المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفصل الثاني من روايتي .. عندما تموت الملائكة .. صابرين الصباغ



صابرين الصباغ
07/05/2007, 04:11 AM
الطلقة الثانية ...
أعود للبيت ..
تقابلني أمي .. تفتح لي جعبة أذنيها لأملأها بما سمعت ورأيت بيومي الأول .
تبتسم وهي تسمع ما شاهدتُ - أنام فأهيم بعبق الطفولة الذي شممته هناك مع الزائر الجديد الذى قابلته في أول هبوط له بممر الدنيا ..
في الصباح ..
أدخل لأرتدي المعطف الأبيض الذي عشت عمري كله أحلم بإرتدائه كم كنتُ أجمع نسيجه خيطاً - خيطاً كل سنة دراسية تمنحني جزءً منه حتى وصلت إلى الثانوية العامة تلك الطامة الكبرى ليست عنق الزجاجة بل عنق ثعبان ابتلع كل طموحاتي ..
ألقى في أحد المعاهد ، كما قالت أمى ( شهادة والسلام ) ستتزوجين ولن تحتاجيها كأن العمر - قطار مجنون - والأيام – محطات يتيمة - لا يقف فيها قطاري بالكاد أعرف ملامحها وأذكرها ..
أستلم ورقة ، أعلقها على جدران بطالتي ، أنتظر أن تتغير فصولي ، أتنقل من عمل إلى عمل أحصل على راتب بالكاد يفي بعض مطالبي ، أعطي أمي بعضه تنفقه على دنيانا البخيلة ..
كنتُ أعمل بمحل لتأجير أفلام الفيديو ، أجلس طوال اليوم يدخل زبون يأخذ ما يريد ، يعقبه زبون آخر وهكذا ..
بين الوقت والآخر أقرأ عناوين الأفلام أحلم وأنا أرى الممثلات الجميلات أحلق عالياً لأسقط على صوت أحدهم يناديني ..
- مرحبا ..
- أريد أحدث فيلماً رومانسياً أو فيلم رعب ، أو فيلم ..
- فيلم عن ماذا ..؟
- أفلام ، ألا تفهمين ..؟ فيلم من نوع آخر ، أتعملين هنا منذ مدة ..؟
- كم راتبكِ ..؟
اندهشتُ من سؤاله ، خجلتُ أن أخبره ، فصَمتْ ، ضحك يذبح صمتي بقهقهاته القاسية أخبرني أنه يمتلك شركة استيراد وتصدير ، يرغب في أن أعمل لديه ، سيجزل لي العطاء ..
انتهى اليوم ..
أحمل فرحتي وهي سعيدة أهرع إلى البيت لألقيها في حِجْر أمي ، تتلقفها تنفض من حِجرها حزنها وهمها من عبء الحياة ..
- صباح الخير دكتور حسين ..
- صباح الخير ..أنت سميه ..؟ لم أقابلكِ أمس كان أول يوم لكِ بالمستشفى هل أخبروكِ عن نوع العمل هنا ..؟
- ممرضة ..
يضحك وهو يفتح فاهه أرعبني موت بعض أعضائه ، أتشاح الباقي منهم بالسواد .
قال : لا .. التي تعمل عندي بالمستشفى تعمل كل شيء ، علامات الإندهاش تكسو وجهي كجلده ..!!
- كل شيء ، ممرضة ، إدارية ، عاملة ، غسالة ، طباخة ، تنظف آبار ، تُصلح صنابير ، كل شيء - كل شيء ، إذهبي الآن إلى الدور الرابع ، هناك يعملن البنات ساعديهن ..
قلت في نفسي لعله يمزح ..
صعدتُ إلى الدور الرابع ، هذه أول مرة أبرح الدور الأرضي مررت بالأدوار .
لا صوت – لا ضجيج - سوى موسيقى ناعمة هادئة تنساب عبر سماعات بالأركان .
سرت كفراشة أحلق على صوت الموسيقى .
يسقطني من تحليقي رائحة غريبة بالدور الثالث سددت أنفي لكن يد الرائحة كانت تجذب يدي لأشمها عنوة ..!!
أسرعتُ في الصعود حتى لا تلحق بي تلك الرائحة ، تستعمر حواسي ..
الدور الرابع ..
تقيأ محتويات غرفه ضوضاء ، أسرة ، دواليب ، وسائد ، مراتب ، بقايا أدوات طبية هنا وهناك ، أسمع ضحكات تناديني لأدخل صوب الصوت.
- صباح الخير ..
- أنتِ الممرضة الجديدة ..؟
- نعم ..
ضحكن يغمزن لبعضهن ، لم أعرهن اهتماماً حتى يدركن أن ما يفعلنه لا يؤثر فيَّ .
يخلعن الثياب البيضاء ، يرتدين ثياباً ملوثة ملونة كأنهن عمال طلاء ..
- ماذا تفعلن ..؟
- رددن ألم يخبركِ دكتور حسين عن طبيعة العمل هنا ..؟
- وما الذي يجبركن على تحمل هذا ..؟
- نفس الذي أتى بكِ إلينا ..؟ دعكِ مما تقولين ، تعالي لتساعدينا .
خَلعتْ الحاجة الغلاف الأبيض الذي عشتُ أحلم به قذفته بعيداً ، بدأت أساعدهن في لصق ورق الحائط ، تذكرت صورة شهادتي ألصقت فوقها الورق زدت صمغ حزني وكآبتي .
ضاعت دهشتي ؛ هن يلصقن ورق ابتاسماتهن فوق حوائط وجهى ..!!
عدتُ لمنزلي ، أخفي عن أمي صديقاتى اللاتي أتين معي إلى البيت رغماً عني ..
استطعتُ ببعض المهارة ألا أجعل أمي ترَهُنَّ .
نهضتُ في الصباح وقد زال عني همهما أستعدت بعض قوتي .
ذهبتُ حيث الشقاء ، لم نكمل عملنا أمس استبدل ثيابي ، قلت :
الحمد لله .. فما رأيت هنا أفضل مما رأيته في نصف ساعة ، كانت ستستنفد قوة عمري كله .
- ها هو العنوان لا تنسي ، شركة رشيد للإستيراد و التصدير سأنتظرك يوم الخميس مساءاً ، لا تتأخري ..
أحمل العنوان ..
كأنه قارب نجاةٍ نراه أنا وعائلتي من بعيد ونحن يضربنا موج الحاجة - العوز ، ننادي على رُبانه أن ينتشلنا من الغرق ، أخيراً سمعنا وأتى لينقذنا..
أحتضن العنوان ، أرجو الأسبوع أن يُسرع بإرسال أحد أبنائه الذي أنتظره بشوق .
يأتي هادئاً كليلة صيف برغم شتاء انتظاري القارس .
أرتدي أجمل ما عندي ، أذهب إلى الموعد المنتظر ..
- مرحباً .. سميه .
- أراكِ تأخرتِ .
- كلا جئت منذ برهة ، كنتُ أبدل ثيابي لا ترتدي البالطو فالدور الرابع ينتظرنا ، كم أكره العمل بهذه المستشفى لكن ( المحتاجة غناقة ).
نصعد لنكمل ورق الحائط وبعدما انتهينا منه ، هممت بالإنصراف قالت إحداهن :
- إلى أين ..؟
- ألم ننتهي ..؟
ضَحكتْ بصراخ ، نعم لكننا لم ننتهي من تنظيف الغرفة ، سنمسح الأرضيات ، غداً ندهن النوافذ بالطلاء .
تصرخ أعضائى من التعب ، تنهار أمامي على أحد الكراسي لم أستطع إيقاظها ، الجميع يضحك ..
أجمع أعضائي المتفرقة داخل كيس جسدي ، أعود إلى البيت منهكة الكرامة ، مبعثرة الكبرياء ، تخيلت أن عملي كممرضة سيفي ببعض أحلامي القتيلة ..
تراني أمي ، تسرع إليَّ لتحمل جسدي الذي سيتفكك إلي قطع متناثرة تضعني على فراشي وهى تصرخ ..
- ما بكِ ..؟
- لاشيء .. العمل ..
- أيُ عمل ..؟ ما الذي تفعلينه هناك ليفعل بكِ هذا ..؟
تُصِرُ على أني لن أذهب إلى العمل مرة أخرى ، أناشدها بإنى سعيدة ..
لكنها ترى حالتي ترفض ، أصر على العمل لتوافق أن أعود للمستشفى ..
يموت قلبي الأخضر وهو يُغلف بورق حائط غامض – متوحش ، يمنعه من أن يتنفس ، تتغير ملامح الدنيا بعيني لتكون مرعبة جبارة لا كما رأيتها بعين شبابي .
كأننا خُلقنا لنشقى وخُلق غيرنا ليستعذب شقائنا .....

