المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عطر النساء



الدكتور حسين فيلالي
29/12/2013, 05:19 PM
قصة قصيرة
حسين فيلالي
دخل أنت إلى مقهى الجمهورية، تحسس ورقة الألف دينار التي خبأها في سترته الداخلية. اتجه إلى طاولة فارغة، وبإشارة آمرة طلب النادل فأسرع مهرولا نحوه:
- نعم سيدي
امسح الطاولة.
أحس أنت أن في تصرفه شيء من الغلظة غير المعهودة، ولام نفسه لم ،لم يقل للنادل:
- من فضلك .
بدأت أصابع يديه ترتعش، وهي عادة تلازمه منذ صغره، فكلما أخطأ في حق أحد،أو توهم ذلك بدأت أصابعه في الارتعاش،واحمر وجهه، فيبادر على الفور إلى طلب الاعتذار، وقد يقبل الرأس،واليد إذا كان الشخص أكبر منه سنا.
خطف المنشفة من النادل، وراح يمسح الطاولة، وهو يتمتم بكلام يشبه الاستغفار، فاندهش النادل لفعله، و حاول أن يأخذ منه المنشفة، لكن أنت أصر على تنظيف الطاولة بنفسه. وفجأة وقف صاحب المقهى، نهر النادل، وتوعده جراء تقصيره، واعتذر لأنت.
حاول أنت أن يشرح موقفه، وأنه سعيد بما فعل، لكن الرجل تركه، واتجه إلى طاولت كانت تجلس بها غادة تمتشق دخان سيجارة،وتداعب بيدها اليسرى خصلات شعرها.
نهض أنت بعد أن طلب قهوة، وحلوى، دخل المرحاض، أخرج من تبانه الأوراق النقدية
التي كان قد وزعها على جيوبه العشر، عدها، تبسم حين تذكر الخياط وهو يمازحه:
- تبان بعشر جيوب، لا ،لا، هل تريد تهريب الحشيش؟
- أريد أن أحمي نفسي سيدي.
لم يفهم الخياط علاقة الجيوب العشر بحماية النفس،ولم يكن يهمه ،إن شئنا الحقيقة، سوى قبض ثمن عمله،لكنه مع ذلك ،ابتسم وقال:
سأجعل لتبانك جيوبا تتسع لتهريب عشرة خراف.
للتبان ذو العشر جيوب قصة، لن يسناها أنت ما دام حيا.
تقاضى أنت في ذلك اليوم مرتبه الشهري، فاقترح عليه أحد الزملاء أن يتاجرا في الملابس النسائية والعطور، وأخبره أنها تجارة مربحة، سافرا إلى وهران، دخلا دكانا بالمدينة الجديدة، بعد أن حدد أنت قائمة المشتريات من ملابس داخلية، وعطور للنساء.راح التاجر يعرض السلعة التي يطلبها أنت ويشرح جودتها، ومكان استيرادها، والمشاهير من الفنانين الذين يفضلونها حتى قاطعه أنت:
طيب،طيب.احزم البضاعة.
أجهد التاجر نفسه في جمعها، و ربطها ،أدخل أنت يده في جيبه لدفع ثمن البضاعة، فلم يجد شيئا، أحمر وجهه ثم اصفر، وقال بصوت مرتعش، سرقوني، سرقوني،التفت إلى زميله فلم يجده،خلع معطفه، فتش جيوبه، لا حظ التاجر علامة حمراء على ظهر المعطف، أدرك السر،وفك الشفرة: لقد بيع أنت كما تباع الخراف في السوق.
نظر التاجر إلى أنت من رأسه إلى قدميه، رق لحاله، أعطاه ثمن تذكرة العودة إلى بلدته ونصحه بالحيطة، والحذر.
عاد أنت إلى بيته ليلا مرهقا، فتح الباب، و دون أن يوقظ زوجته ألقى بنفسه على فراش
كان ملقى في زاوية من زوايا البيت، وراح يشخر كالمذبوح،و الكوابيس تتقاذفه.
رأى زوجته تحمل سكينا، وتذبحه من الوريد إلى الوريد، بدأ يصرخ، يصرخ، ولما استيقظ، وجد زوجته عند رأسه تمسك ورقة، خيلت إليه سكينا، اعتدل في فراشه، ولما يصحو من آثار الكوابيس، قالت، والغضب يتطاير من وجهها:
- لمن هذه الملابس الداخلية، وهذه العطور النسائية.
حاول أن يشرح لها الأمر، لكنها لم تتركه يكمل، فصفعت الباب حلفها وتركت البيت.

