حسن سلامة
12/05/2007, 01:56 AM
في ذكرى استشهاد الشيخ ياسين
يا / سين .. ليس عابراً على كرسيه
سلام عادل ، وشاملٌ ..
عادل وسالم وشالم
وكرسي مائلٌ ، وماثلٌ
قال صوت هامسٌ :
(.... أخت عيشتنا ، عيشة ..)
قال صوت رادفٌ :
عيشتها أفضل ..
قلت لا
لا ، ما قلتُ شيا..
انزويتُ جانباً ..
أبكي وأعوي
حتى خرجت جرائي
من تحت إبطي مرعوبة ..
مرهـوبة ..
جاءها الإرهابُ من كل صوب
من كل صوت،
إرهابٌ جارفٌ كالموضة
في السوق
كالهوتْ دوجْ ،
كالقمصان
... كالبناطيل ، والفساتين
والنساوين.. والتصاوير..
والتدابير.. والمزامير
فتسوقوا ..
أرهبكم الله
تسوقوا
هو يوم بيع وشراءْ
من باع وطناً بحذاءْ
الحذاء لا يشتري وطناً
لا يشتري كفنا ..
***
قررت ُ،
حين رأيتـُني
قررتُ أن أقسم حالي :
جزء مع أمريكا
جزء ضدهـا ..!
جزء معي .. جزء معكْ ..
جزء لي .. جزء لكْ
جزء مني .. جزء منك
جزء للباطل ..
جزء لـ ..
لم يبق للحق شيئاً،
فأموت في جزئي الأول
الذي لن يلتقي معك ..
قررت أن أجوع
أن أبحث
عن عليق ما مسه حمارْ ..
عن سكر لا أعرف أين تسربْ ..
عن عيدان قصب معصورة
عن هذا العود اليانع
الأملس الملمس
الطويل ، الرشيق ، كحية
الحلو مثل طفولة
قال : حـُطه في العصارة
..... حطيته
شغل الكهرباء .. شغلتها
ادفع العود.. دفعته
اعصره.. عصرته
دعه .. تركته..
سيخرج من خلف العصارة ناشفاً
لا سكر فيه.. لا ماء..
أين ذهب السكر يا صاحبي
من امتصه..؟
إرمه بعيداً.. رميته
تلقفته الأبقارُ ..
حُشتها عنه..
ظللت حتى اللحظة
أمص خشباً ..
فيه بقايا سكر ..
ظللت أمص لا شيء
..
فانطفأت نقطة نوني ..
بقيت صحناً جافاً
ينتظر قطرة..
من صاحب العصارة
من قصب
من سكر
من..
حرف الجر الذي ..
جرجرني من عرقوبي
مع أعواد القصب الجافة ..!
***
أنا الذي أدناه
أحب أن أكون مثلكم
أريد مثلكم ...
أن يكون لي جدار أتمطى خلفه
ولحاف أنام تحته
أريد أرضاً وسماءً
قطرة ماءْ..
وقطة تموءْ
أريد مثل الماعز ،
حظيرة صغيرة
وكلباً
ودجاجة
وماسورة..
أريد أن أعبث بأي شيء
أن أجرح يدي ،
فأضمدها بخيشة من دمي
أريد أن يكون لي
مكان أصغر مما تظنون
وزمان أقصر من أي وقت
أريد مكاناً كمساحتي وليس كأحلامي
أقول : ( بلاش ) كل هذا
.. أريد أن يكون لي مكان للذاكرة
للوجدان الذي ضاع نصفه في القمة ..
ويضيع نصفه الآخر في القاع ..
أريد أن تكون لي .. مقبرة
مقبرة واحدة ..
أوحد فيها الواحد
.. الأحدْ
ثم أقعي عند راس أبي
أقرأ الفاتحة
ثم ، لأخي ، لابني
...
أريد أن أزورني حين أموت
لأطمئن .. عني
أنا الذي أدناه ..
الذي ليس مثلكم ..
***
لتقرأوا علي السلام ..!
السلام العادل ، الشاملٌ ..
الشلام ، السامل ، الشالم
....!
لعبة ، فزورة لا تنتهي
***
إلهي ما تركته ،
ما تركتني
أعلم أنك معه ، معي
أنا الذي معبأ بالمحبة مثله ،
فانتزع من بين الضلوع
(ياء .. سين)
أضعهما ..
