المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَدادِياتْ



حسين أحمد سليم
15/04/2014, 09:02 PM
مَدادِياتْ

بِقَلَمْ: حُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمْ

وُلِدْتُ قَدَرًا مِنْ حَيْثُ لاَ أَدْرِيْ, أَجْهَلُ المَاضِيَ وَالحَاضِرَ وَالمُسْتَقْبَلَ, مَشِيْئَةُ الخَالِقِ فِيْ مَا شَاءَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ, وَالقَضَاءَ الَّذِيْ لاَ رَادَّ لَهُ إِلاَّ هُوَ قِسْطًا وَعَدَالَةً...
وَأَتَيْتُ مِنْ أَبَوَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ بِالله, يَحْمِلاَنِ طِيْبَةً فِيْ القَلْبِ وَالنَّفْسِ, وَيُمَارِسَانِ تَوَاضُعَ البَسَاطَةِ فِيْ مَسَارَاتِ العَيْشِ بِمُعْتَرَكَاتِ الحَيَاةِ, يَحْدُهُمَا الأَمَلُ المُرْتَجَىْ فِيْ البُعْدِ المَأْمُوْلِ, لَمْ وَلَنْ وَلاَ تَنْحَنِيْ لَهُمَا هَامَةً لِغَيْرِ الله...
أَتَيْتُ الحَيَاةَ أَنْعَمُ فِيْمَا سَخَّرَ لِيَ الله حَلاَلاً دُوْنَ الحَرَامِ, أَتَمَاهَىْ سُمُوًّا رَافِلَ العُنْفُوَانِ, أَكْتَنِزُ فِيْ وَعْيِ البَاطِنِيِّ وَعَرَفَانِيْ الذَّاتِيِّ بِنُوْرِ الإِيْمَانِ...
كِبْرِيَاءً أَتَسَامَىْ خَاشِعًا بِبَدَائِعَ الصُّنْعِ فِيْ كَيْنُوْنَتِيْ, أَتَجَلَّىْ عَظَمَةً بِعَظَمَةِ أَسْرَارِ الله فِيْ طِيْنَتِيْ, أُوَحِّدُ مَنْ تَوَحَّدَ فِيْ الأَزَلِ وَالأَبَدِ وَمَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ...
أُكَبِّرُ وَأَتَشَهَّدُ وَأُنَاجِيْ وَأَتَهَجَّدُ وَأَسْتَغِيْثُ وَأَتَضَرَّعُ وَأَسْتَغْفِرُ وَأَشْكُرُ وَأُسَلِّمُ وَأَسْتَرْجِعُ وَأُحَمْدِلُ, فَيَتَجَلَّىْ وَجْهُ الله بِنُوْرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَكْوَانِ وَالأَرْضِ...
أَقِمْتُ قَدَرًا إِلَهِيًّا فِيْ ظُلُمَاتٍ ثَلاَثْ, قَضَتْ عَدَالَةُ الحَقِّ التَّوْقِيْتَ فِيْ سَجْنِيْ أَشْهُرًا تِسْعَةً, أُمَارِسُ السِّبَاحَةَ طَوْعًا إِرَادِيًّا وَعِنْوَةً فِيْ مَاءِ الحَيَاةِ, حَتَّىْ شَاءَ الله مَا شَاءَ فِيْ مَشِيْئَةِ القَضَاءِ, وَأَفْرَجَ عَنِّيْ بَعْدَ أَنْ إِكْتَمَلَتْ حَضَانَةَ تَكْوِيْنِيْ...
وَوًلِدْتُ قَدَرًا آخَرَ مِنْ نَسَائِجِ أُخْرَىْ فِيْ رَحَمِ الحُبِّ الأَقْدَسِ, كَيْنُوْنَتِيْ مُضَمَّخَةً بِعَبَقٍ مِنْ وَشَائِجِ العِشْقِ الأَطْهَرِ... مَوَدَّةً وَرَحْمَةً أَوْدَعَ الله أَمَانَتَهُ فِيْ مَكْنُوْنِ صَدْرِيْ, فَإِطْمَأَنَّتْ نَفْسِيْ الأَمَّارَةُ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ, وَتَخَلَّتْ قَنَاعَةً عَنْ كُلِّ الأّشْياءِ, وَإِنْتَعَشَتْ رُوْحِيْ بِذِكْرِ الله, وَتَمَوْسَقَ قَلْبِيْ يَتَرَنَّمُ تَرْتِيْلاً وَتَجْوِيْدًا بِآيِ الله...
