المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقوش الطّفولة ...



دليلة بونحوش
09/06/2015, 09:33 PM
نقوش الطّفولة ...

من منّا لا يأخذه الشّوق إلى أيّام الصّبا ؟ إلى أيّامٍ كان فيها يسعى ملاكا على أرض الرّب ، من منّا لا يميد متنه و لا يرتعش قلبه و لا تتقطّع أحشاؤه إذا ما رأى مدرسته الأولى ؟ تلك التي قِيدَ إليها طفلا غِرّا لا يعرف عن الدّنيا إلاّ أركان البيت و دروب القرية أو شوارع المدينة . ولجنا أفنيَة المدارس أوّل ما ولجناها لا نعرف حرفا و لا ناغينا سطرا ... لا شممنا ريح دفتر و لا عبق مداد . من منّا لا تهفو نفسه لأن يعود القهقريّ في الزّمن ، ليأنس بصحبة كتاب عشقَ رسوماته و أبهرته حكاياه و القََصص ... ليسكن جدران فصله و يتلمّس أديم طاولته ... ليُعانق الصّباح معانقة الأحبّة و قد خلا الخاطر إلاّ من الصّحب و الخلاّن .... كلّنا متيّم بها ، كيفما كانت ، كلّنا غارق صبابة بأيامها ، تلك الطفولة التي لا تعود ... و لكن مهلا ، إنّها الغائب الحاضر فكلّنا طفل بريء يسكن كهوف اللاّشعور . طفولتنا تلك هيّ التي صاغت قلوبنا ألوانا قزحيّة أو حجرا صوّان ، طفولتنا تلك هي الصفحات التي خطّ عليها آخرون بحبرٍ من نار أو تبرٍ من نور ... كنّا حمائما بيضاء و ربيعا في ليالي شتاء ... لكن امتدّت إلينا يدٌ تصفعنا فبكينا و ما نسينا ... زلزلتنا نظرات معلّم غاضب فانكمشنا و ما نُشِرنا ... و جلدنا حزام أبٍ فكُلِمنا و ما التأمنا ... و طافت بنا رياحين الرّحمة فهدأنا ، و داعبنا الحبّ فتفتّحنا زنبقا و فلاّ و ياسمين . طفولتنا تلك سوّتنا قطعة كريستاليّة ، حملت خطوط انكسارها كما احتوت شيفرة قوّتها... نكبُر و تبتعد بنا السّنون عن صبانا و لكن دون وعي مناّ طفولتنا ماضيّة في نمذجة ميولاتنا و رغباتنا و نزعاتنا و قيمنا ... ماضيّة في اختيار الأوجه التي نهواها و الأفكار التي نتبنّاها ... فمنّا النّزّاع إلى الصّمت و منّا العنيف العنيد و منّا اللّين الطّيب و منّا و منّا و منّا ... كلّ واحد فينا يعي تمام الوعي أنّ ذاته ليست قوّة واحدة ...إنّما قوى متنازعة و سلوكنا صورة للقوّة الغالبة . و الآن ... ماذا لو وجدت نفسك يوما تفقد اتّزانك النّفسي فلا تستطيع المُضي في حياة هادئة... تجد نفسك تؤنّب ذاتك في بيئتك الدّاخليّة و تنزل ويلات على عالمك الخارجي ...أو أنّك تجد نفسك ملاحقا بأفكار لا تجد لك ملاذا منها غير ان تنكسر " مضطربا " بين الأسوياء . هل تصدّق أنّ كلّ ذلك رسمته و لوّنته ذوات أخرى على طفولتك ؟ الحلّ بسيط معقّد ، قريب بعيد ... و يتعيّن ذلك بمقدار ذكائك و ثقافتك فهذه الأخيرة تساعد في تقويّة " أناك " . تريد الحل ...؟ أقولها لك يا من لست بخير مع ذاتك ، اغفر زلّات طفولتك ، اجلس معها في خلواتك و اجعلها في حِلّ من أزمتك ... صُبّ المغفرة على أخطائك التي تقتلك و تشوّهك و تأكّد أنّها لا تعدو أن تكون أفكارا لا يطّلع عليها من البشر أحد . تأكّد ... لو كانت أخطاؤنا غيماتٍ تُرافقنا لما رأينا ملامح بعضنا البعض .
سلام .........
دليلة بونحوش

سميرة رعبوب
11/06/2015, 01:07 AM
فعلا ، أبدعتِ في تشخيص الحالة أخت دليلة بونحوش
فالإنسان المتصالح مع نفسه لن يعتديَ على أحدٍ بأيّ شكل من أشكال الإساءة.
تحية وتقدير لما كتبتِ.

دليلة بونحوش
11/06/2015, 06:30 PM
الأستاذة القديرة / سميرة رعبوب ...
أشكر لك مرورك الكريم ... و أثني عليك لما ألقيت من كلمات عذبة تنشر السّعادة في روحي و الرّضا .
تحياتي و تقديري