بديعة بنمراح
12/05/2007, 11:10 PM
كل هذا الحب
بدأ الرجل الشاب يحس بدوار، و غدت الدنيا تعتّم في عينيه في بعض الأحيان. كتم الأمر عن أمه كي لا تقلق ، وباح لخطيبته بمخاوفه ..
ـ إنه الإرهاق لا شك في ذلك ! تقول مها بحنان ، فمهنتك مهنة المتاعب ، وأنت تبذل مجهودات عظمى في عملك . ولاتمنح لجسدك حقه في الراحة و الاستجمام .
يحس فؤاد بالراحة و هو يتحدث إلى خطيبته ، فهي الأمل المضيء في حياته ، ويعود إلى بيته والفرحة ترفرف في صدره بعد أن يَعِدَ مها أنه سيأخذ إجازة لمدة أسبوع يقضيه معها بين أحضان الطبيعة الجميلة، لكن بعد أن ينتهي من محاورة الأديب الكبير أحمد الراوي ، لأنه تعب كثيرا كي يأخذ منه هذا الموعد.
تستقبله والدته "زهور" بفرحة وتضمه بدفء
ـ في الأيام القليلة الآفلة ، ساورني قلق لست أدري سببه ، وبدت لي الحياة كريهة و أنا أراك حزينا .. مشغول الذهن ، تقول الأم و هي تحس أنفاس الابن الحارة تلفح وجهها و الجيد.
ـ إنها متاعب الشغل يا أمي ..يرد الابن وهو لا زال يغمر وجهه بين حنايا الصدر.
هذه المرأة كم يحبها . علمته عشق الحياة والأمل . وأبت أن ترتبط بأي رجل بعد زوجها جمال . ورغم حزنها الشديد عليه بعد مرض مفاجئ أودى بحياته خلال أسبوع واحد . لكن ابتسامتها لم تفارق ثغرها كلما ضمت ابنها بين دفات قلبها .
كان فؤاد على أبواب سنته الثالثة حين رحل الأب الرؤوف ، ولم تتجاوز " زهور " عامها الخامس والعشرين ، فوهبته كل حياتها وجعلته فارس أيامها وحبها الوحيد ..
ليلة سفر فؤاد ومها ، جلس الابن مع أمه جلسة حميمية، وباح لها بالأحاسيس الجميلة التي يحملها لمها ثم رجاها أن ترافقهما في هذه الرحلة التي ستكون ممتعة بلا شك . لكنها اعتذرت بلباقة وابتسامة مشرقة ، وأكدت له ارتباطها مع صديقتها منى في هذا اليوم بالذات .
قام فؤاد من مكانه ، قبّل أمه على خديها قبلتين تعبقان بالمحبة . و همّ بالانصراف . لكنه تعثر في الطاولة الزجاجية أمامه وانكفأ على وجهه فصرخ صرخة مدوية
ـ شبكة العين مصابة عند ابنك يا سيدتي !.. يقول الطبيب ، بعد أن فحص فؤادا فحصا شاملا ، ونظره ضعف كثيرا حتى غدا لا يرى إلا طيوفا
ـ وما العمل الآن يا دكتور ؟ تتساءل الأم بهلع
فيصارحها الطبيب بالحقيقة المفجعة : ـ إن المرض يغزو شبكية العين بسرعة مهولة يا سيدتي ! ثم يضيف :
ـ في غضون ثلاثة أشهر على الأكثر سوف يصاب ابنك بالعمى التام ..إلا ..
و يلمع الأمل خيطا رقيقا في قلب الأم فتقاطع الطبيب :
ـ هل هناك أي رجاء في شفاء ولدي يا دكتور؟
ـ أجل يا سيدتي! يرد الطبيب هذا إن وجدنا له عينا نزرعها بدل عينيه المريضتين ..