معتصم الحارث الضوّي
07/05/2007, 04:21 AM
أعيشُ على أعصابي مع معاناة سمية ، و أتمنى من الكاتبة الإشفاق بها رحمة لشبابها و تقديراً لعنائها . بورك قلمك النازف إبداعاً الصادح عذوبة المُترع صدقاً .

مع فائق التقدير

صابرين الصباغ
07/05/2007, 04:18 PM
أعيشُ على أعصابي مع معاناة سمية ، و أتمنى من الكاتبة الإشفاق بها رحمة لشبابها و تقديراً لعنائها . بورك قلمك النازف إبداعاً الصادح عذوبة المُترع صدقاً .

مع فائق التقدير

سامحني أخي معتصم إن أرهقتك بطلتي بمعاناتها
الست معي في ان كلما زاد الالم زاد الإبداع
بوركت أخا وصديقا ومبدعا
مودتي واحترامي لشخصك الكريم
:fl:

جمال عبد القادر الجلاصي
14/05/2007, 12:22 PM
المبدعةصابرين:
تكتبين بواقعية تترك غصّة في الحلق
ولكنّك تكتبين باحترافية تخطف الإعجاب

تقبلي مودتي
واحترامي لقلمك / المشرط

صابرين الصباغ
22/05/2007, 12:34 PM
المبدعةصابرين:
تكتبين بواقعية تترك غصّة في الحلق
ولكنّك تكتبين باحترافية تخطف الإعجاب

تقبلي مودتي
واحترامي لقلمك / المشرط

المبدع الكبير أخي جماال
سامحني على غصة لحقت بك لكننا
نمتلك محبرة هى من اكبر محابرنا
محبرة الالم فنكتب بها كم الوجع الذي نسترده من خارجنا فيتفاقم داخلنا وينفجر فوق الأوراق
شكرا لعذب مرورك
أما عن المشرط الذي اكتب به فقد سمعت هذا التعليق من شاعر وصحفي كبير بالقاهرة
أتمنى ان يصلح هذا المشرط وان يبتر بعض وجعنا
واعتذر لو سببت لك بعض الألم
مودتي واحترامي صديق الحرف والوجع

آداب عبد الهادي
27/05/2007, 05:54 PM
الاخت صابرين
جيد أخت صابرين، تكتبين بلغة شاعرية، وفقك الله .