المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تكون النذالة موهبة



كاظم فنجان الحمامي
26/06/2015, 09:55 PM
عندما تكون النذالة موهبة

كاظم فنجان الحمامي

ما أن أنهى (صابر) خدمته الإلزامية في صيف 1980 حتى وجد نفسه بعد بضعة شهور مجبراً على أداء خدمة الاحتياط، التي لا حدود لتوقيتاتها الزمنية، ولا قيود لتنقلاتها المكانية، وهكذا التحق ثانية بتشكيلات القوة البحرية في قاطع (أم قصر)، فوجد النقيب (X) أمامه بقامته القصيرة، وغطرسته العسكرية الغارقة في ممارسة حزمة من السلطات والصلاحيات الارتجالية المزدوجة. كان ذلك النقيب أداة من أدوات القمع، ومن أشرس الضباط، وأكثرهم فتكاً ونذالة. شاب موتور. غارق حتى رأسه في الوقاحة. متوسط القامة نحيف الجسم. يتبختر صباح مساء ببزته الحربية، يطلق أوامره جزافاً كيفما يشاء، وحيثما تحذفها عفاريته المجنونة. حتى كبار الضباط كانوا يخشونه، ويتجنبون الاحتكاك به.
لا يتورع عن إلصاق أي تهمة تودي بحياتهم أو تطيح بهم. فالرجل من أصحاب السوابق في تدمير الناس، وله باع طويل في تلفيق التقارير الباطلة. كان اسمه يثير الذعر في قلوب الجنود، فما بالك بالجندي (صابر)، الذي فقد أشقائه في معتقلات الأحكام الثقيلة، والذي وضعته الأقدار تحت مظلة المراقبة اللصيقة من قبل كلاب الاستخبارات وذيولها، فالنقيب (X) ينتمي إلى الزمرة المدللة في صفوف الحزب الحاكم. ولا يتردد عن ارتكاب ما يحلو له من أفعال خسيسة. يسحق من يقف في طريقه بدم بارد. حولته نوازعه المخيفة، وسريرته القذرة إلى دكتاتور صغير، يثير الرعب وسط هذا الحشد الكبير من جنود البحرية وضباطها. . ما أن انتهى العام الثاني من الحرب، حتى تلقى اللواء البحري السابع برقية عاجلة تقضي بنقل الجندي (صابر) إلى كتيبة الفروسية، فكانت فرصة عظيمة له، أنقذته من شرور هذا النقيب العقرب. ثم دارت الأهلة دوراتها، وانتهت الحرب، فتسرح الجنود، وعادوا إلى ممارسة أعمالهم المدنية. عاد (صابر) إلى سفينته في عرض البحر بوجهه المبلل بالتعاسة. مرت سنوات سقط بعدها النظام الظالم، فاندلعت من بعده براكين الفوضى الخلاقة، فكان الذي كان من حيث لا ينبغي له أن يكون. إذ فوجئ (صابر) بظهور النقيب (X) مرة أخرى في مقاهي خيمة السيرك السياسي، لكنه ظهر هذه المرة بملامح الورع والتقوى، وإذا به يعود من جديد لممارسة بطشه الحزبي القديم، بصيغة مطابقة تماماً لمظهره الاستخباراتي المرعب، ومن دون أن يتخلى عن هوايته الدموية، التي أخذت طابع الأحكام الشرعية الارتجالية. لقد عاش عيشة الشياطين، لكنه يريد أن يموت ميتة القديسين المفسدين. فانتمى إلى جوقة المنافقين اللاهثين خلف سراب المجد الزائف، فالمنافق (X) لا يمتلك ذرة واحدة من المشاعر الإنسانية، ولا يفهم بالدين ولا بالسياسة، لكنه استغل همجية الأنظمة المتعاقبة، وركب موجة الطائفية اللعينة، فجند نفسه في خدمة أهدافها الزئبقية.
أشار إليه (صابر) بالرمز (X). قال: أنه يقبع الآن في دكان من دكاكين الابتذال السياسي. لم يذكره بالاسم، ولا فائدة من أن يسمي الانتهازي باسمه، فالخلفية الأخلاقية لمعظم الانتهازيين متشابهة إلى حد كبير، فهم متلونون ومرتعشون وإن كانوا يتظاهرون بالقوة، لذا تراهم يلجئون للانتقام من خصومهم لأتفه الأسباب. ذلك لأنهم أولاد سِفاح، ولدتهم أمهاتهم بلا ضمائر، تماما كشخصية زياد بن أبيه الذي تفسخ جسده في مزابل التاريخ. .