المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دحلان والفلسطينيون والحل المبعد..



سميح خلف
14/02/2017, 12:26 AM
دحلان والفلسطينيون والحل المبعد..
م:محمد سميح خلف

عزيزي القارئ، أرجو منك أن لا تتعجل في قراءة المقال، ولدي عندك رجاء آخر، تجرد من كل انتماءاتك الحزبية، وثوابتك الفكرية، وشعاراتك التي لم يعد لها مكان سوى فمك المرهق من الهتاف، ودعنا نلقي نظرة من الخارج، دعنا نحاول أن نحلل الواقع الفلسطيني بما يحمل من ظواهر في أغلبها مخزية وغير موضوعية بل وتصل الى درجة "المقززة"، علنا على الأقل نصل الى رؤية موضوعية تشكل حلاً حتى لو كان نظرياً تحمله عقولنا إن لم يكن بأيدينا القدرة على التغيير.

لقد تجنبت أن يكون عنوان المقال هو " القضية الفلسطينية والحل المبعد"، واستبدلت القضية الفلسطينية بالفلسطينيون، لأنه ومن سياق الأحداث منذ قيام الثورة الفلسطينية الى اليوم اتضح لي أن الفلسطينيون شيء والقضية الفلسطينية شيء آخر تماما!، لأن مصطلح القضية الفلسطينية يمثل محمود عباس في المقاطعة وربما يمثل حماس في غزة، ولكنه أبداً لا يمثل الفلسطينيين من قريب أو بعيد.
فالنقم معاً أيها السادة بدراسة مبسطة نقيس فيها مدى التقدم الذي أحرزته القضية الفلسطينية على مدى الخمسة عشر عام الأخيرة، دراسة مبررة لأي مواطن فلسطيني ليقيس مدى فعالية النظام الفلسطيني الحالي، ومدى التأثير الذي أحدثته سبل النضال التي نتخذها باعتبارنا شعب مشرد احتلت أرضه وسلبت ممتلكاته وبالكاد له تمثيل معترف به أمام دول العالم.

في عام 2005 بعد استلام محمود عباس السلطة في عرس ديمقراطي كبير كرئيس للسلطة الفلسطينية قامت القوات الإسرائيلية بالانسحاب من قطاع غزة في مشهد مؤثر بدى وكأننا نجني ما زرعناه على مدى سنوات طوال من النضال والكفاح المسلح والتي انتهت بالانتفاضة الثانية عام 2000، وصور الحدث على انه انجاز تاريخي وارتفعت صور محمود عباس، وأنتجت الأغاني الحماسية التي اذكر كلمات احداها "غزة في الأول والضفة مش هتطول"، وعاش الشعب الفلسطيني في حالة من التفاؤل ومن الثقة في الرئيس الجديد الذي يحمل معه بشريات النصر وحلم الدولة المزعومة، ثم تتالت الأحداث وكحال هذا الشعب المكلوم اندلعت المواجهات التي أنتجت فيما بعد ما يسمى الانقسام الفلسطيني، وكتقييم للحدث، ومن أفواه شهود عيان، والشيء المتفق عليه أنه كانت هناك أوامر مباشرة لجميع الاجهزة الأمنية التابعة للسلطة بالانسحاب واخلاء المقرات وتسليمها تسليماً واضحاً!، وخلال سنوات الانقسام المريرة، كانت السمة البارزة في سياسات محمود عباس تجاه قطاع غزة هي التجاهل والتهميش والتملص، فقد تخللت هذه الفترة قتل تنظيم حركة فتح في قطاع غزة، واقتصار نشاطاته على صورة زيارات اجتماعية ودروع وبعض الصور للتداول الإعلامي، ومن الجدير بالذكر أن محمود عباس بعد تسلمه السلطة الفلسطينية وقبل أحداث الانقسام قام بنقل مركزية مؤسسات السلطة من قطاع غزة الى رام الله، فمن وجهة نظري كان الانقسام مبيتاً ومخططاً له بدقة، خاصة بعد علمي أن العنصرية على أساس المنطقة كانت سمة بارزة وأساساً في التعامل في أروقة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وقد يبدو أن لدى محمود عباس مشكلة شخصية مع شعب قطاع غزة، وأن الأمر ليس سياسياً ولا يرقى لأن يكون خلافاً وطنياً، خاصة بعد إقصاء كافة القيادات من أبناء قطاع غزة، والذين كان آخرهم محمد دحلان.

