المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدولة الفلسطينية ..أين؟ ومتى ؟



سميح خلف
15/11/2015, 12:14 PM
الدولة الفلسطينية ..أين؟ ومتى ؟

في الزمن الجميل وفي زمن الوحدة العربية والزعامات العربية المسؤولية وطنيا وقوميا كانت فكرة الدولة الفلسطيني سياسيا وأمنيا تخضع للمتجهات القومية والإسلامية أيضا ، كلا المنهجين كانتا حريصتين على أن تكون الدولة الفلسطينية هي الدولة على كامل التراب الوطني الفلسطيني ، أي التراب التاريخي للشعب العربي الفلسطيني.

مع إنتهاء حقبة القومية العربية وزعمائها شهدت الخطوط السياسية واللوحات السياسية المختلفة تغيرا في منهجية التفكير في مستقبل الدولة الفلسطينية ، وربما قامت منظمة التحرير والتحولات الجوهرية في فكر الثورة وفي فكر انطلاقة الثورة الفلسطينية إلى القبول بقرار 242 و 338 وبناء عليه كان إعلان الجزائر عام 1988 بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة ، لقد ساعدت منظمة التحرير الفلسطينية فكرة التغيير السياسي والأمني من قبل الأنظمة العربية في إتجاه القضية الفلسطينية ، بل إتهم بعض المسؤولين العرب أن التغيير في منهجية التفكير في الدولة الفلسطينية أساسه التحول والاتصال المباشر بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني ، قد كانت مبررا لأن تتخلى الأنظمة الراديكالية واللبرالية ولحقها الإسلام السياسي لأن يقبل الجميع بدولة فلسطينية في الضفة وغزة كحل استراتيجي للصراع وليس حل مرحلي ، وضمن ما تسمح به القرارات الدولية وموزاين القوى الدولية ، بل لقد أسقطت منظمة التحرير والدول العربية ذات الإهتمام بالصراع العربي الصهيوني قرارات مهمة لحل الصراع مثل قرار 194 وقرار 181 وقرارات أخرى ، بل تركز الحوار على مفهوم الصراع الداخلي في داخل الدولة الصهيوني أي صراع أمني ، وأصبحت قضية الشعب الفلسطيني الإنسانية والوطنية هي قضية أمنية ليس أكثر ، أي جوهر المباحثات فيها والاتصالات والمفاوضات هو العنوان الرئيسي لنظرية الأمن للدولة الصهيونية .

نتيجة هذا المفهوم كانت كل المبادرات تصب في كيانية محدودة وسيادة منقوصة لمستقبل الدولة الفلسطينية المختزلة ، ولكن كان من المؤرق التطور الديموغرافي على الأرض الفلسطينية ، ولذلك قامت إسرائيل بغزو الضفة استيطانيا ، حيث استولت على أكثر من 60% من أراضي الضفة ، حيث أصبح من المستحيل تطبيق مقولة وطرح الدولة على أراضي 67 وكان إنسحاب شارون من غزة يصب في عمق التحول السياسي والأمني للقيادة الإسرائيلية والاستراتجية الإسرائيلية ، فإنسحاب من غزة برره شارون بأن المستوطنين في غزة هم تحت فكي كماشة بالنسبة للتجمعات الديموغرافية الفلسطينية ، وبالمقابل توسعت إسرائيل استيطانيا في كل الأراضي الفارغة في الضفة الغربية ، بل نقل مستوطني غزة إلى الضفة الغربية وهنا يكمن جوهر التحول السياسي في مستقبل الإستقلال للشعب الفلسطيني .

