المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد شهر على مجزرة الكيماوي: الفضيحة في كتب التاريخ!/محمد منصور



نبيل الجلبي
22/09/2013, 11:56 AM
بعد شهر على مجزرة الكيماوي: الفضيحة في كتب التاريخ!

محمد منصور




بعد مرور شهر على مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق...انجلى دخان غاز السارين القاتل ليكشف عن أيدي القتلة.. وهدأت رياح الموت وهي تحمل معها الشهداء جماعات وفرادى... وذاب شعور الصدمة والذهول كأنه تلال من رغوة الصابون في نهاية حملة نظافة، أو قطعة من غزل البنات في فم طفل مولع بالسكر الأحمر!

بعد شهر على مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق... كان ثمة المزيد من الوقت لكي يحصي من شهدوا المجزرة من غاب من أحبتهم ومن بقي على قيد الحياة.. فارتفع عدد الشهداء في سجل من دأبوا على توثيق أرقام المجزرة... وارتفع عدد الأيتام الذين فقدوا آباءهم، وعدد الأسر التي فقدت أطفالها.

أما سوى ذلك فسيسجل التاريخ أغرب لوحة سوريالية مرت بها جريمة ضد الإنسانية في العصر الحديث، لوحة سيسخر التاريخ ممن يحاولون توثيقها في سجلاته، مشككاً ليس في صدقيتهم ونزاهتهم، بل في قدراتهم العقلية على نقل رواية عما حدث يمكن أن يقبلها أي منطق، أو يفهم عبثيتها أي سكير يهذي، أو حشاش يهلوس!

بعد شهر على مجزر الكيماوي في غوطتي دمشق التي حدثت أثناء وجود مفتشي الأمم المتحدة على بعد كيلومترات قليلة في إحدى فنادق دمشق، ومنع النظام دخولهم لخمسة أيام تالية، دون أن يوجه له أحد أي اتهام أو إنذار... ما زالت المنطقة محاصرة بالجوع والحواجز... ومن تبقى من ضحايا المجزرة مازالوا عرضة لقصف النظام. والأميركي أوباما ومعه ديفيد كاميرون البريطاني وفرانسوا هولاند الفرنسي، الذين توعدوا الأسد بضربة عقابية معتبرين أن هذه الجريمة لا يمكن أن تمر دون عقاب، جلسوا ينتظرون عودة المفتشين من دمشق حاملين معهم عينات تقريرهم الذي كان من الضروري أن يستغرق تحليلها أسابيع في مختبرات دول عدة... أما في مختبرات الإعلام، فقد ظهرت الخبيرة بثينة شعبان على شاشة سكاي نيوز الإنكليزية، لتتحدث عن إرهابيين خطفوا أطفالا (علويين) من ريف اللاذقية ونقلوهم إلى غوطة دمشق المحاصرة، ثم بخوهم بغاز السارين القاتل وصوروهم كي يتهموا النظام. أما أنصار النظام فقد وزعوا الحلوى احتفالا بخطف أولادهم وقتلهم بالكيماوي في واحدة من أغرب حالات الاحتفال الجماعي بتخلص الأقليات من فلذات أكبادهم، يساعدهم في ذلك النظام الذي لم يفك الحصار لإنقاذ من تبقى من الأطفال المختطفين، ولم يعلن أي نوع من أنواع الحداد الوطني كي لا يحرج القاتل والقتيل!

إنه (الاستفزاز) الذي طالما تحدث عنه لافروف، أي استفزاز المعارضة للنظام، بإطلاق الكيماوي على مناطق حاضنتها الشعبية... لكن هذا الاستفزاز لا يجب أن يدفع أحدا لاستباق ما سيقوله تقرير مفتشي الأمم المتحدة... وفي ظل ذلك سرعان ما خبا حماس أمريكا ومعها فرنسا وبريطانيا لتحقيق عدالة الخط الأحمر... فانكفئ كاميرون أمام تصويت مجلس العموم البريطاني ضد الضربة، وتأرجح هولاند في زحمة تصريحات تجس نبض الصقر الأمريكي الذي تمخض من تحته الجبل فولد فأراً، يحرك بارجاته الحربية إلى المتوسط ثم يرجئ التصويت في الكونغرس إلى أجل غير مسمى، متخلياً عن إمكانية اتخاذ الرئيس قرار الحرب دون الرجوع إلى الكونغرس.

