المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إسرائيل الكبـرى



عمرو زكريا خليل
16/05/2007, 12:52 PM
ما هو مفهوم إسرائيل الكبرى

بعد حرب1967 بفترة قصيرة، بدأت التحركات السياسية التي تهدف إلى تكوين معسكر يضم الاتجاهات الرافضة لتقديم تنازلات إقليمية. وقامت التيارات الثلاثة التي كانت تؤيد وحدة ضفتي الأردن بعد حرب1967- وهى التيار المنبثق عن حركة العمل، والتيار الديني، والتيار المنبثق عن حركة "حيروت"- بنشر مواقفها المبدئية في منشورات علنية بعد انتهاء الحرب بفترة قصيرة نسبياً. كان المنشور الأول تحت عنوان "من أجل أرض إسرائيل الكاملة"، وقد صدر عن حركة "أرض إسرائيل الكاملة" التي كانت الغالبية العظمى من مؤسسيها- وهم أدباء وشعراء من الصف الأول- من أعضاء حركة العمل الصهيوني. وكان المنشور الثاني تحت عنوان "لا تخشوا!!"، وقد صدر عن "رتسيا" ابن الحاخام "كوك". وكان الثالث تحت عنوان "إعلان حقوق الشعب اليهودي في الحرية والأمن والسلام في وطنه"، وقد صدر عن "مناحم بيجين" بعد أن أقره مؤتمر حركة "حيروت". وكانت هذه المنشورات بمثابة الوثائق الأيديولوجية الرئيسية التي تعبر عن عقائد وآراء ورموز وأساطير مرتبطة بنتائج الحرب. وقد تم تحريرها بالاستعانة بأساليب بلاغية وحجج، حاول كاتبوها إكسابها الشكل المنطقي. وكان لكل منها الأساليب والحجج التي تميزه عن غيره. غير أن استخدام هذه النوعية من الأساليب والحجج كان هو القاسم المشترك الذي يجمع بين هذه المنشورات.

تطرح هذه الوثائق الرئيسية مبادىء عقائدية، ذات صلة بالعقيدة الدينية. ولهذا فإنها كانت تعبر أيضاً عن الأيديولوجية الأصولية، بينما لم تتناول الجانب العملي- المتعلق بكيفية تنفيذ المبادىء الواردة فيها- بأي طريقة من الطرق. وهو ما يدل على أن الفكر السياسي المتشدد الذي عبرت عنه هذه الوثائق هو فكر أصولي يأتي لمجرد التعبير عن الإرادة ولا يمكن استخدامه كأداة لتحقيقها. وقد كان لهذا الفكر مكانه أيضاً في التعبير عن الموقف الأصولي، سواء من الناحية البلاغية أو من الناحية العقلانية.

بالنسبة للترتيب الزمني للصدور، كان المنشور الصادر تحت عنوان "لا تخشوا" هو أول منشور صدر من هذه المنشورات. وكان مؤرخاً بتاريخ 14أيلول5727[1] (حيث امتنع كاتبه عن استخدام التقويم الأجنبي). وكان ثاني منشور صدر هو المنشور الذي يحمل عنوان "من أجل أرض إسرائيل الكاملة". وقد نشر بعده بثلاثة أيام بتاريخ 22سبتمبر1967، غير أن إعداده استغرق نحو شهرين، توجه خلالهما محرروه إلى "رتسيا"، وناشدوه أن يوقع على هذا "النداء" تمهيداً لنشره في وسائل الإعلام. ولكنه رفض هذا، حيث أنه لم يكن يوافق على تحديد حدود أرض إسرائيل، نظراً لأن هذا التحديد لم يكن يتضمن المطالبة بكافة المساحة التي تشملها الأرض الموعودة. وكان رأيه أن الاعتراف- الذي يظهر من صياغة المنشور- بأن أرض إسرائيل الكاملة أصبحت تحت سيطرة الشعب اليهودي هو اعتراف كاذب تماماً. وقد رد على من كتبوا هذا "النداء" بنشر منشوره تحت عنوان "لا تخشوا!!" وهكذا يمكن القول أن أول ما كُتب في هذا الصدد كان من الناحية الفعلية منشور "من أجل أرض إسرائيل الكاملة"، بينما جاء المنشوران الأخيران رداً على نشره الوشيك، وعلى ما ورد فيه. وقد كتب "بيجين" "إعلان الحقوق" تمهيداً لانعقاد مؤتمر حركة "حيروت" في المدينة القديمة بالقدس، بمنسبة مرور عام على "حرب الخلاص"، وهو الاسم الذي كان يطلقه على حرب1967. ولم يتضمن هذا المنشور أي حديث مباشر عن حركة "أرض إسرائيل الكاملة"، ولكن تشكيل هذه الحركة وأنشطتها كانتا هما الخلفية التي في ظلها انعقد مؤتمر حركة "حيروت" وألقى "بيجين" خطابه، في محاولة لتحقيق كسب سياسي من وراء نشاط هذه الحركة، التي لم تكن قد حددت لنفسها توجهاً حزبياً واضحاً بعد. وليس من الممكن فهم نشر "إعلان الحقوق"- الذي نشره "بيجين" في مناسبة علنية، والذي يتضمن ما يكاد يكون ادعاء بنشر إعلان استقلال ثان، مستمداً سلطة نشره من الحديث باسم التاريخ والتمسك المستمر بأيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة- بدون أن نرى في خلفية ذلك الأمر منشور "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" وتفسيره السياسي، الذي يمكن أن يعرض للخطر المكاسب السياسية التي حققتها الأيديولوجية اليمينية، وبصفة خاصة في الوقت الذي أصبحت تعتبر فيه ملائمة للواقع وللفرصة التاريخية وللاحتياجات القومية، وأصبحت تحظى بشرعية واسعة النطاق.

تم نشر المنشور الذي كان عنوانه "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" كإعلان في الصحف. وقد شارك "موشيه شامير" مشاركة فعالة في صياغة هذا المنشور ووصفه بقوله "هذه السطور.. هي تجربة جماعية قومية، تعبر عن الشعور بأن هذه لحظات عظيمة، وتعبر عن ذلك الشعور الغامض الذي تدرك مسبقاً أنك لن تستطيع أبداً أن تعبر عنه أصدق تعبير". إن "شامير"- وهو كاتب وصحفي ذائع الصيت- يشهد بأن التجربة القومية كانت قوية التأثير إلى الحد الذي جعله هو شخصياً غير قادر على التعبير عنها تعبيراً صادقاً بكلماته. يظهر تأثير هذه التجربة القوية بين سطور المنشور، كما يظهر كسمة مميزة في صياغة المنشورات الثلاثة على حد سواء. صدر المنشور الأول عن "رتسيا" ووزعه تلاميذه في حماس شديد، وأخطروا بمضمونه وزراء الحزب الديني القومي "المفدال"، باعتباره فتوى شرعية فعلية، من المفترض أن تحدد لهم توجههم السياسي داخل الحكومة الإسرائيلية. إذ أنه لو لم يحدث هذا فسوف يحاسبهم الرب القدوس تبارك حساباً عسيراً عن المهانة التي تعرض لها بيته، حسبما ورد في صدر المنشور في تفسير تعبير "نور الحياة" التوراتي. وعلى ضوء المواقف التي اتخذها زعماء "المفدال" في ذلك الوقت، وعلى ضوء الكلمات شديدة اللهجة التي قالها طلبة الحاخام "رتسيا" في لفائهم معهم، لا شك أنه لم يكن هناك اتفاق في الرأي بينهم وبين هؤلاء الشباب المتحمسين فيما يتعلق بمغزى الفتوى الصادرة عن حاخامهم. فقد زال المغزى المسيحانى قليلاً عن تجربة حرب والانتصار بعد مرور فترة معينة على نهايتها.

