المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سورة الواقعة .... سورة أحبها



أبو مسلم العرابلي
29/06/2016, 01:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الواقعة سورة أحبها

قبل ما يزيد على ثلاثة عشر سنة، وكنت في ضيق شديد، جاء رجل يذكرني في موعظة في المسجد، بفضل سورة الواقعة المروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام، بأن البيت الذي تقرأ فيه سورة الواقعة بيت لا تدخله الفاقة، وأحسست بأن باب فرج قد فتح لي، ولم أفكر بمدى صحة الحديث، ولا متى تقرأ؛ أفي النهار أم في الليل؟، وبدأنا في البيت نقرأها، وقبل انقضاء الأسبوع كان الفرج .. ومنذ ذلك اليوم ولا يفوتني قراءتها في الليل والنهار،
واستحييت من الله تعالى أن أتخلى عن قراءتها بعد أن حقق الله لي ما أحببت،
وصار عندي شغف في معرفة السر في بركة هذه السورة ... والقرآن الكريم كله بركة ..
ومن كثرة تأملاتي لآيات السورة وألفاظها مع كل تلاوة مني لهذه السورة،
وجدت السورة مليئة بكنوز كثيرة ...
ما كنت لأعرفها ... لولا وقوفي الطويل على آيات هذه السورة ..
وقررت أن أثبت هذه الكنوز وأضعها في كتيبًا أو كتابًا ...
باسم : سورة الواقعة سورة أحبها.
وما كنت قد كتبته ليس بالشيء القليل الذي نحته من المعاني من آيات هذه السورة ...
وفي صباح يوم كنت أريد أن أطبع عملاً لأسجله كبراءة اختراع .....
ودون مقدمات ... ضرب الهاردسك قبل الطباعة ...
وذهب معه كل ما عليه، وآلمني ذلك كثيرًا،
ومما فقدته تجليات هذه السورة المباركة ...
وعشرات خطب الجمعة التي كنت قد ألقيها على مدى سنوات عديدة،
وكانت أبحاثًا بصورة خطب جمعة كما وصفها أحد الإخوة الدكاترة،
وأشياء ودراسات كثيرة .. حتى أني لا أذكر اسمها ولا ما فيها ..
لقد ضاع الشيء الكثير .. بعضه تم تعويضه بحمد الله،
وبعضه ذهب وليس لدي طريقة لاسترجاعه ...
إلا إعادة البحث والدراسة له مرة أخرى ..
وسيحل جديد لم يذكر من قبل، محل قديم لم يحفظ في الذاكرة ولا على الورق.
وانشغلت طوال هذه السنين بعد الحادث بفقه المعاني للرسم القرآني وغيره ...
عن العودة لكتابة كنوز هذه السورة العظيمة ...
لكن اليوم قررت أن أبدأ ..
وأسأل الله تعالى أن يمكنني من بيان عظمة هذه السورة ..
وتجلياتها التي زادتني وتزيدني حبًا لها .. وعطاؤها لا يتوقف ..

أبو مسلم العرابلي
29/06/2016, 01:18 AM
: {إذا وقعت الواقعة {1} الواقعة

بدأت السورة بـ "إذا وقعت"،
و"إذا" ظرف زمان متضمن معنى الشرط متعلق بالزمن القادم الممتد،
الذي قد يكون قريبًا، وقد يطول فيكون بعيدًا ...
لكنه آت لا محالة .. لأن المخبر عنه لازم القدوم .. وزمن تحققه هو المجهول ..

ووقعت: فعل بمعنى ثبتت، من مادة "وقع"،
وهي مستعملة في ثبات المتحرك غير المتحكم بحركة نفسه كالذي يهوي،
أو ثبات الزمن غير المقدر بتحقق الموعود به،
وقد ورد الفعل "وقع" في آيات عديدة، كلها تفيد الثبات؛
: { فقد وقع أجره على الله ..{100} النساء، { أن يوقع بيتكم العداوة والبغضاء{91} المائدة. { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب {71} الأعراف. {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون {118} الأعراف. {ولما وقع عليهم الرجز 134} الأعراف. {أثم إذا ما وقع آمنتم به {51} يونس. {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة تكلمهم {82} النمل. {ووقع عليهم القول بما ظلموا فهم لا ينطقون {85} النمل.

والواقع ليس مرادف الساقط، لكن الساقط قي الغالب يثبت على الأرض؛
لأنه إذا لم يمت بسقوطه ويتحطم فيثبت على الأرض،
تأذى أذًى يقعده في مكان سقوطه ويثبت فيه،
ووقوع المطر؛ ثباته على الأرض بعد تنقله طويلاً في السماء،
ووقوع السماء في قوله تعالى : {إن الله يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه{65} الحج.
أي ثباتها على الأرض بتحولها من الحالة الغازية الدائمة الحركة، إلى سائل أو جامد، ..
وهي قابلة أن تتحول إلى ذلك بكل عناصرها، إلى سائلة كمطر، أو جامدة كبرد وثلج،
ولكن الله تعالى يمسكها؛ أي يمنعها من التحول إلى ذلك إلا بالقدر الذي يأذن به.
وتسمية الموعود به بالواقعة، مثير للرهبة في النفس، .. فلا شيء يتحدث عنه أو ينشغل به إلا هي ....
الواقعة هي اسم من أسماء يوم القيامة، وهي اسم فاعل مؤنث من الفعل وقع،
ومعناها الثابتة الوقوع بصدق إخبار الله تعالى بها،
وعلى الوجه الذي أخبر به تعالى عنها،
والتأنيث له دلالته في بلوغ منزلة لا منزلة بعدها، ..
والإخبار بقدوم يوم القيامة أمر ثابت، والإيمان بها قائم في النفس، وإن كان غيبًا الآن ..
وعند وقوعها يتوحد الناس بالإقرار بها؛ من آمن بها من قبل، ومن كان مكذبًا لها، ..

أبو مسلم العرابلي
29/06/2016, 01:47 AM
: {ليس لوقعتها كاذبة{2} الواقعة،

فبداية الحديث في السورة عما يكون عندما تقع القيامة،
ويصبح حاضرًا مشاهدًا، لا تنكره ولا تكذب به أي نفس،
وكاذبة؛ أي كانت مكذبة تكذيبًا شديدًا لها من قبل في الحياة الدنيا،
وما أكثر المكذبين في كل مكان وزمان، بالقول أو بالفعل،
وقد وردت ثلاثة ألفاظ للواقعة في هاتين الآيتين؛
"وقعت"؛ بصيغة الفعل الماضي، والحدث أثبت ما يكون إذا كان ماضيًا،
لأنه لا يمكن إلغاؤه، أو تكذيبه، أو التغيير له، والتعديل فيه،
ووصف يوم القيامة بالواقعة بصيغة المؤنث؛ أي الذي بلغ منزلة ودرجة
ليس بعدها منزلة ودرجة أعلى منها في صدق الوعد بها،
فكيف إذا كان الموعود به على هذا القدر من العظمة، والرهبة الشديدة من الوعيد الذي فيه،
"لوقعتها"؛ الوقعة الصدمة، وأي صدمة أعظم من صدمة الناس بقيام الساعة، والبعث، والحساب،
وصدق الوعد والوعيد الذي أخبر به،

أبو مسلم العرابلي
29/06/2016, 01:53 AM
: { خافضة رافعة{3} الواقعة.

ثم يبدأ الحديث عما حدث ومهد الأرض للبعث الجديد، وجمع الناس في موقف الحساب،
فمستوى سطح الأرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛
قسم مرتفع، وقسم منخفض، وقسم متوسط بينهما،
ولتجعلها على سواء واحد، تأخذ من المرتفع، وتجعله على المنخفض؛
ولذلك سبق ذكر الخفض قبل الرفع؛ لأنه بالخفض للمرتفع، يرتفع المنخفض،
وبذلك يستوي وجه الأرض للحشر يوم القيامة،
فلا يقف بعضهم على مرتفع بارد، ويكون غيرهم في منخفض حار،
فقبل الحكم على الناس، العدل بينهم ومساواتهم جميعًا في مجلس الحساب الذي يقومون فيه،
وكذلك ليس هناك من هم بجانب بحر تهب عليهم نسائمه،
وآخرون بعيدون في صحراء تلقح الشمس وجوههم،
ولما كانت الملابس تفرق وتميز الناس بعضهم عن بعض،
تميز الغني عن الفقير، ورؤوسهم عن عامتهم، وكل قوم عن الأقوام الآخرين،
وتدل على سكناهم في مناطق حارة أو باردة، وغير ذلك ......
وفيها من الجيوب التي تخفي فيها نقودًا غالية، أو أوراق وبطاقات ثمينة ومهمة،
فالكل يوم القيامة عراة بلا لباس، لا تفرق بينهم، ولا شيء يستطيعون إخفاؤه،
فهم لا يملكون حتى ملابسًا تسترهم،
ومن أساليب التحقيق في بعض الدول، تعرية المتهمين ...
ليكون في حالة نفسية لا يخفي في نفسه أمام المحققين كل ما فعل مما يدان به،
ولكن كيف يكون الخفض والرفع ؟
ومتى يكون هذا الخفض والرفع ؟
ذلك عند قيام الساعة، ويبينه عدة آيات؛
كما في قوله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا {105} فيذرها قاعًا صفصفًا {106} لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا {107} طه.
وقوله تعالى : {وإذا الجبال نسفت {10} المرسلات.
وقوله تعالى : {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً {14} المزمل.
وقوله تعالى : {وإذا الجبال سيرت {3} التكوير.
وقوله تعالى : {وسيرت الجبال فكانت سرابًا {20} النبأ.
فمن الجبال ما ينسف فيزول ارتفاعها،
وأخرى تتفتت من ارتجاف الأرض بشدة،
وتسقط وتنهار كالكثيب المهيل، فيزول كذلك ارتفاعها،
وأخرى تصبح سائلا كالماء من شدة الحرارة فتسير إلى المنخفضات، ويذهب ارتفاعها،
كالجبال البركانية التي تنسف وتسير وتنهار،
وبذلك تستوي الأرض، وتصبح مهيئة لوقوف الناس على صعيد واحد فيها

أبو مسلم العرابلي
30/06/2016, 12:16 AM
: {إذا رجت الأرض رجًا {4} الواقعة.

متى تكون الواقعة خافضة رافعة ؟
يكون ذلك كما بينه قوله الله تعالى؛
: {إذا رجت الأرض رجًا {4} الواقعة.
الرج : هو التحريك الشديد المزلزل الذي يجعل الشيء مضطربًا،
والرجراج من الناس والإبل: الهزيل الذي يضطرب في مشيه،
والرجاج: رذال الناس وجهالهم الذين لا عقول لهم،
فهم يضطربون قي مواقفهم وأعمالهم،
ورجت الأرض أي حركت واضطربت اضطرابًا شديد من شدة الحركة،
وقد أكدت بالمصدر "رجًا" لبيان شدة تحركها واضطرابها،
ويكون لهذه الحركة الشديدة للأرض، أثر بالغ على الجبال تبينه الآية اللاحقة.

أبو مسلم العرابلي
30/06/2016, 12:20 AM
: {وبست الجبال بسًا {5} الواقعة.

فإذا كانت الأرض المنبسطة ترج رجًا،
فإن استجابة الجبال لهذه الحركة الشديدة تحتها مجيئًا وذهابًا؛
أن تبس؛ أي تفتت تفتيتًا شديدًا، وعند ذلك لن تبقى صامدة في أماكنها،
وتتأثر بالعوامل تحتها والتي كانت وراء انتصابها،
وهذا ما تبينه الآية اللآحقة .

أبو مسلم العرابلي
30/06/2016, 12:22 AM
: {فكانت هباء منبثًا {6} الواقعة.

من المعروف أنه قبل خروج البراكين ونسفها للجبال، تسبقها مئات الزلازل،
التي تضعف صخور الجبال أمام خروج البراكين،
فكيف إذا رجت الأرض رجًا وتبس الجبال بسًا ؟!
فالمجال مفتوح للعوامل التي أنشأت الجبال ونصبتها أن تقوم بنسفها، وتجعلها هباء منثورًا،
وكما في قوله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا {105} فيذرها قاعًا صفصفًا {106} لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا {107} طه.
وهذه إحدى الصور التي تحدث للجبال وليس كلها،
وفي هذه الصورة لما يحدث للجبال ما يحقق الانخفاض والارتفاع المذكور في الآية الثالثة؛
فهذه الآيات كلها تدل على زوال ما ارتفع من الأرض وأهمها الجبال،
ولكن أين سيكون ذهابها بعد صارت هباء من القطع الصغيرة المنبثة في السماء إلا في رسوبها في المنخفضات فترفعها،
حتى تصبح الأرض على سواء واحد لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا.
فهذه الآيات تتحدث عن قيام الساعة وما يحدث للأرض والجبال فيها،
فتكون خافضة لما ارتفع ورافعة لما انخفض منها،
وتفسير الآية بأنها خافضة لأهل الشراك والكفر والمعاصي، ورافعة لأهل الإيمان والتقوى،
ليس هو المقصود من خافضة رافعة، فإن ذلك يوم ترجف الأرض ... ورفع الناس وخفضهم بعد البعث.
والعزة والعلو والرفعة دائمة في الدنيا والآخرة لله ورسوله وللمؤمنين،
والذل والهوان والخفض لأهل الكفر والشرك في الدنيا والآخرة كذلك.

أبو مسلم العرابلي
01/07/2016, 01:50 AM
: {وكنتم أزواجًا ثلاثة {7} الواقعة.

بعد أن تهيأت الأرض بخفض عاليها، ورفع سافلها حتى صارت على سواء واحد،
وجاهزة ومعدة لاستقبال الحشود التي تبعث يوم القيامة للحساب عليها،
وكان الناس عليها أزواجًا ثلاثة، والزوج هو الذي لا بد منه لإكمال غيره،
وانقسام الناس إلى أزواج ثلاثة عظيمة العدد؛
وقد قدم أزواجًا على ثلاثة؛ للفارق الكبير بينهم وتباعدهم ...
فلا تستطيع العين حصرهم ورؤيتهم جميعًا،
ولو قال ثلاثة أزواج؛ لدل على أنهم قلة يمكن للعين أن تراهم جميعًا وتحصرهم،
لكن الناس بكثرة لا يعلمهم إلا الله تعالى؛ فقد يكونون مئات المليارات من الناس،
ولهم أمثال من الجن كذلك،
ولما كان الله تعالى كتب على نفسه أن يملأ جهنم من الجنة والناس،
وملء منازل الجنة منهم كذلك،
ففي كل منزلة ودركة يتمم أصحابها بعضهم بعضًا حتى يملؤوها؛
فلذلك وصفهم بالأزواج،
وكل واحد من الإنس والجن يكون له سائق وشهيد،
يقوده إلى الموضع المحدد له في الصفوف التي لأمثاله،
ويبينها الآيات اللاحقة ..

أبو مسلم العرابلي
01/07/2016, 01:52 AM
: {فأصحاب الميمنة
ما أصحاب الميمنة {8} الواقعة.

بدأ الذكر لأصحاب الميمنة أولاً،
ولماذا وصفوا بأصحاب الميمنة ؟
فالجند في مقابلة ومواجهة الأعداء يقسمون إلى خمسة أقسام
مقدمة ومؤخرة وقلب، وميمنة، وميسرة أو مشأمة، ويسمى الجيش بالخمس لذلك،
أما القلب : فلا قلب يوم القيامة؛ لأنه لا أحد محمي يوم القيامة،
ولا أحد يحيط بأحد يدفع عنه، ويمنع من الوصول إليه، ولا قائد لهم،
وكذلك لا مؤخرة لهم؛ فلا أحد يؤخر عن الحساب،
الجميع سيحاسب، والفرق بينهم في طول مدة الحساب وقصرها،
ويبقى من الخمسة؛ الميمنة، والميسرة، والمقدمة،
وكلها بدأت بميم الإحاطة؛ لأنهما مصادر ميمية،
وكلهم محاط بهم، ولا حول ولا قوة لهم،
ولما كان هذا الموقف، هو موقف مواجهة الحساب ونتائج الأعمال،
كمواجهة الجند في الحرب للأعداء؛
سموا بأصحاب الميمنة، وليس بأصحاب اليمين؛
لأن الموقف موقف المواجهة والحساب،
والميمنة مصدر ميمي من "يمن"، ويمين الإنسان، هي اليد التي يحول بها الأشياء عنه وإليه،
ولذلك سميت اليد الأكثر استعمالاً لذلك باليمين،
وأصحاب الميمنة، هم الذي لهم حسنات وسيئات كسبتها أيديهم وجلبوها لأنفسهم،
وسيناقشون في أعمالهم، لتقدير أعمالهم،
وليعرف من ينجوا بلا خدش، ومن ينجوا وهو مخدوش، قبل دخول الجنة،

أبو مسلم العرابلي
01/07/2016, 01:54 AM
: {وأصحاب المشئَمة
ما أصحاب المشئَمة{9} الواقعة.

أما أصحاب المشأمة فقد وصفوا بذلك لأنها في موقف الحساب كذلك،
المشأمة مصدر ميمي من "شأم"، وأصحابها هم المحاطون بالشؤم، ولا خروج لهم منه،
والشؤم شامل لكبرائهم، ولضعفائهم، على السواء،
والشؤم هو الذي يسبق السوء،
ووصفهم بأصحاب بهذا الشؤم لأنهم ما زالوا في موقف الحساب،
ولم يدخلوا النار بعد، وستتفاوت دركاتهم في النار بعد دخولها،
ولكن بعد ذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ..
أين أصحاب المقدمة .. ؟!
في الآيات التالية يكون الحديث عنهم ....

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:09 PM
: {والسابقون السابقون {10} الواقعة.

عندما يذكر أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة،
تفتقد المقدمة .... أين هم ؟!
فالجواب : لم يعد لهم وجود في موقف الحساب،
إنهم سبقوا بقية أصحاب الجنة إلى الجنة،
وتأكيد السابقين بالسابقين،
لبيان قصر وقوفهم في موقف الحساب،
وأنهم أصحاب الحظ الوافر بهذه السبق،
وأنهم يحسدون على هذا المصير الذي آلوا إليه،
والمسابقة تكون في طلب الغالي الثمين،
والمسابقة تكون في نيل القليل،
الذي لا يكفي أو يسع الجميع،
من هؤلاء السابقون ؟! وإلى أين سبقوا ؟!

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:10 PM
: {أولئك المقربون {11} الواقعة.

هؤلاء السابقون هم المقربون،
ومن تقريبهم انتقالهم من موقف الحساب إلى الجنة،
وتقريبهم منها بتجاوز النار أولاً،
وتقريبهم منها قبل غيرهم،
وهم سيكونون الأقرب إلى عرش الرحمن،
وهم سيكونون بذلك في أعلى منازل الجنة،
في جنات الفردوس الأعلى، حيث النعيم بلا حدود،

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:12 PM
: {في جنات النعيم {12} الواقعة.

النعيم هو الذي يكون بين يديك، وبذل لك، ولا يستعصي عليك،
وهي جنات وليس جنة واحدة؛
لأنه عندهم من كل نعيم الجنات وزيادة، فجنتهم هي جنات لذلك،
وكلما ارتفعت إلى الأعلى ضاق المكان، وقل عدد أصحابه وساكنيه،

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:14 PM
: {ثلة من الأولين {13} الواقعة.

فهم ثلة؛ أي حماعة ليست بالكثير ولا بالقليلة، والقياس بكثرة عدد الناس الذين خلقهم الله تعالى، أو ممن معهم،
قلة من الأولين الذين اتبعوا الأنبياء، وتخلوا عن كفر قومهم وشركهم،
وتحملوا معاناة اتباع الحق وتبليغه،
وما أقل المتبعين للأنبياء السابقين،
وإذا ما قورنوا بأتباع محمد صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين،
فبعض الأنبياء لا أحد معهم، وبعضهم معه واحد فقط، وبعضهم لم يأت معه إلا قليل،
فأكثر هؤلاء الثلة هم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام،
ومعهم قلة من الآخرين ...

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:17 PM
: {وقليل من الآخرين {14} الواقعة.

والقليل من الآخرين هم الذي يثبتون على دين الله يوم تفسد أمتهم،
فيكونون بالحال نفسه الذي بدأت بهم أمتهم من أنبيائهم، وهم قلة
وهم كذلك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه الدين الأخير،
والناسخ لكل الأديان ، ولا يكون أحد على حق إلا منهم،
وهم المحافظون والسائرون على خطا من سبقوهم،
من أصحاب اللبنات الأولى التي كانت أساسًا لحمل وحفظ الدين،
وكانوا قدوة لمن جاءوا بعدهم، فعظم أجرهم كالأولين،
فإن فاتنا أن نكون من الأولين، فنسأل الله تعالى ونرجوه أن يجعلنا من الآخرين،
وأن يرينا ما وعد به الأولين والآخرين في جنات النعيم ..

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:20 PM
: {على سرر موضونة {15} الواقعة.

سرر جمع سرير، وهو آلة على وزن "فعيل"،
وهو وزن للصفات والأشياء الدائمة،
وكل الأدوات في الجنة دائمة،
والسرير من مادة "سَرَر" وهي خفاء الشيء وستره،
وكذلك كل مواد اللغة التي فيها السين والراء مع أحد حروف العلة.
فخفاء السر معلوم، والسير يؤدي إلى الابتعاد والاختفاء،
وشجر السرو؛ يخفي ساقه بأغصانه التي تحيط به،
والأسير؛ يختفي عن قومه بأيدي أعدائه، ويحفظ في مكان يخفيه،
والسور، يخفي ما وراءه،
والسرأ؛ بيض الجراد الذي يخفيه في باطن الرمل والتراب،
وسرير النوم معزول عن بقية البيت،
وذكر السرر في مجالس أصحاب الجنة ، وانهم يتكئون عليها،
علامة على خفض أصواتهم، فلا يسمعها إلا القريب المجالس لهم،
والعادة ألا يرفع المتكئ صوته،
وذلك من علامة تساويهم في منازلهم، وعدم رفع بعضهم فوق بعض حتى في الصوت،
فقد انتهى دور كل من الخطباء وأصحاب المواعظ، والمتشدقون لجلب أنظار الناس إليهم،
ولما كانت هذه السرر في أعلى الجنة،
والأشياء المرتفعة توحي بالقلق وعدم الثبات الأشياء فيها،
وقابلة للتأرجح وحتى السقوط،
فجاء الوصف بتماسكها، وشدة حبكها؛ بأنها سرر موضونة،
أي أنها منسوجة، ودرع موضونة مضاعفة النسج، متداخلة الحلقات ومتقاربة،
غير ما يضاف إليها مما يزينها من ذهب وجواهر، وألوان وغير ذلك،

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:23 PM
: {متكئين عليها متقابلين {16} الواقعة.

الاتكاء غاية الراحة، والفراغ من العمل، ووجود الجليس المشارك في الحديث،
والتقابل في الجلوس هو الأمتع، لاشتراك الرؤية مع السماع، وينبئك الوجه ما لا يصلك من السمع،
وذلك مع العدد القليل، أما العدد الكبير فيجعلهم يتجانبون ويغطي بعضهم بعضًا، وينظر بعضهم قفا بعض.

أبو مسلم العرابلي
04/07/2016, 07:25 PM
: {يطوف عليهم ولدان مخلدون {17} الواقعة.

