المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فهفهات عنوان مؤقت



عبدالرحيم التدلاوي
02/04/2014, 01:22 PM
تخرج فتاة صغيرة كفِلقة الصبح في برودة الفجر باكرا من الكوخ و هي تنفض رماد جسمها ، شعرها مشعث ، فقد يد الاعتناء ، و جفناها منتفخان من قلة نوم كانت تنامه ملء عينيها و تترك الشقاء والتعب لأمها الحبيبة . آه..! تتذكر بلوعة كيف تعفيها من مشقة جلب الماء ، و أدركت مدى قيمتها في حياتها بعد أن غادرت زحمة الحياة و تركتها وحيدة بين يدي زوجة أب قاسية القلب فظة الطباع ، توقظها باكرا و تعنفها لتذهب و تجلب الماء من الساقية ، توقظها وتوقظها حتى تعودت
العصافير أن تتبعها في رحلة الشقاء..لا تهتم بتقلبات الطقس، و لا بحر و لا بقر ، منذورة هي لملء الخوابي و الجرار ، يواسيها في رحلة العذاب الدائمة تلك صحبة الطيور وشذوها الجميل يذكرها بصوت أمها تدندن وتغني لها بصوتها الرخيم فيرقص قلبها طربا .
تحملها إلى فراشها الدافئ، تحميها بحضن المحبة والعطف والحنان ، تضعها بحنو في سريرها وتجلس بجوارها تهدهدها، وتحكي لها قصة "ساندريلا" ، حين قرر ملك الدولة التي تعيش فيها سندريلا و عائلتها إقامة حفل كبير تدعى إليه كل البنات ليختار إحداهن زوجة لابنه وكيف عمت الدعوة جميع البيوت دون اسثتاء،
وعن الساحرة اللطيفة و هي تجمل ساندريلا وتكسوها حريرا وتمنحها حذاء ذهبيا ينتهي مفعوله في منتصف الليل، ،
وعن سقوط ذلك الحذاء و هي تركض هاربة من الأمير الذي خلب لبه جمالها وأناقتها وتيم بها حبا وهام عشقا حين أدركها الوقت..
توقظها لسعة الواقع وسم لسان زوجة الأب
من نومها ..ينتشلاها من حلمها اللذيذ بالحذاء سفينة زواج تقودها إلى أرض بكر وتمنحها الخلاص.
تند عنها تنهيدة حرى ، تسيل دمعة احتبست معلقة في المآقي ..تمسحها بمنديل الصبر
تحمل سطلين كبيرين .. تترك حذاءها البالي قرب الباب كي لا يزداد اتساخا تقطع المسافة الطينية إلى السقاية، برشاقة راقصة باليه.. حافية القدمين ، ، فالماء كفيل بإزالة الأدران و التعب ،
تسمح لخيالها بالتحرر تسبح في ملكوت التمني ..ترى الأمير يقبل على حذائها ، ... يضعه في قدمها الصغيرة ..ينظرالى وجهها الصبوح ويغرق في بحر عينيها الدعجاوين ..تغلقهما بسرعة بسرعة فتنسد نافذة الحلم الجميل ، تذكرت أن حذاءها صار ضخما من ترادف الرقع عليه ، وقدميها تشققتا من المشي الحثيث ، و يديها أخشن من مشط الصوف . وجهها الوحيد من لازال يحتفظ بنضارة الصبا والشباب رغم قساوة الحياة ، والجسم نحيل لكن في قوة وصلابة حمالي الأثقال. سروالها "الدجين" الأزرق حال لونه من كثرة الاستعمال ، و تنورتها الممتدة إلى أسفل الركبتين -كما عادة بنات البوادي- بدت عليها علامات الاهتراء وأعلنت عن لحمتها وسداها بسفالة ، قميصها البني اسود لونه ، و سريدتها السوداء ازدادت سوادا ، ضحكت من كشكول ألوانها المتنافرة..نفضت رأسها الصغيرة من الأحلام ..وعادت لواقعها المر البارد .التقفت السطلان بشجاعة المقهورات المناضلات .وعادت بهما في مهارة بهلوان يسير فوق حبل مفتول تحرص ألا تقع أو ينذلق الماء وتتبلل .
تعيد الكرة مرات عديدة إلى أن يمتلئ الحوض...
تنتعل حذاءها الأليف ، شريكها في رحلة العذاب ، و كاتم أسرار نفسها المتميزة غيظا كبركان يشتعل لا تهدئه إلا جرعة الأمل ، تضع على ظهرها حقيبتها الملآى دفاتر و كتبا قديمة مازالت تقوم بدورها التربوي بصمت تضامني رغم تعاقب الايدي والآجيال عليها...تستهل صبحيتها بعقاب المدير على تأخرها المستمر..الرجل يقف كغول قرب الباب ينظم الدخول و يترصد المتأخرين بقضيب زيتون شحذ خصيصا للعقاب المؤلم ، تصل ضربته حتى العظم وتتخطاه الى النخاع ...
تجلس إلى طاولتها , ينفحها الأستاذ بسيل توبيخ ، و كلام قاس لا يليق بمربي أجيال ,يسمم حياتها و يزعزع ثقتها بنفسها..تفتح كتاب مطالعة معدوم الغلاف ، باهت الأوراق ، ظل يحافظ بعناد على الصور و جمال ألوانها تستمرئ راحة افتقدها..تغوص فى طراوة المقعد الخشبي الجاف, تنغمس في الصفحات ..تتشمم صور الطعام..تقطف الثمار تهيم بين الأشجار.
تخرجها من علمها السحري لسعة قضيب الزيتون..
يمتد الألم من ظهرها يتغلغل في ثنايا روحها ..كم تمنت حينها غيبوبة تنسيها حزنها .. ، تراءى لها الكبار بآذان طويلة
تضحك ملء قلبها...فيتصدع الفصل فرحا...