كان نشر "إعلان الحقوق" الذي أصدره "مناحم بيجين" بشكل خاص مصحوباً بتجربة شعورية عميقة وقوية للغاية. فقد نشر الإعلان في مناسبة علنية، ومن خلال مراسم أثارت حمية شديدة في قلوب كل من شاركوا في هذه المناسبة، مما أضفى على نشر الإعلان جواً جعله أشبه بحدث تاريخي مجيد. ففي الساحة التي جرى إعدادها خصيصاً لهذا الهدف في القدس القديمة تجمعت كوادر المؤتمر العام لحركة "حيروت" ومعهم جمهور كبير من أنصار الحركة. وبمناسبة أول حديث علني يصدر عن "مناحم بيجين" كعضو في الحكومة في افتتاح مؤتمر الحركة، وبحضور رئيس الدولة وبعض الوزراء وكبار رجال الدين، أجرى "بيجين" حساباً تاريخياً مع أعداء الشعب اليهودي منذ عصر "تيتوس"[2] و"أدريانوس"[3] وحتى حرب1967. وفى نهاية خطابه قرأ "إعلان الحقوق" واستقبلته الجماهير بهتافات عاصفة. وهكذا جعل "بيجين" هذا الاحتفال، والذي وصل إلى ذروته بتلاوة "إعلان الحقوق"، بمثابة علامة واضحة في حروب اليهود ضد أعدائهم. لقد اكتسى الانتصار في حرب1967 أبعاداً تتخطى حدود الزمان، فقد كان هناك طريق مليء بالدم والدموع، والدمار والنكبات والتمرد والحروب، يمتد من الماضي البعيد إلى الحاضر (لم تكن الدواعي البلاغية وحدها هي التي دعت "بيجين" إلى إلقاء جزء من خطابه باللاتينية، وهى لغة لم يكن الجمهور الذي يستمع إليه يفهمها على الإطلاق، فقد قام باستخدام هذه اللغة في تصفية الحساب مع الإمبراطورية الرومانية، استناداً إلى مقتطفات أوردها من كتابات "تكيتوس"[4]). لقد وصل الطريق الطويل- الذي يختلط فيه الماضي بالحاضر بشكل يمنع وجود ترتيب زمني للأحداث- أخيراً إلى نقطة حقق فيها اليهود انتصاراً. وكان التعبير الصارخ عن هذا الانتصار هو الاحتفال الذي نشر فيه "إعلان الحقوق". وبهذه الطريقة أدى مضمون الوثيقة والأسلوب البلاغي الذي كتبت به- فضلاً عن الجانب الشعوري والربط بين الماضي والحاضر- إلى إضفاء طابع تاريخي على الحدث، جعل وزنه مساوياً لإعلان قيام الدولة الذي أصدره "دافيد بن جوريون".

برز في المنشورات الثلاثة سالفة الذكر الوعي بالواجب الملقى على عاتق الجيل فيما يتعلق بالاستيلاء على هذه الأرض، وإرساء سلطة الشعب اليهودي فيها على أساس أيديولوجية أصولية، وكان هذا الوعي مصحوباً بوعي تاريخي يؤثر في اتجاه سير المستقبل، وكان مصحوباً بالحديث عن أربعة عناصر، وهى: الحدود الآمنة وفرص السلام وضمان منع حدوث نكبة أخرى و"آفاق تنامي القوة القومية". دعت الوثائق الثلاث إلى الاستيطان في هذه الأرض. ودعت اثنتان منها أيضاً- وهما "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" و"إعلان الحقوق"- إلى تنظيم هجرة جماعية على نطاق واسع إلى البلاد، وأعربتا عن ثقتهما في أن الهجرة الجماعية ستكفل الحفاظ على وحدة أراضى البلاد.

وكانت وثيقتان من هذه الوثائق- وهما "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" و"لا تخشوا"- بمثابة نقض وإنكار للسلطة المكفولة للحكومة في الإعلان عن أي تغيير في الوضع الإقليمي الذي نشأ بعد الحرب. وقد قررت حركة أرض إسرائيل الكاملة أنه ليس من سلطة الحكومة التنازل عن وحدة أراضى البلاد، وأفتى زعيمها الديني بأن مثل هذا الإجراء، في حالة صدوره عن الحكومة، لن يكون شرعياً، وبأنه يجب على كل إنسان ينتمي للشعب اليهودي ويجب على كل عسكري في إسرائيل العمل "من أجل منع تسليم أي مساحة من أراضينا للأمميين". كانت مسألة عدم شرعية تغيير الوضع الإقليمي الذي نشأ مسألة مبدأ بالنسبة لحركة "أرض إسرائيل الكاملة". ووفقاً للمنشور الصادر عنها فإن الواجب الملقى على عاتق الحكومة هو واجب أخلاقي، "تجاه ماضي الشعب ونحو مستقبله". ووفقاً للفتوى الصادرة عن الزعيم الديني للجماعة فإن عدم الشرعية الذي يشتمل عليه تسليم أي جزء من الأرض للأمميين يتجاوز نطاق المبادىء المجردة وينتقل منه إلى النطاق القانوني الإيجابي ومنه إلى النطاق العملي، ليفرض على الحكومة وعلى الجمهور وعلى رجال الدين وعلى العسكريين واجباً دينياً يدعوهم إلى التصرف، ويدعوهم بالطبع إلى "عدم التفريط". وحسب ما أفتى به فإن أي تصرف تقوم به الحكومة لن يكون سارياً من الناحية القانونية، وسيكون باطلاٍ بطلاناً تاماً من الناحية الشرعية، ومن واجب كل شخص وكل عسكري أن يعمل أيضاً على إلغاء القرار غير الشرعي عملياً، وأن يعمل على عرقلة تنفيذه. ولم يقل الحاخام ما الذي يجب عمله من أجل تحقيق هذا، واكتفى بالوصف المجازى الذي يتحدث عن العمل "بكل شجاعة وجرأة، لتأتينا المساعدة من السماء". إلا أن الشيء الواضح في ظل الواجب الديني الذي يفرض طاعة رجال الدين أنه لم يكن يلقى الكلام على عواهنه. إذ أن من يقبلون سلطة رجل الدين لا يعتبرون أن فتواه التي تفرض عليهم واجب العمل، كانت مجرد لغو أجوف.

