المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرسالة الغامضة



منى محمد محيي الدين
07/05/2007, 06:22 PM
الرسالة الغامضة.
منى محمد محيي الدين
.... أرى من النّاحية الأخرى من الشارع رجلاً يصدر أنيناً! اقتربت، طلب مني أن أوصله إلى طبيبه, في المبنى المقابل! طرقت الباب بعنف. فتح بسرعة, فأدخله أحدهم وأغلق !! عدت غاضبة، فوجدت مغلّفاً ملطّخاً بالدم على الأرض. إنّه للجريح، رجعت أطرق الباب. لكن ما من مجيب!
صعدت إلى منـزلي بسرعة, ووقفت عند الشباك المطلّ على الشارع, أراقب، وبدأت فتح المغلّف، فوجدت فيه رسالتين من صديق إلى آخر! ولكنْ: لم وجود بعض الفراغات بين الكلمات؟
ها قد خرجت امرأة من الشقة الغامضة، ووصلت سيّارة تقلّها. دوّنت رقمها، ثمّ اتصلت بعمي، وهو عميد متقاعد، وقلت له: أريد أن أعرف شيئاً عن صاحب هذا الرقم! وبعد يومين محمومين بالانتظار، عرفتُ أنه رقم سيارة أجرةٍ استئجرت منذ يومين فقط، تحت اسم " سمير عاطف"، وهو لبنانيّ. أي في نفس اليوم الّذي رأيت فيه ذلك الجريح الغريب!
تناولت دليل الهاتف، وتمكنت من معرفة رقم هاتف "سمير"، إنّه طبيب في جبل لبنان. طلبت الرقم، لكنّه ".. غير موضوع في الخدمة حالياً".فاتصلت بابن عمّي، مندوب المبيعات في تلك المنطقة، قائلة: «أريدك أن تحصل لي على عنوان صاحب هذا الرقم...»
ثمّ قرّرت أن أعود لفكّ رموز تلك الرسالة، وإذا بي دون أن أشعر، أمسك بالورقتين معاً: إحداهما فوق الأخرى، وإذا في كلّ فراغ كلمة مكتوبة بشكل مفهوم على الورقة التي خلفها!! ثّم، ها أنا أقرأ الكلمات الموجودة في الفراغات فقط، بكلّ تركيز: «كشف … المخطط … أجّلوا …… العملية»!!
هل الشخص الجريح الّذي رأيته، هرب بعد أن حاولت الشرطة الإمساك به، لكنه أسقط الرسالة الّتي كان قد كتبها لتنبيه زملائه؟
اهتديت إلى فكرة شراء الجريدة . فلربما كتبوا ما له علاقة به، وتسمّرت عيناي على عنوان : اختفاء صحّفي في ظروف غامضة!! وقبل أن يتاح لي وقت التفكير، رنّ جرس الهاتف: إنه ابن عمّي وئام: «لقد استطعت الوصول إلى شقّته، في «عاليه»، لكّن جيرانه قالوا إنه تركها منذ فترة. وهم لا يعرفون عنه أكثر من أنه غريب. على أيّ حال عنوان الشقّة عندي حين تريدينه».
اتّـصلت بنقابة الأطباء، أطلب العنوان الجديد لهذا الطبيب"سمير"، فصدمني الموظّف، الذي راجع ملفّاته: « قد مات منذ ثلاثة سنوات» ! إذاً...«صديقنا» استعار اسم الميّت وبطاقته، وها قد وصلت إلى حائط مسدود!!!!
لكن... الجريح هو الكلمة الضائعة هنا، علي أن أعرف من هو؟ وما الذي أدّى إلى وفاته؟ وما علاقته " بسمير عاطف "؟
هل نسيت أن أخبركم أنني صحافيّة؟ لهذا اتّـصلت بأحد أساتذتي في كلية الإعلام، أسأله عن اختفاء ذلك الصحفي، فلعلّه هو ذلك الجريح. قال أستاذي: « إنّـه زميلي " ربيع غادي ". لقد اتصل هاتفيّاً برئيس التحرير، وطلب إجازة طويلة، لأن أحدهم هاتفه مهدّداً إيّاه بالموت، إذا واصل مقالاته . فارتأى عندها أن يسافر مدّة، ريثما تهدأ الأمور، وبهذا تمّ إبلاغ الشّرطة وإغلاق القضية. »
رأيت بعدها أن أستطلع مقالاته عبر شبكة " الانترنيت ". وبدأت تدوين ملاحظاتي حولها: معظمها يتناول مؤلفات الأعلام من التراث الإسلامي، وكان من البديهي أن ألاحظ وجود تفسيرات مغايرة تماماً للحقيقة! كلّها تصبّ في خانة إعطاء شرعية للوجود الصهيوني في بلادنا! كما أنه كان يحاول إيجاد ثغرات في بعض أبرز الأعمال الخالدة التي أدّت إلى انتشار الشريعة الإسلامية في العالم، والحطّ من أهمية الفتوحات. هذه الصورة نقلتها إلى عمي، فقال بصرامة: «تفتيش منزله هو الخطوة التي سينجلي عنها بعض الحقائق حوله، وليس العثور على عنوان شقتّه بعسير، اتركي المهمّة لي، وسأنبئك بالنتائج» .