أضعه على كرسي بعجلتين
فترصده قذيفة عمياء ،
أصم أذنيّ على انفطار القلب ..
على انشطار القذيفة الماكرة ..
على التشظي ..
على التلظي ..
على الدم الصارخ ، القاني
الساخن الحاني ..
المحملق
المنمق
الذي حين أكون فيه ..
أكونه ،
أذوب في يائه وسينه
فأكون في صلب حماسه
حلاته
.. يا إلهي أينه ..؟
أينهم ..؟
أينني ..؟
يا إلهي لا يدوم إلاك ..
لا أحد يصد التردي
لا أحد .. إلاك.
.
إنه يعبر الآن على كرسيه
دعوا كرسيه معه .. له
وانصرفوا ..
لكم الخيار
بين غزة والفلوجة ..
بين عمورية
أو سادوم ..!
***
غنت الحاجة العجوز:
{ يمهْ يا يمهْ وين انتَ ماشي
قالولي رايح على الإنعاش }
فانتعش كرسيهُ
وانتعشت أمهُ
.. وابنهُ
.. وبنتهُ
انتعش دمهُ
.. وقام مهرولاً
إلى ربه
الذي لم يتركهْ..
***
مزقتُ رئتيّ ، صرختُ :
يا ذا التلظي اقترب ..
حرك الريح نحو الشراع
الذي قد يخنق الساري
اشتعل في الجوارح ،
حتى تضج بالشوق للذات والأمكنةْ..
..
جرادٌ .. جرادْ
محددٌ بالحديدْ..
مضججٌ بالضجيج ..
فوقه دخان ٌ..
تحته شهيدْ
حوله صمتٌ ..
وجومٌ باردٌ كالرصاصْ
أينما شئتَ .. استغاثاتٌ
ليس لها صدى إلا الصدى
.. والسُدى
وذاك المدى ، غاب خلف الشوك
خلف الردى
.. والحدادْ
جرادٌ .. جرادْ
كلما يخضر عودٌ ، يلتهمه
لكنني أحلم
بالأخضر والحصادْ..
أقول :
بعد الجراد مطرْ..
والأرض لم تزلْ ،
في أحشائها جذور..
رشةٌ .. رشتانْ
فتخرج أثقالها والخفاف ،
ويخرج ذاك الصهيل ،
والأخضر الذي نشتهي ..
والفراشات ..
والنخلةُ ..
واللونُ ..
والوجهُ ..
والوقتُ ..
والكرسيُ ..
والياءُ ..
والسينُ ..
التي ننتمنى ..
***
دعوني أهربُ
بأحزاني ،
إلى غابتي ..
ألعقُُ جرحي ..
أبحثُ عن هنادي التي
تبحثُ عن شئ كأنها أضاعته
كان في يدي ،
كان (قمقمة) كأنها هو
قلتُ : أحكُها ، علها تخرجُ ماردها .
فتحركتْ ، سكنتْ ..
خرج ماردُها ، قال :
( اسكتْ ساكتْ .. !)
قلتُ : شبيك لبيك .. خيرا ..!
قال : سنجيب الذيب من ذيله ..!
قلتُ : من ذيلهْ ..؟
قال من ذيله وضحك ..!
قلتُ : يا خال إبليس ( قولْ وغيـّرْ )
قال : كشفتني ...
ثم اختفى في قمـ .. قمته
وعدتُ إلى غابتي أنادي،
لم أجد هنادي ..
ربما أكلها ذلك الذيب ..!
فطفقتُ أستر حزني .. بالبكاءْ
حين رأيتُ جسداً
معلقاً ..
وحيدا ً ..
على ..
غصن ..
بثوب ..
فدائي ..
نصفه الأعلى يقف
من دون جلد
والأسفل يرتجفْ ،
تحته رصاصة
.. ساخنة .
من يطلقها ..
عليّ ..
أو على الذئب ..؟!
***
…… …
…..
حين أرى كرسيه ..
أكونَه ..
أعلم أن هناك مكاناً علياً لمثله
وأعلم أن الذي يجلس فوقه ..
ليس مثلنا ..!
أعلم أننا لا نشبهه
لكننا نحبه ..