وفى مقابل هذين المنشورين، لا يوجد في منشور بيجين نقض مباشر لسلطة الحكومة في اتخاذ القرار ووضع السياسات وتنفيذها. وبعكس ما فعل في حديثه عشية قيام الدولة – الذي قال فيه أن توقيع مؤسسات وأفراد على وثيقة التقسيم ليس ملزماً لشعب إسرائيل- فقد امتنع بعد حرب1967 عن الطعن في سلطة الحكومة نظراً لأنه كان عضواً فيها. ومع ذلك فقد أكد في "إعلان الحقوق" أنه لم يكن هناك أساس قانوني لتقسيم أراضى البلاد. وأن هذا التقسيم كان ثمرة تنكر للحقوق اليهودية، ولذلك فقد حكم عليه مسبقاً بالفشل، إذ أن الحق الأبدي في رأيه يمكنه الصمود في مواجهة الواقع التاريخي. ولم يحدد "بيجين"، في الحقيقة، من الذي تنكر وكيف جرى هذا التنكر. وقد أدى عدم الوضوح في هذه النقطة إلى ترك الباب مفتوحاً لتفسير كلامه على أنه طرح للمزاعم التقليدية التي تطرحها الصهيونية التصحيحية، والتي تفيد بأن بريطانيا قد تنكرت لتعهداتها للشعب اليهودي ولتعهداتها الدولية في خطاب الانتداب. غير أن "بيجين" لم يقل ذلك بصراحة، وترك الباب مفتوحاً أمام تفسير حديثه على المستوى الداخلي، بما يتفق ومواقفه هو والمنظمة العسكرية القومية المنحلة، والذي يرى أن مؤسسات الاستيطان والحركة الصهيونية قد تنكرت لواجبها القومي، لذلك لم تكن موافقتها على تقسيم البلاد عشية قيام الدولة سارية من الناحية القانونية. وإذا قمنا بتحليل هذا الكلام فإنه يعنى أن أي قرار يمكن أن يصدر عن الحكومة الإسرائيلية "بإعادة تقسيم أرض إسرائيل الغربية"- وهى التسمية التي استخدمها بعد حرب1967- لن يكون سارياً من الناحية القانونية. وأياً كان الأمر، فإن هذا التصريح، رغم غموضه، يشتمل على نواة إنكار شرعية فكرة التسوية الإقليمية. ومن ناحية أخرى فإن هذا الغموض جعل الأمور لا تصل إلى حد نقض سلطة الحكومة، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدى إلى صراعات بشأن عدم شرعية التنازل الإقليمي أياً كان حجمه.

عبرت وثيقة واحدة فقط من هذه الوثائق- وهى "من أجل أرض إسرائيل الكاملة"- عن تغيير أيديولوجي طرأ على توجهات بعض من قاموا بصياغتها والتوقيع عليها بعد حرب1967. فقد كان "رتسيا" و "بيجين" من المؤمنين بوحدة ضفتي الأردن حتى قبل اندلاع حرب1967. وبالنسبة لهم، كانت الحرب ونتائجها بمثابة دليل قاطع على أنهم كانوا على حق قبلها، ولم يكونوا في حاجة إلى تغيير مواقفهم السابقة على الإطلاق.

وأصبحت وثيقتان من هذه الوثائق- وهما "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" و"لا تخشوا"- أساساً للأيديولوجية السياسية للتيارات التي تبنتهما. وفى نفس الوقت اكتسب "رتسيا" مكانة كبيرة باعتباره كبير معلمي التيار الديني الذي يؤيد وحدة ضفتي الأردن تأييداً فعالاً، ومن هذا المنطلق تبلور الطابع الديني المسيحانى لتوجهات هذا التيار. وكان تبلور حركة "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" كحركة سياسية مرتبطا بالتعاون مع حزب "جاحال" وإقامة الليكود قبل انتخابات الكنيست الثامن، ثم الانفصال عن الليكود أثناء دورة الكنيست التاسع، في ظل معارضتها لسياسة "بيجين" في فترة ولايته الأولى كرئيس للحكومة.

لم يؤد "إعلان الحقوق" الذي أصدره "بيجين" إلى مزيد من الدعم الجماهيري بعكس الوثيقتين الأخريين. فهذا الإعلان لم يكن يعبر عن تغيير في الأيديولوجية الأصولية، وحتى بعد نشره في مناسبة علنية فإنه لم يصبح مصدراً لاكتسابه تفويضاً أيديولوجياً. فقد ظل "بيجين" يتخذ مواقف محددة حسب الظروف التي يفرضها العصر إلى جانب استمراره في التمسك بتعاليم "جابوتنسكى"، واستمر في تطوير وجهة نظره بشأن "وحدة أراضى الوطن" من خلال التعامل مع الواقع، والتسليم بالقيود التي تفرضها القدرات المتاحة، وهو ما تجلى في اتفاقية "كامب ديفيد". لم يكن وزن "إعلان الحقوق"- في البرامج السياسية لحزبي "جاحال" و"الليكود"، وفى خطب "بيجين" وسائر قيادات حزبه، وفى الصحف الصادرة عن اليمين الصهيوني- مماثلاً لوزن الوثيقتين الأخريين في البرامج السياسية الصادرة عن الحركات السياسية التي أصدرتهما. وعلى الرغم من هذا فقد كانت هذه الوثيقة تمثل توجهات اليمين الصهيوني بصفة عامة، وتوجهات حركة "جابوتنسكى- بيجين" بشكل خاص، وذلك نظراً للتطورات السياسية الاستراتيجية التي اعتبرتها الحركة مبرراً واضحاً للصراعات التي خاضتها ومصدراً لشرعيتها يضفى الشرعية على تصرفات سابقة للحركة. لقد أدت مشاركة الحركة في الحكومة في فترة الحرب وفى الفترة التالية لها إلى تنامي الشعور بالانتصار، وأضفى على هذا الشعور طابعاً سياسياً. وفى ظل هذه الخلفية، ومن خلال الثقة في استقرار الوضع الإقليمي الجديد، نشأ في حركة "حيروت" اتجاه يعتبر حرب1967 ونتائجها حدثاً يساوى في أهميته قيام الدولة. من الناحية البلاغية يشتمل "إعلان حقوق الشعب اليهودي" على عناصر يمكن أن تؤدى إلى هذا الانطباع، وخاصة عندما يضاف لها بعد ثوري عالمي، يربط بينها وبين الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية.