ومن متعة الجلوس، ألا ينشغل بخدمة نفسه، وخدمة غيره،
فيكون هناك من يقوم على خدمتهم، ويطوف عليهم،
ومن متعتهم أكثر أن يكون حولهم منهم،
فالولدان جمع ولد، والولد هو الذي يخلق من نفس أبيه وأمه،
فلذلك يسمى الأب بالوالد، والأم بالوالدة،
فتأنيث الوالدة هو تأنيث لفظ الوالد، لأن الوالد هو الأصل، وماءه هو الذي يحدد جنس المولود،
والأصل في الأنثى أنها مخلوقة من نفس الوالد، والأم مشاركة له،
ويراد من القول بأن الأم ولدت؛ أي جاءت بمولود من نفسها ومن نفس زوجها،
ويراد بأنها وضعت؛ أنها أنهت حملها بالولادة،
وبأنها نفست؛ أي أخرجت ما كانت تضن به وينتظرونه طوال أشهر حملها،
وجابت من لفظ العامة؛ أنها أتت بمولود جديد،
فكل لفظ له دلالته التي وضع لأجلها،
والغلمان غير الولدان،
فالغلام؛ هو الذي لا يجتمع مع والده في مكان وزمان واحد،
فهم أبناء أصحاب النار،
ولو كان آباؤهم في الجنة، لكانوا أولى بخدمتهم من غيرهم،
والرجل الصالح الذي تبعه موسى عليه السلام، قتل الغلام بعيدًا عن أعين والديه،
وأقام الجدار لغلامين يتيمبن، قد فرق الموت بينهما وبين والدهما،
والغلمان في الجنة قد فرق الحساب بينهما وبين آبائهم،
فآباءهم استحقوا النار بكفرهم وشركهم،
وهم كانوا صغارًا عندما ماتوا قد رفع القلم عنهم، ولم يؤاخذوا بجريرة آبائهم.
والخالد هو الذي يلازم حاله أو مكانه لا يفارقة،
وقد كبر أحد العرب وطال عمره كثيرًا؛ فسموه خالدًا،
ولم تكن التسمية لطول عمره، بل لملازمته البيت لضعفه،
الكبير تهش عظامه، ويضوي جسده، حتى لا يبارح مكانه لضعفه،
والخلد أو الخلند، دابة تلزم باطن الأرض وتتحرك فيها في أنفاق من صنعها، ولا تخرج إلى سطحها،
والخلود في الجنة أو النار، من الملازمة لهما وعدم الخرج منهما،
واللفظ لا يدل على الأبدية وإن دل على طول البقاء،
ولذلك جاء آيات أخرى لبيان ذلك؛ {خالدين فيها أبدًا}،
ولا يأت ذكر الخلود لأصحاب الجنة لآحادهم، لأنهم دائمًا مع أهاليهم، أو مع جلسائهم،
أما أصحاب النار فذكر آحادهم؛ {خالدًا في النار}،
لأن علاقتهم مقطوعة مع كل أصحاب النار، ويلعن بعضهم بعضهم،
والجمع لهم لأنهم موجودون في النار،
وخلود الولدان المخلدين، بقاؤهم على حالهم من الصغر،
ولو انتقلوا إلى مرحلة البلوغ والرجولة، لاحتاجوا لمن يخدمهم كذلك،
وليس لهم من الأعمال ما يبلغهم أعلى منازل الجنة،
فألحقوا هؤلاء الولدان بآبائهم، كرامة لآبائهم،
وولدان على وزن "فِعلان"، بعلامة الاعتماد (الكسرة) على أول حروفه،
وهو وزن يكثر استعماله فيما يعتمد عليه ويكمل ويتمم بعضهم بعضًا، في خير أو شر،
مثل فِتيان، وغِلمان، وإخوان، وحِيتان (معتمد صيد أهل القرية من بني إسرائيل)،
أما إخوان لوط؛ فإخوانه لأنه كان يشاركهم السكن والمعيشة، وزوجه منهم، وهم أخوال أولاده.
وبأي شيء كان الولدان المخلدون يطوفون عليهم ؟!

أبو مسلم العرابلي
05/07/2016, 01:52 AM
: {بأكواب وأباريق وكأس من معين {18} الواقعة.

أكواب جمع كوب، وهو الوعاء الفارغ الذي كُبَّ أو أفرغ مما فيه،
وتكون بلا عرى ولا خراطيم،
ولماذا هي فارغة ؟! .... لأجل الأشربة التي في الأباريق التي أحضرت معها،
والجمع لكل من الأكواب والأباريق للدلالة على تنوعها في الأحجام والألوان وما صنعت منه،
وتنوع الأشربة التي فيها،
وكل ذلك بيانًا للتنعم الذي فيه أصحاب الجنة،
وتسمية الأباريق بهذا الاسم؛ إما بسبب ألوانها الصارخة، وبريقها لشدة صفائها،
أو لأنها تحمل وتنقل وتنصب السوائل من بطونها، كما تنزل الأمطار من بطن السحب،
أما الكأس من معين؛ فجاء بالإفراد، لأن الماء المعين جنس واحد،
ومعين لأنه يعين على تناول الطعام، والاستمتاع به،
ولأنه لا لون له ولا طعمًا ولا رائحة، ولذته في برودته، ومن شدة الرغبة فيه،
وليس من كثرته؛ ذكر بالإفراد،
والفرق بين الكأس والكوب؛
أن الكأس؛ هو الوعاء المخصص لللشراب وممتلئ به،
والكوب؛ الوعاء الفازغ قبل وضع الشراب فيه،
وكلاهما بلا عرى ولا خراطيم.

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 01:02 AM
: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون {19} الواقعة.

الصدع تفرق المجتمِع؛ قال تعالى : {فاصدع بما تؤمر} ؛
أي فرق اجتماعهم على الكفر بدعوة التوحيد الذي أرسلت بها،
ولا يصدعون: أي لا يتفرق جمعهم بسبب تأثير ما يشربون عليهم،
فليس في شراب الآخرة، من مساوئ شراب الدنيا، فهو متعة خالصة،
أو لا يسبب لهم صداعاً، يصيب بعض الرأس دون بقيته،
ويفرق فكره بين الانشغال بألم الصداع وبين ما هو فيه،
ولا ينزفون: أي لا ينفذ شرابهم لكثرته،
ولا هم يبعدون عنه حتى لا يؤثر كثرة شربهم منه عليهم،
أو تذهب عقولهم بسبب الشرب،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 01:06 AM
: {وفاكهة مما يتخيرون {20} الواقعة.

الفاكهة ما يؤكل فضلة على الطعام للتلذذ به،
ولكثرته يتخيرون ما شاءوا منه،
والتخير يكون بين المتماثل،
وكل فاكهة الجنة مما ترغبه النفس فيه، وتجد فيه المتعة،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 01:08 AM
: {ولحم طير مما يشتهون {21} الواقعة.

أجود أنواع اللحم هو لحم الطير، ولذلك خص بالذكر دون غيره،
وقد سمي اللحم بهذه التسمية، لأنه إذا تفرق بالجرح، أو بالأخذ منه، التحم وعاد كما كان،
وذكر بأن ما يؤكل من الطير يعود له ثانية، ويرجع كما كان قبل الأكل منه،
والاشتهاء يكون للطيب المرغوب فيه،
ويشتهى عند تذكره، أو عندما تقع عليه العين عند حضوره، أو عندما يعرض أمامه،
والطائر من مادة "طير" وهي مستعملة فيما لا حكم لك عليه،
وقد سمي الطائر بهذا الاسم من طيرانه الذي فيه استعلاء وهيمة،
بقدرته على التحول مرتفعًا في السماء، وملازمتها من غير سقوط إلى الأرض،
فيصبح في موضع لا يقدر الإنسان على التحكم فيه،
والعمل إذا فعله الإنسان، صار مستعصيًا على الإنسان رده،
وأصبح متحكمًا بالإنسان؛ فإنا يجلب له خيرًا، أو يوقعه في شر، وقد قال تعالى؛
: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا{13} الإسراء.
ومن تمام النعمة أن يأتيه الطائر الذي يشتهيه بنفسه،
وقد قدم ذكر الخدمة من الولدان المخلدون، لبيان رائحة الأبدان،
وذكر الولدان المنشأ خلقهن من تمتع الأزواج،
ثم ذكر الشراب أولا قبل الفاكهة والطعام، لأنه الأسرع في الانتشار في العرق، وإحداث النشاط،
ثم تقديم الفاكهة على اللحم، لأنه الأنفع، والأسلم من أكله بعد اللحم، فيخمره ويفسده،
وتقديم الشراب والفاكهة واللحم مع غاية الفراغ والراحة التي هم فيها، قبل ذكر الحور العين،
لأنهما كلها تعين على التمتع بهن خير تمتع،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 03:45 AM
: {وحور عين {22} الواقعة.

الحور مفردها حورية، وهي من مادة "حور"،
وهي مستعملة في بقاء الشيء حول أصله لا يبتعد عنه، وبقاء التابع حول متبوعه وملازمًا له،
فالحواريون؛ هي الطائفة من بني إسرائيل التي آمنت بعيسى عليه الاسلام ولازمته ولم تفارقه حتى رفع،
وشجر الحور؛ يتميز ببقاء فروعه قريبة من الساق لا تمتد بعيدًا عنه،
والحوراء؛ هي التي أحاط بياض العين بسواده لسعة العين،
والحور؛ هن نساء الجنة، اللائي يظللن حول أزواجهن، لا يفارقنهم حتى في مجالسهم مع الرجال،
ولا ينظره ولا يلقين اهتمامًا بغير أزواجهن،
أما وصفهن بـ"عين"، من مادة "عَيَنَ"، وهي مستعملة فيما يعين من غير تكلفة ولا مشقة،
وقد سميت العين المبصرة بذلك؛ لأنها أكبر معين للإنسان في جلب أخبار ما حوله،
فيسهل التعامل معه، من غير مشقة عليه،
وعين الماء؛ تجلب لك الماء من غير مشقة لرفعه والإتيان به،
والعين: الجاسوس الذي يأتيك بأخبار العدو، وأنت آمن من خطره،
ونساء الجنة معينات لأزواجه، لا يكلفنهم شيئًا من نفقة،
ولا يسببن لهم سوءًا أو ضيقًا من سوء خلق، أو عصيان، أو عتاب، أو نشوز، أو غير ذلك،
ومعينات لهم في التمتع بهن، أو ما يحتاجونه ويطلبونه منهن،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 05:37 AM
: {كأمثال اللؤلؤ المكنون {23} الواقعة.

يتصف اللؤلؤ بأنه بطيء النمو، طويل العمر،
ثابت الحال، يضطرب بريقه ولمعانه،
ومكنون: أي محفوظ، لم تمسه الأيدي،
ولم يقع عليه ما يغبره، ويذهب رونقه،
ووصف الحور العين باللؤلؤ المكنون؛
لجمالهن كانه في خلقهن طول تأني حتى ظهرن بهذا الجمال،
ولطول بقائهن على حال واحد، لا يتغيرن فيه،
مهما طال العمر، وطال الزمن عليهن،
ولظاهر جمالهن كأنه يتجدد كما يتجدد اللؤلؤ في اضطراب إضاءته ولمعانه،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 06:00 AM
: {جزاء بما كانوا يعملون {24} الواقعة.

كل ما ذكر سابقًا من جنات النعيم، والراحة التي هم فيها،
والشراب الذي يقدم لهم، والفاكهة التي يختارون منها ما يشاؤون،
ولحم الطير الذي يشتهون بعد ذلك، كله جزاء بما كانوا يعملون في الحياة الدنيا،
هو ما قسمه الله تعالى لهم ثوابًا على أعمالهم،
والعمل هو ما دام والتصق بصاحبه، وانحصرت القدرة على تغييره، فيبقى ثابتًا لصاحبه،
فإن كان خيرًا كان خيرًا له، وإن كان شرًا كان شرًا عليه،
فقد أكرم الله تعالى أصحاب الجنة بأفضل ما حرموا منه في الدنيا،
أو استغنوا عنه طاعة وامتثالاً لأمر الله واجتناب معاصيه،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 07:20 AM
: {لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا {25} الواقعة.

لا يسمعون في الآخرة لغوًا ولا تأثيمًا؛
لأنه ليس هناك في الجنة كاذب أو فاسد أو فاسق،
واللغو : هو الكلام الباطل، والكلام الذي لا خير فيه،
والتأثيم: الذنب الذي يلحق قائله إثمًا يحاسب عليه،
ولما نفي عنهم سماع ذلك، فقد نفى عنهم فعل ذلك؛
لأن السمع هو الاستجابة لما يقال بالتفاعل معه،
والعمل بما يقتضيه القول المسموع،

أبو مسلم العرابلي
06/07/2016, 07:39 AM
: {إلا قيلاً سلامًا سلامًا {26} الواقعة.

والبديل عن اللغو والتأثيم عندمهم، القول سلامًا سلامًا،
فلا تسمع إلا سلامًا سلامًا،
فكل من يسلم يرد عليه بالسلام، علامة على تساويهم،
وعدم تكبر بعضهم على بعض،
فإن اللغو والإثم يأتي من التكبر، ويرى بعضهم أنهم فوق بعض،
فيسخر بعضهم من بعض، فيقود ذلك إلى اللغو والإثم،
وسلام بعضهم على بعض بهذا التأكيد والقوة؛ هو سلام عزيز على عزيز،
وليس سلام ضعيف أو ذليل على ذليل.
والبناء للمجهول في "قيلاً" علامة على أن كثرة السلام منهم على كل من يرونه أو يقابلونه،
ولا يخص به أحد دون أحد،
والاستثناء بـ"إلا"، للدلالة على أن نفي اللغو والتأثيم لم يكن عن صمت وعدم الكلام،
فالحديث بينهم كثير، ولكنه سالم من الإثم واللغو، وعال في الحسن والأدب،

أبو مسلم العرابلي
07/07/2016, 12:12 PM
: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين {27} الواقعة.

بعد حديث في الآيات السابقة عن أحوال السابقين، الذي ارتقوا إلى آخر وأعلى منازل الجنة،
أتبعه ذكر أصحاب اليمين وهم أصحاب المنازل الأولى والأنى في الجنة،
ومع أن أصجاب اليمين في أدنى منازل الجنة،
إلا أنها منازل عظيمة لا يقارن نعيمها بما في الدنيا،
ولذلك أتبع ذكر "أصحاب اليمين" "ما أصحاب اليمين"
فهم في حال عظيمة يحسدون عليها،
لو أردت التفصيل والإسهاب في ذكرهم وما هم فيه،
لكان الحديث عنهم حديثًا طويلاً،
وما يذكر عنهم هو ذكر يسير عما هم فيه من نعيم في هذه المنازل،
وسؤال طرح من قبل : ما الفرق بين أصحاب الميمنة، وأصحاب اليمين ؟!
قيل لهم أصحاب الميمنة وهم في موقف الحساب،
وأصحاب اليمين بعد دخولهم في الجنة ،
فهم أصحاب الميمنة لما كانوا في موقف الحساب،
يواجهون فيها أعمالهم ويناقشون فيها؛
فإما ينتصرون بأعمالهم الحسنة، ويفوزون بالجنة،
وإما يهزمون بأعمالهم السيئة،
ويخسرون الجنة وأنفسهم وأهاليهم، ويلقون في النار،
وأصحاب اليمين من اليُمْن، واليد اليمنى هي اليد الأكثر استعمالاً في
تحويل الأشياء الطيبة والتي تريدها وتحبها إليك،
وتدفع بها الأشياء السيئة والتي لا تريدها وتبغضها عنك،
وهؤلاء أصحاب اليمين هم الذين دخول الجنة بمشقة وشدة،
لقلة حسناتهم، وطول مدة مرورهم على الصراط،
فلم يبلغوا الجنة إلا بشق الأنفس، ولذلك سموا بأصحاب اليمين،
فقبل دخول الجنة هم أصحاب الميمنة،
وبعد دخول الجنة هم أصحاب اليمين،

أبو مسلم العرابلي
07/07/2016, 11:47 PM
: {في سدر مخضود{28} الواقعة.

لما انتقلت الآيات إلى الحديث عن أدنى الجنة،
وهي الأقرب إلى النار، وأكثر دفئًا وحرارة،
والأكثر نزلاء من المنازل التي فوقها والتي تضيق صعودًا إلى اعلاها،
فبدأ بذكر الـ "سدر مخضود"،
والسدر من نبات المناطق المنخفضة الحارة، وهو كثير الثمر،
فناسب ذكره ارتفاع حرارة أدنى الجنة عن أعلاها،
وكثرة ساكنيها من أهل اليمين،
وقوله مخضود، أي أن السدر قد قطع شوكه، وقد بُدِّل بثمار مكانه،
أو أنه طري لين ينثني فلا يؤذي، لأن الشوك الصلب القاسي هو المؤذي،
أو مخضود أي مأكول لكثرة أصحاب الجنة، وإقبالهم عليه للذته،
وهذا القول علامة على قرب ثمر وورق السدر من أصحاب الجنة،
فخضد حتى لا يؤذيهم شوكه، ويزداد ثماره بما يناسب كثرة عددهم،
ولا يعلم مقدار اختلاف ثمر سدر الدنيا عن ثمر سدر الجنة في الآخرة؛
في أحجامها، وألوانها، وطعمها، وشدة رغبة النفس واشتهائهم لها،
إلا بعد الوقوف عليه، والأكل منها،
ومن المعروف المعلوم أن مع شدة الحرارة وكثرة الري تكثر الثمار،
وهذا هو الحاصل في أدنى الجنة، ولذلك ذكر من الشجر كثير الثمر؛
السدر المخضود، وذكر معه بعد ذلك الطلح المنضود،

أبو مسلم العرابلي
08/07/2016, 12:34 AM
: {وطلح منضود{29} الواقعة.

فقد قال تعالى : طلح منضود لا موز منضود
الطَّلْـحُ: شجرة حجازية جَناتها كجَناة السَّمُرَةِ، ولها شَوْك أَحْجَنُ ومنابتها بطون الأَودية؛
وهي أَعظَم العضاة شوكاً وأَصْلَبُها عُوداً وأَجودها صَمْغاً؛
الأَزهري: قال اللـيث: الطَّلْـحُ شجرُ أُمِّ غَيْلانَ ووصفه بهذه الصفة.
وقال: قال ابن شميل: الطَّلْـحُ شجرة طويلة لها ظل يستظل بها الناس والإِبل، وورقها قلـيل،
ولها أغصان طوال عظام تنادي السماء من طولها،
ولها شوك كثير من سلاء النخل، ولها ساق عظيمة لا تلتقـي علـيها يدا الرجل،
تأْكل الإِبل منها أَكلاً كثـيراً، وهي أُم غَيْلاَنَ تنبت فـي الـجبل، الواحدة طَلْـحَةَ.
وقال أَبو حنـيفة: الطَّلْـح أَعظم العِضاه وأَكثره ورقاً وأَشدّه خُضْرة،
وله شوك ضِخامٌ طِوالٌ وشوكه من أَقل الشوك أَذى، ولـيس لشوكته حرارة فـي الرِّجْل،
وله بَرَمَةٌ طيبة الريح، ولـيس فـي العِضاه أَكثر صمغاً منه ولا أَضْخَمُ،
ولا يَنْبُتُ الطَّلْـحُ إِلا بأَرض غلـيظة شديدة خِصبَة، واحدته طَلْـحة.
الأَزهري: قال أَبو إِسحاق فـي قوله تعالـى: (وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) الواقعة.
جاء فـي التفسير أَنه شجر الـموز،
قال: و الطَّلْـحُ شجر أُمِّ غَيْلان أَيضاً، قال: وجائز أَن يكون عنى به ذلك الشجر لأَن له نَوْراً طيب الرائحة جدّاً،
فَخُوطِبُوا به ووُعِدُوا بما يحبون مثله؛ إِلا أَن فضله علـى ما فـي الدنـيا كفضل سائر ما فـي الـجنة علـى سائر ما فـي الدنـيا.
لقد اجتمعت في الطلح من الصفات الطيبة الحسنة ما لم تجتمع في الموز؛
- الطلح من الشجر العظام الذي يمتد طولا في السماء، ويستظل به لكبره،
ولافتراش ورقه كمثل القرطاس ، وخضرته، وهذا يتناسب مع قوله تعالى : (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) الواقعة.
...... والموز قصير الطول، ولا يصلح للعيش تحته والاستظلال بورقه.
- الطلح له ساق قوية وصلبة لا تحيط بها يدا الرجل، وهذا يتناسب مع صفة الجنة الدائمة،
...... وساق الموز ضعيفة، وعمرها قصير، وتزال بعد أخذ الثمر عنها ليتجدد غيرها ويحل محلها.
- شوك الطلح أقل الشوك أذى، وليس لشوكته حرارة في الرجل؛
وهذا يتناسب مع السدر الذي حضد شوكه في قوله تعالى (فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) الواقعة.
- الطلح له برمة طيب الرائحة. والأكل يزيد طيبًا كلما كان له رائحة طيبة.
- الطلح يدل على اللين والهزال والإعياء ، والضمور وهو طعام سهل لين على الإبل نافع لها،
وهذا يتناسب مع نضج الفاكهة وصلاحها للتناول في الأكل مباشرة ،
وصلاحه لأن ينضد لأنه يضمر مع نضجه؛ (وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) الواقعة.
أما الموز فثمره صلب، ولا يؤكل حتى يعد بالتخمير في مكان حار ليلين ويصبح صالحًا للأكل،
وإذا نضد على بعضه فسد، ويسيل ماؤه، فلا بد من تمايزه عن بعضه بعدما يتم تجهيزه للأكل خلاف الطلح.
- الطلح من الطعام ما لا جوف له، باطنه كظاهره، وهذا يعني أنه ليس له قشر يرمى ويبعد،
وليس له كذلك بذر في باطنه يلقى ويرمى، وليس في الجنة ما يعد قمامة ولا زبالة،
فليس في الجنة غير الطيب من الطعام ، وليس فيها ما لا ينتفع به.
أما الموز؛ فلبه الذي يؤكل، ويرمى بقشره.
من ذلك يتبين لنا بلاغة القرآن في ذكر الطلح بدلا من ذكر الموز؛ وإن جعل الطلح اسمًا آخر للموز.
فانظر كيف اجتمع في الطلح محاسن الموز المعد للأكل، وخضرة ورق شجره وافتراشها؛ الصالح ليعمل ظلا في الجنة،
وخلص من عيوب ثمر الموز، وعيوب شجره الذي لا يناسب صفة أشجار الجنة وثمرها المنضود.

أبو مسلم العرابلي
09/07/2016, 12:46 PM
: {وظل ممدود{30} الواقعة.

