المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكلاب لا تخون أوطانها



كاظم فنجان الحمامي
06/07/2015, 09:59 PM
الكلاب لا تخون أوطانها


كاظم فنجان الحمامي

سيأتي اليوم الذي تحتج فيه الكلاب على بعض الألفاظ العابرة، التي نطلقها من وقت لآخر على الخونة، وربما يطالبوننا بعدم تشبيه العملاء بحيوانات أليفة، لا تعرف المراوغة في انتماءاتها، ولا تمتهن المساومة، فالثبات على المبادئ من أعظم طبائعها التي جُبلت عليها، فهي تشكر النزر اليسير مما يجود به الإنسان الكريم، ولن تنساه أبدا، فإذا ناداها من مكان بعيد، توافيه على الفور، وتتودد إليه. الكلاب لا تخون أصحابها، ولا تتنكر لمن يعطينا كسرة خبز، فكيف بخيانة وطن بشعبه وتاريخه ومستقبله. عندما ترفق بالكلب يطيعك طاعة عمياء، ويصبح من أخلص حراسك، ويتفانى في الدفاع عنك في أعنف المواجهات وأكثرها دموية. أما إذا أكرمت اللئيم فأنه يتمرد عليك، ويصبح من أشرس أعدائك. ربما سبقنا المرزبان البغدادي في تسليط الأضواء على هذه المزايا الفريدة في سلوك الكلاب، فكتب عام 921 للميلاد كتابه الشهير: (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب). جمع فيه كل ما جاء في مزاياها الحميدة بالمقارنة مع الأشرار، الذين فسدت أخلاقهم، وساءت علاقاتهم بالناس. فمواقف الغدر والخيانة والجحود ونكران الجميل، والكثير من طبائع البشر لا وجود لها في خصال الكلاب، حتى قال بعضهم: (كلما تعرفت على غدر الإنسان يزداد حبي لكلبي).
ربما سمعتم بحكاية الكلب الياباني (هاتشيكو)، الذي كان صديقاً لأستاذ جامعي يدعى (سابورو أوينو)، اعتاد (هاتشيكو) مرافقة صاحبه إلى محطة القطار عند ذهابه إلى جامعة طوكيو، وحين يعود الأستاذ من عمله يجد صديقه الوفي بانتظاره عند باب المحطة، وفي يوم من الأيام سقط الأستاذ ميتاً متأثرا بجلطة دماغية. لكن الكلب (هاتشيكو) ظل منتظراُ عودته لعشرة أعوام كاملة. وبمرور الأيام تحول (هاتشيكو) إلى أسطورة يابانية حية، إلى درجة أن المعلمين في المدارس صاروا يشيدون بسلوك الوفاء العجيب، الذي أبداه هذا الكلب، ويطالبون تلاميذهم بأن يكونوا أوفياء لوطنهم كوفاء (هاتشيكو) لصاحبه. في عام 1935 عثروا عليه ميتا في شوارع المدينة، فأحاطوا جثته بعناية واحترام، وصنعوا له تمثالا، وضعوه في حديقة متحفهم الوطني.
ختاما نقول: يبقى الإنسان قيمة عظمى في هذا الكون الفسيح، فقد خلقنا الله في أحسن تقويم، بيد أن إعجابنا بوفاء الكلاب وإخلاصها ينبع من مواقفنا الاحتجاجية المعلنة ضد حالات الغدر والخيانة، وضد حملات نكران الجميل التي نتعرض لها من بعض الكيانات السياسية، التي لم تكن وفية أبداً لهذا الشعب، ولم تكن مخلصة لهذه الأرض المقدسة.
نحن نذكر وفاء الكلاب لأن الوفاء من أقوى مزايا سلوكها الغريزي، ونعلم أنه لا يصدر عن ذات حرة واعية، قادرة على الاختيار ما بين الخير والشر. لكن هذا التباين في السلوك بين الإنسان والحيوان لا يمنح العملاء والخونة الأعذار التي تبرر انزلاقهم نحو مستنقعات الغدر والجحود والخيانة.
https://www.youtube.com/watch?v=EaXBQbZnXXY