يضفى العنوان الذي اختاره "رتسيا" لمنشوره على هذا المنشور الطابع الغيبي. فتعبير "لا تخشوا" مأخوذ من سفر العدد، وهى في السياق الموضوعي الذي وردت فيه تأمر القضاة ألا يخشوا من تهديد أي إنسان لأن الحكم للرب. وقد فسر مفسرو الشريعة هذا القول على أنه أمر بعدم الخوف من أي إنسان يمكن أن يضر بالقاضي لأن القاضي يجب أن يفصل في القضايا المعروضة عليه بعد أن يتبين وجه الحقيقة، "ولا يجب أن يهتم بالضرر الذي سيقع عليه من هذا الشخص". وقد استنتجوا من هذا أن الشخص الذي يعرف الحقيقة يجب عليه أن يقولها ولا يجب أن يخاف من اعتراض الآخرين عليها حتى لو كانوا أقوى منه. كانت الرسالة التي نقلها الحاخام، لتلاميذه ولدارسي الدين الآخرين، بهذا العنوان الذي اختار للوثيقة هي ضرورة التمسك بالفتوى التي أصدرها، والتي وردت في الوثيقة المذكورة والتي تحظر تماماً التنازل ولو عن شبر واحد من الأرض. وحتى لو أفتى كبار علماء التوراة بشرعية التنازلات الإقليمية نظراً لترددهم في هذا الشأن، فإن فتواهم باطلة من الناحية الشرعية، ويجب على كل دارس للدين أن يقول هذا بصراحة، وإن لم يفعل هذا يكون قد خالف تعليمات الشريعة التي تقضى بألا تخشوا من أحد. ولا يشير المنشور على الإطلاق إلى السياق الذي ورد فيه هذا التعبير. وبعد اثني عشر عاماً من هذا نشر نفس الحاخام منشوراً تحت عنوان "احتجاج ودعوة إلى التوبة"، قرر فيه أن الحاخام "اليعازر مناحم شاخ"، رئيس مدرسة "بونيبيدج" الدينية الشاملة الكائنة في "بنى باراك" وزعيم المدارس الدينية اللتوانية، يستحق النبذ إلى حد بعيد بسبب التجديف في حق الرب وتدنيس اسمه، لأنه قال "إن شعب إسرائيل قد عاش في الشتات لمدة ألفى عام بدون دولة وبدون أرض، وصمد، ويمكنه أن يستمر في الحياة بهذه الطريقة. وأن دراسة التوراة وليس الأرض هي التي ستؤدى إلى خلاص شعب إسرائيل". ومن الناحية العملية فقد كان أنصار "رتسيا" وتلاميذه يرون أن حاخامهم كان يتوقع رأى الحاخام "شاخ"، وأن النية في المنشور الذي أصدره كانت تتجه بوضوح إلى مهاجمة "شاخ"، وذلك في الفقرة التي تتحدث عن "تردد دارسي الدين".

أما عنوان منشور "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" الذي يبدو عنواناً ساذجاً فهو في حاجة إلى تفسير. فتعبير "من أجل" في اللغة العبرية له معاني عديدة. وبالتالي فإن من الممكن تفسيره على أوجه عديدة بما يتفق مع هذه المعاني. يرتبط أول هذه المعاني بالهدف كأن نقول أن (أ) موجود من أجل تحقيق أو خلق أو إيجاد أو إلغاء (ب). وأما الثاني فيرتبط بالناحية الأخلاقية أو القانونية كأن نقول أن (أ) موجود من أجل (ب) بمعنى أنه كرس نفسه له. وأما الثالث فيرتبط بالعلاقة السببية كأن نقول أن (أ) هو السبب لـ (ب). ويرتبط معنى تعبير "من أجل" في المنشور المذكور بالهدف، وهو ما يعنى أنه بهدف الحفاظ على أرض إسرائيل الكاملة، يتوجه الذين وقعوا هذا النداء إلى الجمهور وإلى قياداته ليعرضوا عليه الملامح الأساسية التي تحدد ما يؤمنوا به. وبالطبع فإن هذا العنوان يعكس التوجه الاشتراكي لمن قام بصياغة المنشور. ومن الناحية العملية يوجد هنا استخدام متزلف للتوجه البرجماتى الذي يعبر عنه تعبير "من أجل" عند استخدامه في مجال وضع الخطط. ونظراً لأن جمهور المتلقين من المؤمنين بالبرجماتية، فإن من صاغ المنشور يتوجه إليهم بتعبيرات تثير انطباعاً بمواصلة السير في نفس الطريق التاريخي وليس بالاتجاه إلى التغيير. ولكن من يطالع مضمون هذا المنشور سيجد فيه بسرعة تغييراً جوهرياً في توجهات الدولة، وفى العلاقة بينها وبين الأرض، وفى سلطة المؤسسات النيابية وفى مكانة النظام الديمقراطي. أضف إلى هذا أن الشيء الذي كان يبدو ظاهرياً وكأنه مبادىء أساسية لخطة عملية ظهر أنه كان تعبيراً عن أيديولوجية أصولية وعن توسع إقليمي. وهذا العنوان- مثله في ذلك مثل باقي المنشور كله- يكشف عن تظاهر بالسذاجة أكثر من تعبيره عن سذاجة حقيقية.

الوثائق الأساسية الصادرة عن التيارات الثلاثة

من أجل أرض إسرائيل الكاملة

أدى انتصار الجيش الإسرائيلى فى حرب 1967 إلى دخول الشعب والدولة فى مرحلة جديدة ومصيرية. فقد أصبحت أرض إسرائيل الآن فى أيدى الشعب اليهودى، وكما أن التنازل عن دولة إسرائيل ليس من سلطتنا فإن من الواجب علينا أن نحافظ على ما أعطته لنا الدولة، وهو أرض إسرائيل.

إن ماضى الشعب اليهودى ومستقبله على حد سواء يدعوانا إلى الالتزام بالولاء لوحدة أراضى بلادنا، وليس من حق أى حكومة فى إسرائيل أن تتنازل عن هذه الوحدة. إن حدود بلادنا الآن هى ضمان للأمن والسلام، كما أنها تمثل آفاقاً لم يسبق أن كانت لدينا لتحقيق التنامى الشامل للقوة الوطنية، سواء مادياً أو معنوياً. وسوف تكون الحرية والمساواة- وهما أساس دولة إسرائيل- من حق كافة المواطنين داخل هذه الحدود دون تمييز.

وسوف نبنى مستقبلنا بالاعتماد على الهجرة وتوطين البلاد. إن هجرة الشعب اليهودى من كافة طوائف الشتات على نطاق واسع هى شرط أساسى للحفاظ على وحدة أرض إسرائيل وطابعها القومى. وسوف نجعل من المهام والإمكانيات التى يتضمنها هذا العصر الجديد دافعاً لصحوة شعب إسرائيل وأرض إسرائيل ودافعاً للحفاظ عليهما.

وسيعمل الموقعون أدناه على تحقيق المبادىء الواردة فى هذه الوثيقة، وهم يعتبرون أن الدور الأساسى لهم فى هذا التوقيت هو تعبئة الجمهور لتحقيق هذا الهدف وتحديد الوسائل والآليات اللازمة لتحقيقه.



لا تخـــشوا!!!

أ - "سوف يتعرض كافة زعماء إسرائيل للحساب إذا تسببوا فى عرقلة إقامة الوطن المقدس الذى منحه الرب لشعبه، وسوف يحاسبهم الرب عن تعرض بيته للمهانة."[i]

ب - إن الخطيئة والجرم المتمثلان فى تسليم أراض لغير اليهود يعدان بمثابة ضعف يعبر عن ضعف العقل والإيمان وليس أكثر، وهذا ليس فى صالح بنى إسرائيل[ii] ولكنه يسبب لهم الضرر والإخفاق- وقانا الرب منهما- كما يتسبب فى اضطهادهم وتعريضهم للخطر- حفظنا الرب- ويسبب لهم أيضاً الخزى والعار.

