المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياتنا



حسين أحمد سليم
23/09/2014, 06:03 AM
حياتنا

بقلم:حسين أحمد سليم

حياتنا العرفانيّة ذاتيّا, الواعية باطنيّا, المظلّلة بالحبّ الأقدس و العشق الأطهر على الدّوام المتنامي و المستدام, بعقل مُقلبنٍ التّفكّر و قلب مُعقلنٍ التّشاغف, هي المجال الأجدى لنا بالعيش في هذه الحياة القدريّة لنا, و هي الأوفى من حيث الإستمرار و التّكامل لتحقيق النّموذج المثالي الّذي يتجلّى تخاطرا لنا في البعد, و ما يجب أن تكون عليه علاقتنا الرّاقية السّامية, من خلال ذلك التّعامل التّكامليّ الحنون و الحميم, المبني على المشاركة الفعليّة المتناسقة و الثّقة و الإحترام المتبادل بيننا, و الّذي يُجسّد قدسيّة الإرتباط و طهارة العلاقة بيننا بالمودّة و الرّحمة الّتي أودعها الله في صدرينا و قلبينا و روحينا, و الّتي إئتمننا عليها ليبلونا بالتّجارب لنا تطهيرًا لذواتنا من أرجاسها و أدرانها...

ففي علاقتنا الإستمراريّة بأفضل مقوّمات العيش في مسارات الحياة الّتي شاءها الله لنا نُجسّد ما يُمكن أن نتوصّل إليه من تطوّرٍ و تقدّم في عرفاننا الذّاتيّ و في وعينا الباطنيّ لجلاء الحقيقة الكامنة في خفايا علاقتنا من دون رتابة تنعكس علينا في غربة قاتلة لنفسينا في العشق و الحبّ... ففي إلتزامنا الإيمانيّ تطبيق سليم لنظام السّير الأسلم و الأقوم لنا و ليس غيرنا أشدّ حاجة لنظام سماويّ إلهيّ تقاس عليه كلّ إجتهاداتنا إلتزاما بالأفضل و الأصلح لنا...

والأهمّ من التّكامل في حركة الإنسجام و الحبّ و العشق بيننا هو الإستمرار في حركة فعل النّموّ و التّرقي و السّموّ و التّطوّر في مجال الوعي و العرفان و في تجديد مستدام لأسلوب التّعامل بيننا... حتّى تكون علاقتنا مثال تلك العلاقة المقدّسة الطّاهرة الّتي أوجدتها القيم الإنسانيّة في شرائعها و الفضائل الرّوحيّة في رسالاتها و باركتها الحياة في منظومتها, و ليس العيش معا مجرّد وسيلة آليّة لإستمراريّة تناسليّة و بالتّالي تحقيق مشتهيات الجسد و متطلّباته...

ضمانة مكفولة لنا في حركة فعالية الإستمرار علينا مجاراة معالم حضارة الغد لبناء المستقبل الّذي نتطلع إليه, بإنفتاح ذهنيّ واسع و غير محدود على كلّ جديد في شتّى الميادين العلميّة و الصّناعيّة و الإنسانيّة و الإجتماعيّة و الإستكشافيّة... لا سيّما ملاحقة جادّة لمبدأ التّطوّر في فهم معاني ومطاوي الوعي و العرفان, لأنّه بذلك نسمو بحبّنا و عشقنا في آفاق التّجدّد المستدام, بحيث لا يكفي أن ندرك حقيقة علاقتنا و ضرورة الإحترام المتبادل, بل يجب أن نعي بعضنا البعض من كافّة الجوانب رحمة و مودّة و أنّ لكلّ منّا نفس الحقوق الّتي للآخر و كذلك الواجبات منطلقا من الإطمئنان بالإيمان. و علينا أن نعي أكثر أنّ التّطوّر الحقيقي المتكامل, و التّطوّر الحياتي المنشود لدوام العيش الرّغيد, لا يتمّ منفردا إنّما تقع مسؤوليّته التّكليفيّة علينا معا...
إن أدركنا تمام الإدراك لحقيقة الحياة الّتي حملنا المسؤوليّة في تطويرها و تحضيرها للأفضل, و شعرنا بمصداقيّة ذاتيّة بذلك الإنسجام الّذي سيؤهّلنا للمشاركة الفاعلة بالمهمّة النّبيلة الملقاة على عتقنا, و إن تفهّمنا أنّ مسؤوليّتنا ليس فقط بالإنجاب و تنشئة الأجيال الصّالحة فقط, بل أيضا مساعدة الأجيال على الإرتقاء إلى المراتب الأرقى و الأسمى لما سلف, لأنّ حركة الحياة في تطوّر مستدام... فإن أيقنّا أنّنا قادران على تحمّل المسؤوليات التّكليفيّة بكلّ الوعي و العرفان, عندها فقط تستقيم علاقتنا و تصحّ, ويكون إقتراننا رباطا مقدّسا و طاهرا تباركه الأديان السّماويّة و أصحاب الرّسالات الرّوحيّة و ما يتوافق معها من الأفكار الحضاريّة...