لم يتغير شئ على نظرية إسرائيل ولم يكن في المقابل معالجات حقيقية وصادقة وفعلية للقيادة الفلسطينية أمام التحول الإستراتيجي للسياسة الإسرائيلية بل بقيت تحلم القيادة الفلسطينية ومتمسكة بمقتضيات أوسلو بالتنسيق الأمني وكبح جماح مقاومة حقيقية في الضفة الغربية لتعطيل الاستراتيجية الصهيوني ،أما غزة والمقاومة فيها وما حققته من صلابة في وجه النظرية السياسية الأمنية الإسرائيلية إلا أن الإسرائيليين غير منزعجين استراتيجيا من غزة وإن انزعجوا من قوى المقاومة وقدرتها على تحقيق موازين الرعب التي ستفرض معادلة سياسية جديدة ربما تتفق إسرائيل مع تلك المعدالة أي أن تكون الدولة الفلسطينية في غزة مع توسع في إتجاه الجنوب نتيجة الضغط الديموغرافي في غزة ، فقد أوضح الرئيس الفلسطيني عباس بأنه عرض عليه توطين الفلسطينيين في شريحة من سيناء في حوالي 615 ميل وشيئ يذكر أن هذا العرض قد عرض منذ عام 1956 ، بالتأكيد أن إعلان الدولة الفلسطينية في غزة والحصول على إجماع دولي وضغط سياسي وعسكري وحصار على غزة ربما يفرض هذا الحل على أرض الواقع ، أي تبقى الضفة كنتونات بحكم إداري يمنح بعض الصلاحيات ومرتبط أمنيا واقتصياديا بإسرائيل والشرق ولا مانع من تسهيل عمليات المرور بين غزة والضفة للتجارة وصلة الأرحام والأقارب .

هذه باختصار مناخات التصور للحل ولمستقبل الدولة الفلسطينية الذي سيجد توافقا دوليا وممانعة فلسطينية محدودة وفق القدرات الفلسطينية المطروحة وخاصة أن الإسلام السياسي قد تنازل أيضا عن خطوطه الإستراتجية في إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني واختصرت قدراته السياسية بل انخفضت كثيرا إلى معابر وحدود وفك حصار ودولة في عام 67 .

بلا شك أن أي قدرات سياسية سواء كانت من الإسلام السياسي أو الراديكاليين أو اللبراليين الفلسطينيين في غزة فهي قدرات محدودة أمام الضغوط الدولية وخرائطها السياسية والأمنية وخاصة أن الشرق الأوسط مقبل على تغيير في الشرق وساء في العراق أو الغرب في ليبيا وفي اليمن وفي مناطق أخرى ربما تتأخر عجلة التغيير إذا أدركت القيادة الفلسطينية في الضفة أن هناك خطرا يهدد القضية الفلسطينية كحل شامل يحافظ على التلاحم ووحدة الشعب الفلسطيني وإن تخلت عن أوسلو شروطها وأطلقت العنان لثورة عارمة في الضفة الغربية وغزة قد تسقط هذا الخيار المطروح بلا شك في مراكز الدراسات الصهيونية والأمريكية ودول اقليمية .

نحن نحتاج اليوم إن لم نستطيع وقف هذا المخطط نحتاج لبراعة سياسية وابتكارات من قيادة سياسية قادرة أن تتعامل مع هذه المتغيرات ولو كانت بهدنة زمنية طويلة نبني فيها الجيل الفلسطيني ، وقيادة فلسطينية جديدة مسؤولة وطنيا أمام شعبها من عدالة ومظلة اجتماعية وافية وفتح مجال الابتكار والإبداع العلمي والمعامل وبناء المجتمع المنتج ومحاسبة الفساد وملاحقته والقضاء على المزاجية والنرجسيات التي وصفت بها القيادة الفلسطينية الحالية ، حيث كان سلوكها هو من مقومات بناء الإستراتيجية السياسية والأمنية الصهيونية .

أمامنا الكثير من العمل والفعل إن صدقت النوايا وإن استطاع شعبنا أن يتجاوز الاحباطات والإنتكاسات والسقوط والهبوط في سلوك قيادة لا تستطيع أن تخرج من قاع الفنجان .

سميح خلف .