بأنها ((من السذاجة بمكان)) . ومن ثم يعلن أنه سيستعين فى دراساته هذه بخمسة تيارات بحثية متميزة فى هذا القرن: وهى التحليل البنيوى للأسطورة، والتحليل التشكيلى للحكاية، ومناهج تحليل الأدب المتشكلة فى إطار معطيات التحليل اللغوى والدراسات اللسانية والسيميائية، والمنهج النابع من بعض المعطيات الأساسية فى الفكر الماركسى، وهو المنهج الذى يُوِلى عناية خاصة لاكتناه العلاقة بين بنية العمل الأدبى والبِنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، وكذلك تحليل عملية التأليف الشفهى فى الشعر السردى ودور الصيغة (formula) فى آلية الخلق، مع التصرف فى هذه المناهج حسب ظروف البحث .
وهو يؤكد أن هناك درجة كبيرة من الشبه بين بنية القصيدة وبنية الحكاية، فالقصيدة (مِثْلَ الحكاية) تتألف هى أيضاً من وظائف قد تصل إلى إحدى وعشرين، وقد تتقلص إلى وظيفتين ليس غير. إلا أنه يستدرك قائلاً إن ثمة فرقا جوهريا بين بنية القصيدة وبنية الحكاية يتمثل فى أن ترتيب الوظائف فى القصيدة متغير هو أيضاً كعددها، أما فى الحكاية فثابت لا يتغير . كما أنه، فيما ذكر لنا، قد لاحظ أن لكل وظيفة فى الشعر الجاهلى تقريباً (مثلما هو الحال فى الحكاية) نقيضاً يمثل تجاوزاً أو حلاً لها: فالتحريم يقابله الانتهاك، والإحساس بالنقص يقابله إشباع هذا النقص... وهكذا، وهو ما يسميه بــــــ ((الانتظام الثنائى الضدى)) .
ثم يقول إن ((التعميمات السائدة حول بنية القصيدة الجاهلية هى فى أساسها ذات طبيعة انطباعية لأنها تصدر عن قراءة لعدد محدود من القصائد)). وهذا العدد المحدود، حسبما قال، لا يصلح أن يكون ممثلا حقيقياً لهذا الشعر . وبعد قليل يضيف قائلا إنه قام بتحليل مائة وخمسين قصيدة جاهلية مكَّنته ((أن يميز تحت الخيوط المعنوية المتعددة (أى الموتيفات) والحركات الكثيرة المختلفة للخيوط المضمونية فى الشعر الجاهلى تيارين من التجارب الجذرية يشكلان ثنائية ضدية: التيار الأول تيار وحيد البعد يتدفق من الذات فى مسار لا يتغير مجسّدا انفجارا انفعاليا يكاد أن يكون لا زمنيا وخارجا عن السيطرة لا يُكْبَح، أما الثانى فهو تيار متعددة الأبعاد، أو هو بالأحرى نقطة التقاء ومصب لروافد متعددة، لتيارات تتفاعل وتتواشج، ويكتمل التبلور النهائى لهذا النمو فى سياق زمنى ويجسّد عملية خلق للفاعليات المعاكسة وتحقيق التوازن بين الأضداد فى الوعى)) . ويتجسد التيار الأول، كما يقول، فى سيطرة نبض واحد وحالة انفعالية مفردة، ويتحقق ذلك فى قصائد الهجاء والغزل والرثاء وبعض الخمريات... إلخ، على حيث يمثل النمط الثانى مستوى من التجربة أعمق فى دلالاته الوجودية من النمط الأول، حيث ((يتواشح الاحتفاء بالحياة ويلتحم مع إحساس مأسوى بحتمية الموت والطبيعة اللانهائية للحياة ذاتها)). وبرغم أن التيار الأول قد يتخذ بنية ذات شريحة واحدة أو بنية متعددة الشرائح فإن التيار الثانى لا