يمر الشهر الأول و الثاني ، والأمل في الشفاء يضمحل وتسوء حال فؤاد بتوالي الدقائق والساعات ، يهجره الفرح ويبتعد عن الحياة والناس حتى مها أصبح يقسو عليها ويجرحها بكلامه وهو يطلب منها أن تبتعد عنه وتتركه ليواجه مصيره القاتم وحده . ـ أما "زهور " فلم تفارقها الابتسامة والأمل طوال هذه الأيام العسيرة . بل مافتئت تؤكد له بإصرار أن ما يمر به اختبار صعب لكن آخره فجر مشرق منير .
ويصحو فؤاد ذات ضحى على رنات الهاتف ، ليحمل له الطبيب على الطرف الآخر من الخط مفاجأة سارة لم يصدقها فؤاد.
ـ أبشر يابني ! يقول الطبيب ، سوف نجري لك العملية هذا اليوم ، لقد توفي أحد الرجال إثر حادثة سير ، وكان قد تبرع بكل أعضائه قبل ..لم يشعر فؤاد بدخول مها إلا حين أحس لمسة يدها على كتفه . أخبرته أن "زهورا" طلبت منها أن تأتي إليه لأنها مضطرة للغياب عن البيت بضعة أيام ..
تمت العملية على ما يرام ولم تفارقه خطيبته طوال تلك الفترة . لكن رغم الفرحة الكبرى التي غمرت فؤادا بعد أن عاد إليه نور عينيه ، أحس بحزن عميق لأن والدته لم تكن بجانبه ..
ـ أمي كانت تعلم أني سأجري العملية في ذلك اليوم يا دكتور! لذلك طلبت من مها أن تأتي إلي ، أليس كذلك ؟!
ـ طبعا كانت تعرف ..أجاب الدكتور و تمنتلو تشاركك حلمك...
ـ وكيف تتخلى عني في محنتي ؟ ولا تشاركني فرحتي؟ ! يقول الأنين
و تبدوالحسرة والذهول في عيني الابن و يشعر بغثيان فيخشى عليه الطبيب ، يرأف بحاله و يبوح له بالسر الذي ائتمنته الأم عليه
ـ "زهور" منحته نور الحياة بعد أن تخلت له عن عينيها الاثنتين ورحلت بعيدا ...
بدأ الرجل الشاب يحس بدوار، و غدت الدنيا تعتّم في عينيه في بعض الأحيان. كتم الأمر عن أمه كي لا تقلق ، وباح لخطيبته بمخاوفه ..
ـ إنه الإرهاق لا شك في ذلك ! تقول مها بحنان ، فمهنتك مهنة المتاعب ، وأنت تبذل مجهودات عظمى في عملك . ولاتمنح لجسدك حقه في الراحة و الاستجمام .
يحس فؤاد بالراحة و هو يتحدث إلى خطيبته ، فهي الأمل المضيء في حياته ، ويعود إلى بيته والفرحة ترفرف في صدره بعد أن يَعِدَ مها أنه سيأخذ إجازة لمدة أسبوع يقضيه معها بين أحضان الطبيعة الجميلة، لكن بعد أن ينتهي من محاورة الأديب الكبير أحمد الراوي ، لأنه تعب كثيرا كي يأخذ منه هذا الموعد.
تستقبله والدته "زهور" بفرحة وتضمه بدفء
ـ في الأيام القليلة الآفلة ، ساورني قلق لست أدري سببه ، وبدت لي الحياة كريهة و أنا أراك حزينا .. مشغول الذهن ، تقول الأم و هي تحس أنفاس الابن الحارة تلفح وجهها و الجيد.
ـ إنها متاعب الشغل يا أمي ..يرد الابن وهو لا زال يغمر وجهه بين حنايا الصدر.
هذه المرأة كم يحبها . علمته عشق الحياة والأمل . وأبت أن ترتبط بأي رجل بعد زوجها جمال . ورغم حزنها الشديد عليه بعد مرض مفاجئ أودى بحياته خلال أسبوع واحد . لكن ابتسامتها لم تفارق ثغرها كلما ضمت ابنها بين دفات قلبها .
كان فؤاد على أبواب سنته الثالثة حين رحل الأب الرؤوف ، ولم تتجاوز " زهور " عامها الخامس والعشرين ، فوهبته كل حياتها وجعلته فارس أيامها وحبها الوحيد ..
