المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتنويات



حسين أحمد سليم
11/04/2014, 05:53 PM
فتنويات

بقلم: حسين أحمد سليم
(آل الحاج يونس) البعلبكي
مُفكّر, باحث, ناثر, شاعر, مؤرّخ, مهندس تشكيلي ومخترع.
عربي لبناني من قرية النّبي رشادة البقاعية, نجمة هلال بلدات غربي بعلبك الشّمالي.

الشّعر صدرٌ مُجنّحٌ بالنّبل من المشاعر والعواطف والأحاسيس, والعجز عاشقٌ مُتيّمٌ, هائمٌ بمحاسن القافية... كأنّه كونٌ آخر تشكّل من مدى الخيال, إمتدّ في بعد اللاّمتناهيات حتّى إنفلق من مطاوي العدم... كُلُّ الأشياء تُحرّضُ عناصر المحارف فتتحاببُ, فتتحفّذُ حروف الألفباء للتتعاشقَ, وتُقيم معظمة الكلماتِ في قيامة الخاطرة... يتنبّأُ الوجدان بما وراء البعد يستترُ خلف الحجبِ, إجتهادًا على قاعدة قلبنة العقل وعقلنة القلب... نبوءة الرّسول المُرسلُ تكليفًا بالرِّسالةِ, إنتظارٌ عند الخيط الفِضّيِّ, وترقّبٌ لوحي يجيءُ ولا يحيءُ... الأرض عطشى, تنتظر رذاذات المطر, يتهادى من سحابات الغمام في الفضاءات, وما السّماءُ إلاّ السّماءِ...
معالم الفجر الصّادق, خيطٌ أبيضٌ وخيطٌ أسودُ, ودهشة الصّبح ضوءٌ يُدثّرُ كُلّ الأشياءِ... نجمةُ الصّبح وحدها تتوامضُ في الأفق الشّرقيِّ لبلادي, تُبشّرُ وحيًا وإلهامًا بوصول موكب الشّمس, تتشارقُ من خلف القِممِ الشّمَّاءِ... والشّفقُ لوحةَ تجريدٍ فلسفيٍّ, بأطيافٍ من حزمٍ لونيّةٍ, إنبعاث سيّالاتِ الحُبِّ والعِشقِ, تتماهى في تشكيلٍ سورياليٍّ آخر عند كلِّ شُروقٍ وغُروبٍ... ترسم براءة الأشياء في نبل عفويّة الخواطر, كأنّ بكارات الملاح والحِسان, تأبى الإفتضاض إلاّ على طهارةِ الأشياء وقداسة الرّؤى في البعد المرتجى... تبتسم الورود وهيَ تتراقص على تموّجات الأنسام, تضوع سِرًّا بالطّيبِ, يتشذّى طوعًا مع كُلِّ صباحٍ ومساءٍ من خطرات الحبق...
أسرار الحقائق كنه مكنوناتها, تكتنفها الأسرار في مطاوي الأسرار, والحقائق وإن طُمِست بعض معالمها, جذوةٌ مُتّقدةُ النّورِ والنّارِ... وطائر الحياة, كما الفينيقِ, يموت مُحلِّقًا في المدى, فيتساقطُ أرضًا ما يتبقّى من رماد بقاياه, ليولد مُجدّدًا من تحتِ الرّمادِ المستكين فوق طُهر التّراب... إضطّرامُ الأشياءِ, مُعاناةُ العيشِ قهرًا على قهرٍ في الأسرِ, ليستِ الأفكار تتفتّق إلاَّ من عبق آلام العذابات في معظمة المعاماة... خُشوعيّاتُ جرأةُ البوحِ تتجلّى في ترانيم موسقات الإطمئنان بذكر الله, تتموسقُ دندناتها على وقع رفع الآذان من على المآذن, أو من حدو أجراس القبب في البعد الأثيريّ... تلكَ النّقطة النّورانيّة تتتابع في إنتظامٍ, تحيكُ عناصر الحروف مُساهمةً في نسيج الكلماتِ, وكأنَّ جرأة البوحِ في الوحيِ, حبْلٌ منْ مسدِ...