من جنوبه إلى جنوبه
منه إليه ..
***
كرسيه .. أراه ،
ينهش الأسفلت
بين غزة والفلوجة
بين رفح وقانا ..
بعجلاته القديمة
بوعيه الذي فوقه
بالذي ينتظره
بالذي أمامه
وبالذي خلفه ..
بامرأة قديمة
بأطفال قدامى
يلهث نحو الصباح الجديدْ
يجدد الأشياء من حولنا
.. لنا .
***
يشدني الجنوب دائماً
جنوبُ الجوع ..
جنوبُ الفقر ..
جنوبُ العذابات التي
تدفن رأسها في فؤادي ..
أدرك أن الجنوب سيبقى
ضد الشمال ..
محكوماً بالجاذبية
ونحن ننام ضدها
.. ضد الاتجاهات
ضدنا ..!
***
كنت ذات جنوب ..
أطل على وطن جنوبي ..
ما خلوني أحبه
قالوا ، علي اجتيازه
خلال سويعات
.. فاجتزته
برمله وناسه
بصخبه
.. حراسه
وعند النقطة الأخيرة
كنت بحاجة إلى كرسي
كالذي أعرفه
ما وجدت إلا ..
شيئا على شاكلتي
كأنه أنا ..
يشبهني إلى حد الفجيعة
فانفجعت عليه عني ..!
***
كان الصوت يصدح :
{ سكة سفر ،
يا مشاوير العمر
عل .. وعسى .. }
كان عبد الله يصدح
يقاوم برداً ما شافه من قبل
إجهاداً لم يعرفه ..
قال أن الحدود تلفظه
كصاحب الحوت
قال أنه لا يحب الحدود
لا يريد أن يحبها
وقال :
عند منتصف الليلة
يولد طفل عند الحدود
لأبوين لا أعرفهما ،
لم أعرفهما ،
لا أريد أن أعرفهما ..
ربما كانا صالحين ،
ربما الولد ،
كالذي قتله الصالح
ربما .. ربما
لكن ، بعد ثلاثين عاماً ، قال
سيوقفك هذا الولدْ
عند هذه الحدودْ
التي تتوالد معه ..!
بعد ثلاثين سنة
ستنمو له لحية ٌ
وشاربان
وأنيابٌ
وأحقادٌ
وأضغاثٌ ..
ستنمو له أسنانٌ
مسنونةٌ
غير التي نعهدْ
سينمو له مزاجٌ ..
غير الذي نعهدْ
ساديةٌ ..
غير التي نعهدْ
سينمو عنده ضدي
الذي لن يفارقه ..
فلن أفارقه ..!
***
عبد الله كان يهذي
ربما
كان يصرخ :
( والله العظيمْ ما سوْيتْ شَيْ )
........
كنت أنصتُ لعواء الكلاب
لم أجد حجارة ألقمها
....
كان يهذي
يقول : اقتله
لأنه سيقتلك هنا
بعد ثلاثين سنة ..!
انهم يأكلونك،
يشربونك،
يمقتونك،
يذبحونك،
انهم ...
يتداعون عليكَ ..
كان أحد الكلاب يستفزني
كان يعوي
يقترب مني كثيرا
... !
***
كنت ذات جنوب ..
أطل على وطن جنوبي ..
ما خلوني أحبه
قالوا ، علي اجتيازه
حاولتُ ..
كان سعد الله يشدني
لأنه عاجزٌ عن الوقوفْ
منذ ثماني سنوات
سعد الله يخبرني ما أعرفه
اثنان وثلاثون فرداً رحلوا
تسربوا من بين يديه
يوم الخميس،
عند قانا،
أعرفُ ..
أنه لملم بقاياهم الساخنةْ
أعرف أنه تمخض كل أحزانه
ودمعه،
ودمه،
وماضيه،
ومستقبلهْ ..
لكنني لا أعرف أنه
حين عاد بعد دفنهم
دخل بيته
وحيداً
يناديهم
بأسمائهم،
فردا .. فردا
لا أعرف ، هل أجابوه
لا أريد أن أعرف ما قالوا له ..
لأنني
سمعتهم .. رأيتهم
أنا الذي تمخضني
مع أحزانه
دمعه
دمه ..
