المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الشعرور و النثرور



سعيد أبو نعسة
06/05/2007, 05:29 PM
بين الشعرور والنثرور

أبادر إلى القول : أنا لست ضد التجديد في الشعر.
ولا ضد التجديد في أي منحى من مناحي الحياة، فضلا عن الفنون الأدبية، ولكن المهم أن تجد شعرا في الشعر، عموديا كان أم حداثويا.
أين تكمن المصيبة؟
الرافضون للحداثة ولشعر التفعيلة ينعون هذا النمط من الشعر معنى ومبنى ويجرّدونه من مقوّمات وجوده حتى ولو كان زاخراً بالصور الزاهية ومعبّراً عن الفكرة ومحلّقا في أجواز الخيال الرائع.
وحاملو لواء التطوّر والتحديث يقرفون من رؤية الشعر العمودي فضلا عن قراءته حتى وأن كان يضاهي في جدّته وتقدميته شعر أبي تمام الذي كان يعتبر سابقا لعصره ومستشرفا المستقبل في ابتكاره الصور والاستعارات الموحية .
وكلا الفريقين جانَبَ الصّواب في مغالاته وتطرّفه.
فالشعر الشعر هو ما كان مكثفا و ضاجاً بالصور والخيال والعاطفة محبوكا بأسلوب شفاف رائق منساب على وقع موسيقاه الخارجية والداخلية، فإذا فقدت القصيدة واحداً من هذه الشروط صارت عرجاء شوهاء يمرّ بها القراء مرور الكرام ويصدفون عنها. لا فرق هنا إن التزم الشاعر بحور الخليل أم تفعيلة واحدة من تفعيلاتها. فكلنا طربنا لأشعار محمود درويش ونزار رغم خروجها على النظام العمودي الكلاسيكي أحيانا،كما طربنا لأشعار الجواهري وأحمد شوقي التي مخرت عباب بحور الشعر آيةً في الروعة والجمال.
ولكن كيف لا تصاب بالغثيان وأنت تقرأ قصيدة منثورة،لا مفضوحة ولا مستورة، أعلاها غامض وأسفلها جامد. قصيدة مطلّقة طلاقًا بائنًا من الشعر، خاصة وأن اسمها يوحي بهذا الطلاق: الشعر المنثور .
أو كما يحلو للأحرار تسميتها: الشعر الحرّ، وكأنهم يشيرون من طرف خفي إلى أن ما عدا هذا الشعر هو شعر عَبْدٌ … ( شعر العبودية و الأغلال ).
الشعر شعر والنثر نثر ولن يلتقيا.
في جلسة ضمّت لفيفًا من الشعراء والكتاب طُرح هذا الموضوع على بساط البحث وراح أحد الشعراء النثريين يُرغي ويُزبد مدافعًا عن قصيدة النثر وقدرتها على الانفلات من قيود الوزن والقافية والروي وتحليقها في سماء المعاني (وللعلم فهذا المثقّف قد زيّن المكتبة العربية بخمسة دواوين عصماء، لـم تُبع منها نسخة واحدة. ) وعندما أنهى مرافعته فاجأته بهذا الطلب: أسمعنا لو سمحت قصيدة مما جادت به قريحتك المعطاء.
فاخضرّ واحمرّ و(تَجَبْصن) وجهه وسط قهقهات الحاضرين وقال : ليس شرطا أن أحفظ شعري كي تُنَصّبني حضرتُك شاعراً.
صحيح أنّ موسيقى الشعر الخارجية والداخلية تلعب الدور الأبرز في جمال القصيدة والتّغنّي بأبياتها ولكن هذه الموسيقى لا تنتج الشعر وحدها فلا بد من توفر الشروط السابق ذكرها؛ و إلا جاز لصاحبنا النثرور ( المنافح عن قصيدة النثر ) أن يستهزئ بصديقنا الشعرور ( حامل لواء الشعر العمودي ) الذي – على ذمته – أدعى أنه ( طَزعَ ) خمسين بيتا من الشعر في سَفَر على متن حافلة عاملة على المازوت من مسقط رجله إلى بيروت ( واللي ما بدّو يصدّق يطق ويموت )
وأنا -على ذمّتي – أقول: إن الذي أغدق عليه لقب شاعر هو متآمر مأجور. كثير عليه لقب ناظم أو شعرور.
أحترم ذاك الشاعر الجاهلي الذي صرّح بأنّ معلّقته سلخت من عمره عاماً كاملاً حتى استأهلت أن تُعلّق على أستار الكعبة وحتى نطرب لها نحن الواقفين على أبواب القرن الواحد والعشرين.
أما شاعرنا المازوتيّ فحريٌّ بمجلس نوابنا الموقّر أن يستصدر بحقّه قانونا يلجمه عن قول الشعر رحمة بذائقة القراء واحتراما للأدب .
لأنّ الشعر بلا تعب قلة أدب.

معتصم الحارث الضوّي
06/05/2007, 05:36 PM
سيدي الفاضل الأستاذ سعيد
بورك قلمك الحر الذي وضع المبضع على الجرح الدامي ، و لعّله يستخرج من الجسم الشعري هذا الصديد الحداثي المتنامي .

مع فائق الاحترام و التقدير

سعيد أبو نعسة
06/05/2007, 05:52 PM
أخي العزيز معتصم الحارث الضوي
أشكرك على هذا التفاعل مع المقالة
دمت مبدعا