ج - لا يوجد أى سبب يدعو لإباحة تسليم الأرض لغير اليهود- حاشا لله- فقد حرمت التوراة هذا الأمر، وهذا التحريم نهائى وقاطع، وعلى هذا فإن العمل على منع وعرقلة هذا الأمر بكل شجاعة وجرأة هو فريضة، على كل إنسان فى إسرائيل وعلى كل رجل دين فى إسرائيل وعلى كل عسكرى فى إسرائيل، وسوف يعينه الرب على هذا.

د - وبالنسبة للفريضة الجماعية المفروضة على عموم بنى إسرائيل بشأن الحفاظ على سيطرتنا على أرضنا وإرث آبائنا بالكامل، فإنه لا يوجد أى محل للتهرب من هذه الفريضة بدعوى الانتماء لأى اتجاه، سواء كان أتباعه من الملتزمين أو من غير النلتزمين بالشريعة. فحتى قبل ظهور الحركة الصهيونية، وفى الفترة السابقة عليها أيضاً، وهى فترة أحباء صهيون، التى ظهر فيها كثير من كبار رجال الدين المتميزين وظهر إلى جانبهم أبضاً كثير من غير الملتزمين فى آرائهم ومعتقداتهم وأساليب معيشتهم، لم يكن هؤلاء سبباً فى تحفظ رجال الدين على تنفيذ فرائض الشريعة، وحتى فى هذه الفترة، كان السعى إلى بعثة شعب الرب والسعى إلى استعادة إرثه فريضة.

هـ - ولهذا السبب فإن كل ما يمكن أن يجرى فى هذا الصدد- بما يتعارض مع صحيح توراة بنى إسرائيل ومع أمن بنى إسرائيل، سواء نتيجة لعدم وضوح الرؤية لدى رجال السياسة أو نتيجة لتردد رجال الدين- سيكون باطلاً ولاغياً إلى الأبد، ولن تكون له أى قيمة قانونية أو واقعية، حيث ورد فى التلمود أن عبادى لا يجب أن يفعلوا ما نهوا عنه وإن فعلوه فلن يفلحوا، ولتكن جيوش الرب معنا وليرعانا الرب إله يعقوب.

إعلان حقوق الشعب اليهودى فى الحرية والأمن والسلام فى وطنه

أ - إن حق الشعب اليهودى فى أرض إسرائيل التاريخية الموحدة هو حق خالد لايمكن لأحد الاعتراض عليه. فقد أقام شعبنا مملكته فى هذه الأرض، وفيها تعبد بما يتفق مع عقيدته، وأبدع ثقافته، وأفرز نبوءات أنبيائه التى أضاءت الطريق لشعوب عديدة من قديم الأزل وحتى يومنا هذا. ونظراً لكون العبرانيين دعاة الحرية وحاملى رايتها فقد واجهوا أعداء أقوى منهم، وعارضوا القمع وثاروا على الاستعباد، ولم يستسلموا لهذه الأمور أبداً. وكما كان حبهم لوطنهم شديداً فقد كان التفانى والبطولة اللذان كشفوا عنهما فى دفاعهم عن هذا الوطن وحربهم من أجله شديدين. وقد تغلبت عليهم القوة الغاشمة التى استخدمتها إمبراطورية القمع[iii] منذ 1898عاماً وقمعت ثورتهم منذ1835عاماً[iv]. وبهذه الطريقة سقطت مملكة يهودا[v] ودُمِّر الهيكل الذى كان يمثل روح الأمة وهدمت مسادا[vi] وسقط المعبد، وعندئذ نزح شعبنا من أرضه وتشتت بين الأمميين.

ب - منذ ابتعد الشعب اليهودى عن أرضه تعرض للاضطهاد، والاختراق والإذلال والطرد والترحال والمذابح. ولم ينس أرضه المقدسة له على مر التاريخ والأجيال ولو ليوم واحد. كانت أرواح أبنائه من كافة بقاع الأرض متمسكة بأرض آبائه فى كافة العصور. ولا يوجد أى نظير فى التاريخ الإنسانى لمثل هذا الشعب فى الحفاظ على قسم الولاء لوطنه رغم أن الابتعاد عنه كان مفروضاً عليه.

ج - لقد اعترفت شعوب أخرى بحق شعبنا فى إرث آبائه عندما قررت وجود علاقة تاريخية بين الشعب اليهودى وبين أرض إسرائيل. ولم يكن هناك أبداً أى سند قانونى للتقسيمات[vii] التى تعرضت لها أرض إسرائيل. فقد كانت هذه التقسيمات ثمرة مؤامرات استعمارية أو نتيجة لإنكار الحقوق أو العدوان. ولن يكون فى استطاعة أى تقسيم من هذه التقسيمات إسقاط الحق، لأنها تقسيمات عابرة بينما الحق ثابت وأبدى.

د - إنطلاقاً من هذا الحق ذاته، تأتى السيادة الفعلية الرسمية لدولة اليهود الجديدة على أى مساحة من أرض إسرائيل يجرى تحريرها من حكم أجنبى غير شرعى. ومن البديهى أن القانون أيضاً يكفل هذه السيادة.

هـ - لقد تعرض الشعب اليهودى للإبادة فضلاً عن الاضطهاد. وقد تعرض فى كافة الأجيال لسفك الدماء من جانب مبغضيه. وقد تعرض نحو ثلث أبنائه للإبادة بأيدى الألمان فى الجيل الأخير، بينما لم تفعل الشعوب الأخرى فى الشرق والغرب شيئاً –باستثناء قلة قليلة- من أجل وقف حملة الإبادة المنظمة. ولم يتعرض أى شعب لمثل هذه الخسائر البشرية فى أى حرب.

و - إن أعداء دولة اليهود الذين يحيطون بها من كل جانب يسعون إلى إبادة العائدين إلى صهيون الذين نجو من محاولة الإبادة الألمانية. وقد أعلن حكام الدول العربية عن مؤامرتهم هذه فى عام1948 وفى عام1956 وكذلك قبل حرب الخلاص فى مايو ويونيو عام1967. وإزاء هذه الحقائق الثابتة، وإذا وضعنا فى الاعتبار التهديدات المتكررة والأخطار الفعلية، سنجد أن من الضرورى ألا نفصل بين حق شعبنا فى أرض آبائه وبين حقه فى حرية أبنائه وأمنهم وسلامتهم. فكل هذه الحقوق هى شىء واحد لا يتجزأ.

ز - يسعى شعب إسرائيل إلى تحقيق السلام مع الشعوب العربية. ومعنى السلام بعد الحروب هو توقيع معاهدات سلام، لا يمكن التوصل إليها بطبيعة الأمور سوى بواسطة المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية. وبعد دحر العدوان، ومن أجل منع تجدد الخطر الذى يتعرض له وجود الدولة وحياة الأمة، لا يجب أن نفصل بين معاهدات السلام وبين الشروط اللازمة لتحقيق الأمن. وبناء على تجربتنا الوطنية وعلى القانون الدولى فإن هذه الشروط اللازمة لتحقيق الأمن ترتبط باستمرار سيطرتنا على المساحات التى استخدمها أعداؤنا كقواعد للعدوان.

