المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديك باض جوهرة - حكاية للآطفال - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
08/05/2007, 10:07 PM
من حكايات عمتي
الديك باض جوهرة
حكاية للأطفال
نزار ب. الزين*

أم سعاد ، توفي زوجها مخلفا لها الفقر المدقع و خمس بنات جميلات .
كانت أم سعاد قد تعلمت خلال فترة صباها صنع السجاد ، فاشترت نولا من أحد أقاربها ، و وعدته بأن تسدد ثمنه من مبيعات إنتاجها ، و سرعانما جددت معلوماتها القديمة و بدأت ـ من ثم – تنتج سجادا يمتاز بالجودة و الجمال ؛ و هكذا تمكنت خلال سنتين من سداد كامل دينها و من وقاية بناتها من غائلة الجوع ، و سرعانما تعلمت بناتها المهنة الواحدة تلو الأخرى ، وتكشفت مواهب ابنتها الكبرى سعاد عن مصممة مبتكِرة للرسومات الرائعة التي كانت تزين إنتاج الأسرة من السجاد الذي ضاهى بجودته السجاد العجمي الشهير.
شيهانة ، صغرى بناتها لا زالت غير قادرة على مثل هذه الأعباء ، و لكن كان لديها هواية مربحة ، فقد أخذت على عاتقها تربية و رعاية قطيع صغير من فراخ الدجاج في خم بنته لها في إحدى زوايا ساحة الدار .
و لكن أمها التي تحب لحم الدجاج أكثر من حبها لبيضها ، ما أن كبر حجم الفراخ ، حتى بدأت تنقص القطيع أسبوعا بعد أسبوع ، فلم يبقَ لشيهانة في آخر الأمر سوى الديك ( أبو صياح ) كما أسمته، و عندما ارادت أمها ذبحه لتطهو منه وجبة شهية كعادتها كل اسبوع ، تصدت لها شيهانة و بكت بحرقة راجية أمها أن تترك لها أبو صياح حرا طليقا فلم يبقَ لها غيره ، فلانت عريكة الأم ، فأفرجت عنه .
دئبت شيهانة على تدليل ديكها أبو صياح ، تطعمه اللوز و الجوز و الفستق و الزبيب ، و تسقيه من ماء الزهر ، و تنظفه بيديها الصغيرتين و تلاعبه و كأنه طفل قرين لها .
كانت تجري وراءه أو يجري وراءها ، قافزا تارة على كتفها و تارة أخرى فوق الجدار الفاصل بين دارها و دار جيرانها ، و كأنه يتحداها أن تفعل مثله ، ثم ترجوه أن يهبط فيطير نحو صدرها ، لتحضنه بين يديها حانية .
و ذات صباح ، ما أن سمعت صياحه اليومي حتى نهضت مسرعة ، و إذ دنت من الخم لتقدم لديكها الحبيب طعام فطوره من اللوز و الجوز و الفستق و الزبيب ، و إذا بها تلمح في إحدى الزوايا مايشبه البيضة و لكنها كانت بيضة ذات بريق عجيب يخطف الأبصار .
نادت أمها صائحة بما يشبه الإستغاثة ، و قد استبد بها مزيج من الدهشة و الفضول ، هرعت أمها مذعورة ، تبعتها بناتها و قد استبد بهن القلق على صغرى شقيقتهن .
عندما وصلت أمها إلى الخم ، قدمت شيهانة البيضة إلى أمها قائلة :
- الديك باض !!
تأملت أمها البيضة ، قلبتها بين يديها ، ثم صاحت فرحة :
- إنها جوهرة .. إنها جوهرة .. الديك باض جوهرة يا شيهانة ! الديك باض جوهرة يا بنات !!!
و بدأت البنات يقفزن فرحات و هن يهزجن معا :
- الديك باض جوهرة ... الديك باض جوهرة
*****
ما انفك " أبو صياح " يبيض كل صباح جوهرة جديدة !
واستمرت العائلة تهزج : " الديك باض جوهرة .. الديك باض جوهرة "
و لكن الجارة أم عدنان و ابنها الكسلان عدنان الذي طرد من المدرسة مؤخرا بسبب كسله و تكرار رسوبه ، و الذي رفض أن يبحث عن عمل رغم أنه أصبح شابا طويل القامة مفتول العضلات ، معتمدا على الثروة التي خلفها له الوالد ؛ كان يقضي يومه متسكعا في الحارة أو جالسا في مقهى أبو رعد المجاور يحتسي الشاي و يسحب أنفاس الأرغيلة ، أو أمام أبو قعّود بائع الفلافل يتناول الشطائر ، أو نائما على سريره .