يتشكل إلا فى بنية من النوع الأخير. وهو يرى أن أية قصيدة هجائية يمكن أن تمثل التيار الأول ذا البنية الوحيدة الشريحة، بينما تمثل عينية أبى ذؤيب الهذلى فى رثاء أولاده هذا التيار نفسه فى حالة البنية المتعددة الشرائح. أما التيار المتعدد الأبعاد فإن المثال الأكمل له فى نظره هو معلقة لبيد . ومع ذلك كله نرى الدكتور أبو ديب فى موضع آخر من كتابه الذى بين أيدينا يقول ما مُفَاده أن من المحتمل وجود أنماط بنيوية أخرى فى الشعر الجاهلى غير هذه الأنماط الثلاثة ، وذلك بالرغم من أن مفهوم البنية يقتضى العموم، إذ رأينا كيف يذكر بروب أن هناك بنية واحدة للحكاية الشعبية فى جميع أرجاء العالم، بينما بِنَى القصيدة الجاهلية وحدها قد بلغ عددها عند الدكتور أبو ديب ثلاثاً ولا يزال الباب مفتوحاً أمام بِنىً أُخرى. بل إنه يطلق على كل قصيدة يحلّلها اسماً خاصا بما قد يوحى على الأقل بأن لكل من هذه القصائد بنية خاصة بها لا تشاركها فيها غيرها: فمعلقة لبيد تُسَمَّى ((القصيدة المفتاح))، ومعلقة امرىء القيس ((القصيدة الشبقية))... وهكذا. وقد ذكر الأستاذ الباحث نفسه فى هذا الكتاب أن تجليات البنية فى الشعر الجاهلى من الكثرة بحيث ((تجعل الحديث عن بنية ثابتة للقصيدة الجاهلية عبثا يفتقر إلى أدنى شروط العلمية والمعرفة الشمولية)) . كما عاد إلى هذا المعنى فى موضع آخر من ذات الكتاب فأكد أن الدراسة التحليلية الإحصائية قد كشفت زيف الإيمان بأن للنص الجاهلى بنية ثابتة أو طاغية . صحيح أنه كان يردّ بذلك على ما قاله ابن قتيبة من وجود بناء ثابت للقصيدة العربية القديمة، لكن هذه الملاحظات هى من العمومية بحيث تندرج تحتها أية محاولة للوصول إلى بنية واحدة للقصيدة الجاهلية. ورغم ذلك كله فإننى أعدّ هذه النتيجة إحدى النتائج الإيجابية للبحث، إذ ليس البناء الفنىّ لأى جنس أدبىِ شيئا جامداً ثابتاً، بل هو صورة تتغير وتتطور مع الزمن كما هو مشاهد. يستوى فى هذا الشعرُ وفنُّ القصص والفنُّ المسرحى. وهذه فى الواقع ضربة مُصْمِيَة للاتجاه البنيوى فى النقد الأدبى. وممن؟ من واحد من أشهر دعاته! كذلك يرى الأستاذ الناقد أن ثمة احتمالاً لتشكيل المعلقات بنيةً واحدة تتمثل فيها الرؤية المركزية للثقافة فى استجابات مختلفة من نص إلى نص للأسئلة الأساسية فى الوجود الجاهلى . والمعروف أن الملعلقات تختلف فى موضوعاتها واهتماماتها، وهذا يصدق على كثير جداً من قصائد الجاهلية، فكيف يا ترى يمكن تصنيفها على حسب ما قاله؟ وثمة ملاحظة أخرى، وهى أن الأستاذ الدكتور قد ذكر فى بداية الكتاب، كما رأينا، أن للقصيدة الجاهلية وظائف مثلما للحكاية الشعبية وظائف، لكنه عند تحليل ما حلَّل من قصائد جاهلية لا يأتى بذكر لهذه الوظائف البتة بل يتحدث عن الوحدات التكوينية والحركات والجُمَل اللغوية وحُزَم العلاقات... إلخ، وهو ما يعنى أن الأمر لا يخرج عن حدود الكلام والادعاء.