ح - إن الاستيطان اليهودى المكثف فى أراضى يهودا والسامرة وقطاع غزة وهضبة الجولان وسيناء هو أمر ضرورى له الأولوية الأولى من أجل الحفاظ على أمن الأمة.

ط - يؤمن شعب إسرائيل بقدسية مبدأ المساواة بين كافة المواطنين فى الحقوق دون تمييز لأسباب تتعلق بالأصل أو بالعرق أو بالدين. وسوف يحصل المواطن العربى المقيم فى أرض إسرائيل على جنسية دولة اليهود إذا كان يريدها بشرط أن يتعهد بالولاء لها، حيث أن جميع الدول تشترط لمنح الجنسية لأى شخص أن يلتزم بالولاء لها. وسيتم الحفاظ على الأغلبية اليهودية فى أرض إسرائيل- والتى كانت أمنية الحركة الصهيونية من قديم الأزل- عن طريق الهجرة الجماعية التى ستفد إلى البلاد والتى ستزداد باطراد.

ى - بناء على تعاليم حامل لواء فكرة إقامة المؤسسات العبرية الرسمية فى جيلنا "زئيف جابوتنسكى[viii]" سوف ترتكز الحياة فى كافة مجالات سيادتنا وسيطرتنا على أسس الحرية والمساواة والعدالة والقانون.

القاسم الأيديولوجى المشترك

رغم أن إعداد هذه الوثائق تم من خلال منافسة سياسية وموضوعية، ورغم أنها تستقى أفكارها من مصادر روحانية مختلفة عن بعضها، فإن هناك قاسم أيديولوجى مشترك يجمع بينها. وبالإضافة إلى الموقف السياسى المحدد الرافض لأى انسحاب أو تراجع عن الوضع الإقليمى الجديد، فإن هناك تشابه كبير بين الوثائق الثلاث. يتجلى هذا التشابه فى وصف الارتباط بين الأرض والدولة وبينهما وبين الشعب، وفى فهم هذه الوثائق للزمن التاريخى وفى استخدامها لمصطلح "الكاملة" للتعبير عن رفضها للتقسيم وفى استخدامها لأسلوب خطاب يحول الحق إلى واجب، كما يتجلى فى الطابع الدينى للسياسة التى عبرت عنها هذه الوثائق. وفيما يلى السمات المميزة لأيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة فى الفترة التالية على حرب1967 والتى تعتبر هى القاسم الأيديولوجى المشترك بين التيارات الثلاثة.

شعب ودولة وأرض: لقد شغلت العلاقة بين أضلاع هذا المثلث -الذى يمثل كل منها قيمة فى حد ذاته- الدوائر التى شاركت فى الجدل بشأن خطة تقسيم فلسطين تحت الانتداب قبل ثلاثين عاماً من حرب1967. وكان القرار الذى اتخذته الحركة الصهيونية هو أن قيام الدولة له أولوية تفوق أولوية الاحتفاظ بضفتى الأردن بالكامل، وهو ما كان يعنى الاستعداد للاكتفاء بأقل من هذه المساحة من أجل تحقيق هدف الاستقلال السياسى فى جزء من هذه الأرض وإقامة "دولة يهودية فى أرض إسرائيل" حسب نص إعلان قيام الدولة. وبمعنى آخر فإنه نظراً للتطورات الديموغرافية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت والتى كانت متوقعة، كانت قيادات الاستيطان اليهودى فى فلسطين وقيادات الحركة الصهيونية على استعداد لتقاسم هذه الأرض مع العرب من أجل إقامة دولة "يهودية"، أى دولة أغلب مواطنيها يهود وتتمتع بهوية يهودية وبثقافة قومية يهودية. وقد توصل بعض مؤيدى التقسيم فى الثلاثينات إلى هذه النتيجة بسبب الخوف على مصير اليهود فى أوربا. فقد كان دافعهم إلى هذا الموقف هو الرغبة فى إنقاذ الناجين المشردين بعد أن علموا بما حدث ليهود أوربا. كانت القيادات تنظر إلى الدولة إذن على أنها وسيلة وليست غاية، وكانت المناقشات التى دارت حول إقامة الدولة باعتبارها وسيلة لتحقيق الهدف تستند إلى تقدير موقف قومى يفترض أن قيام دولة يهودية سوف يساعد فى التغلب على المشكلة اليهودية. وفى التسع عشر عاماً الأولى من عمر الدولة كان أنصار أرض إسرائيل الكاملة أيضاً يسلمون بصحة هذه النظرية فيما يتعلق بتناولها لمهمة الدولة، وذلك لأن التقسيم كان قد أصبح أمراً واقعاً، ولم تعد هناك مناقشات ثقافية تجرى فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والشعب سوى فى الدوائر الأكثر تطرفاً بين أنصار أرض إسرائيل الكاملة.