لما ذكرت شجرتين من أشجار المناطق الحارة (السدر، والطلح)، وذكر الحر يوحي بالحاجة للظل للوقاية منه، فحسن ذكر الظل بعد ذلك، وتمام الحفظ منه أنه ممدود، أما الظل القصير فيحبس المرء نفسه تحته، والممدود له مطلق الحركة تحته، وذلك لاتصال شجر الجنة بعضه ببعض،
والظل من مادة "ظلل"، وهي مادة مستعملة في بقاء الشيء واستمراره، ووجدود ما أذهب غيره،
والليل كما يقال؛ كله ظل، وبعد شروق الشمس، تنسخ الشمس ما يقع عليه ضوؤها، وتبقى أماكن بجانب الأشياء أو تحتها لا يصل إليها ضوء الشمس مباشرة، وهي التي تسمى بالظل؛ لاستمرار انقطاع ضوء الشمس عنها.
ويكون الظل في الصباح ممتدًا، ويتقلص مع ارتفاع الشمس إلى الظهيرة؛
قال تعالى : {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً {45} ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا{46} الفرقان،
وامتداده وقبضه بسبب تحرك الأرض أمام الشمس،
وبعد الظهر يبدأ الظل بالرجوع إلى الأماكن التي ضربها الشمس في الصباح وقبل الظهر،
ولذلك لا يسمى ظلاً؛ بل يسمى بعد الظهر فيئًا، لرجوع الظل إليه.
وهذا ما يدل على وجود مصدر للحرارة فوق شجر الجنة؛
فإما أن يكون من الشمس إن بقيت أو عادت بعد القيامة،
وإما أن يكون مصدره من نور العرش، وما يكون معه من حرارة،
قال تعالى بعد البعث : {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ...{69} الزمر،
أو مصدر آخر علمه عند الله تعالى،
والمراد بقوله تعالى : ممدود؛ إما لاتصال الشجر بعضه ببعض،
وكما قال تعالى : { متكئين فيعا على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا {13} الإنسان.
وإنا أنه لا يقبض، ويظل أصحاب الجنة في نهار سرمدي لا يأتي بعده ليل أبدًا.

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 12:09 AM
: {وماء مسكوب{31} الواقعة.

وبعد الحديث عن الظل الممدود بعد ذكر شجرتين من شجر الأماكن الحارة،
جاء ذكر الماء المسكوب، فإن أريد به؛ أنه يسكب على الأرض،
فذلك لترطيب الجو به،
وإن أريد به أن يجري على وجه الأرض؛ فله دلالات منها؛
: أن الشجر ينتفع بالماء الذي يجري على وجه الأرض أكثر،
وليس من الماء الذي يتسرب ويصل إلى أعمال بعيدة في الأرض،
: وأمر آخر؛ أن ماء الجنة وأنهارها، تكون كثيرة
ومتدفقة في المنازل العليا في الجنة،
وتضعف وتقل كلما نزلت إلى الأسفل،
حتى تكون ماء مسكوبًا على وجه الأرض،
ولو بقيت بكثرة وتدفق كبير كما هي في المنازل الأعلى؛
لأغرقت من في المنازل السفلى،
وفاضت فنزلت على أصحاب النار، وهذا الذي يرجوه أصحاب النار،
وذكر الماء أنه مسكوب؛ أي يهرق على الأرض،
يدل على أن أرض الجنة في هذه المنازل غير مشبعة بالماء،
ومحتاجة للماء، وهذا يناسب قربها من النار،
وإما ان تكون أرض الجنة في هذه المنازل أشبه بالأرض الرملية،
فمهما تدفق إليها الماء تستوعبه وينزل فيها عميقًا،
وحالها كحال الأرض التي وقف فيها أصحاب الجنة خارج أسوار الجنة،
وخلف أبوابها قبل أن تفتح لهم،
وعرقهم فيها يبلغ نزولاً في الأرض سبعون ذراعًا،
وما يتسرب من ماء الجنة يبلغ قعر جهنم،
فيخرج حميمًا فيها، وتنبت فيه أشجار الزقوم،
فيؤتى بأهل النار من الجحيم إليه ليشربوا من الحميم،
ويأكلون من الزقوم قبل أن يعودوا إلى جهنم؛
قال تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن{44} الرحمن.
وقال تعالى : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ {62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ {63} إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ {66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ {67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ {68} الصافات.
فأكلهم من الزقوم وشربهم من الحميم في مكان لا يعد من الجحيم التي أتوا منه،
ثم يعودون عليه،
وأن يكون هذا هو الأقرب إلى الجنة،
ومنه ينادون أصحاب الجنة أن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله،
وهو أقل عذابًا من بقية النار، فيجدون فرصة للتخاصم فيه، ولعن بعضهم بعضًا؛
قال تعالى : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ {57} وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ {58} ... ثم بعد ذلك .. { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ {64} ص.

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 02:07 AM
: {وفاكهة كثيرة {32} الواقعة.

تعتمد كثرة إنتاج الأشجار والنباتات للثمار، على كثرة المياه وشدة الحرارة؛
قال تعالى: { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ {265} البقرة.
وقد اتصفت جنات أصحاب اليمين بحرارة أكبر من جنات المقربين،
فحسن بعد ذكر الماء المسكوب، الإشارة إلى كثرة الفواكه فيها،
ويحتاج سكان البيئات الحارة إلى المأكولات ذات السوائل الكثيرة،
ونسبة المياه في الفواكه مرتفعة فيها، وتصل في معظما إلى أكثر من 90% ،
وحاجتهم قليلة إلى الأطعمة الدسمة التي تحفظ للجسم حرارته وخاصة في البيئات الباردة،
وقد ذكر من قبل من مأكولات المقربين ؛
: {وفاكهة مما يتخيرون {21} ولحم طير مما يشتهون {22} الواقعة.
فهم يتخيرون، ومن تخير لا يكثر، ولحم طير يحتاجونه لبرودة منازلهم أكثر،

ويشير كثرة الفاكهة؛ على كثرة كمها، وكثرة أنواعها،
والكل في الجنات يأكل من كل شيء، ولكن يتفاوت أكلهم حسب حاجتهم، واختلاف منازلهم،
ولذلك جاء ذكر الفواكه الكثيرة، للتنويه على حاجتهم إليها أكثر من غيرهم، وكثرة أكلهم منها،
والسياقات في آيات القرآن متناسقة تناسقًا عجيبًا،
كلما وقفت عليها ازددت عجبًا منها.

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 02:34 AM
: {لا مقطوعة ولا ممنوعة {33} الواقعة.

ثم جاء التنويه على نتائج كثرة أكلهم؛ أن الفواكه لا تنقطع مع كثرة عددهم،
ولا يمنعون من الأكل منها لإبقاء شيء لبقيتهم، أو لأيامهم المقبلة،
أو لانتهاء فصل وجودها،
فهي من الكثرة في كل وقت، وكثرة المنتج منها ما يكفيهم، ويزيد عن كفايتهم،
ولا يخشى من نقصانها عليهم أبدًا،
ولا وجود من يمنعهم منها، أو يمنعها عنهم، فقد ذهب المفسدون في الأرض،
فما كان يحدث لهم في الدنيا من القطع والمنع، لا يتكرر عليهم في الآخرة،
فهم في نعيم مقيم.

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 03:08 AM
: {وفرش مرفوعة {34} الواقعة.

الفرش جمع فِراش، والفِراش من أثاث البيت الذي يطوى ويرفع،
ويبسط عند الحاجة إليه،
والفَراش من الحشرات التي تطوي أجنحتها إلى الأعلى،
عند الانتهاء من الطيران والوقوف على شيء،
والرفع هو الزيادة على الشيء؛ كرفع القواعد من البيت،
ورفع السماء بزيادة مادتها فيرتفع سقفها،
أو العطاء الزائد لبعضهم عن بعض؛ كرفع درجات الأنبياء والصالحين،
أو حمله على شيء يكون بينه وبين الأرض، فيرتفع موضعه،
وليس المرفوع الذي يكون معلقًا في الهواء،
وحتى ارتفاع الطير في السماء يكون بالاعتماء على الهواء فيها،
وهي مرفوعة ولا ترفع، لثبات مكانها أو مكانتها،
ولعل في القول بأنها مرفوعة؛ أنها في مكان مستور عن الرؤية لارتفاعه،
وذكر الفرش بهذه التسمية له دلالات عديدة؛
- أن المرتفع في بيئة حارة يكون أبرد وأندى وأطيب ريحًا،
- وأن الماء عندهم مسكوب، فلا يصلح ذكر بسط الفرش على الأرض،
- والكناية عن معاشرة النساء بالفرش، هو من الأدب العالي
للقرآن الكريم الذي لا يكون فيه خدش للحياء،
- وأن معاشرتهن من العوارض التي لا تدوم لكثرتهن، والتنقل بينهن،
أو لانشغالهم بغيرهن من أنواع النعيم في الجنة،
- وأن المعاشرة لهن والتمتع بهن مباح كيفما يشاء،
وكما قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم وآتوا حرثكم أنى شئتم{223} البقرة.
ثم يأتي الوصف لهن بعد ذلك بما يناسب منازلهن،

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 03:36 AM
: {إنا أنشأناهن إنشاء {35} الواقعة.

ما يرى في المناطق الحارة من أثر الحر الذي يزيد من رغبة الرجال في النساء،
وأنهم يقبلون بنساء ليس فيهن إلا مسحة من الجمال، وخاصة مع قلة النساء،
فجاء الوصف لإبعاد هذه الصورة التي قد تنتقل لمخيلة المتدبر لآيات القرآن،
بأنهن على درجة عالية في الجمال، ترى فيه عظيم إنشاء الله لهن عجبًا،
ولسن أقل حظًا من نساء أصحاب الجنات العلى،
وأنهن لم يُنشأن من والدين سابقين، فليس لهن تعلق إلا بأزواجهن،
فلا يعرفن أبًا ولا أمًا، ولا أخًا ولا أختًا، ولا زوجًا سابقًا ولا ابنًا،
فلا يشارك أزواجهن أحد يجعلن له من اهتمامهن نصيبًا،
وإن كان ذلك ينزع من أزواجهم من الصالحات المؤمنات،
فهؤلاء أكثر فراغًا من نساء الدنيا، وأكثر تحببًا لأزواجهن،
ثم يأت بعد ذلك أوصاف أكثر لهن،

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 04:10 AM
: {عربًا أترابًا {37} الواقعة.

ومن تمام حسن المعاشرة في الآخرة بين الأزواج أن يكن نسائهم عربًا؛
أي أن نساء الجنة يحسن الحديث بأبين الكلام،
فيفصحن عن مشاعرهن وودهن لأزواجهن، بأرق الكلام وأحسنه وأجمله،
لا يعجزن ولا يتعتعن في بيان ما في أنفسهن،
وكان قال المتنبي؛
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب،
وهذا يدل على ما للكلمة الطيبة الحسنة الفصيحة من منزلة عند الله تعالى،

وأنهن أترابًا، في عمر واحد وعلى سواء واحد في الجمال، فلا تُنبذ واحدة لنقصها،
أو تقرب واحدة على غيرها، لما تزداد به عنهن، مما يجر إلى تنعيص عيشه وعيشهن،
ومادة "ترب" مستعملة في اجتماع الكثير الصغير،
ومنه التراب، فأجزاؤه كثيرة صغيرة،
والجمال يعظم مع صغر الأشياء، لأن أجزاءه قريبة مجتمعه،

ومن إماتة الغيرة بين أصحاب الجنة، وبين نسائهم فيها،
أن يكن على سواء واحد في الحسن والجبال،
لأن الحور العين منهن يحضرن مجالسهم،
وهؤلاء هن لأصحاب اليمين

أبو مسلم العرابلي
10/07/2016, 10:36 AM
: {لأصحاب اليمين {38} الواقعة.

لمن هذا الذي أعد وذكر ووصف في الآيات السابقة؟!
إنه لأصحاب اليمين !
اليمين هو عضوك الذي تجلب به الأشياء التي تريدها،
وتدفع به عنك الأشياء التي لا تريدها،
إذن لم يحصلوا على ما حصلوا عليه إلا بفعل أيمانهم،
لقد بذلوا جهدهم ولاقوا الشدة في دفع النار عنهم ، والفوز بالجنة،
وتحملوا وصبروا على طاعتهم في حياتهم الدنيا،
ليكتب لهم النجاة والفوز في حياتهم الآخرة،
ومن هم هؤلاء ؟
هم جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين ...

أبو مسلم العرابلي
11/07/2016, 11:05 AM
: {ثلة من الأولين {39} الواقعة.

ثلة: جماعة كثيرة الواحد فيها كالشعرة في ثلة الشعر المجتمع،
فأصحاب اليمين هم جماعة كثيرة من الأولين،
وهم أول أتباع الأنبياء ، الذين آمنوا بهم واجتمعوا، والتفوا حولهم،
وممن تبعهم إلا ان تضمحل جماعتهم وتنتهي،
من المتبعين للحق الذي جاء به أنبياؤهم.
وأكثر أتباع الأنبياء في حياتهم وبعد موتهم،
هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم،
فأكثر الأولين هم من هذه الأمة،
ولله الحمد.

أبو مسلم العرابلي
11/07/2016, 11:13 AM
: {وثلة من الآخرين {40} الواقعة.

فأصحاب اليمين هم أيضًا جماعة كثيرة من الآخرين،
وهم الذين حافظوا على دعوة الحق واستمروا عليها،
وممن يحيوها كلما خبت وضعفت،
وليس هناك دعوة حق في الآخرين إلا في هذه الأمة،
فالجماعة الكثير من المتأخرين كلهم من هذه الأمة،
فهذه الأمة لها الحظ الأوفر في منازل الجنة،
في كل منازلها، ليكونوا من أصحابها.
فلله الحمد الذي جعلنا من هذه الأمة،
وخلقنا من والدين مسلمين، كفيانا البعد عن الكفر والفئات الضالة،
ولم نلاق المعاناة التي يلاقيها من يطلب الحق من الأمم الأخرى،
من الذين ملكوا الشجاعة على تحدي أقوامهم عند اتباعهم للحق.

أبو مسلم العرابلي
13/07/2016, 12:09 PM
: {وأصحاب الشمال
ما أصحاب الشمال {41} الواقعة.

صاحب الشيء هو الملازم له، وأصحاب الشمال هم الملازمين له،
وإذا نظرنا إلى الكعبة ومكة المكرمة حيث هي مركز جزيرة العرب،
وقبلتهم وتوجههم، ومكان اجتماعهم وأداء مناسكهم،
والواقف فيها ومتجهًا للشرق مكان طلوع الشمس وابتداء نهارهم،
فعلى اليمين تكون جهة اليمن حيث ينتهي البر بالبحر،
وجهة الشمال مفتوحة حيث يمكن الانتقال إلى كل آسيا،
وأوروبا، وإفريقيا ابتداء من شمالها،
ولذلك سميت الشمال بالشمال لاستمرار الحركة فيها في البر،
وعدم انقطاعها كما تنقطع إذا اتجه السائر إلى الجنوب،
فقوله تعالى: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال}؛
؛أي أنهم في حركة دائمة لا استقرار لهم،
كاستقرار أهل الجنة في منازلهم وغرفهم،
واتكائهم على الأرائك، وفي النعيم الذي هم فيه،
أما هؤلاء فلا استقرار لهم أبدًا،
ولا انقطاع ولا انتهاء لما هم فيه من ألوان العذاب،
ويأخذون كتبهم بشمائلهم بما يواقف المصير الذي يؤولون إليه،
حيث العذاب يشملهم ويحيط بهم وبستمرون فيه ولا مخرج لهم منه.

أبو مسلم العرابلي
18/07/2016, 11:18 PM
: {في سموم وحميم {42} الواقعة.

السموم : الريح الحارة، والحميم الماء الحار،
فلا شيء يأتيهم فيه برد يخفف من حر جهنم عليهم وحر أجوافهم،
فظاهرهم يأتيهم حر السموم،
وباطنهم يأتيه حر الحميم،
والسم كل خرق يمكن الدخول فيه أو منه،
ومن ذلك؛ سم الخياط،
وسميت الريح بالسموم لأنها لا تصيب المعرض للشمس فقط،
بل تدخل على من استظل بشيء منها،
أو كان في داخل بيت أو شيء يتقي به منها،
ولأنها تدخل مسام الجلد،
فلا سلامة لهم من حرها،
وسموم جهنم سميت بذلك؛
لأنها تجد طريقًا إلى باطن أصحابها فتلهبه، كما ألهبت ظاهره،
فيريد أن يطفئ جوفه فلا يجد إلا الحميم،
فيهرب من حر السموم إلى حر الحميم،

أبو مسلم العرابلي
18/07/2016, 11:24 PM
: {وظل من يحموم {43} الواقعة.

ولما كان العذاب يأتيهم من أمامهم ومن خلفهم،
ومن فوقهم ومن تحتهم، ومن حولهم من كل جانب،
وقد جاءهم العذاب بالسموم من كل جانب،
فلجؤوا من السموم إلى الحميم، فأصاب باطنهم بعد إصابة ظاهرهم،
واكتمل العذاب عليهم من الظل الذي فوقهم،
واسم الظل جاء من "فعل" ظل؛ أي استمر فيما هو فيه،
وهذا الظل دائم عليهم،
واليحموم من مادة "حمم"؛
وهي مستعملة في بقاء الشيء ودوامه في مكانه،
ومنها؛ حام حول الشيء لما بقي يدور حول الشيء،
ومنها؛ الصديق الحميم؛ الذي يبقى مع صاحبه في الرخاء والشدة،
ومنها؛ المياه الحامية، للتي يبقى الحر فيها، بينما يذهب باقي الحرارة مع الهواء،
والحمم؛ الفحم لبقاء لونه أسودًا لا يتغير كما تتغير الألوان الأخرى،
واليحموم؛ كذلك يبقى الحر فيها، ولذلك يشتد سواده لانعدام مرور الضوء منه،
ولكنه مبدوء بياء التحول، فهو يحول الحرارة ويعكسها على من هم تحته،
والياء فيها مثل ياء اليعسوب ذكر النحل ؛ أو هو ملكة النحل التي تخرج كل يوم مئات البيوض،
وياء ينبوع؛ الذي يخرج ماءه ويحولها من باطن الأرض إلى ظاهرها،
وياء يأجوج؛ في تأجيج النار أو مج الماء بتحويل النار أو الماء ودفعهما،
وياء ينبوت، للنبات الذي يخرج فروعًا كثيرة،
فيصب اليحموم عليهم حرارة شديدة من فوقهم .

أبو مسلم العرابلي
18/07/2016, 11:52 PM
: {لا بارد ولا كريم {44} الواقعة.

لما كان الظل يحجب ضوء الشمس وحرارتها،
فيوحي ذكر الظل البرودة التي تكون تحته،
والظل قد يكون سحابًا، وقد يكون سقفًا، وقد يكون شجرًا ضخمًا،
وقد يكون جنب شيء قائمًا يعزل ويفصل مصدر الحرارة كالشمس وغيرها،
فجاء النفي بكونه باردًا، والنفي أن يكون كريمًا،
والكريم المبرأ من العيوب في كل شيء، ونفي الظل بأنه كريم،
نفي لأي صفة حسنة قد يوصف بها، فهو مُعاب في كل شيء،
أي أن ظل جهنم على درجة كبيرة وعظيمة من القبح،

أبو مسلم العرابلي
19/07/2016, 03:28 AM
: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين {45} الواقعة.

كل هذا السوء التي هم فيه أصحاب النار أو هذه الفئة منهم؛
هو أنهم كانوا في الحياة الدنيا مترفين،
والمترف هو الذي توسع وتمادى في طلب الشهوات والملذات؛
لأنه أطغته وأبطرته النعمة وسعة العيش، بما ملك من مال وسلطان،
ومترف ؛ اسم مفعول من الفعل "أترف"، وهو فاعل بما بسط له،
لأن ما هو فيه من سعة العيش هو من الله تعالى، وليس من نفسه،
وحسن عدم الإفصاح عن ذكر الله تعالى علانية،
مع ذكر هذا السوء الذي هم عليه المترفون من أصحاب الشمال،
وليس كل أصحاب الشمال مترفين، ولكن الكترفين هم الأكثر فسادًا،
وإذا ما قورن حرمان أصحاب الشمال في الآخرة من كل شيء كريم،
مع ما كانوا عليه في الدنيا نعيم مهما قل، فقد كانوا مترفين في الدنيا،
ولم يؤدوا واجب الشكر لله على النعيم الذي كانوا فيه،
وهؤلاء لغناهم في الدنيا، كانوا قليلاً ما يتعرضون للشمس، شمس الظهيرة الحار،
وكانوا يبقون تحت الظل، ويشربون الماء البارد،
وغيرهم يستمرون تحت الشمس في أعمالهم الشاقة لحاجتهم للعمل وطلب الرزق،
ولذلك جاء وصف حال أصحاب الشمال بحال مختلف ومغاير لما كانوا عليه في الدنيا،
{في سموم وحميم}، {وظل من يحموم}، {لا بارد ولا كريم}،
عقابًا لهم على كفرهم وعدم شكرهم علة نعم الله عليهم،

أبو مسلم العرابلي
20/07/2016, 04:07 AM
: {وكانوا يصرون على الحنث العظيم {46} الواقعة.

الأصرار: الدوام والبقاء على الشيء وعدم التراجع والتخلي عنه،
وحنث في يمينه؛ تراجع عنه، ولم يف به،
والحنث العظيم هو الشرك، {إن الشرك لظلم عظيم}،
هذه الآية مبينة السبب الذي جعلهم من أصحاب الشمال،
ومن العدل أن يبين سبب إيقاع العقوبة حتى لا يظن أن ظلمًا وقع عليه فيها،
أما في الجزاء الحسن فهو فضل وتكرم عليه،
فلا يسأل عن سبب تكريمه، لما هو فيه من السرور،
وتحنَّث؛ تعبد، وكأن الفعل خرج عن المعنى الجذري، وليس الأمر كذلك،
فإن إضافة تاء التراجع في بداية الفعل الرباعي والخماسي، يقلب المعنى،
فمثلا: من قدَّم غيره، أي جعله أمامه، ومن تقدَّم، جعل غيره وراءه،
فتاء التراجع جعلت المتقدم يتراجع ويصبح مؤخرًا،
فتاء التراجع جعلت من تخلى وتراجع بحنثه، متقدمًا وملتزمًا بعبادته في تحنثه،
ووصف الحنث بالعظيم، لأن الذنب إذا تعدى الشرك، غفر له ذنبه،
وتم التجاوز عن ذنوب كثيرة، وإن دخل النار لم يخلد فيها،
أما صاحب الحنث أي الشرك، فيجمع مع شركه كل ذنب وقع منه،
فيتضاغف ذنبه، والشرك يكون معتمدًا لهذه الذنوب،
لأن العظيم من مادة "عظم"، وهي مستعملة فيما يجمع ما حوله ويكون معتمدُا لهم،

أبو مسلم العرابلي
20/07/2016, 11:59 PM
: {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا
ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون {47} الواقعة.

أول ما يحتج به المنكرون للبعث هو أنهم يصبحون ترابًا وعظامًا بعد الموت،
التراب والعظام التي مات عليها الإنسان لم تكن مع في بداية خلقه،
ولم يكن بها إنسانًا، لقد بدأ الإنسان من نطفة،
نمت وتحولت خلقًا بعد خلق حتى كان منها إنسانًا جديدًا،
ولم يكن بالنطفة وحدها إنسانًا، لقد كانت هناك روحًا فيها،
فلما فارقتها الروح عادت ترابًا كما كانت من قبل الخلق،
فما الغرابة في عودة الجسد من نطفة مرة أخرى،
وتعود إليها الروح مرة أخرى، فيكون كأنه لم يمت من قبل،
ولا النطفة نمت بإرادها، ولا الروح سكنت فيها بأمر نفسها،
فهذا هو البعث بعد الموت الذي ينكره الكافرون،
كما بدأكم تعودون ،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 12:08 AM
: {أو آباؤنا الأولون {48} الواقعة.