مُنْذُ البَدْءِ أَحْبَبْتُ الحَيَاةَ فِيْ رِحَابِ الله, وَعَشِقْتُ الخَلْقَ وَالإِبْدَاعَ وَالإِبْتِكَارَ فِيْ كُلِّ الأَشْيَاءِ, يُرَاوِدُنِيْ العَيْشُ سُمُوًّا وَرِفْعَةً وَتَرَقِّيًا لِلْعُلاَ, تُحَدِّثُنِيْ نَفْسِيْ المُطْمَئِنَّةُ بِالإِيْمَانِ, العُرُوْجَ صُعُدًا حَيْثُ لِيَ يَشَاءُ الله, يَتَرَاءَىْ لِيَ رِيَادَةَ الفَرَادِيْسِ الآلِهِيَّةِ, المُوَشَّاةُ بِالليْنُوْفَارِ المُقَدَّسِ, رُسُوْخًا فِيْ الإِيْمَانِ المَقْرُوْنِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ...
الصَّدَقَةُ الجَارِيَةُ, عِلْمٌ بِهِ يُنْتَفَعُ, وَالعِلْمُ أَبْقَىْ مِنَ المَالِ, قَنَاعَتِيْ الَّتِيْ سَكَنَتْنِيْ فِيْ أَعْمَاقِ كَوَامِنِيْ, تَفَاعَلَتْ بِيْ وَبِهَا تَفَاعَلْتُ مُنْذُ البَدْءِ...
أَحْبَبْتُ الفُنُوْنَ الأَدَبِيَّةَ, وَعَشِقْتُ الفُنُوْنَ التَّشْكِيْلِيَّةَ, فَإِخْتَرْتُ قَلَمَ الرَّصَاصِ مِنْ بَيْنِ مَعَارِفِيْ, فَصَارَ قَلَمِيْ جَوَادِيْ, وَغَدَا دَمِيْ مَدَادِيْ, وَإِمْتَطَيْتُ الأَثِيْرَ شَفَافِيَّةً, أَكْرُزُ نَثْرًا بِنَثَائِرَ مِنَ الحُبِّ الأَقْدَسِ, وَشِعْرًا يِقَصَائِدَ مِنَ العِشْقِ الأَطْهَرِ...
وَإِخْتَرْتِ شُعَيْرَاتَ رِيْشَتِيْ مِنْ أَنْسَامِ الأَصَالَةِ عِنْدَ حَبِيْبَتِيْ القَدَرِيَّةِ, وَأَخَذْتُ أَلْوَانِيْ مِنْ أَطْيَافِ هَالاَتِ قَوْسِ الله, الَّذِيْ يَتَجَلَّىْ, صَبَاحَ مَسَاءَ, فِيْ وَمَضَاتِ عَيْنَيّْ حَبِيْبَتِيْ, وَشَكَّلْتُ مِنْ صَدْرِ حَبِيْبَتِيْ الحَانِيْ وِسَادَتِيْ, لأَتَفَكَّرَ فِيْ وِحْدَةِ وَعَظَمَةِ بَدَائِعِ صُنْعِ الله فِيْ الخَلْقِ, وَعَكَفْتُ أَجْتَهِدُ وَأَسْتَنْبِطُ وَأَكْتُبُ مَا لَمْ وَلَنْ وَلاَ كُتِبَ مِنْ قَبْلبِيْ وَلاَ بَعْدِيْ...
وَإِسْتَعَرْتُ مِنَ السَّحَابِ اللاَمُتَنَاهِيَ الإِمْتِدَادَاتِ, خَامَةَ لَوْحَتِيْ الأُوْلَىْ وَالأَخِيْرَةَ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ مَشْهَدِيَاتٍ, وَأَبْحَرْتُ فِيْ أَرْحِبَةِ الفُنُوْنِ التَّشْكِيْلِيَّةِ, أَرْسُمُ وَأَخُطُّ مَا لَمْ وَلَنْ وَلاَ رُسِمَ وَلاَ خُطَّ مِنْ قَبْلِيْ وَلاَ بَعْدِيْ, وَحَبَانِيَ القَدَرَ بِحَنَانِهِ, فَمَنَحَنِيْ مَا لَمْ وَلَنْ وَلاَ مَنَحَهُ إِلاَّ لِقِلَّةٍ مِنَ الخَلْقِ العَاقِلِ, فَإِرْتَحَلْتُ قَدَرًا فِيْ رِحَابِ الله, أَبْحَثُ فِيْ مَدَىْ مَطَاوِيَ الأَشْيَاءِ, وَأَعُوْدَ مُكْتَنِزًا بِحَرَكَاتِ أَفْعَالِ الخَلْقِ وَالإِبْدَاعِ وَالإِبْتِكَارِ...