وفى أعقاب حرب1967 عادت هذه المسألة لتشغل أنصار أرض إسرائيل الكاملة. فلم يكن هؤلاء يرون أن الأرض هى الأساس الإقليمى اللازم لقيام الدولة، ولكنهم كانوا يرون أن الدولة هى الأساس السيادى والقاعدة الهجومية اللازمين للسيطرة على الأرض. لم تكن الدولة هى الهدف وإنما الأرض. ولم تكن الأرض شرطاً لا غنى عنه لقيام الدولة، بل كانت الدولة هى الشرط الذى لا غنى عنه لتحقيق سيطرة الشعب على أرضه. ولم يكن الشعب هو الهدف الأسمى الذى من أجله يقوم نظام حكم مستقل فى هذه الأرض، وإنما كان الحكم اليهودى للبلاد هو الهدف الأسمى الذى يسعى الشعب لتحقيقه، وكانت إقامة نظام حكم يتفق مع هذا الهدف واجباً وطنياً بكل معنى الكلمة: "وكما أننا ليس من سلطتنا التنازل عن دولة إسرائيل، فإن من الواجب علينا أن نحافظ على ما أعطته لنا الدولة وهو أرض إسرائيل"، حسبما أكدت فى حزم الوثيقة المعنونة بعنوان "من أجل أرض إسرائيل الكاملة". بينما قررت الوثيقة التالية المعنونة تحت عنوان "لا تخشوا": "إن الحفاظ على سيطرتنا على أرضنا وإرث آبائنا بالكامل" فريضة على جميع بنى إسرائيل لايوجد أى إمكانية للتهرب منها. وقد بدا إعلان الحقوق الصادر عن بيجين أكثر اعتدالاً بالمقارنة بهذه الصياغات، وكان يتناول المستوى الرمزى فقط: " ولا يوجد أى نظير فى التاريخ الإنسانى لمثل هذا الشعب فى الحفاظ على قسم الولاء لوطنه". ولكن القراءة المتفحصة للوثيقة التى وضعها بيجين توضح أن هناك مغزى سياسى واضح لمقولته الرمزية التى أكد فيها أنه: "من الضرورى ألا نفصل بين حق شعبنا فى أرض آبائه وبين حقه فى حرية أبنائه وأمنهم وسلامتهم"، غير أن هذا المغزى يختلف عن فهم "عوفديا يوسيف" وأنصاره لمفهوم هذا الحق، والذى يفيد بأن إنقاذ نفس يهودية من الموت له الأولوية على ممارسة أى حق، غير أن التنازل عن أى مساحة من الأرض سيزيد من خطر تعرض الأنفس اليهودية للموت. لقد أورد بيجين الإشارة إلى الارتباط المتبادل بين الدولة والأرض والشعب فى سياق استخلاصه للعبر من التاريخ اليهودى بصفة عامة ومن النكبة النازية بشكل خاص، وفى إطار تحليله الذى يربط بين سياسة الإبادة المنظمة التى انتهجها النازيون وبين مؤامرة "أعداء دولة اليهود الذين يحيطون بها من كل جانب"، وكانت النتيجة التى توصل إليها هى أن الاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية "على المساحات التى استخدمها الأعداء كقواعد للعدوان" هو الضمان للحفاظ على الأمن القومى. وقد أراد بيجين بحديثه عن السير على طريق جابوتنسكى أن يقوم _فى مرحلة مبكرة نسبياً من الجدل حول مستقبل المناطق- بطرح الاعتبارات النفعية "التى ترى فى الاحتفاظ بالمناطق مجرد أداة لتحقيق هدف" فى مقابل الطرح الأصولى والرمزى القوى "الذى يرى فى الاحتفاظ بالمناطق غاية". وحسب اعتقاده فإن هناك حاجة إلى الحفاظ على حقوق الدولة فى الأرض من أجل صالح الشعب. ويبدو من صياغاته أن أراضى سيناء والجولان أيضاً -التى لا تدخل ضمن حدود أرض إسرائيل من وجهة نظر الاتجاه التصحيحى فى الحركة الصهيونية- تدخل فى إطار "المساحات التى استخدمها أعداؤنا كقواعد للعدوان". ولذلك يجب الاحتفاظ بسيطرة الدولة عليها.

يعترف كل من وثيقة "من أجل أرض إسرائيل الكاملة" ووثيقة "إعلان الحقوق" بأهمية الحفاظ على أغلبية يهودية فى البلاد كشرط لضمان استمرار سيطرة الدولة على كافة الأراضى التى تم الاستيلاء عليها. وقد جعلت كلتا الوثيقتان "المشكلة الديموغرافية" مشكلة الأغلبية: فطالما ظلت هناك أغلبية يهودية فى البلاد "ستظل دولة إسرائيل دولة اليهود". ولم ير أى منهما فى المشكلة الديموغرافية مشكلة تتعلق بالطابع القومى للدولة. وفى هذا الصدد كتب "تسفى شيلواح" يقول: "إن تصوير الطابع اليهودى للدولة على أنه أمر يتعارض مع وحدة أرض إسرائيل الكاملة هو أحد الأفكار شديدة الانحراف التى تم طرحها فى عصرنا، ولا شك أن هذا أحد التوجهات التى كانت سائدة فى دولة إسرائيل فى السنوات العشر التى تلت الانسحاب من سيناء". لقد كان إنكار وجود المشكلة -سواء كان هذا الإنكار نوعاً من الدعاية أو لدواعى إعلامية أو كوسيلة للتخلص من مشكلة- يمنع وضع أساس أيديولوجى للمطالبة بالترحيل الجماعى للعرب وطردهم من البلاد كوسيلة للحفاظ على الطابع اليهودى للدولة حسبما سنوضح فى موضع لاحق.

إن السبيل إلى الحفاظ على أغلبية يهودية فى البلاد هو "هجرة الشعب اليهودى من كافة طوائف الشتات على نطاق واسع" حسبما ورد فى الوثيقة، وبناء على وجهة نظر بيجين فإنه " سيتم الحفاظ على الأغلبية اليهودية فى أرض إسرائيل- والتى كانت أمنية الحركة الصهيونية من قديم الأزل- عن طريق الهجرة الجماعية التى ستفد إلى البلاد والتى ستزداد باطراد". تطالب الوثيقة الشعب اليهودى بالهجرة إلى البلاد، وحسبما ورد فى الوثيقة فقد كانت هذه المطالبة هى أحد عنصرين تركز عليهما نشاط الحركة فى الفترة بين حرب يونيو1967 وحرب أكتوبر1973، وقد رأى أنصار بن جوريون فى حركة أرض إسرائيل الكاملة على الأقل فى هذا الأمر سيراً على طريقه واستمراراً للجدل الذى دار بينه وبين كوادر الحركة الصهيونية بعد قيام الدولة. وقد كانت صياغة بيجين لوثيقته منزهة عن مطالبة الشعب بأى شىء: فالاعتماد على العودة الجماعية على نطاق واسع إلى صهيون يعبر عن توقع يستند إلى افتراضات أساسية معينة فيما يتعلق بسير التاريخ، ويمثل توجهات الاتجاه التصحيحى فى الحركة الصهيونية فيما يتعلق بالهجرة، الذى كان يرى أنه إذا سمح بمغادرة اليهود للدول التى تمر بأزمات وخاصة الاتحاد السوفيتى، فسوف تفد إلى إسرائيل هجرة واسعة النطاق. وفيما يتعلق باليهود فى الدول الغنية فمن الأهمية بمكان تعريفهم بالحركة الصهيونية وبحركة أرض إسرائيل الكاملة، غير أن هذا لا ينطوى على دعوتهم إلى تحقيق ذاتهم بواسطة الهجرة، وإنما ينطوى على مطالبة للحكومة الإسرائيلية بخلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية المناسبة التى سيؤدى إيجادها إلى توافد جموع المهاجرين على البلاد. وقد أعرب بيجين وشارون وأنصارهما فى مناسبات عديدة عن ثقتهم فى أن الهجرة المأمولة والضرورية سوف تأتى إذا نشأت الظروف السياسية والاقتصادية المناسبة (الظروف السياسية المناسبة فى الاتحاد السوفيتى والظروف الاقتصادية المناسبة فى إسرائيل).

