المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جميل قاسم



حسين أحمد سليم
14/03/2014, 09:44 PM
جميل قاسم
ونقد الطّائفيّة

بقلم: حسين أحمد سليم (آل الحاج يونس)
كاتب ناقد وفنّان تشكيلي باحث ومتجدّد, مؤمن ومسلم عربي ثوري, من إمتدادات إهراءات بقاع لبنان الشمالي, قرية النّبي رشادة, نجمة هلال بلدات غربي مدينة الشّمس, بعلبك.

الباحث الأكّاديمي الجامعي العربي اللبناني الدّكتور جميل قاسم, أستاز الفلسفة والجماليات في الجامعة اللبنانيّة, كعادته البحثويّة الّتي دأب عليها في مساعي وضع أبحاثه المتتابعة والمتلاحقة دوريّا, لنقد معالم ومطاوي الفكر السّياسي الشّائع, إضافة لدراساته الإجتهاديّة المتتالية الّتي تتمحور في جُلّها حول نقد الفكر التّديّني الطّائفي, المحلّي والعربي والإقليمي... أتت عناوين مقالاته المتعدّدة الأبحاث في كتابه " نقد الطّائفيّة ", بكافّة مضامينها التّوصيفيّة والتّحليليّة والمحصّلاتيّة, والّتي كتبها الدّكتور جميل قاسم بفترات زمنيّة متقاربة, لحقبة تاريخيّة مجتمعيّة محدودة, وحسب عناصر محتوياتها, يجمع بينها في عزف منفرد على وتر منظومة إيقاعيّة واحدة, تتمركز حول الأنا السّياسيّة الطّائفيّة الذّاتيّة, القائمة على التّمحور والتّطابق والتّمركز والهويّة, تنتظم جميعها بخيط فكريّ فلسفيّ تشريحي تحليلي واحد, يعكس قناعات رؤى الباحث "قاسم" في مسألة تشريحيّة للفكر السّياسي الطّائفي, مبيّنا عيوب هذا الفكر الموروث من بقايا الأمس لأداء واقعي في نسائج الحاضر السّياسي الطّائفي تطلّعا لتشكيل شبحيّات الفكر السّياسي الطّائفي المستقبلي الإفتراضي, بارزا في أبحاثه هذه نقاط وهنه وعناصر ضعفه, ناقدا مصادره ومنطلقاته ومساراته وأهدافه, مقترحا بدائله في معالجات موضوعيّة ومقترحات تطبيقيّة, متطلّعا لتجسيد رؤى حضاريّة متكاملة الإنسجاميّة في محاكاة لعصرنة وحداثة التّطوّر الفكري وإنفتاحه على مدى أفكار وثقافات الآخرين الحديثة, بتوافقيّة فكريّة سياسيّة طوائفيّة على أسس التّنامي المستدام مواكبة, تماشيا ومحاكاة لإقامة الجمهوريّة السّياسيّة الطّوائفيّة الأفضل...
اللافت أن الباحث إستخدم في سياقات مقالات أبحاثه المتعدّدة, الكثير من الكلمات الإصطلاحيّة السّياسيّة, والتّعابير المستحدثة في فلسفات علم الإجتماع السّياسي, إضافة لترميزات شتّى, يختصر فيها الكثير من الشّروحات والإبحار في التّفاصيل... ويُلخّص الدّكتور جميل قاسم الباحث الأكّاديمي اللبناني كتابه الموسوم تحت عنوان "نقد الطّائفيّة" الّذي يقع في 228 صفحة من القطع الوسط, الصّادر عن دار الأنوار الّتي يمتلكها, مختصرا فلسفة رؤاه الّتي تتراءى له في آفاق تحليلاته وتشريحاته, في قوله الذّكيّ الجامع, "المال السّياسي في ما مضى كان في خدمة الطّائفة فيما أصبحت الطّائفة (والحجر والبشر) حاليّا في خدمة المال السّياسي"...