ويكثر الأستاذ الباحث من ذكر ما تسميه البنيوية بـــــ ((الثنائيات الضدية)) ويحرص على إبرازها فى القصائد التى يحلّلها (كالموت والحياة، والجفاف والطراوة، والصمت والضجة... إلخ) معلقا عليها أهمية شديدة، إذ يرتكز عليها فى تفسير النص الشعرى . وأحياناً ما تستحق هذه الثنائيات ذلك الاهتمام الذى يوليه الناقد إياها، وأحياناً أخرى لا تستحق ذلك، ينما فى أحيان ثالثة نحسُّ أن الناقد يستنطق النصّ هذه الثنائيات كرها دون أن يكون لها وجود فيه. فمثلاً أين التضاد بين ((المحلّ)) و ((الـمُقَام)) أو بين ((الظباء)) و ((النعام)) أو بين ((النُّؤْى)) و ((الثمام)) أو بين ((الصُّلْب)) و ((السنام)) أو بين ((اللهو)) و ((النِّدام (أى المنادمة))) أو بين ((السُّنّة)) و ((الإمام)) فى الأبيات التالية من ملعلقة لبيد:
عَفَت الدياُر محلّها فمقامها بِمِنَى تأبَّدَ غَوْلُها فرجامها
فَعَلاَ فروع الأيهقان وأَطْفَلَتْ بالجهلتين ظباؤها ونَعَامُها
عَرِيَتْ وكان بها الجميع فأبكروا منها وغودر نُؤْيْها وثمامها
بِطليح أسفار تركن بقية منها فأحنق صلبها وسنامها
بل أنت لا تدرين كم من ليلةٍ طَلْقٍ لذيذ لهوها وِندامُها
من معشرٍ سَنّتْ لهم آباؤهم ولكل قوم سُنّةٌ وإمامها؟
ليس ذلك فحسب، بل إن العلاقة فى عدد من هذه الثنائيات هى، على العكس، علاقات تواؤم لا تضاد كما هو واضح. كما أن القصد من التضاد فى بعض الحالات الأخرى إنما هو إبراز الشمول كما فى قول الشاعر:
دِمَنٌ تجرَّم بعد عهد أنيسها حِجَجٌ خَلَوْن: حلالُها وحرامُها
ذلك أنه يريد أن يقول إن أعواماً كاملة قد انقضت منذ ذلك الحين بأشهرها الحلال وأشهرها الحرام معاً. ومثل ذلك البيتُ التالى أيضاً:
من كل ساريةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ وعشيةٍ متجاوبٍ أرزامها
كذلك فإن التفرقة بين السباع من جهة والظباء وحمار الوحش من جهة أخرى على أساس أن الأولى تدمَّر وتقتل والأخرى تنشر الحياة وتجدّدها تبدو غير مقنعة، فالسباع هى أيضاً تنشر الحياة وتجدّدها. أليست تتزاوج وتتكاثر مثل الظباء وحمير الوحش سواء بسواء؟ وبالمثل يمكن النظر إلى العلاقة بين الأطلال فى بداية معلقة امرىء القيس والمطر والسيل فى نهايتها على نحو يخالف نظرة د. أبو ديب إليها، فهو يرى أن هناك ثنائية ضدية بين ((سكون الأطلال واندثارها)) و ((الحيوية الغامرة والجارفة فى عاصفة المطر والسيل)) ، وهى رؤية تُغْفِل أن السيل الذى تصفه أبيات الملك الضِّلِّيل إنما هو سيل جارف مهلك: فهو ((يَكُبّ على الإذقان دوح الكَنَهْبُل))، ويُنْزل العُصْم من قمم الجبال كل منزل، ويقتلع جذوع النخيل، ويهدم البيوت اللهم إلا ما كان مَشِيداً منها بجندل، فضلا عن إغراقه السباع. بل إن ثبيراً ذلك الجبل الشاهق الضخم يبدو فى عرانين وبله وكأنه ((كبيرُ أناسٍ فى بِجَادٍ مزمَّل))، أى شيخ ضعيف متهالك قد تلفّف فى بجاده من شدة القرّ، وهى صورة أبعد ما تكون عن الحيوية الغامرة. صحيح أن هناك بيتا يتحدث عن انطلاق مكاكىّ الجواء غِبَّ تهطال المطر تملأ الفضاء بصوتها العذب، لكن هذا البيت يبدو غريباً وسط صور الدمار التى خلَّفها السيل وراءه. ونفس الشىء ينطبق على ما يخلعه الأستاذ الناقد من ثنائية ضدية على فعل الأمر الذى يفتتح به امرؤ القيس معلقته: ((قِفا))، إذ يقول: ((تبدأ القصيدة الشبقية بفعل أمر فى صيغة المثَنى: ((قِفا))، ويقتحم هذا الأمر خيال المتلقى من الوهلة الأولى بثنائية ممثلة فى وجود صاحبين، وبتضاد يتمثل فى ((أنا فى مقابل الآخر))... إلخ)) . ذلك أن الثنائية الضدية حسب الأمثلة التى قدمها لنا فى دراساته التى بين أيدينا تقتضى أن يقترن التضاد بالتثنية فى شىء واحد لا أن يقع كل منها على شىء مختلف كما هو الحال هنا: فالتثنية فى هذا المثال متحققة (كما هو واضح من الكلام) فى الشخصين اللذين يتجه إليهما الشاعر بالخطاب، ومن ثم كان ينبغى أن يكون التضاد بينهما هما أيضاً لا بينهما من جهة وبين الشاعر من جهة أخرى. وهذا، بطبيعة الحال، إن كان ثمة تضاد بين الشاعر ورفيقيه، وهو ما لا وجود له، إذ الثلاثة يجمع بينهم البكاء من ذكرى الحبيب والمنزل. أى أننا لسنا بإزاء ((أنا فى مقابل الآخر)) بل بإزاء ((أنا مع الآخر)). وهكذا يتضح لنا تهافت الأفكار التى يطرحها د. أبو ديب.