واستبعادهم لبعث آبائهم أكبر؛ لأنهم أصبحوا ترابًا حتى عظامهم صارت ترابًا،
ونسوا بداية خلقهم؛ قال تعالى في عدة آيات مبينًا ما غفلوا عنه؛
: {هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا {1} الإنسان.
: {أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئًا {67} مريم.
: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم {78} قل يحيها
الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم{79} يس.
: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا {17} ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا{18} نوح

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 05:51 AM
: {قل إن الأولين والآخرين {49} الواقعة.

لما استبعد الكفار البعث لهم ولآبائهم،
بين الله تعالى في أمره لنبيه أن يقول لهم؛
أن البعث للأولين والآخرين، وهو بعث واحد،
ولو كان بعثًا متفرقًا، لظهر بعضهم في الحياة الدنيا،
ولاختلط الأحياء بمن مات من قبل ثم أعيد للحياة،
وإعادة بعثهم في حياة زائلة لا يحاسب فيها،
لا خير فيه لمن أحسن، ولا رادع فيه لمن أساء،
ولا بد من بعث واحد يجازى فيه المحسن، ويعاقب فيه المسيء،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 06:10 AM
: {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم {50} الواقعة.

وإن كانت حياة الناس في الدنيا قد تفرقت على مدى آلاف السنين،
وفي أصقاع متباعدة في الأرض، وعاشوا في بيئات مختلفة،
تنعم بعض الناس فيها، وبعضهم عانى مشقة الحياة فيها،
ولما كان الجمع حشر المتباعد وحصره في مكان واحد؛
فإن البعث في الآخرة قد جمعهم جميعًا زمانًا ومكانًا، وتوحد حالهم؛
فلا لباس يميزهم، ولا مال يفضلهم، ولا تابع فيها لمتبوع،
وهذا الجمع له وقت معلوم،
والعلم هو الأساس الذي يبنى عليه معرفة أخرى،
أو عمل، أو جزاء حسن، أو عقاب،
فلا يكون ذلك اليوم حتى يكون من البناء ما يؤسس عليه،
وقد تعهد الله تعالى بأن يملأ النار بالمجرمين، ويملأ الجنة بالمحسنين،
فإذا اكتمل من الخلق ما يملأ كل منهما،
قامت الساعة، وتبعها البعث،
وأكثر الناس يومئذ من أصحاب الجحيم،
جعلنا الله تعالى وإياكم من سابقي الناجين من العذاب،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 06:46 AM
: {ثم إنكم أيها الضالون المكذبون {51} الواقعة.

ثم بعد ذكر الجمع للحساب،
يكون أكثر الناس يومئذ هم الخاسرون،
الضالون المكذبون، الذين إلى جهنم يقادون،
والضال هو الذي يفارق الرسل، وما جاءوا به، مفارقة لكله أو لجزء منه،
والضال كذلك هو الذي يفارق قومه على ما هم فيه ومجتمعون عليه،
والوصف بالضلال في قوله تعالى: {ووجدك ضالاً فهدى{7} الضحى،
هو شهادة تبرئة من الله تعالى بأن النبي لم يكن على كان فيه قومه،
واجتمعوا عليه، من الشرك والكفر،
ولذلك تم تبيين نوع ضلال الضالين بضلال المكذبين،
أي هم المكذبون للرسل ولما جاءوا به، وأعظمه الإنذار بيوم البعث،
والمكذب إما أن يأتي بالباطل، أو أن يكون منكرًا للحق، والمؤمن لا يكذب،
وبعد الحديث عن أصحاب الشمال في الآخرة، وبما كان منهم في الحياة الدنيا،
الذي كان السبب في مآلهم إلى هذا المصير السيء في الآخرة،
فكان فيه التحذير لهم لئلا يجعلوا انتهاء أمرهم إلى هذا المصير،
فعاد توجه الخطاب لهم في حياتهم الدنيا، {ثم إنكم أيها الضالون المكذبون}،
وتوعدهم بما سيلاقونه في الآخرة من ألوان العذاب،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 04:06 PM
: {لآكلون من شجر من زقوم {52} الواقعة.

الأكل هو استنفاد الشيء من طعام ومال بالأخذ والبلع والاستعمال له،
: {ولا تأكلوا أموالهم بينكم بالباطل لتأكلوا فريقًا من أموال الناس
بالإثم وأنتم تعلمون{188} البقرة،
وأكل أصحاب النار من شجر من زقوم،
و"من" الأولى؛ إما يراد بها بيان جنس المأكول أي أنه من شجر،
وإما أن يراد بها بعض أجزاء الشجر مما يؤكل،
و"من" الثانية؛ لبيان جنس الشجر، أنه من زقوم،
لأنه ليس كل الشجر سيء مذموم،
فشجر الجنة من النوع الطيب الحسن،
ولكن ما في الجنة لم يسم شجرًا،
لأن اسم الشجرة جاء من الجذر "شجر" وهو مستعمل في البعد والافتراق،
فالشجر يقف على سوقه فتبتعد أغصانه وأوراقه وثماره عن الأرض،
وقوله تعالى: {حتى يحكموك فيما شجر بينهم {65} النساء،
أي فيما فرق وباعد بينهم،
وأصحاب الجنة خالدون في دار إقامة وقرار، لا يفارقونها أبدًا،
فلا توافق التسمية للنبات بالشجر الموحية بالبعد والفراق،
مع الحال الذي عليه أصحاب الجنة من الإقامة الدائمة،
ولكن الشجرة التي أخرجت آدم من الجنة،
وأبعدته عنها، وأبعدت لباسه عنه هو وزوجه؛ قد سميت بالشجرة؛
لتوافق تسميتها بما حدث فعلاً لآدم عليه السلام وزوجه،
وقد وصفت شجرة الزقوم بأبشع الصور؛
: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} الصافات.
والزقوم من أسوأ الطعام، ويأكلون منه لأنه عقاب لهم،
فقال أَبو جهل: ما نعرف الزَّقُّومَ إلاَّ أَكل التمر بالزبد؛
ثم قال: يا جارية هاتي لنا تمراً وزبداً نَزْدَقِمُه،
فجعلوا يأْكلون منه ويقولون: أَفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟
وقال رجل آخر من المشركين: كيف يكون في النار شجر والنار تأكل الشجر؟
فأَنزل الله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أَرَيْناك
إلاَّ فتنة للناس والشجرةَ الملعونةَ في القرآن؛
وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا{60} الإسراء.
وقد قال تعالى : {يطوفون بينها وبين حميم آن{44} الرحمن،
ومنبتها حيث يوجد الحميم، فيشربون منه على الزقوم،
فالزقوم ينبت في الحميم والحميم يكون في أسفل الجحيم،
: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ {62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ {63}
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} الصافات.
ولم يذكر الزقوم إلا وذكر معه الحميم، لاجتماعهما في مكان واحد،
ومصدر ماء الحميم من تسرب الماء في آخر الجنة،
في أرض ينزل فيها العرق سبعون ذراعًاخلف السور، فيخرج حميمًا في قاع جهنم،
والزقوم من "زقم" وهو بلع الطعام بشراهة،
وفي اللسان في مادة زقم؛ [الزَّقْمُ واللَّقْمُ واحد، وزَقَمَ اللحم زَقْماً بلعه.
يقال تَزَقَّمَ فلان اللبن إذا أَفرط في شربه، وأَزْقَمْتُه الشيء أَي أَبلعته إياه،]
واللبن لا يمضغ وأكلهم بهذه الطريقة لشدة جوعهم ]

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 05:02 PM
: {فمالئون منها البطون {53} الواقعة.

ولما لم يكن لأصحاب الشمال طعام إلا الزقوم،
ولا يؤتى بهم إلا بعد جوع شديد في الجحيم،
ولحاجة جلودهم للإبدال كلما نضجت، يؤتى بهم إلى الزقوم،
فيأكلون منه بشراهة، ويبلعونه بغير مضغ،
حتى تمتلئ بطونهم منه، من غير شبع يحسون به،
ويتحملون كراهته لشدة جوعهم،
ولأنه لا يوجد لهم طعام غيره،
ويلجئهم هذا الطعام إلى العطش الشديد،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 10:26 PM
: {فشاربون عليه من الحميم {54} الواقعة.

وبعد الأكل من الزقوم، يأتي دور الشرب من الحميم،
والشرب هو الاستمرار في تناول الشراب حتى يتم الانتهاء منه،
خلاف الأكل الذي يتم تناوله مقطعًا، يتخلله الحديث وغيره،
لكن كم من الحميم يشربون ؟!
ووصف الشراب الحميم لشدة حره، ونكر نوعه،
فقد يكون ماءًا، وقد يكون شيئًا آخر معه، كما في قوله تعالى؛
: {ويسقى من ماء صديد {16} يتجرعه ولا يكاد يسيغه {17} لإبراهيم.

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 10:46 PM
: {فشاربون شرب الهيم {55} الواقعة.

مثل شرب أصحاب الجحيم بشرب الهيم،
والهيم هي الإبل العطاش المصابة بداء لا تروى بسببه من الماء،
أو أن الهيم هي الرمال، والرمال لا يستقر الماء في جوفها،
مهما استمر نزول الأمطار عليها،
فعلى سوئه وشدة حرارته، يشربون منه بكثرة، لشدة عطشهم،
وكثرة الشرب قد يصرف عن الإكثار من الأكل،
فجيء بهم إلى الزقوم أولاً قبل الحميم،

أبو مسلم العرابلي
21/07/2016, 11:45 PM
: {هذا نزلهم يوم الدين {56} الواقعة.

هذا الذي ذكر في الآيات السابقة من ألوان العذاب،
هو النُزُل الذي أعده الله عز وجل لأصحاب الشمال،
عقابًا لهم على سوء عملهم وإجرامهم في الحياة الدنيا،
وأشار إليه الله تعالى بإشارة القريب "هذا"؛
لأن العلم به بمنزلة القريب الذي لا فاصل بينك وبينه يحجبه عنك،
والنزل من مادة "نزل" وهي مستعملة في؛
وصول ما لا تسطيع ولا تقدر على الوصول إليه،
فالبعث والحساب وإدخال الكفار نار جهنم،
كل ذلك خارج عن إرادة الكفار، ولا يريدونه، ولا مخرج لهم منه،
ويوم الدِين (بكسر الدال) قد سمي بذلك؛
لأنه يوم تواصل الحياة مرة أخرى بالبعث لهم،
كما أن الدَين (بفتح الدال) يؤخذ لأجل مواصلة العمل،
والدُون (بضم الدال) الذي تمر عليه عند مواصلة السير وتتعداه إلى ما بعده،
ويوم القيامة قد سمي بعدة أسماء، ويراد بكل اسم صفة من صفاته،
فهذا النزل قد أُعد لأن هناك يوم تتواصل فيه الحياة مرة أخرى،

أبو مسلم العرابلي
24/07/2016, 10:32 AM
: {نحن خلقناكم فولا تصدقون {57} الواقعة.

بعد الحديث في الآخرة عن السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال،
يذكر الله تعالى عبادة، بأنه هو الذي خلقهم في هذه الحياة الدنيا،
والقادر الذي خلقهم أول مرة، قادر على خلقهم مرة أخرى،
فعليهم الإقرار بذلك ويصدقونه ولا يكذبونه،
فلم يكن خلقهم أول مرة عبثًا، ليخلقهم مرة أخرى بلا سبب،
بل كان خلقهم أول مرة لأجل عبادته،
وخلقهم مرة أخرى لأجل حسابهم،
والتفريق بينهم، حسب أعمالهم،
فكان منهم السابقون المقربون،
وكان منهم أصحاب اليمين،
وكان منهم أصحاب الشمال.
وتحقيق وعد الله تعالى بأن يملأ النار بأصحابها من الجِنَّة والناس.
ويملأ الجَنة بأصحابها من المقربين وأصحاب اليمين.

أبو مسلم العرابلي
24/07/2016, 12:33 PM
: {أفرءيتم ما تمنون {58} الواقعة.

وتذكير آخر للناس الذين لم يخلقوا أنفسهم،
فهم كذلك لم يخلقوا المني الذي تتخلق منه ذرياتهم،
وقد سمي المني بهذا الاسم لأنه بعض الإنسان،
وكل جذور اللغة التي فيها الميم والنون بتقديم الميم مع أحد حروف العلة،
كلها مبني على التبعيض،
من : دون إضافة، حرف جر يستعمل في التبعيض،
ومعانيه الأخرى مبنية على التبعيض،
أمن : الآمن لا يمكن أن يحصل على أمنه إلا إذا كان بعضًا ممن معه،
مني : بعض الإنسان الذي يخرج منه، ويتخلق ولده الذي هو منه،
يمن : يمينك هي التي تمتلك بها الأشياء وتجعلها بعضًا من مالك،
ومن ذلك ملك اليمين، التي تكون بعض مالك،
منأ : المنيئة الجلد مغموسًا في الدباغ ليصير الدباغ بعضًا منه،
مأن : ما مأنت الأمر: لم يكن بعض ما علمت، وما تهيأت له، ولا أعدد له؛
لأني لم أجعله بعضًا مما أهتم به،
والمؤونة : بعض القوت الذي تدخره، وما زاد تبيعه،
مين : المين الكذب، والكذب هو بعض قول القائل، وليس كل ما يقوله،
وجعل بعضه الذاهب منه هو المين،
مون : مانهم : تكفل بنفقتهم، بأن اقتطع بعضًا من ماله نفقة عليهم،
المان : السكة التي يحرث بها ، ومان الأرض: شقها،
وهو من قطع بعضها عن بعض،
منو : الأمنية : حبك لشيء أن يكون بعضًا مما تملك.
فالمني هو بعض الإنسان الذي يخلق من ولده،
ولعل سبب تسمية البعوضة باسمها؛ لأنها خلقت من دم الإنسان وتتغذى عليه،
فكل ما في البعوضة هو بعض من الناس،

أبو مسلم العرابلي
24/07/2016, 10:31 PM
: {ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {59} الواقعة.

ثم يخاطبهم الله تعالى بعد مخاطبتهم بأنه الذي خلقهم؛
هل هذا المني الذي يخرج منكم؛ أأنتم خلقتموه ليظل لكم امتداد في الأرض؟،
أم الله تعالى هو الذي خلقه؟!
الإجابة لن تكون إلا بالإقرار بأن الله هو الخالق .
وعملية الخلق إيجاد شيء من شيء بصورة لم تكن فيها،
فالله تعالى خلق من الطين الإنسان بصورة وصفات مختلفة عن الطين،
والله تعالى خلق المني من الإنسان بصورة لا تشبه الإنسان،
ثم يخلق منها إنسانًا بصورة مختلفة عن المني،
ولا يستطيع الإنسان وغير الإنسان أن يشابه الله تعالى في فعله في الخلق،
ثم يبين الله تعالى لماذا خلق الله المني من الإنسان،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 06:25 AM
: {نحن قدرنا بينكم الموت
وما نحن بمسبوقين {60} الواقعة.

لما كتب الله تعالى على الإنسان عدم الخلود،
فقدر عليه الموت، فجعل حياته قصيرة في الدنيا،
ولما كتب الله على نفسه، أنه سيملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين،
من غير أصحاب الجنة،
فلا بد من تكثير الخلق من الإنس والجن،
وخلق الإنس إما بتكرار خلق آدم كاملاً في كل مرة من طين قبل نفخ الروح فيه،
ولا يكون بينهم ارتباطً عند ذلك،
فالطين وحده لا يكوِّن العلاقة بين الإنسان والإنسان،
وإلا لتساوى الإنسان مع الحيوانات في علاقة واحدة، لأنهم جميعًا من الطين،
وإما أن يتكرر الخلق من بعض الإنسان؟ كما خلقت زوج آدم منه،
ليتحقق الهدف من الخلق في عبادة الله، لأن العبادة الجماعية أعظم من الفردية،
وكثير من العبادات مرتبطة بالآخرين، كالزكاة والصلاة والجهاد، وغير ذلك،
فكان خلق المني من الإنسان ليتخلق بعضهم من بعض،
في تسلسل لا يتوقف إلا بأمر الله تعالى،
وخلق الإنسان من مني عظيم وعجيب، لكثرة الخلق بعد الخلق من النطفة،
وتكون الأجهزة المختلفة منها، حتى تكون منها إنسانًا كاملاً،
واختلاف كل مخلوق عن الآخرين بمجموع صفات لا تجتمع في غيره،
كعظمة خلق الإنسان من الطين مباشرة،
وكل خلق جديدة هو خلطة جينية جديدة،
وابتداء زمن المخلوق بزمن ارتباط الخليتين
من الذكر والإنثى التي تشكلت منهما النطفة؛
حتى لا يكون زمن الخلية امتداد لزمن خلية الأب أو الأم فيسرع إليه الهرم،
ولهذا جعل الله تعالى ابتداء كل إنسان بنطفة من مخلوقين
وليس من مخلوق واحد،
ولذلك كان من حكمة الله تعالى خلق الذكر والأنثى،
ولو جعل الله تعالى عمر الخلية ثابت، لكان لهم الخلود في الحياة الدنيا،
وهذا الأمر لم يقدره الله تعالى للإنسان في الحياة الدنيا،
إن خلق الإنسان من أعظم آيات الله عز وجل الدالة على عظيم قدرته،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 07:25 AM
: {على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون {61} الواقعة.

فالله تعالى الذي ملك القدرة على خلق الإنسان،
وإكثاره وتكراره بهذا المني الذي خلقة،
مالك لقدرة أبدية على الخلق،
فإن شاء بدل من أوجده بآخر غيره، كما جعل من ذريته بديلا له،
ويعيد نشأتهم فيما لا يعلمون عنه شيء من قبل،
أو لا يعطيهم نفس العقل والصفات السابقة التي ميزتهم عن الدواب،
أي يحدث فيهم مسخًا يحرمون من نعمة التكريم لهم،
والتبديل هو جعل شيء جديد مكان شيء قديم قد أُبعد،
والنشأة ابتداء جديد له غير مسبوق من قبل،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 07:27 AM
: {ولقد علمتم النشأة الأولى
فلولا تذكرون {62} الواقعة.

لقد علم الإنسان نشأته الأولى التي هو فيها، أو عاشها،
وخرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا،
ولم يكن له أي عمل أو إرادة في نشأته،
فهذه ذكرى له بأن من قدر على نشأته الأولى،
قادر على نشأته مرة أخرى بعد الموت،
ولم تكن نشأته الأولى بلا سبب وهدف،
ولم يحاسب حسابًا وافيًا على أداء سبب وجوده،
فلا بد من نشأة أخرى يتحقق في العدل،
فيكافأ المحسن، ويعاقب المسيء،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 07:25 PM
: {أفرءيتم ما تحرثون {63} الواقعة.

بعد تذكير الناس بخلقهم واستمرارهم بذرياتهم بعد موتهم،
وانتشارهم في الأرض لكثرة عددهم،
ينتقل الحديث إلى ثلاث أمور هي الأصل في صلاح حياته،
واستمرار وبقاء الإنسان وكثرة ذريته وانتشارها في الأرض،
وكان أولها الزروع التي يعتمد عليها الإنسان في غذائه،
وكذلك الحيوان الذي يعتمد عليها ويتكاثر بتوالده،
ويعتمد عليه الإنسان كذلك في بقائه،
والحرث هو الزرع قبل نضجه أو مع أول نضجه؛
قال تعالى: {ولا تسقي الحرث{71} البقرة، بعد النضج والقطف له لا يحتاج إلى سقاية،
{ويهلك الحرث{205} البقرة، وهو قائم لم يحصد، ولا يحصد حتى ينضج،
{أصابت حرث قوم {117} آل عمران، وذلك قبل نضجه فيحرم من ثمره،
{إذ يحكمان في الحرث{78} الأنبياء، أكل قبل نضجه وجنيه،
{والأنعام والحرث{14}، {مما ذرأ من الحرث والأنعام{136}،
{هذه أنعام وحرث{138} الأنعام، الأنعام متفاوتة الأعمار،
والنضج يكون في زمن واحد،
فجمعهما في القول علامة على عدم النضج لبعضها أو لكلها،
{ان اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين {22} القلم.
لم ينتظروا تمام نضجه لئلا ينتظر الناس قطفه،
فبعض الثمار تنضج بعد القطف بقليل كالتمر،
فأرادوا المباغتة لهم، ولو بدئ بالقطف قبل يومهم لتم العلم بهم،
والهدف من حراثة الأرض، كثرة وبركة نماء الزرع فيها،
فتحريك الأرض وتفتيت تماسكها بالمحراث يوسع مساحة المعرض منها للشمس والهواء،
ويمكن البذر من الدخول بين التراب، فينبت البذر بقوة ويكوِّن ثمارًا أكثر وأجود،
وهذا مما أنعم الله به من العلم على الإنسان لتكثير قوته،
وقال تعالى: {نساؤكم حرث لكم{223} البقرة، فهن اللائي يكثرن الذرية،
فافعلوا ما شئتم وبأي وضع حتى يتحقق تكون الولد،
وذلك بإباحة الأوضاع التي تتجاوز العقبات في تكونه،
وقد قال تعالى : {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه،
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب {20} الشورى،
فالحسنات تتضاعف عند الله أضعافًا كثيرة،
الحرث فعل الناس بتقليب الأرض، ونثر البذور، وسقاية الزرع، وغير ذلك مما يحتاجه النبات،
أما الزرع فتمامه ليصبح زرعًا فهو على الله،
والرؤية هي العلم بالشيء إما بوساطة النظر إليه مباشرة،
وإما بتبليغ من العالم به،
أو في المنام لما لم يحدث بعد،
والتعرف على الأشياء بحاسة العين لها ثلاثة مراتب؛
المرتبة الأولى: النظر إلى الشيء الموجود، فإن لم يوجد بعد فهو انتظار له،
المرتبة الثانية: العلم به بالنظر إليه، وقد ينقض هذا العلم إذا تبين أنه شيء آخر مشابه له،
المرتبة الثالثة: الإبصار إذا تحقق العلم به، وصار يقينًا، وهو الذي يحاسب عليه الإنسان،
وقد يحدث النظر والعلم واليقين دفعة واحدة للمتميز المعلوم،
وقد يكون الفرق بينها على هذه المراتب،
ولما خاطب تعالى الناس : "أفرأيتم" أي للعلم الذي عرفتموه بأنفسكم،
أو نقل إليكم فكان كرؤيتكم له.
فليس كل علم يحصل عليه الإنسان بنفسه، ويقف على تفاصيله،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 07:28 PM
: {ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {64} الواقعة.

أما الزرع فهو الحرث بعد تحقق النماء والزيادة فيه؛
: {والزرع مختلفًا أكله {141} الأنعام،
: {وجنات من أعناب وزرع .... ونفضل بعضها على بعض في الأكل {4} الرعد،
وذلك بعد تمام الثمر ونضجه واشتداد حبه،
: {تزرعون .. فما حصدتم فذروه في سنبله {47} يوسف،
ولا يحصد الحب إلا بعد اكتمال واستواء الحب باشتداده،
: {بواد غير ذي زرع {37} إيراهيم،
لأن المنفعة من الزرع بعد كماله وتمامه، وإذا لم يبلغ ذلك كأنه لم يزرع،
: {ينبت لكم به الزرع ... ومن كل الثمرات {11} النحل.
إذن هو كالثمر الصالح للأكل في تمامه ونضجه،
: {وجعلنا بينهما زرعًا {32} كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئًا {33} الكهف.
لا يعرف بأن الجنة آتت أكلها ولم تظلم شيئًا بنقصان ثمرها، إلا بعد تمام وكمال الحب والثمر.
: {زرعًا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم {27} السجدة. فقد تم وصلح للأكل لهم ولأنعامهم،
: {يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا {21} الزمر. مصفرًا بعد تمام نضج الثمر والحب،
: {كزرع أخرج شطأه فآزره فاستوى على سوقه بعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار{27} الفتح.
يعجب الزراع إذا تم وكمل، وتحقق نماؤه وبان صلاحه وكثرته، ودون ذلك لا عجب منه،
فالاستفهام عن الحرث بما علمهم الله، وكا من عمل أيديهم،
والاستفهام عن الزرع لبيان أن تمامه وكماله ونضجه واشتداده هو بيد الله تعالى وليس بأيديهم،
وفي الحديث: " لا يقولن أحدكم: زرعت، وليقل: حرثت "

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 11:02 PM
: {لو نشاء لجعلناه حطامًا
فظلتم تفكهون {65} الواقعة.