أَرْضُ بَيْتِيْ, وَجُدْرَانُ بَيْتِيْ, وَسَقْفُ بَيْتَيْ, وَأَبْوَابُ بَيْتِيْ, وَنَوَافِذُ بَيْتِيْ, وَأَثَاثُ بَيْتِيْ, وَأَشْيَاءُ بَيْتِيْ, جَمِيْعُهَا مِنَ الكُتُبِ... فِرَاشِيْ مِنَ الكُتُبِ, وِسَادَتِيْ مِنَ الكُتُبِ, لِحَافِيْ مِنَ الكُتُبِ, أَنَامُ فَوْقَ الكُتُبِ, وَأَتَدَثَّرُ بِالكُتُبِ, وَأَحْلَمُ بِالكُتُبِ, وَتَتَجَلَّىْ لِيَ الرُّؤَىْ بِالكُتُبِ, وَيَتَرَاءَىْ لِيَ الطَّيْفُ النُّوْرَانِيُّ, يَنْتَشِرُ فِيْ فَضَاءَاتِ غُرْفَتِيْ, يَتَهَالَلُ بِعَنَاوِيْنَ الكُتُبِ... فَغَدَوْتُ لاَ أَشْبَعُ إِلاَّ مِنْ إِلْتِهَامِ مَا فِيْ بُطُوْنِ الكُتُبِ, وَلاَ أَرْتَوِيْ إِلاَّ مِنْ رَشْفِ مَا فِيْ طَيَّاتِ صَفَحَاتِ الكُتُبِ, وَأَصْبَحَتْ حَبِيْبَتِيْ تُشْرِقُ لِيْ مِنْ بَيْنِ الكُتُبِ, وَتَتَوَامَضُ جَمَالاً وَكَمالاً نَجْمَةَ صُبْحٍ وَبَدْرَ لَيْلٍ مِنْ بَيْنِ الكُتُبِ, وَبِتُّ أَتَمَنَّىْ أَنْ أَحْيَا وَأَمُوْتَ بَيْنَ الكُتُبِ...
بَدْءَ بِدْءٍ, المَاءُ كَانَ, مِنْهُ جَعَلَ الله كُلَّ شَيْءٍ حَيّْ, وَمِنْهُ كَانَ المَدَادُ, وَلَوْ كَانَتِ المِيَاهُ مَدَادًا لِكَلِمَاتَ رَبِّيْ, لَنَفَذَتْ المِيَاهُ, وَلَمْ وَلَنْ وَلاَ تَنْفَذَ كَلِمَاتُ رَبِّيْ... وَمِنَ المَاءِ كَانَ العُقَارُ, وَمِنَ المَاءِ كَانَتْ أَشْيَاءُ وَأَشْيَاءُ... وَفِيْ البَدْءِ كَانَتِ المَحَارِفُ, وَكَانَتِ الكَلِمَةُ, وَكَانَتْ لُغَةُ الضَّادِ, لِلْقُرْآنِ لُغَةً... عَفْوًا حَبِيْبَتِيْ, إِنْ تَخَثَّرَتْ عِبَارَاتِيْ, وَإِجْتَاحَنِيْ القَلَقُ وَالإِضطِّرَابُ, فَيَا سُيُوْفُ خُذِيْنِيْ...
عَجَبًا... المَاءُ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ, المَاءُ فِيْ البِحَارِ, المَاءُ يَنْهَمِرُ مِنَ السَّمَاءِ, المَاءُ فِيْ أَجْسَامِنَا, وَمِنَ المَاءِ تُوْلَدُ الحَيَاةُ, وَنَفْتَقِرُ لِنُقْطَةَ المَاءِ؟!...
عَجَبًا... النَّاسُ تَنْتَشِرُ فِيْ كُلِّ نَاحِيَةٍ, وَفِيْ كُلِّ صَوْبٍ تُقِيْمُ, وَفِيْ كُلِّ إِتِّجَاهٍ يَتَسَابَقُوْنَ, تَكْتَظُّ الأَرْضُ بِالنَّاسِ, وَلاَ إِنْسَانَ أَجِدُ؟!...