يجتهد قاسم في لعبته الفلسفيّة التّشريحيّة ليُميّز في تفسيراته وشروحاته بين مصطلحيّ "الطّوائفيّة" و "الطّائفيّة", مُوضّحا في جدليّته أنّ الطّوائفيّة هي تعدّديّة حركة إجتماعيّة في نمط فعل إنفتاحيّة بمعايير تحديثيّة تجدّديّة الإختلاف متكاملة متفاعلة مع الآخرين... فيما الطّائفيّة نقيض الطّوائفيّة وتسعى لإلغائها في حركة فعل تمركزها السّياسي الذّاتيّ... كما يرى قاسم في منظور وجدانه التّفكّري التّشريحي, أنّ الفرق شاسع بين الممارسات الطّوائفيّة السّياسيّة والممارسات الطّائفيّة السّياسيّة, وهو الوجه الّذي يبرز معالم الإختلاف والفروقات بين واقع وممارسات مجتمعين مدنيّين, بحيث تتجلّى الحالات الإنفتاحيّة التّجدّديّة في البيئة الطّوائفيّة السّياسيّة, وتتجسّد الحالات الإنغلاقيّة التّجمّديّة في البيئة الطّائفيّة السّياسيّة...
إلى هذا, يؤكّد قاسم في مقدّمة كتابه " نقد الطّائفيّة " أنّ "الطّائفيّة متأتّية عن نهضة لن تتم, نهضة ناقصة أدخلتنا في خداثة ناكصة ثنائيّة الطّابع", ليستطرد في توضيحاته الملحقة بكلّ رؤيا فلسفيّة, أنّ ثنائيّة الطّائفيّة تتمثّل في "إستعادة المؤتلف التّراثي وإستعادة المختلف الكوني, بصيغة التّراثي مع الذّات والآخر"...
بدأ قاسم كتابه "نقد الطّائفيّة" بمقدّمة وصّف فيها الطّائفيّة في بلادنا, وأثرها الإجتماعي, كمنظومة إيديولوجيّة تقوم على فلسفة محدوديّة الإنسان الجماعويّة, فيما الطّوائفيّة هي ظاهرة سوسيولوجيّة طبيعيّة... لينتقل الباحث قاسم بعد توطئة عامّة حول الطّائفية، إلى تحليل "تاريخانيّة الطّائفة" موضّحا أنّ المعالم الأولى للإمارة اللبنانيّة، على عكس ما يسود في الأدبيّات السّياسيّة والتّاريخيّة، قامت تاريخيّا على الإقطاعيّة والعشائريّة والعائليّة لا على الطّائفيّة... مستعرضا في هذا المقال من كتابه "نقد الطّائفيّة" حالات التّطوّر التّاريخي للطّائفيّة من النّظام الإقطاعي العشائري القبلي من العام الميلادي 1516 وحتّى العام 1842 الميلادي، وصولا إلى وقائع الفتنتين الطّائفيّتين بين العامين الميلاديّين 1842 و 1845، مرورا بالثّورة الإجتماعيّة لطانيوس شاهين في العام الميلادي 1858, وإنتقال لبنان إلى نظام المتصرّفيّة, كحركة فعل إقليم عثماني يتمتّع بالحكم الذّاتي, وذلك قبل همروجة الإستقلال في العام الميلادي 1943 وصولا إلى ما يسمّى بدستور الطّائف...
تحت عنوان " الطّائفيّة: محنة وطن" يلقي قاسم الأضواء على المآسي الّتي مرّ لبنان تحت نوئها من جرّاء الإقتتال الطّائفي في السّبعينات من القرن السّالف وخاصّة في العاصمة بيروت الّتي دمّرتها الطّائفيّة... ثمّ ينتقل المؤلّف إلى فلسفة المواطنيّة وسيكولوجيّة الطّائفة, متحدّثا عن المواطنيّة الّتي تعني بمعناها الدّلالي إنتماء المواطن إلى وطنه، مؤكّدا أنّها تقوم على أساس "الإرادة والمشيئة"...
ويأتي الكاتب جميل قاسم إلى "المسألة الطّائفيّة من منظور طائفي, ليقوم بمناقشتها وتحليلها, معتمدا على ما لدى المفكّر الرّاحل ياسين الحافظ الّذي رأى في نقده للحرب الطّائفيّة اللبنانيّة في العامين الميلاديّين 1975 و 1976, أنّ "الوعي الّذي قاد ونظّم هذه الحرب هو عينه الوعي الّذي يقدّم الحلول الخلاصيّة لها" وهكذا لدى رئيس إتّحاد الكتّاب اللبنانيّين سليمان تقيّ الدّين صاحب كتابيّ "المسألة الطّائفيّة" و "الخيار اللبناني الصّعب"...