وغير بعيد ،
كانت خيرية
تمسك صورة جماعية
لأبنائها
وأحفادها الخمسة عشر
فلم أقاوم نفسي
التي
استنزفتني
فبكيتْ
.....
منذها
جلست جنوبي جسدي
فرأيتُ قاتلي على حاله
( يبرطع )
في تخومي ..
لا يزال ..!
***
قيل لي للتو
أن غزة ودعت شهيدا
تعجبت ..
منذ متى لم تودع ..؟!
قيل لي إنه ..
قلت:
إن قاتلي على حاله
( يبرطع )
في تخومي ..
..ومضيت
لا أعرف كيف أهرب مني
فمسكتني عندي
متلبسا بي
معي
لي
ووجدتني
على كرسي صغير
له عجلتان صغيرتان
ومن خلفه عينان ترقبان
وأمامي قرية طينية صغيرة
منها نبتت الأشياء التي عرفتْ
قرأت اللافتة
الجميلة التي
بين الفالوجة والفلوجة
فوقفت،
كنخلة
تنزف
زيتا ..
وتمراً
نظرت إلى خيلها
أدمتني العيون الحزينة
والفجر الحزين
وأبو صالح في صمته
شبع جوعاً
وحزناً
هو لم يشاهد ( الحرة)
أو السوبر ..
لا يعرف ثقافة الجنس
لم ير بوش من قبلْ
أو كوندوليزا
لم ير بلير أو صدام ..!
خميس صالح بسيط
مثلي ،
ينام على جوعه
..
كان يصرخ :
( والله العظيمْ كلشْ ما عدْنا )
أبو صالح
فعل ما فعلناه
في غزة
ورفح
وقانا ..
لملم لحم أبنائه
في بطانية قديمةْ
في فؤاده القديمْ
وجلس يناديهم
فرداً .. فردا
اشتهيتُ أن يرد عليه أحد
... غيرهم
فما سمعت
.....
لكنني
أرى الأخضر والحصادْ..
أقول : بعد الجراد مطر ْ..
والأرض لم تزلْ ،
في أحشائها جذور..
رشةٌ .. رشتانْ
فتخرج أثقالها والخفاف ،
ويخرج ذاك الصهيل ،
والأخضر الذي نشتهي ..
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com
يا / سين .. ليس عابراً على كرسيه
سلام عادل ، وشاملٌ ..
عادل وسالم وشالم
وكرسي مائلٌ ، وماثلٌ
قال صوت هامسٌ :
(.... أخت عيشتنا ، عيشة ..)
قال صوت رادفٌ :
عيشتها أفضل ..
قلت لا
لا ، ما قلتُ شيا..
انزويتُ جانباً ..
أبكي وأعوي
حتى خرجت جرائي
من تحت إبطي مرعوبة ..
مرهـوبة ..
جاءها الإرهابُ من كل صوب
من كل صوت،
إرهابٌ جارفٌ كالموضة
في السوق
كالهوتْ دوجْ ،
كالقمصان
... كالبناطيل ، والفساتين
والنساوين.. والتصاوير..
والتدابير.. والمزامير
فتسوقوا ..
أرهبكم الله
تسوقوا
هو يوم بيع وشراءْ
من باع وطناً بحذاءْ
الحذاء لا يشتري وطناً
لا يشتري كفنا ..
***
قررت ُ،
حين رأيتـُني
قررتُ أن أقسم حالي :
جزء مع أمريكا
جزء ضدهـا ..!
جزء معي .. جزء معكْ ..
جزء لي .. جزء لكْ
جزء مني .. جزء منك
جزء للباطل ..
جزء لـ ..
لم يبق للحق شيئاً،
فأموت في جزئي الأول
الذي لن يلتقي معك ..
قررت أن أجوع
أن أبحث
عن عليق ما مسه حمارْ ..
عن سكر لا أعرف أين تسربْ ..
عن عيدان قصب معصورة
عن هذا العود اليانع
الأملس الملمس
الطويل ، الرشيق ، كحية
الحلو مثل طفولة
قال : حـُطه في العصارة
..... حطيته
شغل الكهرباء .. شغلتها
ادفع العود.. دفعته
اعصره.. عصرته
دعه .. تركته..
سيخرج من خلف العصارة ناشفاً
لا سكر فيه.. لا ماء..