يمن الله تعالى على خلقه بتمام الزرع على الوجه الأكثر نفعًا للإنسان،
ولولا كثرة الحبوب والثمار التي تتكون من إنبات البذرة الواحدة،
لما تحققت الوفرة في الغذاء للإنسان ليدوم استمراره، وانتشار ذريته،
فإذا جعله الله عز وجل حطامًا متكسرًا قبل إنتاجه للثمار،
فإن الإنسان يظل في حسرة دائمة مستمرة على ضياع زرعه،
والتفكه هو الزيادة، والفاكهة تؤخذ زيادة على الأكل،
والمطمئن يقل من الكلام، والقلق يكثر منه، وحرمانهم يقلقهم،
فيظلون في الحديث عما أصابهم،
واللام في جعلناه وفي عموم استعمالها للقرب والإلصاق،
ومآل كل زرع أن يكون حطامًا، {ثم يكون حطامًا}،
ولكن إذا قرب زمنه حطامه قبل أن يخرج ثمره ويشتد حبه،
كان خسارة لهم ومصيبة عليهم،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 11:43 PM
: {إنا لمغرمون {66} الواقعة.

الغارم هو العاجز عن سداد ما هو مطالب به،
وإذا صار الزرع حطامًا أصبحوا عاجزين، فهم بحاجة إلى القوت،
وهم بحاجة كذلك إلى بذر جديد للزراعة، وحاجتهم إليه كطعام أكبر،
والقول منهم بالغرم أبلغ من وصفهم بذلك من غيرهم،
لأنه دال على مدى تألمهم مما حدث لهم، بكشف عجزهم وضعفهم،

أبو مسلم العرابلي
25/07/2016, 11:45 PM
: {بل نحن محرومون {67} الواقعة.

ثم يستدركوا قولهم بالغرم الذي أصابهم بالقول بأنهم محرومون،
والحرمان أشد من الغرم، لأن الغرم تعالجه بالمعونة من الآخرين،
أما الحرمان فهو انقطاع المعونة لهم من الله تعالى،
ولا أحد يعوضهم عن عطاء الله غير الله تعالى، فقد منعوا من هذا العطاء،
وكل شيء محرم يمنع من عمله أو أخذه أو الاقتراب منه،

أبو مسلم العرابلي
26/07/2016, 11:14 PM
: {أفرءيتم الماء الذي تشربون {68} الواقعة.

ثم تذكير آخر بالأمر الثاني وفضل الله تعالى على الناس؛
بما سخر لهم من أسباب الحياة،
بهذا الماء الذي لا غنى للإنسان عنه أكثر من ثلاثة أيام كحد أقصى،
فقد قال تعالى : {وجعلنا من الماء كل شيء حي{30} الأنبياء،
والماء هو السائل الذي يستعمل، ويكون وسيطًا للطعام،
وبناء الأجساد، أو بناء الإنسان بخلقه وإيجاده من الماء،
قال تعالى : {والله خلق كل دابة من ماء{45} النور،
ومن الماء ما يجبر على شربه،
قال تعالى : {وسقوا ماء حميمًا فقطع أمعاءهم {15} محمد،
لم يسم الله تعالى في كتابه ماء البحر المالح بالماء؛
لأنه لا يشرب، وغير متحرك من أرض إلى أرض،
وإن تحرك بعضه في بعض،
والشرب هو تناول المشروب حتى الانتهاء منه،
ولا يقطع تناوله كما يقطع تناول الطعام بالحديث وغيرذلك،
أما قوله تعالى : {ألم نخلقكم من ماء مهين {20} المرسلات،
فسمى المني ماء لأنه متحرك، وتنبت به حياة إنسان جديد،
وصف بالمهين، لأن أكثره يرد وينتهي،
والذي يعيش واحد من بين الملايين التي صدت هلكت،

أبو مسلم العرابلي
27/07/2016, 08:06 AM
: {ءأنتم أنزلتموه من المزن
أم نحن المنزلون {69} الواقعة.

أكثر الوصف بالماء هو لما نزل طاهرًا نقيًا من السماء،
والسحاب الحامل للماء وينزل منه؛ قد سمي بأوصاف عديدة؛
السحاب : من مادة "سحب" وهي في جر الشيء فوق شيء فينقل من مكان إلى آخر،
فهو يسحب من فوق البحر مصدر أكثر ماء السحاب إلى البر الذي ينزل فيه،
قال تعالى : {حتى إذا أقلت سحابًا ثقالا سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء{57}الأعراف.
الغيث : من مادة "غيث" وهي في إنقاذ شيء معرض للهلاك،
فهو منقذ لحياة الناس وما يعتمدون عليه من نبات وحيوان، وقت القحط والجفاف،
قال تعالى : {كمثل غيث أعجب الكفار نباته{20}
الصيب : من مادة "صوب" وهي خروج الشيء بانحدار وانصباب مع شدة،
الصيب ذو الصوب؛ فهو ينصب منه الماء بشدة، وذلك عند كثرة خروج البرق واشتداد الرعد،
قال تعالى : {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق{19} البقرة
العارض : من مادة "عرض" وهي فيما يرى منه الطرف الأقصر والكمية الأقل،
وذلك إذا بدا من بعد قبل أن يمتد ويطول وينتشر فوق المكان،
قال تعالى : {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا{24} الأحقاف،
الغمام : من مادة "غمم" وهي في ستر ما فوقه او تحته فلا يبين،
كالغيم في تغطية الشمس وحجب نورها، إلا أنه أبيض،
والغم يستر ويخفي الفرح والانبساط،
قال تعالى : {وظللنا عليهم الغمام {57} البقرة،
المعصرات : من مادة "عصر" وهي في استرجاع الشيء بأفضل منه بطريق آخر،
وذلك أنها تعيد الماء المتبخر من الماء الطاهر والنجس، والصافي والعكر، إلى الأرض طاهرًا صافيًا نقيًا،
قال تعالى : {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجًا{14} النبأ،
الكسف : من مادة "كسف" وهي في التغير العارض الذي لا يدوم،
والبخار لا يرى فيتغير فيصبح غيمًا يرى، ثم يكون مطرًا ثم بردًا أو ثلجًا،
ثم يعود بخارًا مرة أخرى في دورة مستمرة للماء في الأرض،
قال تعالى : {وإن يروا كسفًا ساقطًا يقولوا سحاب مركوم{44} الطور،
ومن ذلك كسوف الشمس إذا حجبت مؤقتًا بالقمر،
وكذلك كسوف القمر إذا حُجب عنها ضوء الشمس بالأرض،
أما الخسوف فهو ذهاب الشيء بلا عودة،
كالخسف بقارون، وخسف القمر بلا عودة يوم القيامة وجمعه بالشمس،
وتسمية كسوف القمر بخسوف القمر من الأخطاء الدارجة،
الجبال : من مادة "جبل" وهي فيما اجتمع وثبت التصق بعضه ببعضه،
وجاء ذكر {وينزل من السماء من جبال من برد {43} النور، لأن البرد هو اجتماع الماء،
والتصاق بعضه ببعض وثباته كحجارة الجبال،
وقال تعالى : {ولقد أضل منكم جبلاً كثيرًا {42} يس، لأنهم اجتمعوا على الكفر،
والتصق بعضهم ببعض عليه وثبتوا، فلا نور يدخل عليهم يخرجهم من ظلماتهم،
الركام : من مادة ركم" وهي في تجمع الشيء فوق الشيء،
وذلك عندما يجتمع السحاب بعضه فوق بعض بكثرة،
فيمر المطر النازل من أعلاها على ما أسفلها فيعظم حجمه، ومع اشتداد البرد،
يتحول إلى برد أو ثلج، وتكون عندئذ السماء كلها سحابًا.
قال تعالى: {ثم يزجي سحابًا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله
وينزل من السماء من جبال فيها من برد{43} النور،
السماء : من مادة "سمو" وهي في الاستمرار والدوام،
فالسماء مستمرة معك فوق البر والبحر وفوق القطبين،
والاسم يدوم بعد موت صاحبه أو غيابه بزمن طويل، كاسم آدم عليه السلام،
قال تعالى: {وينزل من السماء ماء فيحي الأرض بعد موتها{24} الروم،
والماء في السماء ملازم لوجودها بشكل غاز لا يرى، وبخار في سحاب يرى،
المزن : من مادة "مزن" وهي فيما يأتي مسرعًا ويمضي بوجهه،
والسحاب في حركة دائمة يأتي ويمضي، ويسمى البرد حب المزن،
لأن السرعة في السحاب الماطر تزيد البرودة، فيتكون من بعض المطر بردًا،
قال تعالى : {ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون {69} الواقعة.
فالسحاب يسمى سحابًا لأن يجر من فوق البحار إلى البر،
وهو صيب؛ إذا صب ماءه صبًا،
وهو عارض؛ إذا أقبل ولم ير إلا أوله، قبل انتشاره،
وهو غيم؛ إذا كان مظلم شديد السواد ولا يمطر،
وهو غمام؛ إذا ستر بنفسه ما فوقه أو ما تحته،
وهو معصرة مؤنث معصر؛ إذا رد الماء إلى الأرض التي خرج منها بخارًا،
وهو كسف؛ إذا تغير من غاز إلى بخار ثم إلى ماء أو برد أو مطر،
وهو ركام؛ إذا تجمع بعضه فوق بعض،
وهو سماء؛ لدوام ملازمته السماء بخارًا يتحول إلى غمام أمطر أو برد أو ثلج،
وهو مزن إذا أتى مقبلا ثم مر إلى وجهته ولم يتوقف بنزول المطر منه،
ولذلك نزول المطر من المزن مستبعد، فبين الله تعالى فضله على الناس
بإنزال المطر مما لا يرجى نزوله عند الناس.
والمنة لله تعالى في إنزال الماء من المزن وكل السحب،

وعند نزول الماء من السماء وضربه الأرض يسمى مطرًا؛
لأنه يؤذي الناس في أبدانهم ومواشيهم وبيوتهم، قل ذلك أو كثر،
ومنفعته تكون بعد ذلك للناس والزرع والدواب،
ولم يصف الماء النازل بالمطر في القرآن،
وذكر المطر في العذاب فقط للصفة التي ذكرناها،
ولا يقال نزل الشيء إلا لما لا قدرة لنا في الوصول إليه، فيأتي الله به لنا،
ومن ذلك إنزال المطر، وإنزال الكتب من الله،
وإنزال الأعداء من حصونهم بقذف الرعب في قلوبهم،

والعرب تأتي وتستقر في مكان نزول المطر، فسميت مواضع إقامتهم منازل،

ويسمى السحاب غيمًا : من مادة "غيم" وهي فيما اشتد جفافه وظلمته،
وذلك إذا غطى الشمس، وحجب نورها بشدة سواده، وانعدم الرجاء بنزول المطر منه، ولذلك يسمى العطش غيمًا
ولم يرد ذكره في القرآن.

أبو مسلم العرابلي
27/07/2016, 10:22 PM
: {لو نشاء جعلناه أجاجًا
فلولا تشكرون {70} الواقعة.

الوضع الذي عليه الماء بهذا الصلاح لشرب الإنسان،
والانتفاع به هو من تقدير الله تعالى لأجل بقاء الإنسان واستمراره،
والله هو المانع من جعل الماء أجاجًا مرًا لا يستسيغ الإنسان شربه،
وهو القادر على تغييره بيسر وسهولة إلى ذلك، وذهاب صلاحه للشرب،
فإذا كانت الأعاصير تحمل الأسماك بقوة اندفاعها كيلومترات عديدة،
فالله تعالى قادر على حمل الماء المالح، إلى البر، فيفسد الماء العذب فيه،
وهناك مياه أبار أو سبخات لا يستطيع الإنسان شرب الماء منها لشدة ملوحتها،
فلولا شكر الإنسان الله تعالى على هذه النعمة لتدوم له، ويدوم بدوامها،
والشكر هو دوام الطاعة لله واجتناب معاصيه.
ولو تدخل لام التوكيد على {جعلناه أجاجًا} كما دخلت على {لجعلناه حطامًا} في الآية السابقة {65}؛
لأنه ليس كل ماء مالح مآله أن يكون عذبًا فراتًا فيقرب زمن تحوله فراتًا.
لكن كل زرع مآله أن يكون حطامًا فإذا قرب زمنه قبل أوان نضج ثمره وتمامه كان ذلك مصيبة عليهم.

أبو مسلم العرابلي
27/07/2016, 10:45 PM
: {أفرءيتم النار التي تورون {71} الواقعة.

بعد الحديث عن أهمية الذرية في بقاء استمرار الإنسان على الأرض،
وعن أهمية الحرث في تكثير القوت في بقاء الإنسان واستمرار حياته،
وعن أهمية الماء بجانب القوت في بقاء الإنسان واستمراره حيًا،
جاء الدور للحديث عن أهمية النار في حياة الإنسان،
ولبقاء هذه الأهمية كان إيجاد المكمن الذي تخزَّن فيه النار،
إلى أن يأتي الوقت الذي نحتاج فيه إلى النار، فنستخرجها من وقودها،
وتورية النار؛ استخراجها من وقودها التي توارت فيه لأجل الانتفاع بها،

أبو مسلم العرابلي
27/07/2016, 11:37 PM
: {ءأنتم أنشأتم شجرتها
أم نحن المنشئون {72} الواقعة.

أهم مصنِّع للوقود مصدر النار هو الشجر،
وذلك أن مادة الكلوروفيل الخضراء التي خلقها الله تعالى في الأوراق،
قادرة على خزن الطاقة الشمسية في مركبات عضوية،
وخص الشجر بالذكر؛ لأنه يخزن كميات ضخمة من وقود النار،
ويدوم هذا التخزين فوق الأرض عشرات ومئات السنين،
وتحت الأرض أزمنة طويلة قد تصل إلى مئات الآلاف من السنين، وفوق ذلك،
أما الأوراق المتساقطة، والنباتات الحولية، فمخزونها قليل، وعمرها قصير،
هل الإنسان هو الذي أوجد هذا الشجر،
وأعطاه القدرته على تخزين النار في وقوده؟!
الله تعالى هو الفاعل القادر على ذلك ...
فلله الحمد والمنة،
والواجب على الناس حمد الله وشكره على هذه النعم،
فالنعمة هي لكل الناس بلا استثناء،

والشجر من مادة "شجر" وهي في البعد والفراق الطويل،
وسبب تسميتها بذلك لأنها وقفت على ساق،
فابتعدت أغصانها وأوراقها وثمارها بعد ذلك عن الأرض،
والشجر لا يكون نارًا حتى تنتهي حياته، ويجف الماء الذي فيه،
وذلك بالموت، أو القطع لأغصانه أو سوقه، وإبعادها عن الجذر الممد لها بالحياة،
فلا تورى النار من الشجر مباشرة، قبل أن يصبح حطبًا ووقودًا للنار،

أبو مسلم العرابلي
28/07/2016, 12:06 PM
: {نحن جعلناها تذكرة
ومتاعًا للمقوين {73} الواقعة.

التهديد والوعيد بالنار لا تأثير له كبير،
إذا لم يكن له مثال مشاهد في الحياة الدنيا،
فخلق الله تعالى هذه النار التي يستعملها الإنسان ،
ويشاهد قوتها وآثارها الكبيرة، والتي حولها إلى نعمة تعينه في حياته،
بالتحكم فيها وكبح جماحها عن بلوغ القدر الذي تتحول فيه إلى ضرر كبير،
وأصبح الإنسان لا يستغني عنها في حياته،
فالنار في الحياة الدنيا تذكر الناس بالنار في الآخرة،
والتي لا تحكم للناس عليها، ولا الإحاطة بها،
وليس لهم ما يدفعها عنهم،
والله تعالى لم يخلق النار في الدنيا لعقاب الناس فيها،
وحرم العقاب بها،
بل جعلها متاعًا، أي خاصًا في الدنيا،
لا ينتقل إلى الآخرة، لأنها متاع،
ولماذا خص الله تعالى المتاع بالمقوين ؟!
فمن هم المقوون؟
يوصف بالمقوي من ملك الدابة القوية، والساكن للصحراء،
المقوي هو الذي يملك الدابة القوية التي تحمله،
وتأخذه إلى مسافات بعيدة،

وما علاقة النار التي تورى بالدابة القوية ؟!
سميت الدابة بهذه التسمية لأنها لها القدرة على الانتقال خلاف النبات،
فكل حي قادر على التنقل للوصول إلى ما يريد، عظم أم صغر يسمى دابة،
والدواب التي ننتفع بقوتها في حملنا وحمل أشيائنا إلى مناطق بعيدة،
ليست بحاجة إلى النار إلا الطاقة التي في أكلها،
أما قدرة الدواب التي نستعملها وننتقل فيها وعليها في البر والبحر والجو،
فسببها النار المحترقة في باطنها، والمولدة لقدرة كبيرة على دفعها،
وكان وقودها في بداية أمرها خشب الأشجار المقطوعة،
ثم تحول اعتمادها على الفحم،
وهو سيقان وأغصان ومخلفات الأشجار التي دفنت،
زمنًا طويلا تحت الأرض حتى تحولت إلى فحم حجري،
ثم تحول اعتمادها على مشتقات البترول والغاز،
والبترول والغاز قد تكوَّن ما بقايا نباتات وحيوانات قبل ملاين السنين،
تحولت بفعل الحرارة والضغط الشديد من الطبقات التي فوقها،
ووجود البكتيريا إلى بترول وغاز، وماء منفصل عنهما،
فمعظم هذا الوقود أصله من الشجر الذي حفظ في باطن الأرض زمنًا طويلاً،
وتقاس قوة هذه الدواب الجديدة المعدنية بالحصان،
الدابة الحية الأقوى قديمًا،

ولماذا النار متاعًا للمقوين من أهل البادية والصحراء؟
وصف أهل البادية والصحراء بالمقوين؛
لأن لهم جلدًا كبير ًا على تحمل ظروف الصحراء القاسية،
والانتقال في أجوائها الصعبة، الذي لا يحتمله أكثر الناس،

أما بعد اكتشاف البترول والغاز في أراضيهم،
فقد انقلبت مشقتهم إلى متعة كبيرة،
بما جلبت لهم من كل الخيرات، والراحة في المسكن،
وملك الدواب السريعة المريحة،
والانتقال إلى كل أصقاع الأرض براحة ويسر وسهولة، برًا وجوًا وبحرًا،
ولذلك قد خصوا بالذكر، لأن انتفاعهم بهذه النار هو الأكبر،
والإشارة إلى كل ذلك مما لم يعرفه الإنسان،
إلا في هذه السنين القليلة الأخيرة،
والذي لم يكن هناك أي توقع له من قبل أحد من الناس قبل حدوثه،
وجاءت إشارة القرآن إليه بلطف شديد، حاله كحال كل الإشارات
التي جاء ذكرها في القرآن لأشياء لم يعرفها الإنسان عند نزول القرآن،
حتى لا يثير ذكرها فتنة عند الضعفاء ومن في قلوبهم مرض،
وليعلم الناس أن الله تعالى ليس بغافل عن شيء ومحيط بكل شيء،
وما الشرع الذي وضعه الله تعالى للإنسان،
إلا شرعًا دائمًا وباق صلاحه مع الأيام،
وتتجلى قدرته وحكمته كلما استجد جديد في حياة الإنسان،

أبو مسلم العرابلي
30/07/2016, 04:22 PM
: {فسبح باسم ربك العظيم {74} الواقعة.

سبَّح : قال سبحان الله،
كلمة رضيها الله تعالى لنفسه وأمرنا بها، هكذا أجاب علي رضي الله عنه السائل عنها،
ونرجو أن نفيها حقها من البيان والتعظيم،
سبحان من مادة "سَبَحَ" وهي في التفلت والتحرر من متحرك والتفرد عنه مع بقاء الاتصال بينما،
فكل ما في الفضاء يسبح في فلكه، ومرتبط بالمركز الذي يسبح حوله، ومنفرد عنه بمسافات بينهما،
فمثلاً: القمر يدور حول الأرض، والأرض غير ثابتة، وتدور هي حول الشمس،
والشمس غير ثابتة وتدور هي حول مركز المجرة،
والمجرة غير ثابتة وتدور هي حول مركز مجرات أخرى، وهكذا،
فكل ما في الكون من الذرة إلى المجرة يدور حول غيره الذي هو الآخر يدور حول غيرهما،
والسبْح في الليل: القيام في الليل بالتفلت والتحرر من النوم،
والسبْح في النهار : النوم في النهار بالتفلت والتحرر من السعي والعمل،
والسبْحة : صلاة النافلة، لأن فاعلها لم يتوقف على الفريضة فقط،
والتسبيح : التحميد والمتجيد، لأنه القائل بها لم يرتبط بوقت محدد لفعلها،
والسَّبْحُ أَيضاً: السكون. والسَّبْحُ: التقَلُّبُ والانتشار في الأَرض والتَّصَرُّفُ في المعاش،
فكأَنه ضِدٌّ. وإنما هو من التفلت والحرر ؛ فمرة يكون التفلت من الحركة بالسكون،
ومرة يكون التفلت من السكون بالحركة،
والسبحات، خرز المسبحة، لتفلتها وتحرر بعضها عن بعض وحركتها بيدي المسبح،
والسابحات: الخيل كأنها تفلتت وتحررت من الأرض بسرعة جريها،
والسباح : ثياب من جلود مُلس، يتفلت ما يقع عليها من يد أو ماء وغير ذلك،
والسابح في الماء : يتقلت من الماء وهو غير الثابت، بحركة يديه وذراعية،

ووصف الله تعالى بأوصاف نقص؛
كأن يكون له صاحبة، أو ولد، أو شريك، أو غير ذلك،
هو من التقييد، والتقييد ينافي صفة الألوهية لله عز وجل،
ولذلك أخذ معنى "سبحان الله" التنزية لله من كل سوء أو صاحبة أو ولد،
ومن كل ارتباط بشيء، والبراءة من كل نقص يقال في حق الله،
ولا يقال؛ أن الله تعالى صاحب كذا،
فالأشياء تضاف لله تعالى ولا يضاف هو إلى شيء،
إلا لشيء لبيان أنه تعالى قائم عليه لوحده، كبيان ربوبيته للأشياء؛
رب السماوات والأرض، رب العالمين، رب الناس، رب العرش،
وربي وربنا، وربه وربهم، ووربك وربكم،
وملكيته لشيء، كمالك السماوات والأرض، ومالك يوم الدين، ...
فالإضافة في مثل هذا لا للتعريف،
وإنما هي لبيان ارتباط وجود الشيء وكينونيته؛
بفعل الله القائم بدلالة صفة من صفات الله تعالى،
أما الاسم فهو من مادة "سمو" وهو في الديمومة كما ذكرنا ذلك من قبل،
فالاسم دائم له في حياته ومن بعده في حالة غيابه أو موته،
إن كان من الذين قُدِّر عليهم الموت،
والاسم من أسماء الله تعالى يأتي من صفة من إحدى صفات الله الدائمة،
ورب من الأسماء المشتركة، لله وغيره، من مادة "ربب"،
وهي في الرعاية المسببة للحفظ والزيادة والنمو؛
قال تعالى : {وهو رب كل شيء {164} الأنعام،
والرب : السيد الراعي؛ {فيسقي ربه خمرًا {41}،
{ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة {50} يوسف،
ولم يأت "رب" بالتعريف بالألف واللام ليدل على الله وحده؛ لأنه اسم مشترك،
والتعريف كان بالإضافة الدالة على الله وحدة، أو الدالة على غيره،
ولعل الخلط بين دلالة "رب" على السيد الناس، وبين دلالة "رب" على الله؛
أن نسبوا لله ما كان من عباده، فأدى إلى الشرك والكفر عند أهل الكتاب خاصة،
والعظيم من مادة "عظم" وهي مستعملة فيما يجمع ما حوله ويكون معتمدُا لهم،
كحال العظم في الجسم، يجتمع حوله اللحم ويكون معتمدًا له،
حتى الأجر العظيم والثواب العظيم أصله الحسنة وأعظمها كلنة التوحيد،
تعمل، فتضاعف أضعافًا كثيرة،
وهي اعتماد هذا العدد الذي قام عليها،
وكذلك كل عظيم، هو معتمد كل تابع له،
فكيف بالذي هو رب كل شيء ومالك كل شيء،
وكلام جميل منقول في لسان العرب؛
[وقال ابن عرفة الملقب بنفطويه في قوله تعالى: فَسَبِّحْ باسم ربك العظيم
أَي سبحه بأَسمائه ونزهه عن التسمية بغير ما سمَّى به نفسه، قال: ومن
سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه، فهو مُلْحِدٌ في أَسمائه، وكلُّ من
دعاه بأَسمائه فَمُسَبِّح له بها إِذ كانت أَسماؤُه مدائح له وأَوصافًا؛
قال الله تعالى: ولله الأَسماء الحُسْنى فادْعُوه بها، وهي صفاته التي وصف
بها نفسه، وكل من دعا الله بأَسمائه فقد أَطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.]
دع بالتسبيح كل ما نسب إلى الله بغير حق، واقطع الصلة بينهما.
: {فسبح باسم ربك العظيم}

أبو مسلم العرابلي
01/08/2016, 10:39 PM
: {فلا أقسم بمواقع النجوم {75} الواقعة.

