الشاعرمحمدأسامةالبهائي
13/05/2007, 05:00 PM
عن الشعر وقوة التجربة
صدوق نورالدين
(1)
بدءا يجدر الاعتراف بأن الإبداع يتفاوت مهما كانت نوعية الجنس الأدبي الذي يخوض المؤلف فيه..و الأصل أن التفاوت مسألة طبيعية مردها الأساسي مقدرة و كفاءة المبدع و مدي تمكنه في الحالة النفسية التي هو عليها من المادة المراد صوغها و التعبير عنها..
فالأصل في عملية الإنتاج الأدبي ، أن المبدع يتوق تحقيق تجاوز لنص سابق ، بخلق جديد يضيف إلي التجربة ، و بالتالي يوسعها ..إنه يضع في تصوره متلقيا غائبا يتواصل و نصوصه ..أي أنه يفتح أفق انتظار متوقع..هذا الأفق يتكسر لما لا يحقق النص صداه الإيجابي..من ثم فالمبدع أول ناقد لإبداعه ، و قبل تحقق عملية النقد من لدن الناقد المتخصص..
(2)
لقد درجت نقود اعتبار المنجز الإبداعي الأول ، الصورة التمثيلية لمسار الكاتب المبدع..و بالتالي كأن الكاتب لا يكتب سوي نص أول ، و أما اللاحق فلا قيمة اعتبارية له..
هذا التصور غير الموضوعي ، يدرج في باب الكسل النقدي ..إذ لا يكفي كي يتم التعرف علي كاتب التعامل معه انطلاقا من الأثر الواحد ..و إنما ، ما يمنح المعني الشمولي ، المقاربة الكلية..
هذه تجعلنا نقف علي حالات تطور المبدع في نص، و تراجعه في آخر، و العكس..
(3)
تأسيسا علي السابق ، فإن رأي الدكتور 'جابر عصفور' الوارد ضمن الحوار المنشور في - أخبار الأدب - ، يحتم أن يؤخذ في سياقه ، و بالتالي كليته ..
فالدكتور - جابر - حدد بداية مفهوم الإبداع بالنسبة للشاعر الكبير كالتالي :..
الشاعر الكبير هو الذي لا يتوقف عن
الإبداع..و يتجدد دائما..و يبحث عن
وسائل تعبيرية جديدة ..و يفكر في خرائط
و قارات إبداعية لم يطرقها هو أو غيره
من قبل..و أنا أظن أن هذا هو سر توهج
محمود درويش الدائم ..- ..
إن التحديد يفرض اشتراطات :
1 الاستمرارية و التجديد..
2 البحث عن وسائل تعبيرية جديدة..
3 التفكير في حقول إبداعية غير مطروقة..
هذه الاشتراطات في تصور الدكتور - جابر - ، تتوافر أساسا في ثلاثة أسماء شعرية بارزة : محمود درويش ، سعدي يوسف و أدونيس..
إلا أن ما يحسن تمثله ، الرصد المتعلق بالملاحظات النقدية المتداولة بخصوص هذه التجارب ..و هو ما ( قد ) يكون قناعة الدكتور - جابر - أيضا ، دون ادعاء تبنيه..بيد أن الأهم في هذه الملاحظات النقدية ، اعتبار التجارب الإبداعية متفاوتة في قيمتها ، و هذا يقود أحيانا إلي اتسامها بسلبيات موعي بها أو العكس..
يورد الدكتور - جابر عصفور - التالي :
'بعض الأصوات تري أن أدونيس يكرر نفسه
بعد ديوانه ( الكتاب ) ..و يري آخرون أن سعدي
يعلو بين الذري و يهبط أحيانا إلي وديان سحيقة
و أن شعره ليس كتلة واحدة ..و آخرون يرون
أن في شعره بعض الإطناب خصوصا في قصائده
المطولة ..كل هذه وجهة نظر ينبغي أن تحترم
و لكنها لا تنقص من قدرهم..'