أين ذهب السكر يا صاحبي
من امتصه..؟
إرمه بعيداً.. رميته
تلقفته الأبقارُ ..
حُشتها عنه..
ظللت حتى اللحظة
أمص خشباً ..
فيه بقايا سكر ..
ظللت أمص لا شيء
..
فانطفأت نقطة نوني ..
بقيت صحناً جافاً
ينتظر قطرة..
من صاحب العصارة
من قصب
من سكر
من..
حرف الجر الذي ..
جرجرني من عرقوبي
مع أعواد القصب الجافة ..!
***
أنا الذي أدناه
أحب أن أكون مثلكم
أريد مثلكم ...
أن يكون لي جدار أتمطى خلفه
ولحاف أنام تحته
أريد أرضاً وسماءً
قطرة ماءْ..
وقطة تموءْ
أريد مثل الماعز ،
حظيرة صغيرة
وكلباً
ودجاجة
وماسورة..
أريد أن أعبث بأي شيء
أن أجرح يدي ،
فأضمدها بخيشة من دمي
أريد أن يكون لي
مكان أصغر مما تظنون
وزمان أقصر من أي وقت
أريد مكاناً كمساحتي وليس كأحلامي
أقول : ( بلاش ) كل هذا
.. أريد أن يكون لي مكان للذاكرة
للوجدان الذي ضاع نصفه في القمة ..
ويضيع نصفه الآخر في القاع ..
أريد أن تكون لي .. مقبرة
مقبرة واحدة ..
أوحد فيها الواحد
.. الأحدْ
ثم أقعي عند راس أبي
أقرأ الفاتحة
ثم ، لأخي ، لابني
...
أريد أن أزورني حين أموت
لأطمئن .. عني
أنا الذي أدناه ..
الذي ليس مثلكم ..
***
لتقرأوا علي السلام ..!
السلام العادل ، الشاملٌ ..
الشلام ، السامل ، الشالم
....!
لعبة ، فزورة لا تنتهي
***
إلهي ما تركته ،
ما تركتني
أعلم أنك معه ، معي
أنا الذي معبأ بالمحبة مثله ،
فانتزع من بين الضلوع
(ياء .. سين)
أضعهما ..
أضعه على كرسي بعجلتين
فترصده قذيفة عمياء ،
أصم أذنيّ على انفطار القلب ..
على انشطار القذيفة الماكرة ..
على التشظي ..
على التلظي ..
على الدم الصارخ ، القاني
الساخن الحاني ..
المحملق
المنمق
الذي حين أكون فيه ..
أكونه ،
أذوب في يائه وسينه
فأكون في صلب حماسه
حلاته
.. يا إلهي أينه ..؟
أينهم ..؟
أينني ..؟
يا إلهي لا يدوم إلاك ..
لا أحد يصد التردي
لا أحد .. إلاك.
.
إنه يعبر الآن على كرسيه
دعوا كرسيه معه .. له
وانصرفوا ..
لكم الخيار
بين غزة والفلوجة ..
بين عمورية
أو سادوم ..!
***
غنت الحاجة العجوز:
{ يمهْ يا يمهْ وين انتَ ماشي
قالولي رايح على الإنعاش }
فانتعش كرسيهُ
وانتعشت أمهُ
.. وابنهُ
.. وبنتهُ
انتعش دمهُ
.. وقام مهرولاً
إلى ربه
الذي لم يتركهْ..
***
مزقتُ رئتيّ ، صرختُ :
يا ذا التلظي اقترب ..
حرك الريح نحو الشراع
الذي قد يخنق الساري
اشتعل في الجوارح ،
حتى تضج بالشوق للذات والأمكنةْ..
..
جرادٌ .. جرادْ
محددٌ بالحديدْ..
مضججٌ بالضجيج ..
فوقه دخان ٌ..
تحته شهيدْ
حوله صمتٌ ..
وجومٌ باردٌ كالرصاصْ
أينما شئتَ .. استغاثاتٌ
ليس لها صدى إلا الصدى
.. والسُدى
وذاك المدى ، غاب خلف الشوك
خلف الردى
.. والحدادْ
جرادٌ .. جرادْ
كلما يخضر عودٌ ، يلتهمه
لكنني أحلم
بالأخضر والحصادْ..
أقول :
بعد الجراد مطرْ..