ليلة سفر فؤاد ومها ، جلس الابن مع أمه جلسة حميمية، وباح لها بالأحاسيس الجميلة التي يحملها لمها ثم رجاها أن ترافقهما في هذه الرحلة التي ستكون ممتعة بلا شك . لكنها اعتذرت بلباقة وابتسامة مشرقة ، وأكدت له ارتباطها مع صديقتها منى في هذا اليوم بالذات .
قام فؤاد من مكانه ، قبّل أمه على خديها قبلتين تعبقان بالمحبة . و همّ بالانصراف . لكنه تعثر في الطاولة الزجاجية أمامه وانكفأ على وجهه فصرخ صرخة مدوية
ـ شبكة العين مصابة عند ابنك يا سيدتي !.. يقول الطبيب ، بعد أن فحص فؤادا فحصا شاملا ، ونظره ضعف كثيرا حتى غدا لا يرى إلا طيوفا
ـ وما العمل الآن يا دكتور ؟ تتساءل الأم بهلع
فيصارحها الطبيب بالحقيقة المفجعة : ـ إن المرض يغزو شبكية العين بسرعة مهولة يا سيدتي ! ثم يضيف :
ـ في غضون ثلاثة أشهر على الأكثر سوف يصاب ابنك بالعمى التام ..إلا ..
و يلمع الأمل خيطا رقيقا في قلب الأم فتقاطع الطبيب :
ـ هل هناك أي رجاء في شفاء ولدي يا دكتور؟
ـ أجل يا سيدتي! يرد الطبيب هذا إن وجدنا له عينا نزرعها بدل عينيه المريضتين ..
يمر الشهر الأول و الثاني ، والأمل في الشفاء يضمحل وتسوء حال فؤاد بتوالي الدقائق والساعات ، يهجره الفرح ويبتعد عن الحياة والناس حتى مها أصبح يقسو عليها ويجرحها بكلامه وهو يطلب منها أن تبتعد عنه وتتركه ليواجه مصيره القاتم وحده . ـ أما "زهور " فلم تفارقها الابتسامة والأمل طوال هذه الأيام العسيرة . بل مافتئت تؤكد له بإصرار أن ما يمر به اختبار صعب لكن آخره فجر مشرق منير .
ويصحو فؤاد ذات ضحى على رنات الهاتف ، ليحمل له الطبيب على الطرف الآخر من الخط مفاجأة سارة لم يصدقها فؤاد.
ـ أبشر يابني ! يقول الطبيب ، سوف نجري لك العملية هذا اليوم ، لقد توفي أحد الرجال إثر حادثة سير ، وكان قد تبرع بكل أعضائه قبل ..لم يشعر فؤاد بدخول مها إلا حين أحس لمسة يدها على كتفه . أخبرته أن "زهورا" طلبت منها أن تأتي إليه لأنها مضطرة للغياب عن البيت بضعة أيام ..
تمت العملية على ما يرام ولم تفارقه خطيبته طوال تلك الفترة . لكن رغم الفرحة الكبرى التي غمرت فؤادا بعد أن عاد إليه نور عينيه ، أحس بحزن عميق لأن والدته لم تكن بجانبه ..
ـ أمي كانت تعلم أني سأجري العملية في ذلك اليوم يا دكتور! لذلك طلبت من مها أن تأتي إلي ، أليس كذلك ؟!
ـ طبعا كانت تعرف ..أجاب الدكتور و تمنتلو تشاركك حلمك...
ـ وكيف تتخلى عني في محنتي ؟ ولا تشاركني فرحتي؟ ! يقول الأنين
و تبدوالحسرة والذهول في عيني الابن و يشعر بغثيان فيخشى عليه الطبيب ، يرأف بحاله و يبوح له بالسر الذي ائتمنته الأم عليه
ـ "زهور" منحته نور الحياة بعد أن تخلت له عن عينيها الاثنتين ورحلت بعيدا ...