والأن فلننتقل إلى أنواع البنية التى ذكرها الأستاذ الناقد للقصيدة الجاهلية. فمن ذلك ((البنية وحيدة الشريحة ذات التيار وحيد البعد))، وقد مثَّل لها ببائية امرىء القيس:
أرانا مُوضِعين لأَمْرِ غَيْبٍ ونُسْحَر بالطعام وبالشرابِ
وسرّ وصفها بأنها ((ذات تيار وحيد البعد)) أن الأستاذ الدكتور يرى أنها تدور كلها من أولها إلى آخرها على معنى حتمية الموت لا غير ، على عكس معلقة لبيد، التى ينتظمها تياران: تيار حتمية الموت، وتيار الانتصار على الموت . أما كونها ((وحيدة الشريحة)) فلأن الشاعر فيها لا يتحدث إلا عن وجودٍ واحدٍ لا غير هو وجوده هو، بخلاف ما عليه الوضع فى عينية أبى ذؤيب، التى تدور كلها من أولها لآخرها هى أيضاً على معنى حتمية الموت، لكنها تصوّر ذلك من خلال الحديث عن عدة وجودات تعرضت كلها للهلال: وهى أولاده، والحمار الوحشى، والثور الوحشى، والبَطَلان المتحاربان. أى أن لك وجود يمثل شريحة من الشرائح المشار إليها .
بَيْد أن القراءة الفاحصة للنصوص الشعرية التى أوردها الأستاذ الباحث قد تؤدى إلى نتائج مختلفة عما توصَّل هو إليه. فمثلا يمكن تفسير بائية امرىء القيس على أنها تحدٍّ للموت وعدم مبالاة به لا استسلامٌ عاجزٌ له، إذ يبدو لى أن عذل العاذلة المذكور فى القصيدة إنما هو من أجل استهداف الشاعر للأخطاء المــُبِيرة رغبة فى الانتقام لمقتل أبيه واسترداد ملكه الضائع، فهو يقول لها: إننى أعلم أننى أتقحّم غمرات الموت، ولكن ماذا أفعل وقد مات أبى ولا بد من الثأر له ممن قتلوه؟ لقد ورثتُ شرف الأصل ومكارم الأخلاق عن آبائى وأسلافى، وهذا الشرف وهذه المكارم توجب علىَّ أن أتحدّى الموت ولا أعمل له أى حساب، فأنا ميت ميت إن عاجلاً أو آجلاً، فَلأُبادرْ بنفسى الموت إذن غير هياب. وهذا معنى قوله:
فكلٌ مكارم الأخلاق صارت إليــــــــــــه همــــــــــــــــتى وبه اكتسابى
فبَعْضَ اللوم عاذلتى، فإنى ستكفينى التجارب وانتسابى
..........................
