المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبقرية الدمى الطينية



كاظم فنجان الحمامي
07/08/2015, 08:34 AM
عبقرية الدمى الطينية


كاظم فنجان الحمامي

كنا حتى زمن قريب نصنع الدمى الطينية بأيدينا لكي يلعب بها أطفالنا في باحة الدار، لكنها اليوم هي التي تتلاعب بنا كيفما تشاء، وهي التي تتحكم بمصيرنا، وهي التي تدير شؤون معظم مؤسساتنا الخدمية والإنتاجية، فتتعثر وتتقهقر، ثم ترسم بعثراتها صورة مشوهة لمستقبلنا الغامض.
صارت آلهة الطين والعجين من الظواهر الشائعة في مجتمعاتنا المتراجعة إلى الوراء. وما أكثر المسؤولين الذين هبطوا علينا من كواكب الدمى المتحجرة، ثم تبوئوا أعلى المناصب، واستحوذوا على أرفع المراتب. أما التصاقهم بالكراسي فيعزا إلى خاصية اللزوجة الطينية القادرة على تفعيل رغبات الالتصاق.
لم يعد يزعجنا تسلق أصحاب العقول الطينية فوق سلالم المناصب العليا، ولم نعد نكترث لأمرهم، فالشخص المناسب لا وجود له في المكان المناسب، في معظم مقاعد الدرجات الوظيفية الكبيرة المحجوزة لأنصار المحاصصات وأبطال المناقصات، خصوصا بعدما تحول هذا التسلق الانتهازي المربك إلى لعبة أساسية من ألعاب السيرك السياسي.
ولن تستفزنا بعد الآن مواكبهم البرمكية المتبخترة في شوارعنا، ولا قصورهم الباذخة، ولا رواتبهم الفلكية التي تجاوزت حدود المعقول في كل المعايير الإدارية والمالية المتداولة في الأقطار الأخرى. لكن الذي يزعجنا الآن، ويجلب لنا الهم والغم. إن هذه الدمى الطينية الغبية تظن كل الظن إنها هي الأذكى، وهي الأعلم والأنضج، وهي الأكثر فهما وحكمة من الجميع، والأكثر تفوقاً على خبراء هذا الشعب المخذول، رغم إنها لم تكن لترتقي إلى مراكزها التي ساقتها إليها رياح الصدفة لو لم تكن تمتلك مؤهلات القرود في التقافز السريع فوق الحواجز العلمية والمهنية والوظيفية. وما أكثر الأغبياء والمتخلفين وأنصاف المتعلمين، الذين حذفتهم علينا تيارات السيول السياسية الجارفة لترفعهم نحو قمة الهرم الوظيفي، وترمي أصحاب المؤهلات العالية في قعر المنخفض الإداري، فتنقلب المفاهيم رأساً على عقب، ويكون مصير الأذكياء بيد الأغبياء، وما أكثر الشواهد المهنية والعملية على تسيد الدمى الطينية، فلا تندهش بعد الآن إذا كان مديرك يحمل شهادة إعدادية مزورة، بينما تحمل أنت شهادة الدكتوراه أو الماجستير، فالرؤوس نامت والعصائص قامت. ولا تستغرب إذا وجدت الدمى الطينية في مقدمة الركب الإداري، فالصورة التي تراها أمامك الآن هي الصورة السائدة في زمن الرويبضة.
قالوا لسيد الكائنات: يا رسول الله، وما الرويبضة ؟؟، قال: (الحاكم التافه الذي يتحكم بالرعية). الحاكم هنا يمكن أن يكون أي مدير أو وزير أو سفير. أو أي مسؤول من هذه النماذج الطينية البليدة. أما الرويبضة: فهي الناقة الضعيفة المتهالكة، التي لا تصلح لشيء، والتي ربما تشكل عبئا على القطيع، وعقبة للقافلة.