المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حميد سباع وعالم المكفوف



حسين أحمد سليم
20/02/2014, 10:29 AM
حميد سباع وعالم المكفوف

بقلم: حسين أحمد سليم (آل الحاج يونس)

الكاتب والفنّان التّشكيلي الجزائري المعروف, الأستاذ حميد سباع, واضع ومبدع ومؤلّف كتاب "الفنّ التّشكيلي وعالم المكفوف" والباحث السّبّاق والطّليعي في مسألة "تطبيق تقنيّة براي على الفنّ التّشكيلي", إستطاع في نتاج باكورة أعماله الكتابيّة الفنّيّة, الممنهجة في مواضيع وأقسام وأبواب كتابه, الإهتمام المميّز واللافت بشريحة إنسانيّة تعيش بيننا في هذا العالم, وهي شريحة فاقدي نعمة البصر, أي المكفوفين أو الأكمهين... لجهة وضعها نصب عينيه تنظيرا وتفعيلا إجراء وتنفيذا, وهي إمكانيّة قراءة العمل التّشكيلي والخوض فيه وفعاليّة تطبيقه فعليّا, وذلك عن طريق معالم الحسّ وفعل اللمس عندهم...
وكان ذلك بصفة مشروع متكامل أخذ من وقت الكاتب الفنّان سباع الكثير من الإهتمام, وصولا طبيعيّا لإنجاز وتجسيد وتطبيق وتفعيل ما يخدم هذه الفكرة من جهة نظريّة, ويخدم هذه الشّريحة المكفوفة عمليّا من جهة أخرى, من خلال الإهتمام الفعلي والتّركيز التّطبيقي والتّواصل الحواري, تتويجا ونجاحا على إنجاز مجموعة من الأعمال الفنّيّة والتّجارب التّشكيليّة...
بحيث كان لا بدّ لخدمة هذا الهدف الإنساني الجليل, من إقدام الكاتب والفنّان التّشكيلي سباع على تنفيذ وإقامة العديد من المعارض الفنّيّة التّشكيليّة, الّتي تحمل في عديد لوحاتها التّشكيل التّجسيمي والتّكوين البارز, والإنجاز المبتكر بالأبعاد الثّلاثيّة, وبمقاييس مختلفة النّسب والتّطبيق, أفقيّا ورأسيّا, خاطب فيها ومن خلال تنويعاتها, عبر حاسّة التّحسّس والملمس والجسّ, وخاطب عقل وذوق المتلقّي العادي والمتكامل الكينونة... وعكست في تنويعاتها وتشكيلاتها, منحوتات تسطيحيّة فيها شيء من البروز التّشكيلي والتّجسيم, وضعها سباع بحضور فاعل بين أيادي أفراد الشّريحة الأكمهة والمكفوفة, تلك الشّريحة المخلوقة قدرا إلهيّا, والّتي لا تقلّ أنسنة وتقييما وقدرة على مدى وسعة وحضور مشاركتها الفاعلة بيننا, بممارسة كافّة تفاصيل حياتها اليوميّة بقبول حسن ونشاط مميّز ولافت, متابعة ومراقبة لما يُقدّمونه من جهود يبذلونها في شتّى المجالات, والّتي يفوق بعضها على ما يُقدّمه الإنسان العادي, وبما أثبتوه عمليّا وفعليّا وتطبيقيّا وميدانيّا, وبما لا يقبل الشّكّ, بمهارات مختلفة ومتنوّعةفي ميادين كثيرة وإختصاصات متنوّعة... وبمبادرة الكاتب والفنّان التّشكيلي الأستاذ حميد سباع, وبحكم فعاليّته الإبداعيّة وخبراته التّجاربيّة, أثبت بالتّنظير والتّطبيق, نجاح ما ذهب إليه في تجاربه العمليّة الفنّيّة التّشكيليّة, سواء على صعيد الحوارات واللقاءات مع أفراد هذه الشّريحة, أو تحليلا لردود أفعالهم الّتي عكست إندفاعهم بشجاعة لافتة, وتُحرّض الكثير من الفنّانين التّشكيليين على خوض مثل هذه التّجارب, ممّا يُشجّع الكثير ممّن حُرموا قدرا نعمة البصر, أن يُشاركوا بمواهبهم على إختلاف أنواعها, وسيّما الفنّيّة التّشكيليّة منها, وحركة العمل الجادّ بالتّجسيد والتّجسيم... إعتمادا على حركة النّقطة في رسم الخط الإفتراضي, فتكوين الشّكل البياني, فالتّجسيد النّسبي المقاسات, بما يستوفي حقّ التّحسّس والملمس لمساحات وحجوم الأشكال البارزة, كخطاب تشكيليّ فنّي للعموم والخصوص...
وهنا لا بدّ من رفع تحيّة تقدير وشكر وإعجاب للكاتب والفنّان التّشكيلي الجزائري على إلتفاتته هذه الّتي تعكس مدى ذكائه ونباهته وإهتمامه بأفراد هذه الشّريحة المكفوفة في المجتمع الإنساني, والّتي من حقّها الحياة كاملة وغير منقوصة في البيئة الحاضنة لها...