أبعد الحارث الملك بن عمرو وبعد الخير حُجْرٍ ذى القباب
أُرَجّى من صروف الدهر لينا ولم تَغْفُل عن الصمّ الهضاب؟
وأعلم أننى عما قريب سأَنْشَبُ فى شَبَا ظُفُرٍ وناب
كما لاقى أبى حُجْرٌ وجدِّى ولا أنسى قتيلا بالكلاب
كذلك يلفت النظَرَ فى تحليل د. أبو ديب لهذه القصيدة وقوفُه عند اسم جدّ الشاعر ((الحارث)) محللاً إياه تحليلا لغويا للاستعانة به على تفسير القصيدة، إذ يقول: ((فالحارث يُشْتَقَ من الحرث، والحراثة رمز للجهد الإنسانى لإخضاع الطبيعة وتجاوز خضوع الإنسان لفاعلية الزمن المدمرة بتحويل الأرض إلى مصدر للغذاء يعطى القوت خارج الدورة الموسمية. وفى شق اسم الحارث بالصفة ((الــــمَلِك)) تكتسب هذه الصفة أهمية جذرية، إذ إن كونه مَلِكا خَلْقٌ لنمط وصل ذروة الإنجاز والتحقق، فهو يملك فعلا فى مقابل الشاعر الذى يركب فى اللُّهام الـــمَجْر من أجل أن يملك)) . وأحسب أن هذا إبعاد فى النُّجْعة فى بيداء الوهم، فـــــ ((الحارث)) هو اسم لجدّ الشاعر سمّاه به أبوه وليس اسماً خلعه عليه حفيده امرؤ القيس كى يضيف عليه هذا المعنى الذى ذكره الأستاذ الناقد. ونحن نعرف أن معانى أسماء الأعلام لا تنطبق عادة على أصحابها، وإلا لكان كلُّ مَن اسْمُه مثلا ((كريم)) أو ((شجاع)) أو ((أسد)) كريماً فعلا وشجاعاً ومهيباً جليلا، وهو ما لا يقول به أحد. بل إن عدم التطابق هذا هو أوضح ما يكون فى حالة الحارث بن عمرون فقد كان ملكا، والملوك لا تحرث ولا تزرع ولا تصنع لأنها لا تشتغل بأيديها. ثم أين كان الحارث بن عمرو وأين كان ملكه حين نظم امرؤ القيس هذه الأبيات؟ الواقع أنه كان قد هلك وهلك معه مُلْكه. أقول هذا لأن الأستاذ الباحث قد تكرر وقوفه على هذا النحو أمام أسماء الأعلام فى كل قصيدة حلَّلها حتى لو كانت أسماء مواضع، كما فعل مع اسم ((مَدافع الرَّيان)) (فى معلقة لبيد) و ((المِقْراة)) ، و((دارة جُلْجُل)) (فى معلقة امرىء القيس) مثلا: فهو يرى أن ((الريان)) يدل على الرىّ، مع أن ((مدافع الريان)) فى الواقع قد ((عُرِّى رسمها خَلَقا)) كما يقول لبيد، أى أنها جفّت وَدَرَسَتْ وانطمست معالمها. و ((المقراة)) مشتقة عنده من مادة ((ق ر ر))، التى تشير (كما يقول) إلى مكان يتجمع فيه الماء منسابا من أماكن أكثر علوّا، مع أن هذه الكلمة مشتقة فى الحقيقة ((ق ر ى)) لا ((ق ر ر)) كما هو ظاهر بيّن... إلخ . وكل هذا يؤكّد أن الأمر هنا جعجعة أكثر منه طِحْنا.
وبعد، فإن هذه الدراسات تدل على طول نَفَس فى الاستقصاء والتفصيل، والتفتيت والتجميع، والربط بين مفردات النصّ وأطرافه المتباعدة التى ليس بينها فى الحقيقة ارتباط. ولهذا السبب لا بدَّ للقارىء من التذرع لها بسعة البال والصبر على ما سوف يناله عند قراءتها من إرهاق شديد أثناء محاولته اللحاق بصاحبها فى خطواته الواسعة ذات الإيقاع السريع. كذلك كان من الأفضل لو أن د. أبو ديب قد ألغى الدوائر والمثلثات والسهام التى لا نخرج منها بشىء سوى أن الكاتب يتحذلق فى مواضع لا تصلح فيها الحذلقة وأنه يريد التغطية على فراغ كلامه من مضمون حقيقى. وهذه سمة أخرى من سمات النقد الجديد تجعله أشبه بأحجية السِّحْر.
]]>
منتدى الدكتور إبراهيم عوض إبراهيم عوض https://wata.cc/forums/showthread.php?109663-%D8%B1%D8%A3%D9%8A%D9%89-%D9%81%D9%89-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%AF%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D9%86%D8%B9%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%89-%D9%81%D9%89-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%89