إن رأي الدكتور 'جابر' صادر عن كفاءة و تمكن و اقتدار نقدي عال سواء بالشعر القديم أو الحديث، و نتذكر في هذا المقام دراستيه : 'مفهوم الشعر'
و - الصورة الفنية -..إلي كتاباته النقدية عن التجربة الشعرية الحديثة..هذه المرجعيات الأساس ، إلي متابعاته لما هو عربي و غربي ، جعلت منه الباحث الأكاديمي و الناقد الموضوعي.. واللافت أن كتاباته تجمع بين الحديث عن الشعر و النثر علي السواء..و هو ما يدفع إلي اعتماد رأيه..مع مطلق العلم بأنه لم يقص قامة الشعر المصري الحديث - أحمد عبد المعطي حجازي - و إنما أشار إليه بالقول :
.. 'بالنسبة لحجازي أرجوه كصديق أن يعاود
كتابة الشعر و يخرج من هذه الحالة سريعا
و يعود إلي توهجه لأنه شاعر كبير و لا يقل
عن الأسماء التي ذكرتها ..'
إن قوة - محمود درويش - في نظري وليدة غنائيته ، فهو يبرع في الإنشاد و ابتكار الصورة الفنية المحلوم بها..و أما - أدونيس - فإن مزاوجته بين الإبداع الشعري و القول الفكري ، هي ما يمنح قصيدته بعد الرؤيا العميقة..علي أن
- سعدي يوسف - و بالأخص في تجربته الشعرية الأخيرة ، يركز علي الإنساني السامي و الرفيع و هو سمو يضعه في مصاف الشعراء العالميين ، و للبيئة بلاغة تأثيرها.. بالإضافة إلي هذا فإن تجارب هؤلاء الشعرية ترتهن لمرجعيات ثقافية أساسية ومتنوعة ..أقول إن أي حوار مع أحد هؤلاء ، ثقافة و تصور يفرض أخذه بعين الاعتبار (راجع حوار أدونيس مع صقر أبو فخر و محمود درويش مع عبده وازن).
يبقي في الختم القول بأن رأي الدكتور 'جابر عصفور' موضوعي كل الموضوعية، إذ و حتي علي مستوي التلقي و التداول فإن دواوين هؤلاء
تحتضنها كبري دور النشر العربية ، و تحقق طبعات متجددة..
و أما بعد ، فإن كان التركيز بصدد الأحياء، فإن أدونيس و سعدي يوسف و محمود درويش أبرز العلامات، في حين يظل ل'نزار قباني' أثره الدائم..
العدد 721
أخبار الأدب القاهرية
صدوق نورالدين
(1)
بدءا يجدر الاعتراف بأن الإبداع يتفاوت مهما كانت نوعية الجنس الأدبي الذي يخوض المؤلف فيه..و الأصل أن التفاوت مسألة طبيعية مردها الأساسي مقدرة و كفاءة المبدع و مدي تمكنه في الحالة النفسية التي هو عليها من المادة المراد صوغها و التعبير عنها..
فالأصل في عملية الإنتاج الأدبي ، أن المبدع يتوق تحقيق تجاوز لنص سابق ، بخلق جديد يضيف إلي التجربة ، و بالتالي يوسعها ..إنه يضع في تصوره متلقيا غائبا يتواصل و نصوصه ..أي أنه يفتح أفق انتظار متوقع..هذا الأفق يتكسر لما لا يحقق النص صداه الإيجابي..من ثم فالمبدع أول ناقد لإبداعه ، و قبل تحقق عملية النقد من لدن الناقد المتخصص..
(2)
لقد درجت نقود اعتبار المنجز الإبداعي الأول ، الصورة التمثيلية لمسار الكاتب المبدع..و بالتالي كأن الكاتب لا يكتب سوي نص أول ، و أما اللاحق فلا قيمة اعتبارية له..
هذا التصور غير الموضوعي ، يدرج في باب الكسل النقدي ..إذ لا يكفي كي يتم التعرف علي كاتب التعامل معه انطلاقا من الأثر الواحد ..و إنما ، ما يمنح المعني الشمولي ، المقاربة الكلية..
هذه تجعلنا نقف علي حالات تطور المبدع في نص، و تراجعه في آخر، و العكس..
(3)
تأسيسا علي السابق ، فإن رأي الدكتور 'جابر عصفور' الوارد ضمن الحوار المنشور في - أخبار الأدب - ، يحتم أن يؤخذ في سياقه ، و بالتالي كليته ..
فالدكتور - جابر - حدد بداية مفهوم الإبداع بالنسبة للشاعر الكبير كالتالي :..