تنبه و أمه إلى أهازيج بنات الجيران ، ظنا في البداية أنهن يتخابلن أو يخرفن أو يلعبن لعبة ما ، و لكن تكرار الهتاف شحذ فضولهما :
- أيعقل أن يبيض الديك يا أمي ؟ يسألها ، فتجيبه و قد استبدت بها الدهشة :
- أيعقل أن يبيض الديك جوهرة ، يا عدنان ؟
و لكن عندما لاحظا أن دار الجيران بدأت تتحول إلى قصر ، و أن أثاثا جديدا دخل إليها ، و أن عربة جديدة يجرها حصانان مطهمان تنتظر أم سعاد و بناتها جانب باب دارهن مع حوذيها ، ليقلهن أو إحداهن حيث تشاء أو يشأن ؛ استبد بهما الحسد على الرغم من يسر حالتهما المادية ؛ و أصبح لا حديث لهما إلا عن الجارات اللواتي قلب الديك المعجزة ، حياتهن من فقر مدقع إلى غنى فاحش ، فكانا كلما سمعا الهتاف : " الديك باض جوهرة " ، يتحرقا غيظا و حقدا .
و ذات يوم قرر عدنان الكسلان أن يسطو على بيت الجيران و لم تمنعه أمه .
تسلل من فوق السور الفاصل بين الدارين قبل بزوغ نور الفجر مستعينا بضوء القمر الساطع ، و تمكن من القبض على الديك ، فربط منقاره بخيط كان أعده و عقد جناحية ببعضهما بعضا ، ثم رماه من فوق السور فتلقفته أمه ، و ما لبث أن تبعه .
كانت أم عدنان قد أعدت خما كبير لضيفها العزيز أبو صياح ، أدخلته إليه بعد أن حلت عقدة جناحيه و ربطة منقاره ، و أغلقت وراءه باب الخم .
مضى يوم ..
مضى يومان ..
مضى أسبوع ...
مضى أسبوعان ..
و الديك لا يبيض ، و هو كذلك لا يصيح ، و لا يأكل من الشعير الذي تقدمه له ، فهزل و أصابه الوهن ، فقررت أم عدنان ذبحه و طهوه قبل أن يفقد كل لحمه !
أوقدت النار ، في ساحة الدار ، و ضعت فوقها قدرا كبيرا مليئا بالماء منتظرة أن يغلي ..
في هذه الأثناء أخرج عدنان الكسلان أبو صياح من الخم ..
و اتجه نحو أمه التي كانت قد جهزت السكين ؟؟؟
و فجأة ..!
تمكن ( أبو صياح ) من الإقلات من قبضة عدنان الكسلان .. و بينما هو يجري وراءه تعثر فاختل توازنه ، فأمسك دون أن ينتبه بطرف القدر الحار فاحترقت يداه ، و اختل توازنه ، ثم انقلب الماء الساخن فأحرق ساقيه ، فأخذ يصيح مستغيثا !
هبت أمه لتغيثه و لكنها وقعت فوق النار التي أمسكت بثوبها ثم بكل جسدها !
تبعثر الجمر و تطاير الشرر فأمسك بشجرة الليمون ..
و اشتعلت – من ثم – شجرة الليمون ، و مالبثت أن أمسكت النار بالجدار المجاور ..
ثم اشتعل البيت كله ...
أما أبو صياح فصفق بجناحيه و طار فوق السور ، راجعا إلى أحضان مربيته الصغيرة شيهانة .
*****
بعد حوالي الشهر ، شوهد عدنان الكسلان جالسا قرب بوابة المسجد الكبير و قد فقد ساقيه ، مادا يده متسولا و نادبا حظه العاثر:
- يا ويلاه الديك خرب بيتنا ...
وا حزناه الديك قتل أمنا ..
و حسرتاه الديك أحرق مالنا...
لله يا محسنين ! لله يا محسنين !
أما في قصر أم سعاد ، فقد عادت البهجة إليها و إلى بناتها ، و عدن يهزجن كل صباح: " الديك باض جوهرة .... الديك باض جوهرة ....!"[/align[a]lign=right]
[size=5][color=#800080]=====================
[align=right][font=Simplified Arabic]* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ( ArabWata)
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد: nizar_zain@yahoo.com

