المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إصدار ترجمتي للرواية الفارسية الشهيرة (چشمهایش) [عيناها] للروائي الإيراني بزرگ علوی



أحمد موسى (المغربي)
19/09/2017, 12:35 PM
احتفت مؤسسة عبد الواحد القادري بمدينة الجديدة في المغرب أخيرا، بترجمة الدكتور أحمد موسى، وهو أستاذ متخصص في اللغة الفارسية وآدابها والأدب المقارن بجامعة شعيب الدكالي بالمدينة نفسها، احتفت بترجمته للرواية الإيرانية "چشمهایش"، "عيناها"، للروائي الإيراني المعاصر "بزرگ علوی"، بحضور العديد من الأساتذة والنقاد والطلبة ومحبي الأدب والشعر والرواية من مثقفي المدينة.
وشهد حفل تقديم الرواية الإيرانية، الصادرة أخيرا في طبعة عربية عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" بالكويت تحت عدد 402 سنة 2014، مداخلات أساتذة وأدباء تناولت تحليل الرواية، والاحتفاء بمترجمها، أحمد موسى، مثل عز العرب إدريسي أزمي، وحسن مسكين، وعبد الجبار لند، ورضوان خديد، وعبد الدين حمروش، وعبد العزيز بنار

رواية "عيناها"بترجمتها الساحرة نص متكامل بنهاية مدهشة وهندسة معمارية مرتبة عبر متواليات متتابعة، رواية سليلة الحياة مثلما هو الحب والسياسة، ترتدي لبوسا أنثويا آتيا إلينا من عالم أخر، من ثقافة فارسية شرقية غنية .رواية سالبة تأخذك إلى إيران بمدنه وأزقته وطبقاته وأذواقه ،وتسحبك منه إلى عواصم غربية يمتجن فيها وعي الشخصيات،تسافر بك في كل الاتجاهات ثم توقظك من غفوتك ورحلتك في سيرة وطن ومستقبل مختلف عن حاضر حكم الشاه عبر أصوات سردية مختلفة ،صوت الوكيل ناظر المدرسة،صوت فرنكيس،ماكان الرسام،أو خداداد الشاب اليساري ....إنها ذلك النص المنغرس في العشق والتعلق ووضع الحياة على نار ومخاطر السياسة.إنها النص المتجدد الذي يستميل ليوسع دائرة قرائه الذين يكتشوفون في النهاية المحزنة للمرأة المجهولة المعذبة الروح أنهم بصدد رواية لليسار السياسي القادم من أوروبا إلى إيران ضدا على استبداد حكم رضا الشاه.
شخصيات مجتمع رواية عيناها غير فاقدة للبوصلة،تبحث في عالم تفرخ فيه الأحداث والسياقات عما يعيد للنفس انسحاقها وتفككها ووسط مجتمع ينمو ويسير بسرعتين.سرعة النظام وسرعة أنصار النهضة.تعمل الرواية على تبئير شخصيات بعينها شهدت حياتها تقلبا ومصيرا مجهولا في كرونوتوب الخوف. "عيناها"هو عنوان آخر لوحة رسمها ماكان " في منفاه ببلدة كلات. عينان تخفيان سرا وتثيران فضولا. عنوان الرواية من صنف العناوين الخبرية، يؤشر على أن الرواية ستستوحي مادة حكائية من عيون امرأة." إن صاحبة الصورة لم يعد لها وجود في العالم الخاجي وإن عينيها تركتا في ذاكرته أثرا خالدا..."ص.23
عينان ساحرتان ومسحورتان. عينان مجللتان بالبهاء والسحر والإغراء ومفعمتان بالبوح والحزن والبكاء.ولم تكن تلك العينان إلا ما تبقى لماكان في قاعة السينما لأن ظروف اللقاء والتوجس والخوف والحذر لم تتح رؤية وجهها كاملا وواضحا. العينان مصدر الحكي وينبوعه،مصدر لاحتماء الأستاذ من نار السياسة ،مصدر إلهام وسحر تقول فرنكيس متحدثة عن خطيبة خداداد،"عيناها كعيني غزال"ص131 ،كما أنها مصدر كسب للخادم "اقا رجب و الوكيل" ،تحيل على الجواسيس الذين يملؤون أحياء إيران والسجون و العواصم الأوروبية، وتبقى أقرب الدلالات هي تلك التي يقدمها محكي الرواية في حوار بين البطلة فرنكيس والرسام ماكان:- هل حقا تريد أن ترسم وجهي؟/- كنت أرغب كثيرا لو أني أستطيع رسم وجهك./- إذن سترسمه؟/- وهل أستطيع؟/- لماذا لا تستطيع؟/- أنا أخاف من عينيك لأن لهما سلطة علي/- أنا لا أخاف منك .( ص 214)
