المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثرثرة فوق البحر المتوسط مع نجيب محفوظ



أحمد فضل شبلول
26/10/2006, 02:45 AM
ثرثرة فوق البحر المتوسط
مع نجيب محفوظ
بقلم: أحمد فضل شبلول

الجرائدُ لم تصلْ
والمحلاتُ لم تفتحْ أبوابَها بعدُ
والصباحاتُ لم تجئْ
والبحرُ ..
غارقٌ في ظلمةٍ لا تنتهي
وأنا ..
أعبرُ الكورنيشَ في يدي كتابٌ
معي ..
هاتفي المحمولُ الذي أُصيبَ بالخَرَسْ
منذ رحيلِ المُعلِّمِ الفنَّان

في لقائِنا ..
لم يشربْ من قهوتِهِ
سوى وجهِها
وَضَعَ الفنجانَ أمامي
لم أرتشفْ بقاياه
قَلَبَ الفنجانَ
وقالَ بصوتٍ أبويٍّ: اقرأْ
فأخذتُ أثرثرُ فوق البحرِ
وأعدو ..
وراءَ السَّمَّانِ المتكاثرِ في الآفاق
كان خريفي ..
يتخفَّى خلف أغسطس
فهل كانَ مُعلِّمُنا
يتخفَّى خلف النظارةِ مثلي ..؟
لا أحدَ الآن يغني ..
ماتتْ أناشيدُ الحرافيشِ
وماتَ الجبلاوي
تأتيني أصداءُ السيرةِ
فأصلِّى عليهم
في "ميرامار"
وأبكي ..
أسفلَ تمثالِ "سعد زغلول"
***
الجرائدُ لم تصلْ
ومحطَّةُ الرملِ
تقفُ أمام سينما "الهمبرا"
في انتظارِ "الكرنك"
لكني أشاهدُ لصًّا وكلابًا وملوكًا
يجرونَ أمام العرش
لم يكن اللصُّ هو الأستاذُ
بل .. أنا
***
أنا سعيد مهران
أحببتُ زُهرة
وجئتُ إلى "قشتمر"
لكي أخطبَها
فعلمتُ بأنَّ الأستاذَ
يعيشُ في الحقيقة
وفي ليالي ألف ليلة
***
أنا عيسى الدباغ
أنا محتشمي زايد علوان
كنتُ البدايةَ والنهايةَ
والقاهرةَ الجديدةَ
وأنا اللصُّ الجديدُ الآن
فرَّ الكلابُ من الحديقة
بعد أن نهشوا الحقيقة
***
الجرائدُ لم تصلْ
والمحلاتُ تفكِّرُ في فتحِ أبوابِها
وأحمد عاكف
يسألُني عن كتابٍ جديدٍ
لم يصدرْ بعد
**
رششتُ الماءَ ..
أمام سينما "مترو"
وجلستُ على مقهى "بترو"
انتظرُ السيدَ أحمد عبد الجواد
لأقولَ له:
"ملعون أبو الدنيا"
اهتزَّ السيدُ في ضحكتِه
أخبرني ـ همسًا ـ
أن أمينةَ حاملْ
فضحكتُ وقلتُ:
إنها أحلامُ فترةِ النقاهة"
يَصفعني سي السيد
أشكوه إلى الأستاذ
كان الأستاذُ يحدِّقُ في "أفراح القبَّة"
ويصلِّى في الحسين
وينامُ في "قصر الشوقِ"
أو العجوزة
***
أنا الشحَّاذُ
جئتُ لكي أشحذَ منكَ "السراب"
فرأيتُ نفسي في "المرايا"
مثل أحمد رمزي في "العوامة"
مع أني كافحتُ في "طيبة"
وطردتُ الهكسوسَ والغلمان
وبنيتُ الأهرامَ
تُطل على كورنيشِ الروحِ
فيعلو صوتُ الباعةِ في الخانِ والزقاق
و"بحبك يا ابيض"
***
هطعتُ إلى الإسكندرية
"الإسكندريةُ أخيرا
قطرُ الندى
نفثةُ السحابةِ البيضاء
مهبطُ الشعاعِ المغسولِ بماءِ السماء
وقلبُ الذكرياتِ المبلَّلةِ
بالشهدِ والدموع"
***
أيها البحر
ها هي الشمسُ تسطعُ ..
فوق مياهِك الحُبلى بالأمطار
ها هو سبتمبرُ قد هلَّ علينا
بعد رحيلِ الأستاذ
فاجمعْ أوراقَكَ يا بحرُ
وانتظرْ ..
هطولَ المطرِ القادم.

أحمد فضل شبلول
الإسكندرية 4/9/2006