الحبيب ارزيق
29/12/2013, 06:22 PM
قصة قصيرة
حسين فيلالي
دخل أنت إلى مقهى الجمهورية، تحسس ورقة الألف دينار التي خبأها في سترته الداخلية. اتجه إلى طاولة فارغة، وبإشارة آمرة طلب النادل فأسرع مهرولا نحوه:
- نعم سيدي
امسح الطاولة.
أحس أنت أن في تصرفه شيء من الغلظة غير المعهودة، ولام نفسه لم ،لم يقل للنادل:
- من فضلك .
بدأت أصابع يديه ترتعش، وهي عادة تلازمه منذ صغره، فكلما أخطأ في حق أحد،أو توهم ذلك بدأت أصابعه في الارتعاش،واحمر وجهه، فيبادر على الفور إلى طلب الاعتذار، وقد يقبل الرأس،واليد إذا كان الشخص أكبر منه سنا.
خطف المنشفة من النادل، وراح يمسح الطاولة، وهو يتمتم بكلام يشبه الاستغفار، فاندهش النادل لفعله، و حاول أن يأخذ منه المنشفة، لكن أنت أصر على تنظيف الطاولة بنفسه. وفجأة وقف صاحب المقهى، نهر النادل، وتوعده جراء تقصيره، واعتذر لأنت.
حاول أنت أن يشرح موقفه، وأنه سعيد بما فعل، لكن الرجل تركه، واتجه إلى طاولت كانت تجلس بها غادة تمتشق دخان سيجارة،وتداعب بيدها اليسرى خصلات شعرها.
نهض أنت بعد أن طلب قهوة، وحلوى، دخل المرحاض، أخرج من تبانه الأوراق النقدية
التي كان قد وزعها على جيوبه العشر، عدها، تبسم حين تذكر الخياط وهو يمازحه:
- تبان بعشر جيوب، لا ،لا، هل تريد تهريب الحشيش؟
- أريد أن أحمي نفسي سيدي.
لم يفهم الخياط علاقة الجيوب العشر بحماية النفس،ولم يكن يهمه ،إن شئنا الحقيقة، سوى قبض ثمن عمله،لكنه مع ذلك ،ابتسم وقال:
سأجعل لتبانك جيوبا تتسع لتهريب عشرة خراف.
للتبان ذو العشر جيوب قصة، لن يسناها أنت ما دام حيا.
تقاضى أنت في ذلك اليوم مرتبه الشهري، فاقترح عليه أحد الزملاء أن يتاجرا في الملابس النسائية والعطور، وأخبره أنها تجارة مربحة، سافرا إلى وهران، دخلا دكانا بالمدينة الجديدة، بعد أن حدد أنت قائمة المشتريات من ملابس داخلية، وعطور للنساء.راح التاجر يعرض السلعة التي يطلبها أنت ويشرح جودتها، ومكان استيرادها، والمشاهير من الفنانين الذين يفضلونها حتى قاطعه أنت:
طيب،طيب.احزم البضاعة.
أجهد التاجر نفسه في جمعها، و ربطها ،أدخل أنت يده في جيبه لدفع ثمن البضاعة، فلم يجد شيئا، أحمر وجهه ثم اصفر، وقال بصوت مرتعش، سرقوني، سرقوني،التفت إلى زميله فلم يجده،خلع معطفه، فتش جيوبه، لا حظ التاجر علامة حمراء على ظهر المعطف، أدرك السر،وفك الشفرة: لقد بيع أنت كما تباع الخراف في السوق.
نظر التاجر إلى أنت من رأسه إلى قدميه، رق لحاله، أعطاه ثمن تذكرة العودة إلى بلدته ونصحه بالحيطة، والحذر.
عاد أنت إلى بيته ليلا مرهقا، فتح الباب، و دون أن يوقظ زوجته ألقى بنفسه على فراش
كان ملقى في زاوية من زوايا البيت، وراح يشخر كالمذبوح،و الكوابيس تتقاذفه.
رأى زوجته تحمل سكينا، وتذبحه من الوريد إلى الوريد، بدأ يصرخ، يصرخ، ولما استيقظ، وجد زوجته عند رأسه تمسك ورقة، خيلت إليه سكينا، اعتدل في فراشه، ولما يصحو من آثار الكوابيس، قالت، والغضب يتطاير من وجهها:
- لمن هذه الملابس الداخلية، وهذه العطور النسائية.
حاول أن يشرح لها الأمر، لكنها لم تتركه يكمل، فصفعت الباب حلفها وتركت البيت.

==
عندما يُنسب القص البهي للعارفين بحيثياته ،تفاصيله الدقيقة دهاليزه الغارقة، أدواته وأسراره، القصُّ المرفق بعنصر التشويق الذي لا يترك لحظة انفلات للقارئ قصد اشباع الفضول والاستمتاع الفاره ___فاعلم أن الأمر يتعلق بالقاص البارع الاستاذ الكبير الدكتور حسين فيلالي الذي جاءت قصته تحمل كثيرا من الدلالات في شكلها ومضمونها __ولا أقوى وقعا _على القارئ_ من عنوانها المثير للإعجاب "عطر النساء"الذي يوحي بمشروع روائي فارع
دمت فواحا بشذى عطائك الزكي أيها الماهر المحبوب.. مودتي ولا تنتهي

الدكتور حسين فيلالي
30/12/2013, 12:05 AM
الفاضل الأستاذ الناقد الحبيب ارزيق
السلام عليكم ورحمة الله،وبعـــد،سررت بقراءتك النقدية المتميزه.أخي الفاضل، لقد أطلقت علي أوصافا هي أكبر من كتاباتي المتواضعة. لك خالص ،خالص مودتي وتقديري
حسين فيلالي