"لا" مقلوب "ال"؛ و"ال" تدخل على المنكر فيصبح معرفة،
ويصبح البعيد المنفصل مكانًا أو زمانًا أو مجهولاً،
قريبًا لا فاصل بينك وبينه ولا حجاب، فيكون معلومًا غير مجهول،
أما "لا"؛ فتستعمل في عدم القبول؛ فيبعد القريب والمعروض، وينفى المعلوم،

ويؤتى بالقسم لأجل تقوية أمر مضاد لأمر آخر، وترجيحه على أمر أنه الحق ،
وذلك أمام قاض ليحكم بما بدا له من الأدلة بينهما؛
: { فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ {106} المائدة.
: { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا
مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن
شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ {107} المائدة.
وحكم الله على الأمور لا ترجيح فيها،
لأنه سبحانه وتعالى عالم بالحقيقة، ولا يخفى عليه شيء،
ولذلك جاء مع القسم النفي "لا أقسم" لأجل ذلك،
: {فلا أقسم بمواقع النجوم {75} الواقعة.
: { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ {38} وَمَا لَا تُبْصِرُونَ {39} الحاقة.
: { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ {40}
عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ {41} المعارج
: { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ {1} القيامة.
: { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ {2} القيامة.
: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ {15} الْجَوَارِ الْكُنَّسِ{16} التكوير
: { فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ {16} وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ {17}
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ {18} لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ {19} الانشقاق.
: { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2}
{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ {3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} البلد.
والقسم من المخلوق لم يأت إلا في أمور شر وكذب لا صدق فيها،
: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ {21} الأعراف.
: { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ
مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {49} النمل.
: { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ {53} المائدة
: { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا
قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ {109} الأنعام.
: { أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ
لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ {49} الأعراف.
: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} إبراهيم.
: { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ
بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {38} النحل.
: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ
قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {53} النور.
: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ
كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ {55} الروم
: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ
فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا {42} فاطر.
: { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى {22} النجم.
: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ {17} القلم.
: { وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ {3} المائدة.
والقسمة لا يكون فيها مساواة المقتسمين؛
: { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ {28} القمر.
فالفارق كبير بين أن يكون لناقة واحدة يوم ، ويكون لقوم يوم مقابل له،
ولا يتساوى الناس في قسمة المعيشة بينهم، لحكمة أرادها الله تعالى في ذلك،
: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{32} الزخرف.

والقسم يقوي اليقين، ويبعد الشك بالأمور المقسم بها،
: { وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ {4}
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ {5} الفجر.
ولعل أقرب ما يكون في تفسير المراد بهذه الأمور التي تم القسم بها،
{والفجر} : أن المراد بالفجر، قيام الساعة فجأة بما يجري فيها من أحداث عظام،
ومن ذلك اندفاع ما في بطن الأرض وتدفقه فوق وجهها، ومنها النار التي تخرج من قعر عدن،
والجبال التي تسير كالماء من شدة حرارتها،
ومن تدفقها تنسف الجبال، وغير من أحداث يوم القيامة التي تنفجر انفجارًا،
{وليال عشر} : هي ليال طويلة مظلمة بعد قيام الساعة، وقبل قيام البعث،
ولأن بعدها يقول الله تعالى : {وأشرقت الأرض بنور ربها}،
{والشفع والوتر} : ينقسم الناس يوم القيامة وبعد الحساب؛
بين مشفوع له ناج من النار، ووَتْر يترك وحيدًا بلا معين فيهوي في نار جهنم،
{والليل إذا يسر} : الليل إذا ذهب يوم القيامة بلا عودة،
فلا ظلمة في الجنة، ولا نار تُطفأ فيحل الظلام في جهنم،

أما مواقع جمع "موقع"؛ اسم مكان من "وقع"؛ وهي مستعملة في الشيء الذي يثبت،
كما في قوله تعالى : {فوقع الحق{118} الأعراف،
وحتى الواقع بمعنى الساقط؛ فالساقط يثبت على الأرض سواء إن مات وإن تكسَّر،
والنجوم جمع نجم من مادة "نجم"
وهي في الذي يظهر في أوقات محددة،
ويغيب في باقي الوقت من السنة، فلا ديمومة لظهوره،
فالنجوم تظهر في الليل وتغيب في النهار،
وتظهر في فصول محددة، وتغيب في الأخرى،
ونجوم النبات؛ النباتات الفصلية التي تظهر في فصل الربيع،
لمدة محددة لمرة واحدة وتنتهي،
ويخلفها في العام القادم نباتات أخرى من بذورها،
والنجوم لا ثبات لها في مكان ما، فكل ما في الكون في حركة دائمة،
والمشاهد منها كانت في مواقع قديمة قد تمتد قبل ملايين السنين،
ولا يعلم ما حل بها بعد ذلك إلا الله عز وجل،
فالله تعالى لا يقسم بما ترونه من النجوم،
ولكن بما يعلمه هو عن حالها القائم وقت القسم،
فالله تعالى يقسم بما يعلم وعلمه على الحقيقة،
ولا يقسم ما يراه الناس من مواقع للنجوم،
فهي مواقع قديمة غير قائمة في نفس المواقع التي يراها الرائي،

أبو مسلم العرابلي
01/08/2016, 11:00 PM
: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم {76} الواقعة.

القسم بمواقع النجوم قسم عظيم؛ لكثرة عددها،
ففي الكون على تقدير علماء الفلك :
100 ألف مليون مجرة،
وفي كل مجرة؛ 100 ألف مليون نجم ،
وبعضها كمجرة التبانة 2400 ألف مليون نجم،
وكل نجم له توابع من الأقمار ، وغير ذلك،
ولا تسأل عن الأبعاد بينها ؛
فقد تصل 13 مليار سنة ضوئية، إلى أكثر أو ضعفي ذلك،
فالقسم بهذا الكم الهائل وحال كل واحد منها،
مع هذا التغير الذي يحدث لها عبر مليارات السنوات،
هو قسم عظيم عظيم ... بقدر ما أتيح لنا من العلم،
وحدود ما نجهل فوق ذلك ..... لا يعلمه إلا الله تعالى،

أبو مسلم العرابلي
02/08/2016, 09:01 AM
: {إنه لقرآن كريم {77} الواقعة.

إنَّ حرف نصب وتوكيد،
والنصب هو الذي أعطى معنى التوكيد، وعلامة النصب الفتح،
والفتح لما انتهى وتم الخروج منه، ولا رجعه فيه،
فأصبح في حال لا يمكن تغييره أو الزيادة عليه، أو النقصان منه،
فحاله على استقرار دائم، والتوكيد إنما هو للشيء الثابت لا المتغير المتقلب،
وهاء الضمير يراد بها الإشارة إلى الذات وحدها دون أي صفة،
للجهل بصفاته، أو لأن صفاته أعظم من أن تعد وتحصى،
التعريف تحديد، والتنكير إطلاق بلا حدود، فكان التعظيم في التنكير ،
واللام أيضًا للتوكيد، والتوكيد جاء من استعمالها للقرب والإلصاق،
فآكد الأشياء لديك، أقربها إليك، وألصقها بك،
والتي لا تبعد عنك، ولا وجود لفاصل وحاجز بينك وبينها،
فلن يوجد كلام فوق كلام الله عز وجل يقف بينك وبين كلام الله تعالى،
فيحول بينك وبينه ويبعده عنك ويقلل من شأنه،
و"قرآن" من مادة "قرأ"، وهي في العودة إلى ثابت والالتزام به،
فعند القراءة لا بد من تثبت جميع الحروف،
حتى تستطيع أن تقرأها بحركاتها الصحيحة،
فلو رأيت الحرف الأول والثاني فقط، فتقدير الثالث يؤثر في حركات الأول والثاني،
فمثلاً : جبــ ؛ فتقدير الحرف الثالث يأخذ صورًا عدة؛
جَبُنَ، جُبْنٌ، جَبَرَ، جَبْلٌ، جِبْس، جَبْهَةٌ، جِبْت، جَبَى، ...
فلا بد من التثبت من جميع الحروف أولاً، وهذا من دلالة استعمال القاف للثبات،
ثم الالتزام بالحروف نفسها وحركاتها، وحصر القراءة بها، بلا زيادة،
ولا نقصان، ولا إبدال ... وهذا من دلالة استعمال الراء للالتزام هي محصورة،
ثم العودة إلى القراءة والابتداء بالحرف الأول إلى الانتهاء بالحرف الأخير،
والقرآن من هذه المادة "قرأ" ويجب الأخذ به كاملاً، فلا يؤخذ ببعضه، ويعمل به وحده،
ويترك أو يغض النظر عن الباقي، ثم يرى فاعله؛ أنه على علم وهدى،
و"قرآن" على وزن "فُعْلان"، وهو وزن له استعمال خاص نبينه في ثلاثة أمثلة؛
رُمَّان : ثمر الرمان يمتاز بأنه مجموع في غلاف قشرته، التي تعزله عن الخارج،
وأن حب الرمان على سواء واحد في اللون والطعم،
ونضجه معًا في وقت واحد غير متفرق ولا متدرج،
رُهْبان : جماعة من العباد على سواء واحد في التفرغ للعبادة،
وهم مجتمعون على العبادة في داخل دار للعبادة معدة لهم، تعزلهم عن الناس،
لا يخرجون للسكنى مع الناس، ولا الناس تسكنون معهم،
رُكْبان : جماعة من التجار المسافربن، يبقون معًا في ذهابهم وإيابهم،
وهم على سواء واحد في سبب الخروج واجتماعهم عليه،
يعزلون أنفسهم عن الناس والمسافرين،
فلا يدخلون أحدًا معهم، ولا يخرج أحد منهم فينفرد عنهم،
ومن هذا الاستعمال يتبين أن القرآن اتصف بأربع صفات لن تكون في كتاب غيره؛
*أن القرآن على سواء واد في الفصاحة والبلاغة والبيان، لا يفضل بعضه على بعض،
*أنه معزول عن كلام البشر، فلا يختلط بكلام البشر، لتباعد الشبه بينهما،
*لا يدخل عليه من كلام البشر شيء فيصبح منه، كالكتب السابقة،
*ولا يخرج منه شيء فيهمل وينسى، ثم يصبح مجهولاً غير معلوم،
*أن الهدى في الأخذ بكل ما فيه، وليس الانتقاء منه حسب الهوى،
ووصف القرآن بأنه كريم، أي منفي عنه كل ذم، ويرتد منه عليك بكل فضل،
هذا خير ما يقال في صفة الكريم، وخير ما يوصف به القرآن الكريم،
وقد فصلنا في الحديث عن الكريم في؛
قوله تعالى : {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام {27} الرحمن.
على الرابط التالي ؛ سورة الرحمن سورة أشغلت فكري وملأت قلبي
www.wata.cc/forums/showthread.php?105035-

أبو مسلم العرابلي
02/08/2016, 05:40 PM
: {في كتاب مكنون {78} الواقعة.

الكتاب من مادة "كتب"، وهي في حفظ ما نحتاج الرجوع إليه من النسيان،
فما نكتبه هو ما نحتاج الرجوع إليه، ومثلت ذلك كاف الرجوع،
ولأن ما يحدث يظل تذكره في تراجع إلى أن ينسى؛ فالكتابة تحفظ المكتوب
من نسيانه أو نسيان بعضه، ومثلت ذلك تاء التراجع المحصورة،
ولأن ما نكتبه نرجع إليه كلما احتجنا إليه، فنخرجه ونظهره،
فمثلت ذلك باء الخروج والظهور،
وهذا سر اختيار هذه الحروف الثلاثة لبيان الهدف من الكتابة،
فالكتاب هو المرجع الذي كلما احتجنا إليه أخرجناه وأظهرناه،
دليلا لنا في علم أو سند، وما شابه ذلك،
وعند الله تعالى كتاب فوق العرش، هو مرجع يرجع إليه في كل شيء،
وأصل القرآن الكريم من هذا الكتاب المرجع،
وهذا الكتاب مكنون: أي محفوظ، لم تمسه أيد بشيء من التغيير المؤثر فيه،
فلا تغيير فيه ولا تبديل، قد رفعت الأقلام وجفت الصحف، كما جاء في الحديث،

أبو مسلم العرابلي
02/08/2016, 11:18 PM
: {لا يمسه إلا المطهرون {79} الواقعة.

في فهم الآية التباس يحتاج إلى شرح مفصل وإن طال قليلاً،
فالقرآن لا يؤثر إلا في المطَّهَّرين، ولا ينتفع به إلا المطهرون،
المسُّ : الإصابة المؤثرة، وليس هو مرور شيء على شيء بلا فاصل بينهما،
فليس هناك فعل في اللغة بغير قصد وهدف.
ويبين ذلك استعمالها في القرآن .. وهو خير شاهد على ذلك؛
وعند استعراض الآيات التي ذكر فيها "المس"،
نجد أنَّ كلها في الإصابة المؤثرة، وقد تحول حال المصاب بها؛
ومن المسِّ: الإصابة المؤثرة من الشيطان بالممسوس كأنه مصاب بالجنون.
: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسَّ {275} البقرة.
ومن المسِّ : يتكون الولد بعلاقة شرعية،
فمريم عليها السلام تنفي أن يكون هناك فعلا أثر فيها يتكون من ولد.
ولا يكون ذلك إلا بالعلاقة الشرعية، أما العلاقة الآثمة؛ فلا يطلبا فيها الآثمان الولد،
بل هما يحذران من ذلك لئلا يفتضح أمرهما.
: {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر{47} آل عمران.
: {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر{20} مريم.
ومن المسِّ : القتل والجروح التي في الحرب؛
: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله{140} آل عمران.
ومثلها : {فانقلبوا لم يمسسهم سوء{174} آل عمران.
وقد يكون المسُّ خيرًا وأثرًا حسنًا في شيء يحول حياته سعادة؛
: {وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير {17} الأنعام.
: {وإذا مسَّه الخير منوعًا {21} المعارج.
: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم {120} آل عمران.
قد يكون المسُّ ألمًا أو تحولاً من شدة الإصابة بعذاب أو نار.
: {ليمسَّن الذين كفروا منهم عذاب أليم {73} المائدة.
: {لنرجمنكم وليمسَّنكم منا عذاب أليم {18} يس.
: {والذين كفروا يمسَّهم العذاب ...{49} الأنعام.
: {ثم يمسَّهم عذاب أليم {48} هود.
: {يا أبت إني أخاف أن يمسَّك عذاب من الرحمن {45} مريم.
: {وقالوا لن تمسَّنا النار إلا أيام معدودة {80} البقرة.
: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسَّنا النار إلا أيام معدودات {24} آل عمران.
: {ولا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسَّكم النار {113} هود.
: {ولو لم تمسسه نار{35} النور.
: {لولا كتاب سبق لمسَّكم فيما أخذتم عذاب عظيم {68} الأنفال.
: {لمسَّكم في ما أفضتم فيه عذاب أليم {14} النور.
وقد يكون المسُّ شرًا وأثرًا سيئًا في شيء يحول حياته شقاء؛
: {إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو {17} الأنعام.
: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو {107} يونس.
: { لا يمسَّهم السوء ولا هم يحزنون {61} الزمر.
: {ولا تمسَّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم {73} الأعراف.
: {ولا تمسَّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب {64} هود.
: {ولا تمسَّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم {156} الشعراء.
وقد يكون المسَّ تحول الأنثى من بكر إلى ثيب؛
: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسَّوهن {236} البقرة.
: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسَّوهن {237} البقرة.
: {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسَّوهن {49} الأحزاب.
وقد يكون المسِّ أذى من شدة الفاقة أو الخوف أو الضر أينًا كان؛
: {مسَّنا وأهلنا الضر{88} يوسف.
: {ثم إذا مسَّكم الضر فإليه تجأرون {53} النحل.
: {وإذا مسَّكم الضر في البحر ..{67} الإسراء.
: {كأن لم يدعنا إلى ضر مسَّه {12} يونس.
: {وإذا مسه الشر كان يؤوسا {83} الإسراء.
: {وإن مسَّه الشر كان فيؤوس قنوط {49} فصلت.
: {وإذا مسَّه الشر فذو دعاء عريض {51} فصلت.
: {إذا مسَّه الشر جزوعًا {20} المعارج.
أو يكون المسِّ تعب وإرهاق أو شدة؛
: {وما مسَّنا من لغوب {35} ق.
: {لا يمسَّهم فيها نصب {48} الحجر.
: { لا يمسَّنا فيها نصب ولا يمسَّنا فيها لغوب {35} فاطر.
وقد يكون المسِّ صرف مؤثر عن الطاعة أو الوقوع في معصية؛
: {إن الذي اتقوا إذا مسَّهم طائف من الشيطان
تذكروا فإذا هم مبصرون {201} الأعراف.
هذه المواضع التي ذكرت في القرآن
والمس فيها هو إصابة مؤثرة أو مغيره لحال المصاب بها.
وليس المسُّ مجرد التقاء شيئين بلا فاصل بينهما.
القرآن لا يؤثر إلا في المطهرين، المتصلين دائمًا بالله.
فـ "لا" في قوله تعالى : {لا يمسُّه إلا المطهرون} ؛
لا نافية، وليست لا ناهية، وهي خبرية،
وخبر الله صدق لا ينتفى وينقض؛
وهناك من يحفظ القرآن وهو من شر الناس،
ومن أعداء الدين، ولا تأثير مطلقًا للقرآن عليه.
وهناك من أساء إلى صحف القرآن أيما إساءة،
وهو من أنجس الناس وأقذرهم وأبعدهم عن الطهارة.
فالمقصود في الآية؛ عدم انتفاع بالقرآن،
وعدم تأثير القرآن إلا على المطهرين.
ولننظر ..... من هم المطهرون ؟ من الآيات التي ذكرت فيها الطهارة،
ليس القصد بالتطهير هو إزالة نجاسة قائمة مادية أو معنوية،
بل منع وصول النجاسة إليهم، فتكون حائلاً من قبول الطاعة والعبادة،
أو الوصول إلى الشيء والتمتع به،
ومن ذلك منع النجاسة من حدوثها أو وصولها للشيء، أو بقائها؛