واستعان عمّي ببعض أصدقائه، في عملية «الاقتحام»، وفتّشوا، حتى أمسك أحدهم بكتاب تبيّن له أنّ حروفه عبريّة! ووجدوا الكثير من القوارير التي تبيّن فوراً أن فيها حبراً سرياً!!
ولم يكن أمام عمّي إلا اختيار صديق له أستاذ في الجامعة، يقوم بتدريس اللغة العبرية، فإذا عنوان الكتاب هو : " نقض التراث العربي "!
بعد أيام من ذلك الاقتحام، اتّـصل أحدهم بي:
– اسمعيني جيّداً، تعرفين ما أريد. وافيني به عند زاوية المنارة وحدك، الخامسة، عصر الغدّ، وإلاّ قتلت أخاك.
– وسام ، أخي، أين هو؟ أعده إليّ.. أرجوك . آه ، لا، لا تضع السماعة ، لا تفعل …
بعد لحظات محمومة بالقلق، قرّرت الاتصال بعمي، وقصدته مجتهدة في إخفاء الأمر عن والدتي، كان واضحاً أن الخاطف "سمير" المزيّف، يريد الرسالة.
وها أنا أقصد المكان، مزوّرة ورقتين مماثلتين للرسالة، وكان عمّي يترصّد خطواتي من بعيد، ومعه أمي، فقد أصرّ على إخبارها.... ولكنّ الخاطف لم يأتِ!!!
تركَنا عمّي، وعدنا إلى البيت، وغادرت أمي السيارة، ثمّ أخذت أفكّر وحدي: لمَ امتنع الخاطف عن موافاتنا ؟ وفجأة سمعت صوتاً خلفي... لقد اندس الخاطف في سيارتي!
– تغيّرت الخطّة، هاتي الرسالة، وتوجّهي نحو "عاليه"....المسدّس خلف رأسك!.
– خذها، ولكن... أين أخي؟
– سأتّصل عبر الخلويّ، بزميلتي، لتحضره.
ظلّ عمّي قلقاً لتصرّف الخاطف، ولذلك عاد نحو منـزل أمي، فشاهد امرأة تخرج من الشقة الغامضة، فتتبّـع أثرها إلى مبنى بعيد، خرجت منه، ومعها.... أخي، فجدّ في مطاردتها.
أمّا أنا فكنت غارقة في تفكيري، أحاول أن أجد مخرجاً، ولا سيما أن الخاطف سيكتشف أن الرسالة مزوّرة، ولو بعد حين! وفجأة، اتصلت به «ماريا» تخبره أنها مطاردة، فأصدر أمره إليّ بزيادة السرعة.
إذاً...لا بدّ من استغلال الموقف، فهو مشغول الذهن، ولن تتكرر هذه الفرصة. فزدت من سرعتي، ووجهت السيّارة نحو منحدر، وقفزت منها، ثم أغلقت أبوابها إلكترونياً بواسطة جهاز التحكم عن بعد. أطلق نار مسدسه على قفل الباب عبثاً، إذ كانت السيارة قد هوت به إلى قعر الوادي. وكان أوّل عمل قمت به، بعد أن استجمعت أنفاسي، أن هرعت إلى أقرب غرفة هاتف، واتصلت بهاتف عمّي الخلويّ:
– المرأة تعرف أنك تطاردها، إنّ في ذلك خطراً على أخي!
– وهل أتركها تهرب به!؟
– لا، إنها ذاهبة به إلى عاليه
– لكن عاليه ليست عنواناً محدّداً!!
– صحيح ، لكن... آه... اسمع، اتّصل بوئام، لعلّ العنوان الذي معه هو المطلوب!
كانت ماريّا في الشقة، تنتظر صديقها، وبعد أن يئست من قدومه، ولم تفلح في مكالمته هاتفياً، أحكمت وثاق أخي، وتهيّات للتخلّص منه... لكنّ عمّي وزملاءه اقتحموا الشقّة، وحرّروا أخي.
قالت ماريا، وهم يكبّلونها، استعداداً لتسليمها إلى السلطات المختصّة:
– هل لي برجاء أخير، لن أنساه لكم ؟
– ما هو ؟
– أريد سيجارة من حقيبتي ، فأنا بأشدّ الحاجة إليها.
– لن أفك وثاقك...
– ضعها في فمي واترك الباقي لي.
ما هي إلا لحظة واحدة كانت كفيلة بجعلها تغمض عينيها، وتسدل يديها، وهوت السيجارة من فمها! كان واضحاً أن السيجارة تحوي مادّة سامّة سريعة. قتلت ماريا ودفنت أسرارها معها، ووقعت بيدها نهاية أحداث القصة!!!