أما وان أردنا أن نقيم أداء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على مدى الاثنى عشر عاماً الأخيرة، فسيكفينا أن نلقي نظرة سريعة على معدلات الاستيطان وعشرات آلاف الوحدات السكنية التي تم بناؤها في عهد محمود عباس، مقابل انجاز وحيد، قرار من الأمم المتحدة، وانني لأتسائل كثيراً لماذا يعد قراراً من الأمم المتحدة انجازاً وحصيلة سياسة استمرت اثنى عشر عاماً ونحن بالفعل لدينا قرارات من الأمم المتحدة لو تم تنفيذها لأقيمت الدولة الفلسطينية دون الحاجة الى قرارات إضافية جديدة!، إضافة الى الأزمات التي ترقى الى الكوارث الإنسانية التي تحيط بقطاع غزة من كافة النواحي والتي تعتبر تبعاَ لتسلسل المسؤولية والأحداث أحد أعظم الكوارث التي حلت بالقضية الفلسطينية في العقد الأخير والتي يتحمل مسؤوليتها كاملة رأس السلطة الفلسطينية في رام الله بشكل مباشر.

إن القضية الفلسطينية آخذة في الانحدار، آخذة في السير في نفق مظلم لا يعرف آخره، ولا نعرف نحن أصحاب القضية ان كان سيبقى هناك قضية حينما نصل الى آخر النفق، إننا حينما نفشل في شيء ما يجب أن نراجع الوسائل التي قمنا بها بالشيء ونعيد تقييمها وندرس مدى فعاليتها واستبدالها اذا لزم الأمر، وبالرجوع الى التقييم السريع الذي قمنا به أعلاه فإننا نسير من فشل الى فشل، ونستعين في الفشل التالي بنفس الوسائل التي استخدمناها في الفشل السابق، بل ونكرس أدوات الفشل لتنتج فشلاً أكبر على مستوى القضية، ربما يحسب على أنه مكسب وربح للحزب والأفراد، ولكنه قطعاً يشكل فشلاً للمواطن والقضية.
إن هذا الوضع القائم يدعو للتأمل والتفكير في الحلول ولعل أولها هو التخلص من الأدوات القديمة التي سأمها الشعب الفلسطيني، والتي فقدت قيمتها وثقتها وأثبتت فشلها في أكثر من منعطف وفي أكثر من مناسبة، وإن كان تغيير الوسائل برمتها قد يمثل شيئاً خيالياً وطرح غير واقعي، فإننا على الأقل لابد أن نفكر في رؤية تدعم التغيير وتقودنا نحو إصلاح ما يمكن إصلاحه، ووجب هنا أن نحصر الخيارات التي أمامنا كشعب وكمواطنين ونختار أفضلها، ولا نعطي للأشخاص قيمة كبيرة بالنظر الى ما يطرحونه.

إذا قمنا بتعديد الخيارات المطروحة أمام الشعب الفلسطيني في الوقت الحالي فانها كلها تؤدي الى طرق مسدودة والى تكريس الانقسام وتكريس المعاناة، وذلك بالنظر الى حالتي السلطة في قطاع غزة والضفة الغربية كل على حداً، غير أن وفي خضم هذه الحالة من الفشل المستمر والخيارات الغير مجدية والفاقدة الثقة يبرز خيار وتيار إصلاحي قد يشكل أملاً للخروج بالقضية وبالشعب الفلسطيني من هذا النفق المظلم، ويسلط الضوء على شخص قد يمثل في أطروحاته الوطنية وأفكاره الإصلاحية حلاً، غير أن هذا الحل أريد له أن يكون مبعداً لأنه يمثل سقوط عروش وأجندات، ويشكل نهوض شعب تستفيد الخيارات الحالية من معاناته وتتاجر بأزماته.
إن من أبرز سمات هذا الخيار المبعد أنه ينادي بإصلاح على المستوى الوطني والحركي (حركة فتح)، يتمثل وطنياً في إعادة اللحمة بين شطري الوطن ليس وفق مصالح وأجندات خارجية وتقاسم على مستوى المؤسسات والقرارات المصيرية التي تخص الشعب الفلسطيني في شطري الوطن، وإنما لحمة يشارك فيها كل مكونات الشعب الفلسطيني في اتخاذ القرارات المصيرية التي تخص الحلول المقترحة مع دولة الاحتلال، أو قرار الحرب الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته كافة مكونات الشعب الفلسطيني، وليس مكون واحد، فقرار الحرب لا يتخذ بين عشية وضحاها، ولا يتخذ وفقاً لوقائع وضغوطات على حزب بعينه، ولا يجب أن يتحمل مسؤوليته حزب بعينه، وقرار السلام وإقامة الدولة الفلسطينية لا يتخذه حزب بعينه، ولا شخص بعينه، خاصة وإن أثبت هذا الشخص فشله على مدى عقدين من الزمن، إن هذا الخيار ينادي بانتخابات نزيهة وشفافة ينتج عنها مشاركة في المسؤولية وبناء للمؤسسات والتخلي عن قيادة الحزب والشخص، في أطروحة جديدة لم تمر على الشعب الفلسطيني طوال السنوات الماضية، ولا يمكن لأي مواطن فلسطيني سوي أن يرفضها.

