الأخ الفاضل عبدالوهاب موسى:
سلامي إليك و إلى المحترمين محمد خطاب سويدان ,سعيد نويضي و جعفر الوردي و محمد فتحي الحريري..
دخلتُ إلى هذا الموضوع صُدفة (الرد على أحمق) و لما أثرتَ في معرض ردك قضية التصوف ,عَنَ لي أن أسألك ومعك كل ملم مُطلع
عن بعض المسائل المتعلقة بالتصوف و المتصوفة..و لما رددتَ مشكوراً طلبتَ مني أن أُبديَ وجهة نظري في ما أوردتَ و أوردَ باقي
المتدخلين و ألححتَ علي بالتأني و نبذ الحكم المتسرع.
كان من السهل علي أن أتهربَ من المشاركة بحجة عدم الأهلية العلمية , أو أن أنسحبَ بمبرر التحرج من مناقشة أمور دينية تتصلُ
بالغيب و العقيدة ,و أحيانا يختلط فيها الغيبي بالدنيوي مما لاطاقة لشخص مثلي غير راسخ في العلم أن يتناوله..و لكنني آثرتُ المشاركة
بما أومنُ به و أتبناهُ .
أومنُ بالله ذاتاً منزهة عن العيوب و النقائص,عن التناقض في الفعل أو القول, و أومنُ برسله و كتبه كما أنزلَها سبحانَه و تعالى و بملائكته,
و بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم,هداية و رحمة للعالمين.و يختلفُ إيماني بالقرآن (الذي صانه الله تعالى بحفظه) عن إيماني
بكل ما ينسَبُ إلى الرسول الكريم من أقوال , و ذلك قناعة مني بما زاد فيه المتزيدون من إضافات و وضع يبحثون به عن تعضيد لمصالحهم
و مذاهبهم و تخريجاتهم.فكم من (حديث) كنتُ أومنُ بصحته وجدتُ مَن يَطعنُ في درجة صحته بل مَن يُبطله كلياً ,و السبب كما أوضحوا لي
هو كثرة الفرق و الاحزاب و المذاهب كلٌ ينتصر لرأيه بحديث افتراه , حتى صرتُ أتهيبُ من كل حديث أشم في ثناياهُ رائحة صراع أو تحزب.
و قد ترسخَ في ذهني أن الإسلام دين اليسر و الوضوح و أن من يُريدُ أن يغالبَه سيفشلُ في مسعاه و لن يقدرَ أن يستوفيَهُ..و أن مقياس المفاضلة
بين العباد يوم القيامة هو العمل الصالح و النية الحسنة.كما ترسخ في ذهني أن الإيمان يسبقُ التفكير ,فقد دعانا الله سبحانه و تعالى إلى إعمال
العقل و لكن بعد شرط الإيمان ,فالعقل يدعم التصديق و إن هو سبقه فقد يكونُ باعثاً على الكفر.
سقتُ هذه المقدمة الطويلة و الخاصة لكي أجيبك على طلبك بخصوص تقييم آرائك و آراء المتدخلين الآخرين و أؤكدُ لكَ أنني أحاولُ
التريثَ ما أمكنني ذلك.
لقد عززتَ كلامكَ عن الصوفية بآيات من القرآن الكريم (مع ما في ذلك من احتمال الوقوع في التأويل وخصوصاً بالنسبة للمتشابه)و بالحديث
النبوي( مع أن الكثير منه موضوع)و أمثلُ لك ببعض الكلمات التي اوردتَها للبرهنة على وجود الأولياء مما قد أخالفُك الرأي بشانها كلفظة
-الولي-و التي قد تدل على مناصر أو تابع (أولياء الله) (أولياء الشيطان) و ليست بالضرورة دالة على رتبة تفضيلية بين المؤمنين..و منها
لفظة شيخ و لفظة الطريقة و العهد و الحضرة و الذكر و العلم اللدني.و في رأيي المتواضع أن حمولتها الدلالية لا تزيد على معناها المعجمي
الحرفي دون تعسف على معنى قد يكون أضيق من معناها الأصلي.
و قد استدللتَ على و جوب الولاية بالخضر و بمريم العذراء (و قد نُضيفُ أهلَ الكهف و صاحب سليمان الذي استحضرَ عرش بلقيس ..)
و لكن ألا نتساءلَ هل تكرر وجودُ مثل هؤلاء ؟ و هل تكرر كبش إبراهيم و عصا موسى و ناقة صالح عليهم السلام؟ أعتقدُ بكثير من الجزم
أن خلقهم استوجبته ظروفُ معينة لم تعد لها ضرورة بعد مبعث رسول الرحمة خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة و السلام الذي كانت رسالته
تتميما لكل ما جاء به الأنبياء السابقون عليه, فزالت الثغرات و استُكملَ الوحي.
أختلفُ معك سيدي الفاضل في نقطة أخرى و هي ضرورة اتخاذ شيخ يُهتدى به..و أرى أن الله قد فضل الناس بعضهم على بعض في الإيمان
و العمل ,و لكن ذلك ليس بمُتاح لنا أن نعرفَه فالنيات من اختصاص الخالق.و لذلك لا يجوز أن نتبركَ بإنسان حياً كان أو ميتاً.
و أخطأتَ في موضعين : أولا حينما أخذتَ على بعض الناس أنهم لا يُحكمونَ المنهج التجريبي في الأمور الدينية ,و هذا أمرٌ غيرُ صحيح ,إذ لا
يمكن لهذا المنهج أن يتناولَ مواضيعَ غيرَ مادية.و الثاني أنك جزمتَ بأن الصلاة في الأضرحة -كما يفعلُ كثيرٌ من العوام-ليست في مقبرة, و هذا
أمرٌ ثابثٌ لا يحتاج إلى برهنة أو كثرة كلام.
أعجبتني روحك الرياضية (قبل ان تنفعل) و تسامحك مع مختلف المذاهب و الديانات ..و لا تعتقد أخي أنني أحط من قيمة المكثرين من الذكر
و الصلاة و القيام و الدعاء..و لكنني أتحفض على بعض الامور التي لحقت الدين بدواع مختلف منها السياسي و التاريخي و الفكري المحض
من اختلاق و تحريف و مبالغة ..فكيف تريد مني أن أقدس رجلا وسخَ الثياب و المظهر و الإسلام يدعو إلى النظافة ؟ و كيف أطلبُ شيئاً من
مخلوق و أدعَ طلبَ الخالق ؟أما مسألة مارأيتَ من علامات و ما حصلَ لك و لابنكَ حفظه الله تعالىمن كل مكروه,فيصعبُ علي صراحة ان أصدقه
رغم أني لا أنفيه ,و هذه حكمة ربانية تتجلى في أن الجزاء بنوعيه مؤجلٌ و لو كان فورياً ما ارتكب أحدٌ ذنباً و لَتسابقَ الناس إلى فعل الخير
طمعاً في الجزاء الحسن السريع..
أعذرني أخي الكريم على الإطالة و الصراحة ,و إلى فرصة قريبة أخرى..
عيدك مبارك سعيد.
المفضلات