المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإبداع



حسين أحمد سليم
07/03/2014, 01:05 AM
الإبداع

بقلم: حسين أحمد سليم (آل الحاج يونس)
أديب وفنّان تشكيلي, باحث في تاريخ وفلسفة الفنون التّشكيليّة

عربي لبناني, من مواليد قرية النّبي رشادة البقاعيّة, نجمة هلال بلدات غربي مدينة الشّمس بعلبك.

يتجلّى الإبداع في البعد الآخر, الممتدّ المساحات في فضاءات اللانهائيات, وتتهالل ومضات الإبداع للرّؤى المتفكّرة في العقل المقلبن بالإبداع, فالإبداع غنائيّة فلسفة تجريديّة أو سورياليّة, وعزف ترانيميّ مموسق الدّندنات, تعبيرا رمزيّا عن كلاسّيكيّة أو إنطباعيّة للواقع... تتطايف تلك الرّؤى المتجلّية للوجدان الأرحب, أهلّة مشهديّات مختلفة ولوحات منوّعة, كقبسات قُدّت من جماليات ما...
تلك الأفكار الصّوريّة السّابحة في خيالات الوجدان, ربّما لم ولن ولا تحبل بها الطّبيعة الّتي تتماهى عنفوانا, وتتجسّد أمام أبصارنا الرّافلة لسحر جماليّاتها, وربّما لم ولن ولا تحملها في ظلمات رحمها الأوسع, لنجتهد تكهّنا على ذمّة التّوقّعات, بجنس ما تحمل الطّبيعة لنا من عجائب وغرائب, وربّما أيضا لم ولن ولا يأتها المخاض على عاداتها, لتنجب لنا مواليد السّحر والجمال, كما أنجبت غيرها من ومضات الجماليات السّاحرة...
فالإبداع حركة فعل إنبثاق سيّالات إشراقيّة, تتأتّى من رحم البعد المكنون في ذات الوعي الإنسانيّ, ليكون فعل واقع ما لم يكن ما قبل, وليوجد ملموسا ما لم ولن ولا يستطيع إيجاده الآخر, وكذلك ليتجسّد في كينونة ما, ربّما لم ولن ولا تستطيع الطّبيعة المتّسعة الأرحبة عبر كلّ الخوافق والإتّجاهات إيجاده...
ينبع فعل الإبداع من أعماق الوعي الباطنيّ, الهاجع في كينونة الإنسان, ذلك المخلوق المميّز عن غيره, الّذي أكرمه الله ببديع عظمة الصّنع... وينبثق هذا الإبداع من رحم كينونة الذّات البشريّة, الّتي أودعها الخالق في شفيف المكوّنات النّفسيّة الرّوحيّة لهذا الإنسان المعجزة... الإنسان المتوحّد مع وعيه, المتكامل مع ذاته, المتفاعل مع عقله ومع فكره, المبحر مرتحلا مع وجدانه, المتناغم مع أحاسيسه ومشاعره وخيالاته, المتموسق مع بيئته الشّاملة من حوله, بأبعادها الإنسانيّة والحياتيّة والإجتماعيّة والتّاريخيّة والزّمنيّة والجغرافيّة والرّوحيّة والإيمانيّة والعقائديّة والدّينيّة...
فالإنسان جسد مادّيّ, معجون من قبضة من التّراب, أو الحمأ المسنون, والإنسان كذلك روح أثيريّة شفيفة, قدّت من عظمة الرّوح الكلّيّة... وللجسد متطلّباته وقدراته, كما للرّوح طاقاتها وسياحاتها في الأبعاد... فالنّفس تنفعل وتتفاعل, وتمتزج وتتماذج وتنسجم أو لا تنسجم, والعقل يتفكّر ويتدبّر ويتدارك ويجتهد ويحلّل وينتقد, والقلب يتشاغف ويتوجّد ويتحسّس ويستشعر ويتهايم... فإذا ما تماذجت هذه العناصر جميعها, وتكاملت في كينونة صاحبها, تحوّلت إلى معان وتعابير وتراميز ومصطلحات ومدركات, تتجلّى