المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضائيات الماعز



كاظم فنجان الحمامي
10/08/2014, 12:08 AM
فضائيات الماعز

كاظم فنجان الحمامي

كل الأغنام والأبقار والعجول والدواب والبهائم تغضب وتنزعج وتنفعل وترفس وتقاوم، وتظهر عليها علامات الحزن والألم عندما ترى سكين الجزار تقطع رقاب أشبالها في حظائر الماشية، باستثناء قطعان الماعز التي لا تكترث أبداً لمنظر أبناء جلدتها وهم يتعرضون أمامها للذبح والسلخ والتقطيع. فالاجترار والقضم والمضغ والهضم هو الهم الوحيد الذي يهيمن على تفكير التيوس والمعيز. وهذا ما دأبت عليه الفضائيات العربية على وجه العموم، والعراقية منها على وجه الخصوص.
فالمجازر المأساوية البشعة التي ارتُكبت مازالت تُرتكب في هضبات نينوى ضد أبناء الطوائف والأقليات المسيحية والأيزيدية والكردية والتركمانية والعربية ظلت تتصدر عناوين الأخبار في الفضائيات العالمية حتى يومنا هذا، لكنها لم تحرك شعرة واحدة من شعرات فضائياتنا المنشغلة هذه الأيام ببث برامج التسفيه والتسطيح.
يحزن العالم كله إذا غرق زورق من زوارق النزهة في نهر السين، ولا تحزن فضائياتنا على آلاف الأرواح البريئة التي غرقت ومازالت تغرق في بحار الدم. وتتشح فضائيات الدنيا بالسواد تضامناً مع أمهات اللاعبات الأوكرانيات، ولا تتضامن فضائياتنا مع أمهات الفتيات اللواتي ساقتهن الميليشيات المسلحة عنوة على طريق الذل والعبودية في مواكب السبايا والجواري.
أفواج ومجاميع هائلة من الأسر العراقية المنكوبة تغادر قراها، وتفر في الليل البهيم في وديان سنجار وزمار بحثاً عن الملاذ الآمن، وهرباً وذعراً من بطش الميليشيات المتعطشة للدماء. بينما تواصل فضائيات الماعز بث برامجها اليومية من دون أن تذرف دمعة واحدة على ضحايا هذه الكوارث الإنسانية المؤلمة.
تفتتح الفضائيات العراقية برامجها الصباحية بباقة من أخبار القوائم المتنافسة على ولائم المناصب المعروضة في أسواق الاستحواذ السياسي، تختتمها بباقة أخرى من خطابات ومقولات صاحب الفضائية للتعريف بدوره بالعملية السياسية، ثم تأتي برامج المطبخ والمرأة والأزياء والأبراج وقراءة الطالع، تعقبها مجموعة من الأغاني التافهة لمطربين ومطربات لا نعرفهم، لكنك لا تلمس موقفاً واحداً من مواقف الحزن والألم على مأساتنا التي وصلت أصدائها إلى أقصى أرجاء الكون.
فضائيات بلا حياء تلوك الكلام نفسه منذ الأيام الأولى لبدء المهزلة، وفضائيات بلا ضمير تجتر العبارات المُعادة على طريقة الماعز البري، ومحطات فقدت رجولتها وتخلت عن وطنيتها وتجردت من إنسانيتها، ومجاميع إرهابية نزعت من قلوبها الرحمة، لكنها تجلببت بجلباب الدين، ومن خلفها جموع من القطعان البشرية المنقادة على غير هدى خلف جيوش الظلام.
مئات المجازر تُرتكب كل يوم في أماكن متفرقة من العراق، لكنك لن تسمع بها وسط الزعيق والضجيج الذي افتعلته الفضائيات الغارقة في ممارسة التعتيم الإعلامي، وعشرات الكوارث المأساوية تتكرر هنا وهناك من دون أن تنقلها إلينا عدسات النقل المباشر، التي كانت سباقة في نقل تفاصيل تصفيات كأس العالم من الملاعب البرازيلية، لكنها لم ولن تنقل لنا وقائع المذابح اليومية في ساحات تلعفر وسنجار وزمار.
والله يستر من الجايات