في هذه الأثناء طار المعلم إلى موسكو، ليعلن من هناك عبر لافروف أن النظام السوري مستعد للتخلي عن ترسانة أسلحته الكيماوية، وما هي إلا دقائق حتى رحب كاميرون بالخطوة التاريخية الحكيمة، وفي جنيف وبعد أيام قليلة التقى وزير الخارجية الروسي لافروف مع نظيره الأميركي كيري كي يتوصلا إلى اتفاق نقل النظام من خانة مجرم يتوعدونه بالعقاب، إلى خانة مفاوض على تسليم ترسانة أسلحته الكيماوية، يضع جدولا زمنياً مطاطاً لتدمير الأسلحة، وكلفة مليارية لتنفيذ العملية، فيما تصريحات بشار وأسئلته عن استعداد أمريكا لدفع كلفة هذه المهمة وجلب مواد سامة لبلادها تزداد بلاهة وعتهاً، بما يتناسب مع تصنع العالم الغباء والبلاهة ذاتهما!

الرأي العام المناصر للسلام، الذي كان معارضاً للضربة العقابية ضد نظام استخدم الأسلحة الكيماوية لقتل ما يزيد عن (1700) شخص بينهم أكثر من (400) طفل، كان يرفع شعار (لا تكرروا أكذوبة العراق... قلتم إن لدى نظام صدام أسلحة دمار شامل.. ولكن بعد غزو العراق اكتشفنا أن الأمر ليس أكثر من خدعة مخابراتية) لكن هذا الشعار ظل ساري المفعول حتى بعد أن اعترف رأس النظام بشار الأسد أن هناك أسلحة كيماوية لديه، بل واعترف وزير خارجيته أنهم مستعدون لوقف انتاج هذه الأسلحة وليس التخلي عنها فقط.

لافروف الذي كان يردد دائماً أن علينا ألا نتسرع في الحكم على استخدام الكيماوي وهوية من استخدمه، وأن ننتظر تقرير مفتشي الأمم المتحدة، شكك بعد صدور التقرير الذي يؤكد استخدام الكيماوي ويشير إلى دلائل على تورط النظام في استخدامه... شكك في مصداقيته، ورغم أنه اتهم المعارضة بأنها هي من استخدمته، إلا أنه قاد اتفاقا لتجريد النظام (البريء من التهمة) من سلاح لا يعترف العراب الروسي أنه استخدمه البتة... وأكثر من ذلك، رفض أن ينص أي قرار على أن تحاكم "المعارضة" التي استخدمت الكيماوي أمام محكمة الجنايات الدولية..

وبعد إعلان النظام السوري بين ليلة وضحاها ما كان يرفضه طيلة عقود، ألا وهو الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية... استطاعت روسيا المشككة باستخدام النظام للكيماوي أصلاً، إخراج القرار في الأمم المتحدة خارج بند الفصل السابع الذي يهدد باستخدام القوة في حال لم يف النظام بتعهداته.. فيما صرح بوتين بعد أن أنجز مهمة السلام الروسية في وجه آلة الحرب الأمريكية بأنه لا يضمن أن يلتزم الأسد بتعهداته أصلاً.

ليس بوتين وحده هو من أطلق تصريحات ستدهش من سيقرأ تاريخ التعامل مع هذه المجزرة المروعة بعد عقود... بل أوباما وهولاند صرحا أيضاً تصريحات لا تقل غرابة وإثارة للسخرية: لولا التلويح بالضربة العسكرية لما اعترف النظام السوري بامتلاكه أسلحة كيماوية!

وماذا عن صور الضحايا؟! وماذا عن شهادات الناجين من المذبحة؟! وماذا عن عينات مفتشي الأمم المتحدة التي جلبوها معهم وتم تحليلها بعناية وتؤدة؟! وماذا عن الأدلة الاستخباراتية التي قلتم أنكم تمتلكونها؟! وماذا عن الفيديوهات التي نشرتموها أنتم وليس تنسيقيات الثورة؟!

هل هذا كله خيال؟! هل هذا كله وهم؟! هل هي مشاهد فبركتها شركة (أسد إز داك) الهوليوودية على صفحة الثورة الصينية؟! ووحده اعتراف النظام هو الذي أرشدكم إلى الحقيقة... فكان اعترافه هو النصر... وأدلتكم كذباً على أنفسكم وعلى الآخرين؟!

بعد شهر على المجزرة... مات شجر الكرز والمشمش والدراق في غوطة دمشق، كما مات مئات من أطفال الغوطة... أما العالم الذي أبدع على مدار شهر أغرب سيناريو لواقعة تاريخية يمكن أن يتخيله عقل بشري فلازال غارقاً في عاره وفي مجونه.

لكن زهر الغوطة سيتفتح من جديد... وسيبدع السوريون حياتهم برغم كل ما حاق بهم من ظلم وموت... فالثورة التي مازالت مشتعلة بعد عامين ونصف، لا يضيرها من خذلها ولا يغر أبناءها من نصرها... ستقول للتاريخ يوماً: أنها وحدها صححت هذا السيناريو العبثي الفاضح وأفهمت الجميع منطق الأحرار حين اختلت موازين العقل والعدل والحرية في العالم كله!

عن موقع أورينت نت