ويبين ذلك الاستعمال لمادة "طهر" في القرآن؛
: {وثيابك فطهِّر {4} المدثر.
أي المحافظة عليها نظيفة، والحيلولة دون وصول نجاسة إليها.
وليس المراد إزالة نجاسة قائمة عليها. وإن أصابها نجاسة وجب إزالتها،
لأنها النجاسة مانع من قبول العبادة.
: {في صحف مكرمة {13} مرفوعة مطهرة {14} عبس.
: {رسول من الله يتلوا صحفًا مطهرة {2} البينة.
فوصف الصحف التي هي من الله بأنها مطهرة؛
أي أنه ليس فيها نجاسة معنوية كالشرك والكفر.
فليس فيها ما يحبط العمل، ويمنع القبول لها،
ولا يفهم من ذلك أنه كان فيها نجاسة ثم أزيلت.
: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا
بيتي للطائفين والعاكفين{125} البقرة.
: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين {26} الحج.
أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بتطهير البيت الحرام،
ولم يكن به شرك ولا نجاسة، والعهد عليهما في بقائه خاليًا من ذلك.
ووجود نجاسة من شرك أو كفر في مناسك الحج؛ يحبط عمل الطائف والقائم والعاكف فيه.
: {ولهم فيها أزواج مطهرة {25} البقرة.
: {لهم فيها أزواج مطهرة {57} النساء.
: {وأزواج مطهرة {15} آل عمران.
وصف أزواج أصحاب الجنة بأنهن أزواج مطهرة، ولم يكن بهن نجاسة من قبل،
ولا يلحق بهن حيض في الجنة ولا أي أذى.
فليس هناك مانع يمنع من التمتع بهن؛ من حيض أو سوء خلق أو غير ذلك.
أما الطهارة بعد الحيض في قوله تعالى؛
: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله {222} البقرة.
حتى يتطهرن: حتى يزول العائق من التمتع بهن،
فالطهارة من الحيض لا يكون بإزالة الحيض، بل هو ينقطع من نفسه،
وتعود الحائض أو النفساء إلى حالها السابق بلا مانع كما كان قبل الحيض.
فطهارتهن هو زوال العائق من المباشرة والتمتع بهن.
: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ..
ذلكم أزكى لكم وأطهر{232} البقرة.
فزواج المرأة يحافظ على طهارتها بعيدًا عن الرذيلة، ومنعها قد يقود لذلك.
فالزواج مانع وحافظ من الانحراف. والانحراف منهن مانع من زواجهن.
: {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين {42} آل عمران.
حفظ الله تعالى مريم طاهرة، ولم يكن بها نجاسة من قبل.
وطهارتها حتى يختلط الأمر بحملها، لأن الله تعالى جعل ابنها وهي آية على قدرته.
وعدم طهارتها مبطل لجعلها وابنها آية.
: {ورافعك ومطهرك من الذي كفروا {55} آل عمران.
فرفع عيسى عليه السلام وحفظه طاهرًا بمنع عبث وإساءة المشركين بجسده بعد موته،
وليس لأتباعه قوة في منع ذلك عنه لو مات بينهم.
ويفهم من رفعه وتطهيره، حفظ جسده لعدم انتهاء مهمته في الأرض،
وستكتمل مهمته بعد نزوله آخر الزمان.
وقد منعهم الله عز وجل من الوصول إليه، بالإساءة والقتل.
: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا {6} المائدة.
والطهارة من الجنابة فليس فيها إزالة نجاسة مادية، بل النجاسة فيه هي نجاسة معنوية،
لكن الجنابة مانعة من القيام بالعبادة المقبولة عند الله تعالى،
والطهارة هي في إزالة المانع من استمرار العبادة لله تعالى.
: {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهِّر قلوبهم {41} المائدة.
فبقي الحائل المانع من قبول طاعتهم؛ بعدم طهارة قلوبهم.
: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون {82} الأعراف.
: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون {56} النمل.
يتطهرون ولم يكونوا منغمسين معهم في رذيلتهم.
بل هم مانعين وصولها إلى بيت لوط عليه السلام،
فاستمر بقائهم في طاعة الله، وقبول أعمالهم.
ومن حكمته تعالى ألا يكون للوط عليه السلام ولد ذكر،
فليس له من قدرة على حمايته منهم.
ومثلهم المحافظين على صلواتهم في المساجد؛
: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا {108} التوبة.
فظلوا بلا مانع يمنع قبول صلاتهم.
وإنزال الماء كان لتثبيت للمؤمنين في الجهاد حتى لا يتراجعوا بإزالة
مانع من موانع ثباتهم، الذي قد يضعفهم ويكون مدخلاً للشيطان في تثبيطهم؛
: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان
وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام {11} الأنفال.
ومن التثبيت والبقاء على الإيمان بالصدقة ومنع الشح المفسد لدين الشحيح؛
: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها {103} التوبة.
: {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر {12} المجادلة.
ومن ذلك حفظ أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام من الرجس بعيدًا عنهم،
فلا تحبط أعمالهم، ويظلوا على ما يرضي الله تعالى.
: {إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا {33} الأحزاب.
: {فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن {35} الأحزاب.
أما الطهارة في قوله تعالى؛
: {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم {78} هود.
فهي طهارة امتناع وانقطاع دائم عما هم فيه، وعدم العودة لسالف فعلهم من السوء.
فهو عرض مشروط، وليس هو عرض لأمر عارض ينتهي بذهاب ضيوفه
فكان ردهم على عرضه؛
: {لقد علمت ما لنا في بناتك حق، وإنك لتعلم ما نريد {79} هود.
فبناته معلومات معروفات لديهم، ولا رغبة لهم فيهن،
ولم يأتوا لبيته من أجل الارتباط بهن بزواج.
ومن قال بأن المقصود ببناته هن بنات قومه، فلم يكن للوط عليه السلام عليهن طاعة.
ولم يكن على الإيمان إلا لوط عليه السلام وبناته فقط من دون بقية قومه.
فقوله تعالى : {لا يمسه إلا المطهرون {79} الواقعة.
الطاهرون هم الذي لا عائق لديهم يمنع من أخذ القرآن والانتفاع به،
والتأثر بما فيه، والتعبد به ... فهؤلاء هم الذين أصابهم القرآن بهديه،
إصابة مؤثرة رفعت قدرهم عند الله تعالى، فنالوا رضاه،
وفازوا بجنته، ونجوا من عذابه.
وخبر الله تعالى صادق لا ينقضه شيء
وهناك من وصلت يد للصحف التي كتب فيها القرآن، وحمله،
وفعل به ما فعل من أفعال السوء من شرار الناس.
ولا يعني ما ذكرناه الاستهانة في حمل القرآن وتقليب صفحاته ...
والمرء على نجاسة من حدث أصغر أو أكبر ...
فتعظيم كتاب الله تعالى واجب على كل مسلم ومسلمه
وهذا لا يؤخذ من آية "لا يمسه" إنما يؤخذ من
أمثال : {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب{32} الحج.
وتعظيم الله تعالى واجب لعظمة كلمات الله عز وجل التي كتب فيه
وقد قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى [القرءان لا ينتفع به إلا من
طهّر قلبه من الشرك ، والحقد ، والبغضاء ، ليكون طاهراً قابلاً لمعرفة المعاني.]
وهذا يوافق ما ذكرها في هذا الموضوع .


نقلا عن د. فاضل صالح السامرائي

وثم إن من حيث اللغة (لا) هنا نافية وليست ناهية في هذه الجملة لا يمكن أن تكون ناهية في النحو في هذه الجملة بدليل أن الفعل مرفوع (لا يمسُّهُ) ولو كانت ناهية تجزم إما يقول لا يمسسه وإما يقول لا يمسَّه بالفتح (في حالة التقاء ساكنين)، لا يمكن في النحو أن تكون لا ناهية هنا في هذا الموطن وإنما نافية قطعاً من الناحية النحوية أما إذا كان هناك نص عن رسول الله r فهذا أمر آخر. ليس نهياً وإنما نفياً، نقول انصرف النفي إلى النهي وعندنا مواطن أن ينصرف النفي إلى نهي بدليل وله ضوابط لكن من دون صارف هذه (لا) نافية والمطهرون في القرآن لم تستعمل للبشر وإنما استعملت للملائكة أو الأزواج في الجنة. يستعمل للبشر المتطهرين والمطهِّرين.

وهذه الآية وأنا لست عالماً بالحديث لا تنص شرعياً على عدم جواز مس المصحف إلا بوضوء إلا إذا كان في الأحاديث ما ينصّ على ذلك هناك حديث عن عدم جواز مس المصحف للجُنُب . وأنا أعتذر من الناحية الفقهية الشرعية لكني أتكلم من الناحية النحوية. إذا كان هناك نصٌّ يحكم فهو يحكم بدلالته لكن ليس بدلالة هذه الآية.


تعقيبًا على قول الدكتور السامرآئي
أما قوله [والمطهرون في القرآن لم تستعمل للبشر وإنما استعملت للملائكة أو الأزواج في الجنة. يستعمل للبشر المتطهرين والمطهِّرين.] فغير دقيق؛
فهذا متعلق بالحالة الإعرابية فقط، ولم يرد اللفظ في آية أخرى تؤيد قوله.

أبو مسلم العرابلي
03/08/2016, 12:21 PM
: {تنزيل من رب العالمين {80} الواقعة.

تنزيل من مادة "نزل" وهي وصول شيء لا تستطيع أنت الوصول إليه،
ومن ذلك نزول المطر، نزول الكتب الإلهية، وليست الكتب السماوية،
فالسماء لا تنزل كتبًا، وإنزال الذين كفروا من أهل الكتاب من صياصيهم،
وإنزال المن والسلوى، وما شابه ذلك مما لا يستطع الإنسان الوصول إليه،
والقرآن الكريم تنزيل من رب العالمين، فلا قادر على إنزاله إلا الله عز وجل،
ولا قدرة للبشر على إنزاله، ولا الإدعاء بإنزاله؛
قال تعالى : {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ...
... لا ريب فيه من رب العالمين {37} يونس،
ويوصف الشيء بأنه نزل إذا وصل أوله، وليس بعد وصوله كاملاً،
نقول: نزل المطر مع أول دفعة تهطل منه،
والقرآن قد نزل مع أول آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء،
ولا تراجع بعد ذلك حتى يتم إنزاله كاملاً،
ولا يعني النزول أنه نزل جملة واحدة، ثم قطع نزوله على الناس،
وما روي عن ابن عباس أنه نزل جملة واحدة إلى بيت العزة،
وقد ضعف الحديث؛ ففيه عمرو بن الغفار وهو ضعيف،
وهناك من صحح سنده عن ابن عباس،
وسواء صُحح أم ضُعف، فابن عباس رضي الله عنهما
لم يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام،
ولا يثبت وجود بيت اسمه بيت العزة إلا بوحي من الله تعالى، ولا وحي في ذلك،
ويرجع قول ابن عباس إلى أربع احتمالات؛
*أنه سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان منه سماع لذكره،
*أو سمعه من أحد من الصحابة عن النبي ولم يذكر ذلك،
*وإما سمعه من مسلمة أهل الكتاب أو ما أشاعوه من كتبهم،
*أما اجتهاد منه من بعض النصوص، كفهم نزول القرآن في رمضان؛ أنه نزل جملة واحدة،
فليس ليدنا وحي صحيح يبين وجود بيت اسمه بيت العزة....
والقرآن نزل وحيًا ألقي في نفس النبي، ولم ينزل مكتوبًا على صحف،
كما نزلت التوراة على موسى عليه السلام، وصحف بعض الأنبياء،
وسؤال يطرح : لماذا هذا التقريب للقرآن ووضعه في السماء الدنيا؟
هل هناك شيء بعيد على الله ؟!

و"رب" قد تكلمنا فيها في الآية (74) وقد قلنا؛
ورب من الأسماء المشتركة، لله وغيره، من مادة "ربب"،
وهي في الرعاية المسببة للحفظ والزيادة والنمو؛

و "العالَمين" جمع عالَم اسم جمع لا واحد له من لفظه،
من مادة "علم"، وهي في الشيء الذي يعطى ليكون أساسًا لغيره،
فتعليم الأرض ببيان حدودها لبدء الانتفاع بها،
وتعليم أساسات البيت لبدء بنائه،
وتعليم القراءة والكتابة؛ بتعليم الحروف نطقًا وكتابة،
في كلمات وجمل محددة، لينطلق بعدها لقراءة أي كلمة وكتابتها،
والمعرفة لا تتحول إلى علم إلا إذا بني عليها معرفة أخرى،
أو بني عليه عمل، فإن لم يكن هناك عمل
أو زيادة معرفة أخرى بنيت عليه يظل معرفة فقط،
وقد استغرب بعض الناس من قوله تعالى : و"ليعلم الله"، وهو عالم الغيب والشهادة،
وليس في ذلك من عجب، لأن علم الله بأفعال الناس يبني عليه أجرًا أو عقابًا،
ولا يكون ذلك قبل وقوع الأفعال منهم،
وعلم الله تعالى يما مضى يبنى عليه أفعال له سبحانه وتعالى لاحقة،
وعلمه بما سيكون يبنى عليه أفعالاً كذلك سابقة له،
فهو سبحانه علم الغيب؛ بما مضى منه وما لم يأت بعد،
وعالم الشهادة؛ أي عالم بما هو قائم ومشاهد وموجود حاليًا،
فعلم الله تعالى محيط بكل شيء في كل زمان بمعرفة وأفعاله،

والعالمون هم الخلق الذين يبنون على المعرفة علمًا آخر أو عملاً،
ويقصد بهم الإنس والجن خاصة، لأنهم القادرون على البناء على المعرفة بعلم أو عمل،
أما الملائكة فقد يشملهم الوصف، إلا أن أنهم يقفون على حدود ما تعلموه،
من غير زيادة أو نقصان على ما أمروا به أو كلفوا به،
أما الدواب فتبقى على الفطرة التي جبلت عليها، من ولادتها إلى موتها،
وليس لديها ما تورثه لذرياتها إلا بحدود ضيقة في غرائزها،
ولما كان العلم يبنى عليه علم آخر ومعرفة، وعمل مما يستفاد من المعرفة به،
ولما كان هذا العمل هو عمل جماعي متسلسل، وتقوم به أجيال جديدة تبنى عملها
على ما توارثته من الأجيال السابقة، فليس هناك واحد "لعالم" من لفظه،
لأنه لا قيام لواحد منفرد بالبناء على علم بعلم آخر أو معرفة أو فعل،
بمعزل عن العلم لدى الناس ممن معه أو ممن سبقوه.
فالإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم من العلم شيئًا،

أبو مسلم العرابلي
04/08/2016, 11:30 PM
: {أفبهذا الحديث أنتم مدهون {81} الواقعة.

الحديث : هو الجديد الذي يتناقل الناس ذكره بينهم في كل شيء،
ويتجلى فهم معنى الحديث بدلالة حروفه؛
[الحاء للانفرد- الدال للتضيق والحصر، وهي محصورة بمعنى الذال للاتساع والانتشار –
والثاء للكثرة، ولأنها الحرف الأخير، فالكثرة في استمرار وزيادة]
*أنه منفرد ومستقل عن صاحبه ومصدر، فلا سلطة لديهم لكتمه ومنع انتشاره،
*وأن العلم به يبدأ في دائرة ضيقة ثم يتسع ذكره وينتشر، عبر الزمان والمكان،
*ويظل العالمون به في كثرة مع انتشاره مكانًا وزمانًا،
هذا هو الحال والوصف الصادق له بدلالة حروفه التي مثلت بصدق معناه،
وقد جاء ذكر الحديث وصفًا لأشياء عدة؛
الحديث : كل ما كان من الرسول بعد بعثه نبيًا من قول أو فعل أو تقرير، وهو الأشهر،
الحديث : كتاب الله الجديد، الذي نزل بعد الكتب القديمة التوراة والإنجيل،
: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا {87} النساء،
: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ {185} الأعراف،
: { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ {111} يوسف.
: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا {6} الكهف،
: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا {23} الزمر،
: { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ {59} النجم،
: { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ {44} القلم،
: { فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا {78} النساء،

وحديث الله تعالى له الدرجة العلى، فهل بعده من حديث يشدهم ويدفعهم للإيمان؟!
: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ {6} الجاثية،
: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ {50} المرسلات،
: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34} الطور،

والاستفهام عن وصول الحديث ؟ لأن شأن الحديث أن ينتشر ويصل الكثير من الناس،
: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {9} طه،
: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} الذاريات،
: { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {15} النازعات،
: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ {17} البروج،
: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ {1} الغاشية،

ولأن الأحاديث تستمر وتنشر فتكون عبرة لمن يسمع بها؛
: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ {44} المؤمنون،
: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ {19} سبأ،

ووصفت الرؤيا بالأحاديث، لأن الرؤيا متعلقة بأحداث ستجري في المستقبل،
والاهتمام بالأحاديث لتكون لهم عبرة وبصيره ونورًا في المستقبل بما حصل ويحصل،
: { وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ {6} يوسف،
: { وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ {21} يوسف،
: { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ {101} يوسف،

الحديث : الجديد التي يتكلمون فيه الناس في أمورهم، ويتناقلونه بينهم،
: { حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {140} النساء،
: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {68} الأنعام،
: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ {6} لقمان،
: { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ {53} الأحزاب،
: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا {3} التحريم،

وجاءت الأفعال عن ابتداء الحديث، أو الذي هم فيه،
: {قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ {76} البقرة،
: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا {70} الكهف،
: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا {113} طه،
: { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {1} الطلاق،
: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {4} الزلزلة،
: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11} الضحى،
أو في المستجد منه لهم،
: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ {2} الأنبياء،
: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ {5} الشعراء،

أما الحديث في قوله تعالى : { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا {42} النساء،
ولا يكتمون حدثًا أحدثوه في حياتهم الدنيا،
وهو من صلب أعمالهم التي يحاسبون عليها،
الحديث : الاجتهاد الجديد في مسائل الشرع عند الفقهاء، لقول الأئمة :
إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط، فإنما نحن بشر،
نقول القول ثم نتراجع عنه، وسبب التراجع عن القول؛
إما أنه بلغه علم جديد لم يبلغه من قبل، ومن حديث وغيره،
وإنما رأي يستجد له من نفسه أو من غيره بحجة أقوى من الحجة السابقة،
وظن بعض من له حظ قليل من العلم، أن المقصود بقول الفقهاء هذا هو حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن المحدث أعلى درجة وأعلم بالدين من الفقيه،
وصار بعض الجهلة يظنون أنهم بحفظهم قسطًا من الأحاديث أنهم فقهاء، يفتون
بظاهر الأحاديث، وجهلهم أوصلهم إلى الغرور والتكبر والحماقة في التصرف،
وعلم الفقيه شامل لعلوم القرآن، وأحوال الأحاديث من حيث الصحة والضعف،
وشامل لفقه اللغة العربية وأحوالها، ولديه من القدرة والفطنة،
في معرفة دقائق الأمور ومقصود الكلام، فوق معرفة ظاهر الكلام.
ما المراد بقوله تعالى مدهنون ؟
الدهان هو ما بل الشيء بأرق ما يكون وكأنه غير موجود، فلا يتراكم،
ولا يسيل عن كثرة، ويصبح وجه الشيء به ناعمًا زلقًا.
والدهن يكون جامدًا كدهن سنام الإبل، ويكون سائلاً ويسمى بالزيت،
: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ {20} المؤمنون،
: { فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ {37} الرحمن،
ويُدهن بضم الدال من الفعل الرباعي أدهن، وهمزته همزة سلب،
فبدلا من أن يكون زلقًا لا تستقر عليه الأشياء، يمنع التزلق باللين والتقرب الكاذب،
: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ {9} القلم،
وكذلك "مُدهنون" جمع "مُدهن" من الفعل أدهن،
: {أفبهذا الحديث أنتم مدهون {81} الواقعة.
وفي الآية استفهام استنكاري لفعل المنافقين في الكذب، مظهرين إسلامًا
وإيمانًا خلافًا لما يبطنوه في أنفسهم، حتى لا ينبذون ويحاربون،
وقد جاء الحديث عن هؤلاء بعد الحديث على أن هذا القرآن لا يؤثر،
ولا يغير إلا في المطهرين، وهؤلاء المنافقون لا تأثير للقرآن عليهم،

أبو مسلم العرابلي
08/08/2016, 11:58 AM
: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون {82} الواقعة.

الجعل هو إلحاق شيء بشيء؛ أي إلحاق شيء بآخر أو إلحاق به شيء آخر،
فيلتصق به فيكون تابعًا له، أو يغيره إلى حال جديد بالأمر والتكليف الجديد،
والرزق؛ شيء لازم لك لا تستغني عنه يعطيك الثبات في الحياة،
ويقل بالاستعمال والاستهلاك، ويجدد دائمًا بغيره حتى يستمر البقاء،
والكذب؛ هو الباطل المردود الذي لا حقيقة له،
وإن اتسع وانتشر فمآله إلى الحصر والنبذ له بالإخراج والإبعاد،
وبكذب المنافقين لإخفاء حقيقتهم؛ يبقون لهم وجودًا بين المسلمين واستمرارًا،
ولا رزق لهم بعدها، بسبب كذبهم،
والكذب من صفات المنافقين، والمؤمن لا يكذب،
لأن الكذب إنكار بأن الله تعالى بيده وحده مقاليد الأمور، ولايغيرها إلا هو،
وكل ما في الحياة الدنيا مآله إلى انقطاع وفناء ... فالموت قادم .....

أبو مسلم العرابلي
11/08/2016, 05:30 AM
: {فولا إذا بلغت الحلقوم {83} الواقعة.

الحلقوم فعلوم أو فعلول من مادة "حلق" وهي في فراغ الشيء الثابت من داخله،
ومنه، حلقة الحديد، ثابتة الأطراف، فارغة الوسط،
وحلق الرأس إفراغه من الشعر المتحرك عليه، فيظل له ثبات دون شعر،
وحلق الطائر، دار دورانًا ثابتًا تاركًا فراغًا تحته أو في وسط دورانه،
وذكر الحلقوم خاصة عند الموت لفراغ الجسد من الروح،
وهو في خلقه فارغ الوسط؛ لأجل مرور الطعام والهواء منه،
وبلغ: وصل إلى النهاية التي يطلبها،
وقد وصلت الروح إلى نهاية وجودها في الجسد،
والفاعل مستتر يراد به الروح أو النفس،
وعدم ذكرها بهذه التسميات؛ بسبب عدم تناسف التسمية مع الحال الذي هو فيه،
فالروح من مادة "روح" وهي في الذي يرى أثره ولا تبصر ذاته،
ومن ذلك الريح، يرى أثرها ولا تبصر،
والريحان، يحس بأثره، ولا تبصر ذاته،
والروح، يرى أثرها في حياة الجسد؛ في حركته، ونموه،
وتنفسه، واكله وشربه، ولا تبصر ذاتها،
وها هو يفقد الآن كل السابق الدال عليها، فلا يصلح ذكرها، دون علامة عليها،
أما النفس؛ فهي من مادة "نفس"،وهي في التعلق بشي والتمسك به،
وهي الآن تتخلى مجبرة عن الجسد التي كان تتمسك به طوال حياته،
فلم يصلح ذكرها،
والإشارة إلى الغائب بضمير ظاهر أو مستتر،
يراد به الذات دو ن الصفات، في المواضع التي لا تختص بصفة للشيء،
والمراد من كلمة "لَوْلاَ"؛ معنى هلا وألا من كلمات التحضيض،
أي ألا يرجعون الروح إلى كامل الجسد إذا بلغت الحلقوم،
وإرجاعها بعد مفارقة الجسد أشق وأصعب،
لو كان لهم شيء من القدرة على فعل ذلك،
وتخصيص ذكر الحلقوم علامة على مفارقة الروح للجسد؛
لأن آخر نفس للإنسان في حياته ينتهي ببلوغ الحلقوم،
وإذا أخذنا سبب التسمية للحلقوم من مادة "حلق" التي هي في فراغ الداخل؛
فيعني ذلك فراغ الجسد من الروح،
وتحقق الموت بهذا الفراغ بسبب مفارقة الروح للجسد،

أبو مسلم العرابلي
11/08/2016, 11:45 PM
: {وأنتم حينئذ تنظرون {84} الواقعة.

حين: اسم معنى الوقت أو المدة، وتستعمل عند الدخول
في وقت أو حكم لا مخرج منه، ولا تراجع عنه، لأنه من سنن الله،
وإذ: ظرف للزمن الماضي، وبداية النظر كانت في زمن سابق للحظات الأخيرة،
فحين تبلغ الروح الحلقوم يكون المريض في آخر لحظاته قبل الوفاة،
والأهل حوله، ومنشغلون به، ومتوجهون إليه ينظرون إلى ما يؤول إليه حاله،
ولا حول لهم ولا قوة في إخراجه من الحال الذي هو فيه،
والنظر هو التوجه للحصول على العلم بوجود الشيء وما يرتبط به،
وهو أول مراتب التعرف على الأشياء، وقد يحصل العلم مباشرة، وقد يأخذ وقتًا فيكون انتظارًا،
ويليه رؤية الشيء الدالة على العلم به،
فإذا حصل اليقين به صار إبصارًا له،
فالنظر إلى المحتضر ترقب لما سيحدث له، فقد يُتوفى، وقد يبرأ وتكتب له الحياة،

أبو مسلم العرابلي
12/08/2016, 07:32 PM
: {ونحن أقرب إليه منكم
ولكن لا تبصرون {85} الواقعة.