بدأ الكاتب والفنّان التّشكيلي الجزائري الأستاذ حميد سباع شروحات في تطبيق تقنيّة براي على الفنون التّشكيليّة, بشرح الجانب التّعريفي والجانب النّظري والجانب التّطبيقي, لمعنى تطبيق تقنيّة البراي على الفنّ التّشكيلي, وآفاق تطبيق هذه التّقنيّة, مبيّنا الجانب التّعريفي لحياة الإنسان, بمرحلة الطّفولة فالشّباب فالبلوغ... ثمّ ينتقل إلى تعريف المكفوف, أيّ الضّرير, فاقد حاسّة البصر والمسمّى بالأكمه, مُعرّفا بالكفيف منذ الولادة, والمكفوف إثر حادث طاريء وهو الأعمى... مُستعرضا العديد من المجالات الّتي خاضها المكفوف وبرع فيها وأبدع, بعرض بعض التّسميات مثل: أبو العلاء المعرّي وهو من كبار شعراء العرب, هوميروس وهو شاعر يوناني وصاحب ملحمة الإلياذة والأوذيسّة, بشّار بن برد وهو شاعر عراقي في العهد العبّاسي, الدّكتور طه حسين وهو أديب وكاتب عربي, الشّيخ إبن باز وهو كبار العلماء المسلمين, السّيّد مكّاوي وهو موسيقار ومغنّي ملتزم من مصر, هيلان كبلار وهي أديبة أمريكيّة, لويس براي وهو فرنسي مبدع كتابة براي, أشرف أرمغان وهو فنّان تشكيلي كردي مكفوف, جيراندين وهو فرنسي مبدع نظام الرّسم البارز في الإعلام الآلي...
وكانت للكاتب والفنّان التّشكيلي الجزائري الأستاذ حميد سباع لقاءات وحوارات عديدة مع مكفوفين وعميان, عرض لتجاربهم ووقائعهم... وإستعرض سباع في بحثه تعريف البراي والّتي هي تقنيّة الكتابة والقراءة المخصّصة للمكفوفين والّتي تعتمد على نقاط ستّ متوازية أفقيّا وعموديّا, وتقوم كتابة البراي على هذه النذقاط السّتّ الأساسيّة, والّتي منها تتشكّل جميع الأحرف والأرقام والرّموز, وتعود هذه التّقنيّة إلى المكفوف الفرنسي لويس براي المؤسّس الأوّل لها... ثمّ إنتقل سباع إلى تعريف اللوحة الزّيتيّة وشرح عناصرها, وألقى الأضواء على أساليب كيفيّة تحويل وترجمة اللوحة الزّيتيّة, لتكون في متناول فهم المكفوف لها... لينتقل تطبيقيّا إلى أسلوب دراسة مفاتيح اللمس, مشيرا لعدد منها وفق سماكاتها وبروزها بما يخدم المكفوف... وأعطى نموذجا تفصيليّا لكيفيّة تشكيل لوحة نحت بارز, وفق التّدرّج بمراحل عدّة وصولا لتنفيذ مثل هكذا لوحة...
وإستعرض سباع لرموز الإدراك الّتي تساعد المكفوف على إدراك حركة الطّبيعة ومناظرها المختلفة, وكذلك إدراك المناظر من خلال بعديّ المكان والزّمان, وصولا لتعيين مقاييس لوحة النّحت البارز ومواصفاتها للمكفوف... هذا ولم يغفل الكاتب والفنّان التّشكيلي الجزائري حميد سباع عن ذكر وشرح وتعريف وتوصيف الموادّ الّتي تساعد المكفوف على الرّسم والتّشكيل, وكيفيّة أسلوب وطريقة كتابة البراي على النّحت البارز... طارحا فكرة على قدر من الأهمّيّة لبرنامج ‘ملي لإدماج المكفوف في حركة الفنّ التّشكيلي, بالإعتماد على مراحل أوّليّة ونظريّة وتطبيقيّة, وصولا لتطبيقات أسلوب النّحت البارز والمستقلّ...
وأفرد سباع في نهاية بحثه عن الفنّ التّشكيلي للمكفوف بحثا محدودا عن أسلوب التّعبير في الفنّ التّشكيلي, كمدخل لأسلوب التّعبير للمكفوف أيضا في الفنّ التّشكيلي, وبالتّالي تعبير المكفوف ذاته في تنفيذ أساليب الفنّ التّشكيلي... متسائلا عن مدى النّجاح في عمليّات عرض الرّسومات التّجريديّة للمكفوف, مُبديا بعض التّرتيبات المساعدة لهذا المكفوف لإستيعاب نتاجات معيّنة من نماذج لوحات ومنحوتات الفنّ التّشكيلي لمدرسة التّجريد... وهو ما دفعه للبحث في محتويات ومقتنيا المتاحف الوطنيّة, وما تعرضه في ردهاتها من آثار ومنحوتات, باحثا في مدى الإستفادة منها من قبل المكفوف, إذا كانت مهيّأة لذلك... ليخلص سباع في خلاصة بحثه, إلى أنّ المكفوف إذا ما تهيّأت له وتوفّرت الشّروط المطلوبة, يستطيع أن يمارس الفنّ التّشكيلي, وإنتاج إبداعات معيّنة, ويستطيع أن يكون فنّانا متكاملا, إذا ما كانت الموهبة موجودة وإلى جانبها الإرادة والمستوى الواعي...