عبقُ عظمة مكنون الفعل, تتجلّى في حركة بدائع الصّنع, مهرجانُ الأشياءِ عبقُ العبقِ في حُزمٍ منْ أطيافٍ من هالاتِ الألوانِ, تتموسقُ على عفقات الأصابع المُبدعة على أوتار الألحان... كأنّ تشكيل المعراج إلى الفراديس الإلهيّة الموشّاة باللينوفار المقدّس, يمتدُّ إلى سِدرةِ المنتهى, فيما يتعدّى البلاغة والبيانِ... لله درُّ الإنسانَ, ذلكَ المخلوقُ من التّرابِ, من الطّينِ, من الحمأِ المسنونِ, يُجاهرُ بما منحه الله من خفيِّ القوى, فيحملُ أمانةً كبرى, ناءتِ الجبالُ بها حملاً, فحملها الإنسان... أيُّ نفسٍ أمّارةٌ بالسّوءِ وبالسّوءِ تأتمرُ تتطلّع في الحياةٍ المدى, تطمحُ أن تترقّى في معراج العلا؟! وضنكُ العيشِ في معظمة المعاناةِ, صلبٌ على أعمدة الكهرباء فوق أرصفة الطّرقات, أو تعليقٌ على أعوادِ مداخل القصور وأماكن العبادة, ومنفى لا يرحمُ في متاهاتِ الشّتاتِ, وحركاتُ أفعالٍ بأشغالٍ شاقّةٍ وقساوةَ التّجاربِ في الإمتحان...
مهلاً حبيبتي القدريّةُ, ما النّثرُ إلاّ البوحُ من شغافِ القلبِ العاشقِ لشِغافِ القلبِ المعشوقِ, وما العشقُ إلاّ العزفُ لترانيمِ الحبّ إنسجامًا على أوتار شريانيّ الوريدين الأبهر والأحمرْ... وكذلكَ فنون الشّعرُ ما هي إلاّ أنَّاتُ خلجاتٍ وتوجّدٍ, تتشكّلُ لِمن شاءَ العزف المنفردَ على أوتار بُحور الخليليّ غوصًا طوعيًّ في عروضَ القريضِ...
أيّها المنادي في بوق الأبديّة, على ذِمّةِ الحُبِّ والعِشقِ, هلِ الأرضُ إمتلأتْ بما فيها؟! وهل من مزيدٍ؟!...
أيعقُلُ ما يقولُ المُصابُ بالخرفِ المُبكرِ؟! أو ما يُلقلِقُ صاحبُ القُصورِ في العقلِ؟! وكأنَّ القومَ قد أصابتهمْ لوثةَ الجنون؟! ولمْ يبقى منهم عاقلاً يتفكّرُ في هذا الوّمنِ الرّديءِ...
وتريدينني قدريّتي المعشوقةُ, أن أُصدّقَ أنَّ عصرَ الشّعرِ والشّعراءِ قد ولّى؟! وأتعتقدينَ أنّني سأقتنعُ طوعًا أو عِنْوةً, أنَّ زمن الشّهادةِ والشّهداءِ قد ولّى؟!...
وبصيرتي خلقها الله من وعيٍ باطنيٍّ وعرفانٍ ذاتيٍّ, مودّةً ورحمةً, وبصري أبدع الله في صنعه, عظمةً من رؤى في البعد اللامتناهي...
لستُ أفتقرُ لإعتراف من يفتقرون الإعتراف لوجودهم, ولستُ أحتاجُ من يحتاجُ لصيرورةِ وجوديّته, ولستُ أفخرُ بمن لا عُنفُوانَ لهمْ ولا كِبرياءَ عندهمْ ولا أصالةَ ولا تُراثَ يُوصِّفهمْ, ولستُ أنتمي لمن لا إنتماء عندهمْ, ولستُ أصادِقُ كُلَّ معارفيْ على صداقةِ نفسي لنفسي, ولستُ أطمئنُّ لمن لا يُطمئنُ نفسهُ بذكرِ الله في الإيمانِ, ولستُ أأتمِنُ منْ لا إيمانَ له, رُغمَ كُلَّ طيبتي وبساطتي... ولستُ أضارُ لنكرانِ من أنكروني ويُنكروني وسينكرونني قبل صياح الدّيكةِ في كلّ مكانٍ وزمانٍ... فالنُّكرانُ الإفتراضيُّ توكيدُ وجودي على رِقاب من أنكروني, وتجسيد كينونتي فوق هامةِ لا حقّ لها في الشّموخِ... فأنا العاشقُ والمعشوقُ, وأنا المُحِبُّ والمحبوبْ, وأنا النّاثرُ والنّثيرةُ, وأنا الشّاعر والقصيدة, وأنا الكاتب والخاطرة, وأنا الشّاهدُ والشّهيدُ والشّهادة في آن...