ضمير المتكلم المفرد "أنا" وللجمع "نحن"، وفي الغالب أن الجمع يتكلم باسمهم واحد،
والواحد الذي له أتباع يقومون بأمره؛ ينسب القول لنفسه بضمير الجمع،
والموت وقبض أرواح الناس موكل به ملائكة بأمر الله تعالى،
لذلك قال تعالى : {ونحن}
: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون{11} السجدة،
: {ولو ترى إذا يتوفي الذين كفروا الملائكة .. {50}الأنفال.
وهؤلاء الملائكة أقرب للمحتضر من الذين حضروا حوله، وكلاهما قريب،
والقريب هو المشارك لقريبه في النسب، أو في المكان، أو في المكانة والجاه،
والقريب خلاف البعيد المنقطع عن غيره، فلا يسمعه، وقد لا يراه،
وليس معنى القرب الدنو، او أن يكون في منزلة هي أدنى البعيد،
فقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم}، {ولا تقربوا الزني}،
{ولا تقربوا الفراحش}،
أي لا تنفقوا من مال اليتيم، ولا تمارسوا الزنا، ولا تفعلوا الفواحش،
وإن كان يرى من حضر علامات الموت على المحتضر،
ولكنهم لا يبصرون من وراء ذلك ممن حضر لقبض روح الميت من الملائكة،

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 11:17 AM
: {فلولا إن كنتم غير مدينين {86} الواقعة.

الدَين(بالفتح)؛ يعطي المدين مواصلة حاله المتوقف،
والدِين(بالكسر)؛ هو الذي تتواصل على أداء مناسكه،
ويوم الدِين : يوم مواصلة الحياة مرة أخرى،
ودُون الشيء (بالضم): هو الذي تمر عليه وتتعداه عند مواصلة السير،
وكل البشر هم مدينون، وتواصل حياتهم قائم بغير أنفسهم،
فهم بحاجة دائمة للهواء، وبحاجة للشراب والطعام،
وكل ذلك مما لم تعده أيدهم، وليس لهم سبب في وجوده،
ولا وجود انفسهم في أجسادهم،
فكيف لهم القدرة على وهب ما لا يملكون، ولاقدرة لهم على فعلهم؟!
فالحض لهم بـ "لولا" لتذكيرهم أن وجودهم الذي هم فيه وانتهائه ،
ليس بأيديهم، تذكيرًا لهم في حال هم يفقدون فيه أعزة عليهم،
ولاسبيل لهم بالمحافظة عليهم، ومد الحياة وإطالتها لهم،
وقوله تعالى: {غير مدينين}؛ إما أن يكون مستغن بنفسه،
وإما أن يمد غيره ليبقي تواصله، وهم على غير ذلك في الحالين؛
فلا قدرة لهم للمحافظة على أنفسهم وإدامة بقائها،
ولا قدرة لهم أن يمدوا غيره بأسباب البقاء ومواصلة الحياة،
وتفسير مدينين بمملوكين او مجزيين، لا أرى له وجهة دقيقة،
فاستعمال مادة "دين" في المواصلة، والمدين الذي أُعطي ليتواصل حاله،
مطالب برد المال، والمدان مطالب برد الحقوق أو بما يجزي عنها،
وغير مدينين؛ أي هم يتواصلون في الحياة بأنفسهم، وليس بفعل غيرهم،
هو الأنسب لهذا الموقف الذي يطالبون فيه بمد غيرهم بأسباب المواصلة،

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 12:17 PM
: {ترجعونها إن كنتم صادقين {87} الواقعة.

إرجاع الشيء؛ إعادته إلى منطلقه،
ورد الشيء؛ منع استمراره وبقائه حيث وصل، ليعود من حيث أقبل،
فالله تعالى أرجع موسى لأمه التي فارقها عند إلقائه في اليم،
ورده إلى إمه بتحريم المراضع عليه، إلا الرضاعة من أمه،
فإن كنتم غير مدينين، ترجعون النفس إلى الجسد الذي خرجت منه،
إن كنتم صادقين في إنكار البعث يوم القيامة،
فإنكار البعث يقتضي انتهاء وجود الروح بلا رجعة، حين تفارق الجسد،
والمحافظة عليها، بإرجاعها إلى الجسد حتى لا تفنى،
ولكن الروح لم تربط بالجسد من نفسها، ولم تفارقه بإرادتها،
فهناك من أتى بها، ومن أخذها، وبيده إرجاعها متى شاء،
وليس إرجاعها إلى الحياة، إلا للسبب نفسه الذي وجدت لأجله،
فلا بد للحساب، الذي لم يكن على كل شيء في الحياة الدنيا،

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 01:50 PM
: {فأما إن كان من المقربين {88} الواقعة.

المحاسب يوم القيامة سيكون من أحد الفئات الثلاثة الذين ذكروا في بداية السورة،
وقد ذكر حال كل فئة منهم؛ إما أن يكون في نعيم دائم، أو شقاء دائم،
وأول هذه الفئات؛ أكرمها نعيمًا، وأعلاها منزلة؛ هي فئة المقربين،
ووصفهم بالمقربين؛ لأنهم الأقرب إلى العرش الذي يحمله ثمانية فوقهم،
كما ان أكرم الملائكة هم الذين عند العرش وحوله،
وقربهم في الآخرة هو من قربهم إلى الله تعالى بالدنيا، بحسن الطاعة والإحسان،
وقربهم هذا سيميزهم بأفضل نعيم يكافؤون عليه في الجنة،
فمن عندهم تنبع أنهار الجنة، وأول من تمر عليهم، وعندهم من كل فاكهة،
وفرشهم وأدواتهم من أفضل وخير الفرش والأدوان في الجنة،
وإن كانت كلها خير، مما لم يخطر على قلب بشر في الدنيا،

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 03:37 PM
: {فروح وريحان وجنت نعيم {89} الواقعة.

روح وريحان من مادة "روح" وقد أسلفنا من قبل،
فبينا أن مادة "روح" مستعملة فيما يبصر ويحس بأثره ولا تبصر ذاته،
ومن ذلك الروح؛ لأنه يبصر ويحس بأثرها في الجسم ولا تبصر ذاتها،
والريح؛ التي يحس بها في تحريك الأشياء، ولا تبصر ذاتها،
والرائحة؛ التي يحسن بوجودها ولا تبصر ذاتها،
والروح وروح القدس (جبريل)؛ الذي يحس بأثره على النبي ولا تبصر ذاته،
والروح (القرآن)؛ الذي يحس بأثره على أنفس المؤمنين،
ولا تبصر قواعده الحقيقية في التأثير، ولذلك عجزالإنسان على الإتيان بمثله،
وقوله تعالى: {ولا تيأسوا من رَوح الله {87} يوسف؛ تدبيره الخفي في إعانتكم لإيجاد يوسف وأخيه،
فبدأت الآية بـ "روح"، لأن المقربين في فرح وسرور وسعادة غامرة،
بسبب رضا الله تعالى عليهم، وهو أعظم من النجاة من النار والفوز بالجنة،
فهم لا يحددون سبب هذه السعادة العظيمة التي هم فيها،
وانتقل من الذي لا يقدر بما يقدر مما يحس ولا يبصر،
فالريحان الذي يحس به ولا يبصر، يقدر مصدره،
والشجر التي يخرج منه، من زهره، ومن ورقه، ومن ثمره، وكله طيب في طيب،
ثم الانتقال إلا ما يحس به ويبصر من فواكه جنة النعيم التي لا تعد ولا تحصى،
والتمتع بالنعيم يفسده عدم الأمن، وسوء الرائحة،
فتقدم ذكر الروح والريحان أيضًا لأجل ذلك ،
وقد كتبت "جنت" بتاء مبسوطة، ولم ترسم مقبوضة، ولم تقرأ جنات،
ولم يبسط غيرها، وهذا البسط من خصائص الرسم القرآني،
ودلالة بسطها يعود إلى القاعدة العامة في بسط التاء،
فإن كان الشيء معلوم كله غير مجهول؛ بسطت التاء،
وإن كان مجهولاً كله أو بعضه؛ قبضة التاء،
والسؤال: لماذا بسطت تاء جنة المقربين ، ولم يبسط غيرها؟!
والجواب على ذلك؛ أن الجنة منازل، وأعلاها جنة المقربين،
والدخول إلى الجنة من أسفلها، ثم يرقي فيها إلى أعلاها،
وعندما يدخل أول الجنات من أسفلها،
يجد فيها من النعيم الذي لم يخطر على قلبه، ولم تره عين من قبل
وكلما ارتقى إلى منزلة أعلى،
يجد فيها من الجديد الذي لم يره في الأسفل منها،
وهكذا إلى أن يصل إلى أعلى الجنة؛ منزلة المقربين،
حيث يكون قد رأى نعيم كل جنة،
وعنده مثل ما عندهم جميعًا وخيرًا منه،
ونعيمًا لم يروه قد خصهم الله تعالى به،
فلم يبق من نعيم الجنة شيء من النعيم يجهلونه ولم يروه،
وليس هناك منازل أخرى أعلى من منزلتهم، فيكون فيها نعيم لم يطلعوا عليه،
فبسطت تاء الجنة في هذا الموضع، لأنه قد تحدد أصحابها .. وهو المقربون،
ولا يصلح أي موضع آخر لتسبط فيه تاء الجنة،
غير هذا الموضع من 68 موضعًا، ذكرت فيه الجنة،

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 04:24 PM
: {وأما كان من أصحاب اليمين {90} الواقعة.

وأما إن كان من أصحاب اليمين؛ أي من المحاسبين بعد البعث،
وصاحب الشيء هو الملازم له،
وذكر أصحاب اليمين، ولم يقل عن المقربين أصحاب،
لأن الملازم للشيء؛
إما أن يكون راض عنه، ولا يرجو غيره،
وإما أن يطمع بما هو خير منه، إن عرف واطلع عليه،
وإما أن يطمع بمفارقته للسوء الذي يجده فيه، فهو مكره على الملازمة،
وأصحاب اليمين هم راضون في الجنة،
ورضا المقربين أعظم، ولا يعرفون نعيمًا اعظم منه تتطلع إليه أنفسهم،
ولإبعاد السخط عن أصحاب اليمين،
أن أصحاب المنازل العليا يدخلون قبلهم إلى منازلهم،
ولو دخلوا بعدهم لأحدث ذلك حسرة في أنفسهم،
وهم يرونهم يمرون عليهم ويرتقون فوقهم،
وهم يجهلون ما عندهم من النعيم الذي ليس عندهم،
لكن التمنى لا يكون للمجهول جنسه،
ولا يجوز لهم الاتقاء إلى منازل أعلى، فهم ملازمون لمنزلتهم،
وكانت تسميتهم بأصحاب الميمنة في موقف الحساب،
وبعد الدخول في الجنة؛ هم أصحاب اليمين،
فقد نالوا منزلتهم بجهد كبير، بعد استعرض أعمالهم،
وقد طال مسيرهم على السراط حتى وصلوا الجنة،
فالإنسان يجلب لنفسه الخير، ويدفع عنها الشر بيمينه،
فهم أصحاب اليمين ....

أبو مسلم العرابلي
13/08/2016, 11:00 PM
: {فسلام لك من أصحاب اليمين{91} الواقعة.

لما كان الميت يبعث على ما كان عليه، مؤمنًا كان من أصحاب الجنة،
أو كافرًا كان من أصحاب النار، فليس بعد الموت من عمل يغير حاله في الآخرة،
وإن كان ما سن من خير أو شر؛ فإنما المضاعفة للحسنات أو السيئات، لا تغيير الحال،
ولذلك جاء ذكر هذه المراتب الثلاثة بعد ذكر الموت،
فقد تقرر حال كل واحد مع انتهاء عمله بموته،
ولما كان أصحاب اليمين هم أصحاب المنازل السفلى في الجنة،
وأقل أصحابها حسنات، وأنهم فازوا بالجنة مع شدة لاقوها،
وقد عانوا من بطء السير حتى قطعوا الصراط الذي تلتهب تحته النار،
وقد خدش من خدش ثم نجا، ومن هوى إلى جهنم، وما أكثرهم،
فاستحق هؤلاء الناجون المباركة بالسلامة لهم من أصحاب اليمين
الذين سبقوهم في النجاة من النار،
وذكر أصحاب اليمين دون غيرهم، يعود إلى ثلاثة أسباب؛
الأول: أن أصحاب اليمين هم الذين عانوا من المرور على النار،
وأحسوا بحرها أكثر من المقربين، وقد رأوا كثرة الساقطين فيها،
فإحساسهم بفرحة الناجي من أمثالهم أكبر من غيرهم،
لأنهم قد عانوا مثلهم وإن كانت درجة معاناتهم أقل درجة ممن جاء بعدهم،
والثاني: انصراف المقربين إلى منازلهم فلم يواجهوا بعد النجاة من النار
إلا أمثالهم من أصحاب اليمين، فلم يجدوا سلامًا إلا منهم،
والثالث: أن أصحاب اليمين أكثر أصحاب الجنة، والمقربين قلة معهم،
وكثرة تدفق أصحاب اليمين يجعل أصحاب اليمين هم أول من يستقبل ويقابل
الناجين المتأخرين من أصحاب اليمين،
فإن كنت سائلاً الله تعالى الجنة، فاسأله الفردوس الأعلى، وأن تكون من المقربين،
ولا تسأله أن تكون من أصحاب اليمين، فهم آخر من يدخل الجنة،
فاجعل طمعك في رحمة الله كبيرة، وهمتك كبيرة،
وأن تكون من أصحاب "جنت" الواقعة، الجنة التي بسطت تاؤها،

أبو مسلم العرابلي
14/08/2016, 07:35 AM
: {وأما إن كان من المكذبين الضالين {92} الواقعة.

وأما إن كان من الفئة الثالثة،
فئة المكذبين للبعث الضالين فهم في شر حال،
والكذب المهلك على نوعين،
نوع فيه رد للحق وإنكاره، مثل هؤلاء المكذبين للبعث،
ونوع فيه اختلاق لباطل يحل عندهم محل الحق، كفعل المشركين،
والضال هو المفارق ما عليه قومه في حضر أو سفر إلى حيث لا يدري،
فإن كان في سفر سلك طريقًا غير طريقهم إلى حيث لا يدري،
وإن كان في حضر فارق قومه فيما هم عليه من الاعتقاد والعبادة؛
فإن كانوا هم على حق، فمفارقته لهم لا تكون إلا إلى باطل،
والباطل لا يؤدي إلى شيء ينفعه،
وإن كانوا هم على باطل؛ فمفارقتهم رفض لباطلهم والتوجه إلى حيث لا يدري،
كفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل النبوة،
فقوله تعالى : {ووجدك ضالاً فهدى{7} الضحى،
هي شهادة تبرئة من الله تعالى لنبيه أنه لم يكن على ما كان عليه قومه،
من الكفر والشرك، فثبته الله تعالى على ذلك بالرسالة التي أنزلها عليه،
ومثل ذلك قول موسى عليه السلام: {قال فعلتها إذًا وأنا من الضالين{20} الشعراء،
ولذلك يحتاج الضلال إلى قرينة تبين أنه ضلال إلى باطل،
فوصفهم بالمكذبين قرينة على أن ضلالهم هو ضلال إلى باطل،
وقد وصف إخوة يوسف أباهم يعقوب بالضلال؛
: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا ونحن عصبة
إنا أبانا لفي ضلال مبين {8} يوسف،
لأنه قصر حبه على يوسف وأخيه في نظرهم، وهم أطفال صغار،
لا مقدرة لهم على نفعه، وتركهم وهم الأكثرية العاملة والمساعدة له؛
أما قوله تعالى: { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء{8} فاطر،
فعندما ينزل أمر الله على يدي الرسل الذين يرسلهم، ينقسم الناس إلى قسمين؛
قسم يقبل على الرسل ويؤمن بهم،
وقسم يفارق الرسل إلى لا شيء ينفعهم،
من الكفر والشرك الذي لا حقيقة له في نفع أو ضر،
وقد كانوا قبل الرسالة أمة واحدة مجتمعين على الكفر، لم يفارق بعضهم بعضًا،
فبفراق بعضهم بعد مجيء الرسل إليهم كان الضلال،
والضلال إلى الكفر والشرك له عقاب أليم،

أبو مسلم العرابلي
14/08/2016, 09:20 AM
: {فنزل من حميم {93} الواقعة.

كانت العرب تنزل في مواضع نزول المطر،
فسموا مواضع نزولهم بالمنازل،
ونزل أصحاب النار هو في الحميم،
وأصحاب النار في طواف دائم بين الجحيم والحميم،
قال تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن {44} الرحمن،
وقال تعالى: {فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون {66}
ثم إن لهم عليها لشوبًا من حميم {67}
ثم إن مرجعهم إلى الجحيم {68} الصافات،
ولماذا قُدِّم الحميم على التصلية في الجحيم في هذا الموضع؟
لقد بدأ الحديث عن الأزواج الثلاثة؛ بالابتداء من أعلى إلى أسفل،
بدأ بالسابقين المقربين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال،
وهؤلاء لهم الحميم والجحيم، والحميم هو الأقرب إلى أصحاب اليمين،
النازلون في منازل في أسفل الجنة، وهم أدنى أصحاب الجنة إلى النار،
ومصدر الحميم من تسرب ماء الجنة إلى باطن وأسفل الجحيم،
فيخرج حارًا شديد الحرارة، وتجمعه سيكون في أدنى الجحيم إلى الجنة،
ومراعاة للسياق في سرد أحوال الأزواج الثلاثة، أن يذكر الحميم
بعد ذكر أصحاب اليمين، لأنه الأقرب إليهم، والجحيم هو الأبعد عنهم،
وبخار الحميم أهون وأقل حرارة بكثير من نار السموم،
حتى لا تمتد حرارته إلى أصحاب اليمين،

أبو مسلم العرابلي
15/08/2016, 06:47 AM
: { وتصلية جحيم {94} الواقعة.

التصلية من صلَّى الشيء يصليه تصلية،
من مادة "صلي" وهي في إبقاء الشيء على النار حتى تغيره النار،
فتصلية الجحيم ستغير جلده خاصة؛
قال تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها{56} النساء،
وقال تعالى: {نزاعة للشوى{16} المعارج،
وقال تعالى: {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار{50} إبراهيم،
والقطران يتكون ويخرج فيقطر من شدة التعرض للحرارة،
أما قوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة {24} البقرة،
فليس كل الجسد وقودًا للنار، وإلا لذهبت أنفسهم، لكنها تتقد من جلودهم التي تطبخ من شدة الحر، فتغطى بالقطران حتى تكون سرابيل لهم،

والجحيم من "جحم" وهي في اللحاق بالشيء وغلبته بالشدة،
الجحيم في لسان العرب؛
[والجحيمُ: اسم من أَسماء النار. والجحيمُ النارُ الشديدة التأَجُّج،
وكلُّ نارٍ تُوقد على نارٍ جَحِيمٌ، وهي نارٌ جاحِمةٌ؛
وجحَم النارَ: أَوْقَدها. وجَحُمَت: عَظُمت وتأَجَّجَتْ،
وجَحِمتْ: اضْطَرمَتْ وكثُر جَمْرُها ولَهَبُها وتَوقُّدها،
والجاحِمُ: المكان الشديد الحرّ؛ وأَجْحَم عنه: كَفَّ كأَحْجَم.
وهو يَتجاحَمُ علينا أي يَتضايَقُ، وهو مأْخوذ من جاحِمِ الحَرْب،
وهو ضِيقُها وشدّتُها]
ولما كانت النار يهذه الصفة، فإن حر الجحيم يلحق بما قرب منها،
ولا يقف عليها، مولدة الضيق والشدة من حرها فيما حولها، فهي لا تطاق،
وإن الإحجام والكف عنها هو المطلوب،
قال تعالى: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة{24} الزمر،
والعين لا تغفل عنها وهي بهذا الحال الدائم؛ [والتَّجْحِيمُ: الاسْتِثبات في النظر لا تَطْرِف عينه؛ وعينٌ جاحِمةٌ: شاخِصةٌ. وجَحَّمني بعينِه تَجْحيماً: أحدَّ إليَّ النظر.]
ولشدة تركيز النظر قيل ؛ [الجُحُمُ: القليلُو الحياء.]
[والجَحْمةُ: العينُ. وجَحْمَتا الإنسان: عيناه. وجَحْمَتا الأَسدِ: عيناه، بلغة حمير؛ وبكل لغة. والأَحْجَمُ: الشديدُ حُمْرةِ العينين مع سَعَتِهما،] وذلك لشدة الانتباه،
لذلك كثر ذكر الرؤية للجحيم في الآيات؛
: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى {36} النازعات، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ {91} الشعراء، {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} التكاثر،
{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} الصافات،
{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ {47} الدخان،
{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ {55} الصافات،
وكثر ذكر التصلية، وهي من شدة القرب من النار؛
: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ {12} التكوير، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ {30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ {31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ {32} الحاقة، {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ {163} الصافات، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ {94} الواقعة، {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ {14} يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ {15} الانفطار، {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ {16} المطففين،
{إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا {12} المزمل،
فهؤلاء هم أصحاب الجحيم؛
: { أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {10} المائدة، {86} المائدة، {19} الحديد، {51} الحج،
{مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {113} التوبة، {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ {119} البقرة، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ {68} الصافات، {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى {39} النازعات،
أما المؤمنون ؛
: {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {56} الدخان، {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {18} الطور، {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {7} غافر،
وشجر الزقوم ينبت قريبًا من حرها، في أصلها،
ولو كان في النار نفسها لحرقته، كما تحرق الحجر الذي هو وقودها،
: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} الصافات،
وأراد الكفار حرق إبراهيم عليه السلام، وإلقائه فيها من بعد عنها،
: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ {97} الصافات،
فقد ذكرت الجحيم في السياق المناسب لتسميتها في (26) آية،
وأهمها التصلية بالجحيم من شدة القرب منها،

أبو مسلم العرابلي
15/08/2016, 12:46 PM
: {إن هذا لهو حق اليقين {95} الواقعة.

كل ما ذكر عن الأزواج الثلاثة هو حق اليقين،
وجاء التوكيد بأربعة أدوات؛
إنَّ : حرف نصب وتوكيد، وتوكيده جاء من النصب الدال على الثبات،
هذا: اسم إشارة إلى ثابت موجود ومحدد،
اللام: اللام للقرب والإلصاق، وآكد الأشياء التي ليس بينك وبينها فاصل،
هو: ضمير الشأن الذي يحصر الشيء بالمقصود لا غيره،
ووصفه بأن حق، أي خالص لا باطل فيه،
واليقين أعلى درجات التأكد التي لا شك في حقيقتها.
وهذا التأكيد المضاعف في كل كلمة وحرف؛ كان لأهمية ما ذكر،
فهذا مآل أبدي لكل البشر وخاتمتهم التي لا مناص عنها،
فكل واحد منهم سيكون واحدًا من أحد الأزواج الثلاثة؛
إما أن يكون من المقربين،
وإما أن يكون من أصحاب اليمين،
وإما أن يكون من أصحاب الشمال،
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقربين السابقين ،

أبو مسلم العرابلي
15/08/2016, 04:32 PM
: {فسبح باسم ربك العظيم {96} الواقعة.

تكررت الآية في الآية (74)، وقد أفضنا في الحديث عنها هنالك ،
وتسبيح الله تعالى مطلوب في كل أمر وحال دال على عظمة الله وقدرته،
والختم به في كل مجلس ومقام، كما ختمت به هذه السورة العظيمة،
وكل ما في القرآن من سور وآيات وكلمات وحروف هي عظيمة،
فأعظم ما عند الله تعالى بعد ذات الله تعالى هي كلماته،
لأنها صفة من صفاته، فأعطانا بهذه الكلمات أعظم ما عنده،
وأي فضل بعد هذا ..... لو كان قومي يعلمون،
{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون{44} الزخرف.
والحمد لله تعالى أن أعاننا على بلوغ ما تجلى لنا في هذه السورة،
وتجلياتها لا تقف عند أحد ..... ولا عند زمن ...