فأي لوعة تودعها العينان في قلب "ماكان" وفي عيون الرجال الذين وقعوا أسرى جمال "فرنكيس"؟ ينبثق فعل السرد في الرواية ،التي تعرض لمسار حيوات أبطالها في زمن حكم رضا الشاه،بصوت الوكيل ناظر مدرسة الفنون.هذا الصوت لا يكتمل إلا بصوت المرأة المجهولة التي ظل يبحث عن حقيقتها طيلة أحداث الرواية والتي تأتي حكاياتها كاشفة لذلك النقص الذي يغذي جهله بما جرى في تلك الفترة بعد مرور عشرين سنة على وفاة الأستاذ الرسام ماكان في كانون الأول 1938، مما يجعل القارئ يشعر بأن الرواية تستدرجه نحو لعبة سرد يتبادل فيها الرواي والبطلة فرنكيس على رواية القصة الكاملة لحياة الأستاذ "ماكان" ومن كان يحيط به من مواليه أوخصومه.انها لعبة يتحول فيها الراوي إلى مروي له والقارئ إلى شاهد تتخلق أمامه الأحداث وكأننا بصدد رواية تسجيلية أو توثيقية ترصد احداثها عين واصفة لا تخطئ وصف الأمكنة والأهواء،بل تنقل بأمانة ما تعيشه وعاشته في تداخل عجيب.في ظل أجواء الخوف والاستبداد والملاحقات والسجن توفي الاستاذ ماكان رسام ايران العظيم،الملتزم،الذي وهب فنه لالتقاط معاناة الناس، لقيت أعماله ترحيبا وتقديرا شعبيا حتى من طرف خصومه الذين أزعجهم وجوده .اختفى في ظروف غامضة فتضاربت الاراء حول سبب وفاته، فلوحة "عيناها" التي تحمل مفتاح كل ألغاز القصة.ومعرفة حكايتها ستدفع السارد إلى النبش في تاريخ وضروب الحياة في عهد رضا الشاه. كانت عين الفنان وعيناها شاهدة على زمنها ،عينان عذبت رسامها مثلما عذبت العقيد أرام وشباب وأعيان ايران وطلاب باريس والشاب الايطالي دوناتللوا الذي انتهت بالانتحار في بحيرة "bois de boulogne".
لم يرسم "ماكان" صورا لشخصيات معروفة ،بل صورا، منها لوحة "البيوت الريفية" للفقراء و وأخرى لخادمه آقا رجب الذي كان يعرف وحده حقيقة استاذه ماكان. ترد الرواية في قالب مذكرات ويوميات يعيد ترتيبها وكيل المدرسة وطالب ماكان الذي جعل من لوحة عيناها وحكاية الأستاذ ماكان جسرا لمعرفة تاريخ إيران بتناقضاته وعلاقاته الخارجية.كان بالإمكان أن تنتهي الرواية في حدود أقصاها الصفحة 67 لكن رهانا فنيا جعل الحكاية تطول، يتناوب على تقديميها راويان ،ناظر المدرسة وفرنكيس . رواية "عيناها" الملاى بالحكمة ونموذجا للرواية تمجد الفن وتعلي من التشكيل وتخلد صورة فرنكيس كنموذج للمرأة الإيرانية المناضلة التي تفيض حنانا ووفاء وصدقا وتبرز دور طلاب ايران بالخارخ في تحرير بلدهم وتخليصه من أشكال الزيف والتزوير و الظلم عبر تنظيم وتخطيط استدعى بنية روائية شديدة الإحكام ،تستحضر كرونوتوب الخوف وتعدد الخطابات من شعر وأغاني وتقنيات سينمائية وتكنيك روائي يجعل من الحكاية والحكي شكلا من أشكال مقاومة الاستبداد والمرارة والموت والنسيان الذي يجعل التاريخ الإيراني غير معزول عن عن تاريخ الحضارات الأخرى،حيث تغدو الأمكنة والعواصم الأوروبية رمزية ،دالة بدمقراطيتها وفنونها وفكرها على الانفتاح والحرية مقارنة بأفضية مجتمع الرواية وجوها الخانق المقلق المضجر

.د:عبد العزيز بنار
الملحق الثقافي للجريدة الاتحاد الاشتراكي،عدد4/5 يونيو 2016