المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عيواز



خليف محفوظ
20/08/2014, 02:38 PM
كائنات صخرية تتراصف كقافلة لنازحين تعساء أحنى التعب هاماتهم، و قوس الجوع ظهورهم ...

المشهد الذي انطبع في ذاكرته كالنقش على الحجر يتحدى عادية الزمن .

طالما أدهشه تشكلها العجيب ...

تتراصف متسلسلة الواحدة بعد الأخرى كهيئة جده حين يعود من الحقل مساء متقوسا ظهره تحت كيس العشب الذي حشه للبقرة .

أصل الحكاية - تقول الجدة- يعود إلى أن قوما كفروا بنعمة الله فمسخهم صخورا.


كانوا في نزوحهم الصيفي ، و لأن زادهم من الماء قليل نظفت إحدى النساء وليدها برقيقة من رقائق الخبز ، فسخط الله عليهم فصيرهم صخورا ...

عصفت الحكاية بعقله الصغير و خلفت غصة كبيرة في حلقه، لا سيما قصة الطفل الذي مسخ مع القوم ؟


لم يكن له ذنب فيما حصل ، فلماذا يمسخ هو الآخر ؟

-لماذا مسخ يا جدتي ؟

-رحمة به، يا ولدي ،رحمة به ، لو ترك وحده كانت ستأكله الذئاب .

نجحت الجدة في إسكات عقله الصغير بحكاية الذئاب ،

فلا شيء يخيفه كالذئاب ، حين يسمع عواءها الطويل في الليل فيتكور و يندس في حضن جدته و يود لو ينمحي و يتلاشى هناك حتى لا تدركه الذئاب ...

كم ليلة أفزعته كوابيسها، يراها وهي تركض خلفه سوداء تلمع أنيابها كالسكاكين القاطعة تلاحقه في دروب ضيقة تفضي إلى حافة سحيقة يهوي منها مرعوبا...

غير أن السؤال يفرخ أسئلة :

والآخرون؟

لماذامسخوا ؟

ما ذنبهم فيما حصل ؟

لم يكونوا يعلمون ما فعلت تلك المرأة ، فلماذا يعاقبون؟

لاسيما الصخر الأول الذي يتمثله كلما حدق فيه عن قرب جده الذي آواه بعد موت أبيه ، يشبهه تماما في انحناءة الظهر و تقوس الساقين ، في كثافة حاجبيه الأشيبين و عمامته المرخية وراء ظهره ، إن العمامة واضحة ههنا كقوقعة الحلزون .


قالت الجدة :

-هكذا يا ولدي في العقاب الجماعي يذهب المحرم في المجرم .

وراح يقلب الأمر في نفسه ... وثار في ذهنه تساؤل بريء سرعان ما تحول إلى رجاء ثم إلى تضرع و دعاء:

هل سيستمر المسخ للعصاة و المجرمين ؟ هل يرى بأم عينيه في القريب العاجل عيواز وقد مسخه الله صخرا ؟

عيواز زوج أمه ... الرجل الفظ الغليظ الذي حول حياته قطعا من العذاب، يضربه بوحشية لأدنى سبب بحجة أنه يؤدبه ، يلاحقه بعينيه الناريتين على المائدة و في الفراش ...

في ظلام الليل تصل سمعه في زاوية الحجرة أصوات وهمهمات انسلخت من آدميتها و تماهت مع الزمجرة و العواء ، و من خلال أنياب الذئاب التي تلاحقه في الكابوس كان يتبين جيدا وجه عيواز يتطاير الشرر من عينيه يسابق الذئاب في الإمساك به ...


*****************


وحين يئس الولد من أن يمسخ عيواز صخرا بدأ وعيه يتشكل في تخوم مغبشة يتكشف له فيها كل يوم عيواز جديد جدير بالمسخ ، و ذئاب جديدة تجوب الشوارع و الطرقات ...


ثم في مرحلة لاحقة كشف له وعيه البائس عن خراب كلي في المعنى و في تأويل الجدة ...