وتحت عنوان "العلمانيّة هي البديل"، يقول الكاتب قاسم إنّه لا شيء يمنع في الإسلام من "الاجتهاد الكلامي والأصولي, "علم الأصول" على طريقة المعتزلة الّتي أكّدت على مبدإ الاختيار الإنساني وعلى طريقة المرجئة الّتي أكّدت على التّسامح والإعتراف وحرّيّة الضّمير، وعلى طريقة المتصوّفة الّتي قدّمت المعنى على المبنى والرّوح على الحرف. وعلى غرار النّزعات الوجوديّة الأخرى (صدر الدّين الشّيرازي) الّتي قالت بأولويّة الوجود على الماهيّة, والوجود المشروط بالزّمان والمكان والأحوال التّاريخيّة"... مستكملا دعم بحثه بذكر بعض الإجتهادات الأصوليّة الّتي تقوم على المصلحة المرسلة (نجم الدّين الطّوفي..) والمبدإ الدّنيوي "أنتم أدرى بشؤون دنياكم" (الإمام محمد عبده)... طارحا السّؤال الأساسي: حول إمكانيّة قيام إصلاح ديني بدون إصلاح سياسي, وما النّتائج المتوخّاة...
يستعرض الكاتب في "نقد الطّائفيّة" الدّروس السّياسيّة والفكريّة, المستقاة والمستخلصة من هزيمة حزيران الإنتخابيّة في لبنان العام 1967 للميلاد... بحيث أنّ التّاريخ دائما يعيد نفسه وبصور مأساويّة وملهاويّة, وما أشبه الماضي السيّاسي بالحاضر السّياسي, وما أشبه الحاضر السّياسي بالماضي السّياسي, وما أشبه الماضي المأساوي بالحاضر الملهاوي, وعودة حركة فعل الطّبقة الماليّة السّياسيّة وسيطرتها على السّلطة... وهو ما لعب الدّور الأبرز في ماكينة إنتخابات زحلة الماضية, حيث كان للشّحن الطّائفي والمذهبي الدّور الأساسي في المحصّلات النّهائيّة, بحيث إستبعد من إستبعد وبرز من شاء له المال السّياسي البروز...
هذا ورأى الكاتب في بحثه تحت عنوان "المقاومة: وطنيّة أم طائفيّة" بعد تعريفه بمعنى المقاومة, مستشهدا بقول الإمام المغيّب السّيّد موسى الصّدر, "كونوا كموج البحر متى توقّفتم إنتهيتم"... والمقاومة بالمفهوم الفعلي ما هي إلاّ "فعل سياسي وحضاري وثقافي غايته تغيير العالم, ووضعيّة الإنسان على كلّ أصعدة الوجود والكينونة, أو على الأقلّ تغيير وعي النّاس حتّى يكون ويصير مؤهّلا لتغيير العالم"... " ولأن تضيء المقاومة شمعة, خير من أن نبقى في الظّلام الدّامس"... هذا وأنّ "الآدابيّة المقاومة"، ليست بمعنى تحرير الأرض والأسرى فحسب، وإنّما أيضا بمعنى "الثوّرة القائمة على الوحدة والتّعدّد والعلم والعقل والمواطنيّة والحثّ على الإبداع والمبادرة والإنجاز" من أجل الإنتقال من "القبيلة والطّائفة والمذهب إلى الجماعة السّياسيّة المواطنيّة والقوميّة والإنسانيّة"...
إلى هذا, فقد إنتقد جميل قاسم تحت عنوان "نقد الوصوليّة والإنتهازيّة الدّيموكراسيّة", الّتي يعني بها "ديموقراطيّة الكراسي" أيّ السّعي نحو المنصب من أجل الكرسي، تحت شعارات شتّى لا تخدم إلاّ سلطة المال السّياسي وما قبلها المال النّفطي, لينتقد الكاتب النّزعات الّتي تدّعي العقلانيّة, ولكنّها على الصّعيد التّداولي العملي لا تحوّل العقل إلى فكر علائقي ترابطي بين ما هو نظري وما هو واقعي"... طارحا حلوله للتّداول الفعلي بنظام سياسيّ لبناني جديد حضاري عصري وعادل لجميع مكوّنات نسائج المجتمع اللبناني, من خلال تعديل تفاعلي مستحدث للدّستور...
