المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناجاة الضّوء



حسين أحمد سليم
07/03/2014, 01:24 AM
مناجاة الضّوء

بقلم: حسين أحمد سليم (آل الحاج يونس)
أديب وفنّان تشكيلي, باحث في تاريخ وفلسفة الفنون التّشكيليّة

عربي لبناني, من مواليد قرية النّبي رشادة البقاعيّة, نجمة هلال بلدات غربي مدينة الشّمس بعلبك

أناجي الرّؤى إفتراضيّا في البعد الآخر, أعقلن القلب وأقلبن العقل, فتهرب الرّؤى خياليّا إلى الوجدان, تتسلّل في سيّالات شفيفة إلى البصر, ترتحل في مجاهل كينونتي قدرا آخر, باحثة في كوامني عن خلجة حانية ما, عن جرّة وتر أحاديّ على وتر آخر, وعن إرتعاشة إحساس, يحملني على صهواته إلى عوالم أخرى, عفقات مموسقة تنساب عبر الشّرايين, ترود شعيرات الأنامل, تتجلّى حركة الإبداع في البصمات, وتنفرد مع الدّفء في أطراف الأصابع, تقاسيم الوجد بالتّرانيم, تحملني الرّؤى على صهواتها الإنسيابيّة, تسبح بي بين أمواج البحار اللامتناهية, ترسم لي تشكيلا فنّيّا ومضات الغد الآتي, فأطفو على وجه الحياة, أبحث عن عبق الحبّ وطيب العشق, بمودّة من الله ورحمة, يعمر بها صدري بذكر الله, فتطمئنّ نفسي بقبسات من الإيمان...
رؤاي تحملني على صهواتها الشّفيفة, من حيث لا أدري, وقد لم ولن ولا أدري, تُشرّع اللحظة الخاطفة البارقة صدرها, تختطفني من هجعة ضجعتي, تتغلغل بي حيث الحلم الورديّ يساورني, وحيث الأمل المأمول يناجيني, فأغوص مسافرا مرتحلا في مسارات أخرى, حيث تستنزفني الأشياء, وحيث أستنزف رحيق الأشياء...
هناك, عند قدري الّذي شاءه الله لي, أجلس خاشعا متهجّدا, أقرأ أسرار الحياة في ضفائر حبيبتي, وأنمنم قصائد الحبّ الأقدس ونثائر العشق الأطهر, تلك القصائد والنّثائر المنسيّة في كنه البعد, تلامسها عيناي الرّافلتان الدّامعتان, لبدائع صنع الله من الجمال الأنثويّ, فتولد من رحم الإفتتان والإغواء, محارفي وكلماتي وخواطري, جداول من قصائد ونثائر, تنتعش بالحبّ, وترتعش بالعشق, على ذمّة المودّة والرّحمة, فتنتشي كلّ الأسرار في مخابئها, وتنتعش كلّ أطيار الحياة, تولد وتتعملق من الجمر تحت الرّماد, تحيي الزّمن بزيت القداسة, رافعة قامات حوريّات الأساطير, تتماهى سنابل حبّ وعشق على ناصيات الأمل, الممتدّة في ساحات المدى اللامتناهي...
أتجلّى عروج رفعة وسموّ للعلا في رحاب الله, أرتحل في هدأة النّفس وسكينة الرّوح, أرود روحا تلك الفراديس الإلهيّة الموشّاة باللينوفار المقدّس, أقمّش حبيبتي بسيّالات الضّوء الفضّيّة, ينساب الضّوء جذلا هائما, يوشّي طيف حبيبتي بديثار من الجمال, أهدهد الضّوء, أحاول الإمساك بومضاته, يتطايف الضّوء في شكيرته, يتجلّى قوس الله في البعد, تتموسق كلّ الأشياء من حولي, وأفتّش عن سيّالات الضّوء وترانيم الصّوت, باحثا مُنقّبا في شاسع المسافات...