لقد جاء ابعاد القائد الفلسطيني البارز محمد دحلان في ظروف غامضة ومجهولة وبمبررات لا ترقى لأن تكون تافهة، وكان أمر ابعاده مهماً جداً لدرجة دفعت رئيس السلطة الفلسطينية لأن يتلفظ بالأكاذيب على الهواء وفي اجتماعات رسمية ليبرر ابعاد محمد دحلان، وكان أبرزها اتهامه له بالتواطؤ في اغتيال صلاح شحادة القيادي في حركة حماس، والتي نفاها كل من محمد دحلان وحركة حماس نفسها!، وما لحقها من اتهامات عديدة مرسلة لا تليق بأن يتلفظ بها إعلامي أو سياسي مبتدئ ناهيك أن تصدر عن رئيس السلطة الفلسطينية!، ربما وجد محمود عباس في محمد دحلان شخصية قوية كاريزمية تزلزل عرشه وتفتح باب التغيير لسياساته المدمرة الخالية من أي انجاز على المستوى الوطني أو المعيشي، ربما وجد في أفكاره وأطروحاته الإصلاحية خطراً يداهم مصالحه الشخصية ومصالح واستثمارات أبناءه والجوقة الحاكمة وتنابلة السلطان ممن يحيطون به، ربما وجد في أطروحاته أيضاً مشاركة وطنية قد تأتي بما لا تنص عليه الأجندة الإسرائيلية البحتة التي يحملها، فأن يقوم رئيس السلطة الفلسطينية المتسلط بخسارة الجهات العربية الداعمة للقضية الفلسطينية على مدى تاريخها مثل السعودية ومصر والأردن في سبيل رفضه لمصالحة مع محمد دحلان والارتماء في أحضان إسرائيل خير دليل على أن الرجل يفضل إسرائيل عن العرب طالما يتعلق الأمر بمحمد دحلان!، فالمشروع الذي يحمله محمد دحلان هنا يحظى بدعم دولي وعربي وبالقطع فانه لا يحظى بدعم إسرائيل التي ترى في الوضع الحالي والوجوه الحالية وضعاً مثالياً لقضية تتفتت بمضي الوقت بفعل أدوات ذاتية التدمير.

إنني حينما أؤيد محمد دحلان، فأنا لا أؤيد محمد دحلان كشخص، وإنما أنظر اليه كأطروحة وكحل وكإصلاح، وهكذا يجب أن يكون الحال بكل مواطن تأذى من الانقسام، وبكل مواطن يحمل هم قضيته ويخاف عليها من الضياع والاندثار، وانني حينما أؤيد شخصية محمد دحلان القيادية فإنني أنظر إليه على أنه الشخص الوحيد الذي يسمح له تاريخه ووطنيته ومدى تأثيره بقيادة سفينة النجاة التي تحمل هذا الشعب وهذه القضية.
لقد اختلف واتفق الكثيرون على محمد دحلان، وكان محل كثير من الجدال والنقاش، غير أنني لم أجد طرحاً منطقياً واحداً لأولئك الذين يخالفونه، حتى الذين يعارضون محمد دحلان لا يستطيعون أن يعارضوا أطروحاته ونظرته الوطنية، وانما يعارضون شخصاً، وصرت بفعل البديهة أعرف أن من يعارض محمد دحلان إما يعارضه خوفاً على مصدر رزقه، أو أنه يعارضه لأنه أملي عليه أن يعارضه، ولا زلت أبحث عن من يطعن في هذا الشخص الذي يمثل حلاً مبعداً ويقدم ولو دليلاً منطقياً واحداً يدعونا للتوقف عن دعمه.

م:محمد سميح خلف