جمال عبد القادر الجلاصي
09/05/2007, 05:50 PM
يا الله، كم أسعدتني قصتك سيدي،

أنا أعشق قصص الأطفال كثيرا
وخاصة تلك التي تروى بنفس حكمي ، مخاطبة عقل الطفل
ووجدانه...
تقديري ومحبتي

زاهية بنت البحر
12/05/2007, 09:49 PM
بالله عليك أكثر من هذه القصص الهادفة الجميلة ذات الأسلوب الراقي الذي يدخل دون استئذان إلى عقول وقلوب الكبار والأطفال..أعادت لي هذه القصة جانبًا من طفولتي السعيدة ونحن نتحلق حول إحدى النسوة وهي تقص علينا القصص منها الخيالي ومنها الواقعي ،فنغترف من منهل الوعي مايساعدنا على فهم الحياة ،وهذا ماحدث الآن في هذه القصة المفيدة .سأنقلها لأطفال العائلة ولك مني ومنهم الدعاء بالخير، والشكر والتقدير أخي المكرم أديبنا الكبير نزار الزين.:fl:
أختك
بنت البحر

بديعة بنمراح
13/05/2007, 12:20 AM
:hi:
الأخ المبدع نزار
قصتك الجميلة هذه ، تنبض بالحكمة و العبر . ما أسعد الأطفال بها .
هل تعرف أن ابنتي ذات العشر سنوات قراتها للمرة الاولى فقالت : كيف تسمح الأم لابنها أن يأخذ شيئا ليس ملكه ؟ ثم قالت بعد أن قرأتها لها قبل النوم: هذه الأسرة غنية ، لماذا تطمع قي حاجة غيرها ؟ و أضافت : تلك الفتاة كانت تعامل الديك معاملة حسنة فكان جزاؤها و أسرتها هذا الخير الذي فاض عليهم ..رغم ان الديك لا يلد .. و إن ولد لا يمكن أن يلد جوهرة...
و أنا الكبيرة قرأتها و أعجبت بها و ببراعتك في اختيار المواضيع..
دمت متألقا أيها المبدع العزيز

نزار ب. الزين
16/05/2007, 01:10 AM
يا الله، كم أسعدتني قصتك سيدي،
أنا أعشق قصص الأطفال كثيرا
وخاصة تلك التي تروى بنفس حكمي ، مخاطبة عقل الطفل
ووجدانه...
تقديري ومحبتي
====================
أخي الكريم الأستاذ جمال
شكرا لحضورك و تعقيبك اللطيف و ثنائك العاطر
دمت بخير
نزار

نزار ب. الزين
16/05/2007, 01:12 AM
بالله عليك أكثر من هذه القصص الهادفة الجميلة ذات الأسلوب الراقي الذي يدخل دون استئذان إلى عقول وقلوب الكبار والأطفال..أعادت لي هذه القصة جانبًا من طفولتي السعيدة ونحن نتحلق حول إحدى النسوة وهي تقص علينا القصص منها الخيالي ومنها الواقعي ،فنغترف من منهل الوعي مايساعدنا على فهم الحياة ،وهذا ماحدث الآن في هذه القصة المفيدة .سأنقلها لأطفال العائلة ولك مني ومنهم الدعاء بالخير، والشكر والتقدير أخي المكرم أديبنا الكبير نزار الزين.:fl:
أختك
بنت البحر
===========================
أختي الكريمة الأديبة مريم يمق ( بنت البحر )
أسعدني تفاعلك مع أحداث الحكاية و ثنائك عليها ، و سيسعدني أكثر أن أسمع عن انطباعات أطفال العائلة حولها .
شهادتك وسام أعتز به
عميق المودة لك و الإعتزاز بك
نزار