إنّ ما نتطلّع إليه في رؤى الغد, عصر النّور و مستقبل الوعي و حضارة العرفان الإنساني الأرقى, هو أن يكون إقتراننا فيما بيننا يقوم على أسس وعي هذه الأسس و الضّوابط و القوانين و النّظم الّتي تحفظ حقوقنا معا و تجسيدها في حيّز التّطبيق الحياتي الفعلي ضمن إجراءات العمل الأطهر الضّامن لصلاحنا معا... فالقبول اللفظيّ و الشّفهيّ لما سبق ذكره في بداية كلامنا ليس كافيا, و التّنظير الفلسفي الإفتراضي و الإجتهاد في الإستنباط ليس كافيا أيضا, بل المثابرة على التّطبيق بتقنيّة مميّزة و جودة عالية في كلّ مناحي متطلّبات الحياة, التّطبيق الّذي لا يكلّ و لا يتوقّف و لا يهدأ حتّى لا ينتهي و هو المطلوب لنجاح علاقتنا و إستمرارها من أجل الهدف الأسمى الّذي لأجله خُلقنا و وجدنا و حتّى نهاية جهاد النّفس الأكبر في مسارات العمر...
تطبيقنا الأوفى و الأعدل لقوننة منظومة علاقتنا فيما بيننا لا بُدّ أن تتطوّر ديناميّتها و تتفتّح آفاقها بمرونة كبيرة وفق متطلّبات الظّروف الآنيّة و المرحليّة و متغيّراتها الدّائمة في معتركات الحياة و متاهاتها الّتي تضيع بسالكها... بتلك الرّؤى الأفضل و الأنبل تستمرّ حياتنا الّتي نريدها معا هانئة سعيدة رغدة و غنيّة بعبلها حتّى نهاية المطاف في العمر المديد... و هنا أستطيع أن أجتهد بفلسفتي مستنبطا من قراءاتي و تحليلاتي أنّ حياتنا معا بوعي و عرفان و تطبيق سليم و صحيح و قويم هو إستمرار في التّرقّي و السّموّ في حيواتنا المتتالية بتقمّصات سيّالات أرواحنا كُلٌّ حسب مستواه الرّوحيّ... لأنّ واقعنا الحياتيّ المعاش بكامل الإيجابيّات في الوعي الباطنيّ و العرفان الذّاتيّ و الإنفتاح الكلّيّ لكلينا معا, يقود بنا حتما في مسار الإلتقاء المتجدّد في حيواتنا إستكمالا لما به بدأنا...

حياتنا يجب أن نطمح بها معا للتّكامل من جميع النّواحي الرّوحيّة و الجسديّة و المعيشيّة و النّفسيّة و الحياتيّة و التّطوّريّة و الإجتماعيّة و العباديّة و الدّينيّة و بكلّ معالم و مطاوي التّكامل... فليس الجسد وحده يقترن بالجسد, بل النّفس أيضا تقترن بالنّفس و العقل يقترن بالعقل و الرّوح تقترن بالرّوح و الفكر يقترن بالفكر و العقيدة تقترن بالعقيدة... و هكذا, فالقران المتكامل من جميع النّواحي كفيل بإنشاء مجتمع فاضل راقٍ و الإتيان باجيال جديدة واعية عرفانيّة راقية, تلعب حياتها بأكثر إنفتاحا و أعمق وعيا و أثرى عرفانا و أكثر إيمانا و أهدأ إطمئنانا و أسرع تطوّرا... و في ذلك تجسيد عمليّ فعليّ للوحدة و الإكتمال الّذي في أرجائه ولد و نما و ترعرع, لينطلق من قاعدة ما وصل إليه السّلف من الرّقيّ و السّموّ إستكمالا لريادة الأبعد و الأكمل و الأشمل, ثمّ إلى علاقات أرقى وعيا و أعمق إدراكا, و أفضل إيمانا و إطمئنانا لتنشئة أجيالٍ أكثر إنسانيّةً و تطوّرا تتسنّم درجات سلّم الوعي و العرفان و الإرتقاء و الإدراك من خلال الإيمان و الإطمئنان...