أَتَسَاءَلُ؟!... مَاذَا يُجْدِيْنِيْ نَفْعًا, أَنْ أَحْمِلَ مِصْبَاحِيْ فِيْ عَتْمَةِ النَّهَارِ, بَاحِثًا عَنِ الإِتْسَانِ الإِنْسَانِ؟!... وَلَمْ وَلَنْ وَلاَ أَجْدَ مَا أَنَا عَنْهُ أَبْحَثُ؟!...
أَخْوَفُ مَا أَتَخَوَّفُ مِنْهُ, أَنْ أُمَارِسَ النِّفَاقَ فِيْ كَيْنُوْنَتِيْ, وَالإِزْدِوَاجِيَّةَ فِيْ مَوَاقِفِيْ, وَأَنْ أُمَارِسَ نَتَانَةَ لُعْبَةَ السَّاسَةِ والسِّيَاسَةِ, وَدَهَاءَ السَّاسَةِ, وَكَيْدَ السِّيَاسَةِ, وَأَنْ لاَ أَكُوْنَ عَلَىْ قَدَرِ إِسْمِيْ, الَّذِيْ بِهِ وَسَمَتْنِيْ أُمِّيْ يَوْمَ مَوْلِدِيْ...
الخَوْفُ يَعْتَرِيْنِيْ وَيَتَعَاظَمُ, وَالرُّعْبُ يَجْتَاحُنِيْ وَيَسْكُنَنِيْ, وَكَثِيْرًا أَتَرَدَّدُ وَأَدُوْرُ عَلَىْ مِحْوَرِيْ, مِنْ أَنْ أَطْرَحَ فِيْ الوُجُوْدِ وَلِيْدًا جَدِيْدًا, لأَزِيْدَ فَرْدًا فِيْ أُمَّةِ العَبِيْدِ...
وَأَخَافُ كَثِيْرًا فِيْ هَذَا العَصْرِ, الغَادِرِ, القَاهِرِ, الكَافِرِ, أَخَافُ عَلَىْ لُغَتِيْ وَأَبْجَدِيَّتِيْ وَمَنْظُوْمَةَ مَحَارِفِيْ, لُغَتِيْ الضَّادِيَّةُ الَّتِيْ بِدُوْنِهَا أَصِيْرُ عَاريًا, مَنْبُوْذًا, أَتَسَكَّعُ مُتَسَوِّلاً عَلَىْ أَرْصِفَةِ الطُّرُقَاتِ فِيْ وَطَنٍ لِيْ وَلَيْسَ لِيْ...
وَأَخَافُ المَوْتَ فِيْ أَرْضٍ لَيْسَتْ أَرْضِيْ, وَأَغْدُوَ ضَائِعًا سِمَةً وَهَوِيَّةً فِيْ المَكَانِ وَالزَّمَانِ, أَعِيْشُ المَوْتَ فِيْ المَتَاهَاتِ, كَمَا مَنْ ضَاعُوْا وَإِنْتَسَوْا فِيْ القُبُوْرِ وَالأَضْرِحَةِ, وَنُسِبَتْ لِغَيْرِهِمْ عَلَىْ ذِمَّةِ فَلْسَفَةِ الإِجْتِهَادِ, وَأَغْدُوْ ضَائِعًا بِلاَ هَوِيَّةٍ وَلاَ سِمَةٍ وَلاَ ضَرِيْحٍ وَلاَ وَطَنٍ...

الحُسَيْنْ أَحْمَدْ سَلِيْمُْ
(آلْ الحاجْ يونِسْ)
اللبْنانِيْ البِقَاعِيْ البَعَلْبَكيْ الرّشاديْ
مُفَكّرْ باحِثْ, ناثِرْ شاعِرْ, مُؤَرّخْ مُوَثّقْ, مُهَنْدِسْ مَسّاحْ, فَنّانْ تَشْكيلي, مُبْتَكِرْ مُخْتَرِعْ.
إِنْسانْ مُؤْمِنْ, وَطَنيْ حُرّْ, عَرَبيْ اللسانْ, لُبْنانيْ الهَوِيَّةْ, مِنْ مَوالِيدْ قَرْيَةِ النّبيْ رَشادَةْ البِقاعِيّةْ, نَجْمَةَ هِلالْ بَلْداتْ غَرْبيْ بَعْلَبَكْ.