نزار ب. الزين
16/05/2007, 01:15 AM
:hi:
الأخ المبدع نزار
قصتك الجميلة هذه ، تنبض بالحكمة و العبر . ما أسعد الأطفال بها .
هل تعرف أن ابنتي ذات العشر سنوات قراتها للمرة الاولى فقالت : كيف تسمح الأم لابنها أن يأخذ شيئا ليس ملكه ؟ ثم قالت بعد أن قرأتها لها قبل النوم: هذه الأسرة غنية ، لماذا تطمع قي حاجة غيرها ؟ و أضافت : تلك الفتاة كانت تعامل الديك معاملة حسنة فكان جزاؤها و أسرتها هذا الخير الذي فاض عليهم ..رغم ان الديك لا يلد .. و إن ولد لا يمكن أن يلد جوهرة...
و أنا الكبيرة قرأتها و أعجبت بها و ببراعتك في اختيار المواضيع..
دمت متألقا أيها المبدع العزيز
==========================
أختي الكريمة بديعة
لكم أسعدني أن طفلتك الحلوة تفاعلت مع أحداث الحكاية و أخذت تطرح الأسئلة حول المواقف الرئيسة .
شكرا لإطرائك الدافئ الذي أعتبره وساما أعتز به
عميق مودتي و تقديري
نزار

عامرحريز
22/05/2007, 10:37 AM
قصة رائعة تتفنن في وصف الأحوال كأنك تعيش القصة.. أطال الله عمرك

نزار ب. الزين
23/05/2007, 04:38 PM
قصة رائعة تتفنن في وصف الأحوال كأنك تعيش القصة.. أطال الله عمرك
================
شكرا لكلماتك الرقيقة و دعواتك الصالحة
و على الخير نلتقي
نزار

حسام الدين نوالي
08/08/2007, 07:08 PM
الأستاذ القدير المبدع نزار..
تملك الكثير من القدرة على السرد التعليمي والأخلاقي، وهو سرد يتطلب مهارات كبرى في توجيه الأحداث واستعمال اللغة حتى لا يسقط في التقرير.. وها أنت تجند المهارات الابداعية والتربوية من أجل سرد جميل للأطفال..
لن أخوض في تفكيك بنية النص، والحديث عن المدلولات والتركيب الذي منحه الجمالية والتناسق، فكل هذا ربما قاله الصغار -الذين قرئت لهم القصة- في بعض التعليقات السالفة ("بديعة بنمراح")، بل قاله الأطفال بكثير من الشفافية والبراءة وبكثير من البلاغة المقتضبة.
ما ساقوله أنا هو أني قرأت النص بمتعة، المتعة نفسها التي تجمعني حول التلفاز أحيانا مع صغار العائلة نتابع برامج الرسوم المتحركة المتقنة، فلا أدري أهي متعة مما يتبقى من الطفولة في العروق، أم متعة تلقي نص كاتب يملك من المهارات ما يستدرج به الكبار نحو طفولاتهم..
أيها المبدع.. لدي رجاء.. لا تبخل على أطفالنابنصون من هذا النضج.
مودتي

نزار ب. الزين
19/08/2007, 06:07 PM
الأستاذ القدير المبدع نزار..
تملك الكثير من القدرة على السرد التعليمي والأخلاقي، وهو سرد يتطلب مهارات كبرى في توجيه الأحداث واستعمال اللغة حتى لا يسقط في التقرير.. وها أنت تجند المهارات الابداعية والتربوية من أجل سرد جميل للأطفال..
لن أخوض في تفكيك بنية النص، والحديث عن المدلولات والتركيب الذي منحه الجمالية والتناسق، فكل هذا ربما قاله الصغار -الذين قرئت لهم القصة- في بعض التعليقات السالفة ("بديعة بنمراح")، بل قاله الأطفال بكثير من الشفافية والبراءة وبكثير من البلاغة المقتضبة.
ما ساقوله أنا هو أني قرأت النص بمتعة، المتعة نفسها التي تجمعني حول التلفاز أحيانا مع صغار العائلة نتابع برامج الرسوم المتحركة المتقنة، فلا أدري أهي متعة مما يتبقى من الطفولة في العروق، أم متعة تلقي نص كاتب يملك من المهارات ما يستدرج به الكبار نحو طفولاتهم..
أيها المبدع.. لدي رجاء.. لا تبخل على أطفالنابنصون من هذا النضج.
مودتي
=============
أخي الكريم الأستاذ حسام نوالي
لا تتصور مدى سعادتي عندما أخبرتني أن القصة لاقت استحسانا لدى صغارك - حماهم الله – و أسعدني أكثر أنك استمتعت بها أيضا ، فهذه الشهادة وسام يزين حروفي و صدري و تبقى محل اعتزازي و فخري .
فشكرا جزيلا لكلماتك الطيِّبة و ثنائك العاطر
عميق مودتي
نزار