ويحملنا الكاتب على صهوات الذّكريات ليعود بنا إلى الأمس, تحت عنوان " أدب الطائفية النقدي" ليضعنا تذكريّا في أجواء نقد الشّخصيّة اللبنانيّة الإنفصاميّة, "فيما يخصّ الشّخصيّة اللبنانيّة المنفصمة, بسبب داء الطّائفيّة", يقتلعنا من ريبتنا وشكّنا الّذي نعيشه في واقعنا السّياسي الطّائفي المذهبي المرير, ليرود بنا "إلى مقاعد الدّراسة والأدب وأجواء السّتّينات حيث كنّا نقرأ جبران خليل جبران, ومارون عبّود, ونستمع إلى أشرطة عمر الزّعنّي, في نقدهم للطّائفة والطّائفيّة والّطبقة السّياسيّة الحاكمة"... وصولا إلى زياد الرّحباني في نقده زمان الطّائفيّة, فما أشبه الماضي بالحاضر الرّاهن!...
ويستكمل الدّكتور جميل قاسم أبحاثه تحت عناوين كثيرة, ومنها "الطّائفيّة والمال السّياسي" ملقيا الأضواء على اللعبة الدّهائيّة الكيديّة في مسألة تسخير السّلطة لرفد وتضخّم المال الخاص على حساب المال العام, وتفعيل المشاريع الخاصّة تحت سرابيّات القيام بالمشاريع العامّة, وحركة فعل إفقار الدّولة تحت عناوين رنّانة وطنّانة من ثورة الإعمار... منتهيا بأبحاثه بالإلتفات إلى مسألة مصيريّة في المحيط العربي, تحت عنوان "عندما تُقرع أجراس الثّورة", حيث يٌدم على إلقاء الأضواء السّريعة والوامضة على ما يجري في زمن الإنتفاضات العربيّة الكبرى, المنادية بإسقاط الأنظمة الطّائفيّة, سيّما في لبنان, من خلال تحرّك شعبي ثوري, يتوافق ويتواكب مع التّحرّكات الشّعبيّة في المنطقة العربيّة... مناديا الدّكتور جميل قاسم داعيا بجرأة البوح الواضح: "فلنحمل شعارات الوحدة والحرّيّة والدّيموقراطيّة الإشتراكيّة في لبنان وفي كلّ أنحاء الوطن العربي الكبير, الّذي يقوم على تداول السّلطة, وتعدّديّة الأحزاب, والتّحرّر والتّقدّم والإنماء الإنساني... فلتقرع الأجراس من أجل الوحدة, والحرّيّة والدّيموقراطيّة وإلغاء الطّائفيّة والمذهبيّة في لبنان..." وفي جميع أنحاء الأقطار العربيّة, ليتحرّر الإنسان من ربقات الطّائفيّات البغيضة, ويتحوّل إلى الحياة الإنسانيّة بفعاليّة الطّوائفيّة الحضاريّة...
ويختتم الدّكتور جميل قاسم كتابه "نقد الطّائفيّة"، الّذي صمّم غلافه عبد المطّلب السّيد, ويتضمّن لوحة (مجهول الهويّة) للفنّان إيّاد كنعان، وقام بإخراج صفحاته على ما هي عليه الفنّان علي الحاجّ حسن, بشرح واف لمعاني المواطنيّة وولاء المواطن لوطنه, وكما عرّفتها "شرعة حقوق الإنسان والمواطن" كإعلان كوني عمومي يأخذ الإنسان بفرديّته, فحقوق الإنسان, والحال هذه, هي حقوق الأفراد, والأمّة هي مجموع المواطنين, الأفراد. والإنسان الفرد يتعيّن بفرادته, وشخصه, بغضّ النّظر عن جنسه ولونه وأصله وفصله وقوميّته..."...
هذا وألحق المؤلّف بكتابه العديد من الوثائق, كملحق (نصّ إتّفاق الدّوحة، النّصّ الحرفي للوثيقة الوفاقيّة كما صوّت عليها النّواب في الطّائف, قانون الإنتخاب المختلط 2005 , تقرير الهيئة الوطنيّة الخاصّة بقانون الإنتخابات النّيابيّة)... مع ثبت شامل للمصادر والمراجع الّتي إعتمدها الدّكتور جميل قاسم في أبحاثه ومقالاته, الّتي تؤلّف فيما بينها منظومة مضامين نسائج كتابه "نقد الطّائفيّة" المفهرس وفق عناوين المواضيع والمقالات...