حيث حبيبتي, ألتصق بها, بدفء أصابعي الحانية, أعتصر الحنان من أنوثتها, أخاطرها وتخاطرني صمتا شفيفا في الحوار, جرأة بوح صامت بيننا, تنعشه ومضات الأبصار, نغسل معا مساحات الكلام, دندنة قلبان على إيقاعات الحياة, تتشاغف في الوجدان, توصيف سمات الحبّ والعشق, لتشكيل الرّؤى, فنونا من الرّسم الحروفيّ والمحارف البصريّة, بيراع حاني الدّفء, مداده الأسود والأحمر والأزرق والأخضر والأصفر, حركة فعل إشراقات طيف الشّبح الأسطورة, يتعملق من إنسيابات أمواج البحار, ينطق حدس جرأة بوح بالحقيقة, ويسافر في المطلق, يمسح قدرا عصب الضّنى بخلاصة زيت الأسرار, يسأل حامل الأمانة من صاحب الأمانة عن الأمانة...
الصّمت حكمة تعقّل وليس غفلة, السّكوت قرار تفكّر وليس خوفا, تكتنز النّفس بوعي الوعي الباطنيّ, وتُثرى بعرفان العرفان الذّاتيّ, فتعرف أسرار الأسرار, الّتي يجهلها الكبار والصّغار, تلك المحمولة بين الجوارح والجوانح, تهمي على الرّؤى الوجدانيّة, تقاسيم ومض الضّوء, المنبثق من كوكبة الخيط الفضّيّ, المغسول بنور شموع الأقدار, الله ذلك النّور, النّور المتلأليء بتواشيح التّراتيل والتّجاويد, حيث العاشق لمعشوقته, يصنع وشاحا من أطياف الحرير, ينسدل الوشاح ذات يوم على صدر الزّمان, يتفيّأ العاشق والمعشوق في تلك الرّحاب, حيث يتجوهر صدى الوجد, المتماوج بين الحبّ والعشق في ظلال الرّحمة والمودّة...
هناك, حيث ينتظرني طائر الحياة, ليولد من تحت الرّماد مُجدّدا, أزرع رؤى الأسرار في صدر حبيبتي, وأبذر حبوب القمح في ساحات الرّؤى, مفروقة بعطر البذل وطيب العطاء...
مهلا حبيبتي, مسافر أنا في البعد, مرتحل في المدى, زادي الشّوق إليكِ, ونبل الحسّ نحوكِ, يحدوني الخيال في البعد, وأظمأ على أرصفة الإنتظار... أنتظر أشرعة الحبّ والعشق, تكتنز بالمودّة والرّحمة, تتهادى فوق إنسيابات الأمواج القدريّة, تتلألأ فوق سدم الأزمنة الرّماديّة... أنا العاشق والمعشوق في آن, أنا الفنّان التّشكيليّ السّعيد, أنا كاتب الخواطر الفريد, المبدع المبنكر المتجدّد المستدات التّحديث, أخاطب حبيبتي القدريّة, بلغة الضّوء الفضّيّ, يصافح الرّوح والنّفس والقلب والبصر والبصيرة والوجدان والعقل, يمتطي أشرعة الإرتحال على صهوات عاديات الزّمان, الضّابحة فوق مرايا إمتدادات المكان, أرقب كلّ الأشياء, أجيل الطّرف بكلّ ما حولي ومن حولي, وأما أتشبّث في مكاني على قمّة العنفوان والكبرياء والشّمم, زجاج مملكتي لم ولن ولا يصيبه حجر, ولم ولن ولا ينكسر من رشقات الحجارة, كنت وأبقى وسأبقى, صادق الوعد واعد العهد حافظ القسم, وفيّا مخلصا, دائم الإنتظار لحبيبتي... كما تنتظرني حبيبتي, وعدا وعهدا وقسما, ووفاء وإخلاص...