والأرض لم تزلْ ،
في أحشائها جذور..
رشةٌ .. رشتانْ
فتخرج أثقالها والخفاف ،
ويخرج ذاك الصهيل ،
والأخضر الذي نشتهي ..
والفراشات ..
والنخلةُ ..
واللونُ ..
والوجهُ ..
والوقتُ ..
والكرسيُ ..
والياءُ ..
والسينُ ..
التي ننتمنى ..
***
دعوني أهربُ
بأحزاني ،
إلى غابتي ..
ألعقُُ جرحي ..
أبحثُ عن هنادي التي
تبحثُ عن شئ كأنها أضاعته
كان في يدي ،
كان (قمقمة) كأنها هو
قلتُ : أحكُها ، علها تخرجُ ماردها .
فتحركتْ ، سكنتْ ..
خرج ماردُها ، قال :
( اسكتْ ساكتْ .. !)
قلتُ : شبيك لبيك .. خيرا ..!
قال : سنجيب الذيب من ذيله ..!
قلتُ : من ذيلهْ ..؟
قال من ذيله وضحك ..!
قلتُ : يا خال إبليس ( قولْ وغيـّرْ )
قال : كشفتني ...
ثم اختفى في قمـ .. قمته
وعدتُ إلى غابتي أنادي،
لم أجد هنادي ..
ربما أكلها ذلك الذيب ..!
فطفقتُ أستر حزني .. بالبكاءْ
حين رأيتُ جسداً
معلقاً ..
وحيدا ً ..
على ..
غصن ..
بثوب ..
فدائي ..
نصفه الأعلى يقف
من دون جلد
والأسفل يرتجفْ ،
تحته رصاصة
.. ساخنة .
من يطلقها ..
عليّ ..
أو على الذئب ..؟!
***
…… …
…..
حين أرى كرسيه ..
أكونَه ..
أعلم أن هناك مكاناً علياً لمثله
وأعلم أن الذي يجلس فوقه ..
ليس مثلنا ..!
أعلم أننا لا نشبهه
لكننا نحبه ..
من جنوبه إلى جنوبه
منه إليه ..
***
كرسيه .. أراه ،
ينهش الأسفلت
بين غزة والفلوجة
بين رفح وقانا ..
بعجلاته القديمة
بوعيه الذي فوقه
بالذي ينتظره
بالذي أمامه
وبالذي خلفه ..
بامرأة قديمة
بأطفال قدامى
يلهث نحو الصباح الجديدْ
يجدد الأشياء من حولنا
.. لنا .
***
يشدني الجنوب دائماً
جنوبُ الجوع ..
جنوبُ الفقر ..
جنوبُ العذابات التي
تدفن رأسها في فؤادي ..
أدرك أن الجنوب سيبقى
ضد الشمال ..
محكوماً بالجاذبية
ونحن ننام ضدها
.. ضد الاتجاهات
ضدنا ..!
***
كنت ذات جنوب ..
أطل على وطن جنوبي ..
ما خلوني أحبه
قالوا ، علي اجتيازه
خلال سويعات
.. فاجتزته
برمله وناسه
بصخبه
.. حراسه
وعند النقطة الأخيرة
كنت بحاجة إلى كرسي
كالذي أعرفه
ما وجدت إلا ..
شيئا على شاكلتي
كأنه أنا ..
يشبهني إلى حد الفجيعة
فانفجعت عليه عني ..!
***
كان الصوت يصدح :
{ سكة سفر ،
يا مشاوير العمر
عل .. وعسى .. }
كان عبد الله يصدح
يقاوم برداً ما شافه من قبل
إجهاداً لم يعرفه ..
قال أن الحدود تلفظه
كصاحب الحوت
قال أنه لا يحب الحدود
لا يريد أن يحبها
وقال :
عند منتصف الليلة
يولد طفل عند الحدود
لأبوين لا أعرفهما ،
لم أعرفهما ،
لا أريد أن أعرفهما ..
ربما كانا صالحين ،
ربما الولد ،
كالذي قتله الصالح
ربما .. ربما
لكن ، بعد ثلاثين عاماً ، قال
سيوقفك هذا الولدْ
عند هذه الحدودْ
التي تتوالد معه ..!