في مشهديّات وصور ولوحات جماليّة, نتاج ذلك التّفاعل السّاحر, للعقل ظاهريّا وباطنيّا, ليتجلّى هذا العقل الإبداعي بتفاعل الإدراك والإحساس, وهي الطّاقة الكهرومغناطيسيّة الّتي تُحفّز الفنّان على الخلق والإبداع والإبتكار, تحقيقا وتجسيدا للذّات المنفعلة المدركة, حيث تتلاقى جميع الإنفاعالات والتّفاعلات, لتتلاقح على ذمّتها كلّ المدركات الحسّيّة والبصريّة, بحيث تكتسب قبسات من معاني جماليّة مستنبطة, تكمن وراء تحفيز الفنّان وتحريضه, تلك الدافعة له على الخلق والإبداع والإبتكار...
ومنبع الإبداع الفنّي لا يتأتّى من اللاشيء, ولا يبثق من الجفاف ومن صحاري مجدبة, ففاقد الشّيء أبدا لا يُعطيه... فمن دواحل كينونة الفنّان ينبع فعل الإبداع, بناءً على ما تكتنز به دواخله من قبسات من خلاصات أرحبة الطّبيعة, بحيث يستطيع الفنّان الثّريّ الخيال بالصّور الجماليّة في كوامنه, من أن يتفاعل ويُفعّل ما في جنباته, تطويرا مستداما لعقله الفنّي وتحويله إلى عقل إبداعيّ إبتكاريّ... ولا تتمّ هذه العمليّة المعقّدة,إلاّ بتوظيف العقل وإعداده الإعداد اللازم, ليكون منبعا للإبداع والخلق, ومصدرا للقيم الجماليّة, وذلك إقتباسا ممّا في ذاكرته الباطنيّة, ونقلا عمّا يتلمّسه ممّا يتراءى حوله في حركة تواصله الدّيناميّة, ومن معالم حركات تفاعله مع مشهديّات الطّبيعة الرّحبة, ومن خلال تفكّره برؤاه الصّادقة, لعظمة ما في هذا الكون العظيم, المتجلّي بعظمة بدائع صنع موجده...
حركة فعل الإبداع لا بدّ تحدث من خلال قدرات الفنّان الإبداعيّة, ومدى إمتلاكه لعناصر هذا الإبداع ومقوّماته... بحيث يمكن للفنّان لأن يصل لممارسة فعل التّوازن, الّذي يُمكّنه من إحداث الخلق المميّز والإبداع الإبتكاري اللافت, ولا يتأتّى الإبداع للفنّان بسهولة إلاّ إذا إرتحل مستغرقا في مسارات وأبعاد العمليّة الإبداعيّة, واضعا نصب إجتهاداته الفنّيّة تحقيق الإبداع الفنّي, وهو ما يتحقّق حكما عندما يكون هذا الفنّان في أفق المساحة الإبداعيّة, فيندفع من حيث لا يدري أو يدري, ليقوم بكلّ حيثيات الإجراءات التّنفيذيّة, الّتي تضمن ولادة الإبداع من رحم الخيال الوجداني المجتهد, لتجسيد حركات أفعال التّشكيل الفنّي المستدام التّنامي والمستمرّ...
جميع إجراءات الجانب الإدائي والتّنفيذي, لتحقيق فعل الإبداع عند الفنّان, يجب أن تتماشى وتتواكب وتتوافق مع حالات نظريّات الإداء الإجتهادي الإفتراضي, لتشتمل فعليّا على كافّة مكوّنات العمليّات العقليّة والفكريّة, المتضافرة من أجل الإبداع الفنّي, وهي حالة ليست بالسّهلة وليست بالصّعبة في آن, بل تتطلّب قدرا كبيرا من الوعي والإدراك والإرادة, وتعتمد بشكل أساسيّ على الحزم بالقصد والجرأة, والإلتزام الهادف برؤى البعد, والتّمتّع بالحرّيّة الكافية للبوح, وممارسات التّدريب والتّجريب, والسّعي في تحديث وصقل الموهبة الفنّيّة, بالإكتساب المستمر والتنمية المستدامة...