الشاعر الكبير هو الذي لا يتوقف عن
الإبداع..و يتجدد دائما..و يبحث عن
وسائل تعبيرية جديدة ..و يفكر في خرائط
و قارات إبداعية لم يطرقها هو أو غيره
من قبل..و أنا أظن أن هذا هو سر توهج
محمود درويش الدائم ..- ..
إن التحديد يفرض اشتراطات :
1 الاستمرارية و التجديد..
2 البحث عن وسائل تعبيرية جديدة..
3 التفكير في حقول إبداعية غير مطروقة..
هذه الاشتراطات في تصور الدكتور - جابر - ، تتوافر أساسا في ثلاثة أسماء شعرية بارزة : محمود درويش ، سعدي يوسف و أدونيس..
إلا أن ما يحسن تمثله ، الرصد المتعلق بالملاحظات النقدية المتداولة بخصوص هذه التجارب ..و هو ما ( قد ) يكون قناعة الدكتور - جابر - أيضا ، دون ادعاء تبنيه..بيد أن الأهم في هذه الملاحظات النقدية ، اعتبار التجارب الإبداعية متفاوتة في قيمتها ، و هذا يقود أحيانا إلي اتسامها بسلبيات موعي بها أو العكس..
يورد الدكتور - جابر عصفور - التالي :
'بعض الأصوات تري أن أدونيس يكرر نفسه
بعد ديوانه ( الكتاب ) ..و يري آخرون أن سعدي
يعلو بين الذري و يهبط أحيانا إلي وديان سحيقة
و أن شعره ليس كتلة واحدة ..و آخرون يرون
أن في شعره بعض الإطناب خصوصا في قصائده
المطولة ..كل هذه وجهة نظر ينبغي أن تحترم
و لكنها لا تنقص من قدرهم..'
إن رأي الدكتور 'جابر' صادر عن كفاءة و تمكن و اقتدار نقدي عال سواء بالشعر القديم أو الحديث، و نتذكر في هذا المقام دراستيه : 'مفهوم الشعر'
و - الصورة الفنية -..إلي كتاباته النقدية عن التجربة الشعرية الحديثة..هذه المرجعيات الأساس ، إلي متابعاته لما هو عربي و غربي ، جعلت منه الباحث الأكاديمي و الناقد الموضوعي.. واللافت أن كتاباته تجمع بين الحديث عن الشعر و النثر علي السواء..و هو ما يدفع إلي اعتماد رأيه..مع مطلق العلم بأنه لم يقص قامة الشعر المصري الحديث - أحمد عبد المعطي حجازي - و إنما أشار إليه بالقول :
.. 'بالنسبة لحجازي أرجوه كصديق أن يعاود
كتابة الشعر و يخرج من هذه الحالة سريعا
و يعود إلي توهجه لأنه شاعر كبير و لا يقل
عن الأسماء التي ذكرتها ..'
إن قوة - محمود درويش - في نظري وليدة غنائيته ، فهو يبرع في الإنشاد و ابتكار الصورة الفنية المحلوم بها..و أما - أدونيس - فإن مزاوجته بين الإبداع الشعري و القول الفكري ، هي ما يمنح قصيدته بعد الرؤيا العميقة..علي أن
- سعدي يوسف - و بالأخص في تجربته الشعرية الأخيرة ، يركز علي الإنساني السامي و الرفيع و هو سمو يضعه في مصاف الشعراء العالميين ، و للبيئة بلاغة تأثيرها.. بالإضافة إلي هذا فإن تجارب هؤلاء الشعرية ترتهن لمرجعيات ثقافية أساسية ومتنوعة ..أقول إن أي حوار مع أحد هؤلاء ، ثقافة و تصور يفرض أخذه بعين الاعتبار (راجع حوار أدونيس مع صقر أبو فخر و محمود درويش مع عبده وازن).
يبقي في الختم القول بأن رأي الدكتور 'جابر عصفور' موضوعي كل الموضوعية، إذ و حتي علي مستوي التلقي و التداول فإن دواوين هؤلاء
تحتضنها كبري دور النشر العربية ، و تحقق طبعات متجددة..
و أما بعد ، فإن كان التركيز بصدد الأحياء، فإن أدونيس و سعدي يوسف و محمود درويش أبرز العلامات، في حين يظل ل'نزار قباني' أثره الدائم..
العدد 721
أخبار الأدب القاهرية