بعد ثلاثين سنة
ستنمو له لحية ٌ
وشاربان
وأنيابٌ
وأحقادٌ
وأضغاثٌ ..
ستنمو له أسنانٌ
مسنونةٌ
غير التي نعهدْ
سينمو له مزاجٌ ..
غير الذي نعهدْ
ساديةٌ ..
غير التي نعهدْ
سينمو عنده ضدي
الذي لن يفارقه ..
فلن أفارقه ..!
***
عبد الله كان يهذي
ربما
كان يصرخ :
( والله العظيمْ ما سوْيتْ شَيْ )
........
كنت أنصتُ لعواء الكلاب
لم أجد حجارة ألقمها
....
كان يهذي
يقول : اقتله
لأنه سيقتلك هنا
بعد ثلاثين سنة ..!
انهم يأكلونك،
يشربونك،
يمقتونك،
يذبحونك،
انهم ...
يتداعون عليكَ ..
كان أحد الكلاب يستفزني
كان يعوي
يقترب مني كثيرا
... !
***
كنت ذات جنوب ..
أطل على وطن جنوبي ..
ما خلوني أحبه
قالوا ، علي اجتيازه
حاولتُ ..
كان سعد الله يشدني
لأنه عاجزٌ عن الوقوفْ
منذ ثماني سنوات
سعد الله يخبرني ما أعرفه
اثنان وثلاثون فرداً رحلوا
تسربوا من بين يديه
يوم الخميس،
عند قانا،
أعرفُ ..
أنه لملم بقاياهم الساخنةْ
أعرف أنه تمخض كل أحزانه
ودمعه،
ودمه،
وماضيه،
ومستقبلهْ ..
لكنني لا أعرف أنه
حين عاد بعد دفنهم
دخل بيته
وحيداً
يناديهم
بأسمائهم،
فردا .. فردا
لا أعرف ، هل أجابوه
لا أريد أن أعرف ما قالوا له ..
لأنني
سمعتهم .. رأيتهم
أنا الذي تمخضني
مع أحزانه
دمعه
دمه ..
وغير بعيد ،
كانت خيرية
تمسك صورة جماعية
لأبنائها
وأحفادها الخمسة عشر
فلم أقاوم نفسي
التي
استنزفتني
فبكيتْ
.....
منذها
جلست جنوبي جسدي
فرأيتُ قاتلي على حاله
( يبرطع )
في تخومي ..
لا يزال ..!
***
قيل لي للتو
أن غزة ودعت شهيدا
تعجبت ..
منذ متى لم تودع ..؟!
قيل لي إنه ..
قلت:
إن قاتلي على حاله
( يبرطع )
في تخومي ..
..ومضيت
لا أعرف كيف أهرب مني
فمسكتني عندي
متلبسا بي
معي
لي
ووجدتني
على كرسي صغير
له عجلتان صغيرتان
ومن خلفه عينان ترقبان
وأمامي قرية طينية صغيرة
منها نبتت الأشياء التي عرفتْ
قرأت اللافتة
الجميلة التي
بين الفالوجة والفلوجة
فوقفت،
كنخلة
تنزف
زيتا ..
وتمراً
نظرت إلى خيلها
أدمتني العيون الحزينة
والفجر الحزين
وأبو صالح في صمته
شبع جوعاً
وحزناً
هو لم يشاهد ( الحرة)
أو السوبر ..
لا يعرف ثقافة الجنس
لم ير بوش من قبلْ
أو كوندوليزا
لم ير بلير أو صدام ..!
خميس صالح بسيط
مثلي ،
ينام على جوعه
..
كان يصرخ :
( والله العظيمْ كلشْ ما عدْنا )
أبو صالح
فعل ما فعلناه
في غزة
ورفح
وقانا ..
لملم لحم أبنائه
في بطانية قديمةْ
في فؤاده القديمْ
وجلس يناديهم
فرداً .. فردا
اشتهيتُ أن يرد عليه أحد
... غيرهم
فما سمعت
.....
لكنني
أرى الأخضر والحصادْ..
أقول : بعد الجراد مطر ْ..
والأرض لم تزلْ ،
في أحشائها جذور..
رشةٌ .. رشتانْ
فتخرج أثقالها والخفاف ،
ويخرج ذاك الصهيل ،
والأخضر الذي نشتهي ..
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com