استخدم بيجين مصطلح "العودة إلى صهيون" المحمل بشحنات تاريخية ودينية نظراً لوروده فى مزامير داود التى ورد فيها "عندما رد الرب سبى صهيون صرنا مثل الحالمين"[ix]. ولا يعنى هذا النص العودة إلى صهيون من السبى البابلى فقط، وهو ما يركز عليه المزمور، ولكنه أصبح يفسر أيضاً على أنه يعنى العودة النهائية المأمولة إلى صهيون. وقد أشار بيجين بذلك إلى أن منظمات صهيونية فى أوربا الشرقية ومن بينها "بيتار"[x] بولندا كانت تنشد هذا المزمور على لحن النشيد الوطنى الإسرائيلى وتعتبره نشيداً وطنياً آخر. ولهذا السبب قرأ بيجين هذه الفقرة من المزامير فى حماس شديد أثناء مراسم الاحتفال بتوقيع اتفاقية السلام مع مصر. فالعودة إلى صهيون ليست مجرد هجرة أيديولوجية، وبالطبع ليست هجرة عادية كهجرة اليهود إلى أمريكا، ولكنها "عودة". ومعنى العودة هو رجوع الوضع إلى سابق عهده حسبما ورد فى النص الأصلى لنشيد "الأمل"[xi] الذى ورد فيه ما يلى: "لم يضع بعد أملنا/ الأمل الذى يتردد/ بالعودة إلى أرض آبائنا/ فى المدينة التى كان بها داود". وقد حكى بيجين حكاية عن "جارين"، وهو نائب رئيس تحرير صحيفة "برافدا" الشيوعية، الذى أمر ستالين بإقالته، وسيق بصحبة بيجين فى سفينة تنقل السجناء إلى معسكر عمل فى سيبيريا. وقد مات فى الطريق، وقبل موته طلب من بيجين أن يقول له "الأغنية التى يغنيها الصهاينة فى أوديسا عن العودة"، ونطق كلمة "العودة" بلكنة إشكنازية. وقد غنى بيجين واثنان آخران من أعضاء منظمة "بيتار"، كانا بين السجناء الذين تنقلهم السفينة، هذه الأغنية فى حماس ليحققوا بذلك الأمنية الأخيرة لهذا اليهودى الذى اندمج فى المجتمع الروسى، والذى "عاد إلى شعبه وإلى أرضه" وهو على فراش المرض. إن العودة فى الحكاية التى حكاها بيجين هى عنصر يمثل إعادة صياغة لمقولة صدرت عن هرتسل وهى "ان العودة إلى اليهودية يجب أن تسبق العودة إلى أرض اليهود"[xii]. لم يغادر "جارين" السفينة، ولكن بيجين اعتبر عودته لشعبه فى اللحظات الأخيرة من حياته نوعا من العودة المجازية إلى البلاد، وهو ما يعد بمثابة إكساب طابع سياسى لمفهوم العودة للدين. يمثل تعبير "العودة إلى أرض آبائنا" جوهر رؤية بيجين للعلاقة بين الشعب والدولة والأرض. فيجب أن تكون العودة إلى الدولة، والهدف من الدولة هو تمكين اليهود من العودة. والعودة إلى أرض آبائنا تكفل الحفاظ على الحق فى الأرض، وهو الحق المكفول لورثة هؤلاء الآباء.

أما وثيقة "لاتخشوا" فإنها لا تتناول الناحية الديموغرافية. فكون هذا اليهودى أو ذاك لا يقيم فى إسرائيل لايغير من الأمر شيئاً فيما يتعلق بحقوقه فى هذه الأرض. وحسب رأى كاتبها فإن الشعب اليهودى الذى تم منحه هذه الأرض ليس الشعب الذى كان يقيم فى هذه الأرض فى فترة محددة، فهناك تناول ميتافيزيقى بحت لتعبير "الشعب" بالمفهوم القومى، لكى يشمل جميع أبناء الشعب من أول جيل إلى آخر جيل، على أن يحتفظ الإسرائيليون بالأرض كوديعة من أجل جميع يهود الشتات الذين سيأتون إليها جميعاً فى المستقبل، فهذا هو جوهر الخلاص وإقامة الدولة هى بدايته. ولهذا السبب فقد تم حجب سلطة الجمهور الحاضر هنا الآن فى اتخاذ أى قرار يتعلق بحقوق الأجيال التالية وبحقوق الجمهور الذى ليس متواجداً هنا الآن والذى يقيم فى مكان آخر. وقد كانت الكلمات الواردة فى الوثيقة فيما يتعلق بهذه النقطة تعبر أيضاً عن وجهة نظر حركة "أرض إسرائيل الكاملة" والاتجاه التصحيحى فى الحركة الصهيونية.









--------------------------------------------------------------------------------

[1]هذا التاريخ يقابل 19 سبتمبر1967.

[2]تيتوس كلافيوس فسبانوس: كان قيصر روما في الفترة (79 -81م). عندما تولى والده قيادة الجيش الروماني المسئول عن قمع التمرد في يهودا، تولى تيتوس قيادة إحدى الفرق العسكرية، وخاض بها معارك ضارية انتصر فيها في الجليل. تولى قيادة الحصار الذي فرض على القدس، وعندما سقطت أطلق عليه جنوده لقب إمبراطور.

[3]بوبيلوس إيليوس أدريانوس: كان قيصر روما في الفترة (117 -138م). ينتمي لأسرة إيطالية استقرت في روما. توفى والده وهو طفل صغير. وتولى رعايته تريانوس الذي أصبح قيصر روما في وقت لاحق. وقد تبناه وعينه حاكماً لمقتطعة سوريا وقائداً للجيش. ثم اختاره لتولى الحكم من بعده. وقد وافق مجلس الشيوخ على الاختيار رغم تشكك البعض في صحة التبني. لم يكن أدريانوس يحمل عداءً لليهود إلا أنه عندما حدث تمرد بركوخافا أمر بقمع التمرد بشدة. وبعدها أعاد بناء القدس وأقام معبد جوبيتر الكابيتولينى مكان الهيكل اليهودي. ووضع مكان قدس القداس تمثالاً له وهو يركب جواده.

[4]كورنيليوس تاكيتوس: (55 -120م) مؤرخ روماني ولد في شمال إيطاليا. كان ينتمي لأسرة أرستقراطية. شهد في شبابه حكم نيرون والحرب الأهلية (9 -68م). كان عضواً بمجلس الشيوخ. وله خمس أعمال معروفة، وهى: "حديث عن الخطب"، و"سيرة أجريكولا الذاتية"، و"أصل وعادات وموطن وشعوب القبائل الجرمانية"، و"كتاب التاريخ"، و"كتاب التواريخ".



--------------------------------------------------------------------------------

[i] اقتبس كاتب الوثيقة هذه العبارة من تفسير الإصحاح رقم25 من سفر العدد ورد فى كتاب "نور الحياة – أور هاحاييم" وذلك بهدف إكساب كلامه مصداقية دينية.

[ii] يشير كاتب الوثيقة فى هذا الصدد إلى ما قاله الحاخام "كوك" أثناء الجدل الذى ثار فى وقت سابق بشأن السماح ببيع أرض فى فلسطين لغير اليهود فى السنة السابعة التى تلزم فيها الشريعة اليهودى بتبوير الأرض. وقد ببر المشرع هذا بأن بيع الأرض للعرب بشكل مؤقت فى السنة السابعة يهدف إلى تحقيق فائدة للاستيطان اليهودى.

[iii] يقصد الكاتب بإمبراطورية القمع، الإمبراطورية الرومانية التى دمرت الهيكل الثانى عام 70ميلادية. ويعتبر الخراب الثانى هو البداية الفعلية لما يعتبره اليهود أطول فترة شتات فى تاريخهم.

[iv] يقصد الكاتب تمرد بركوخبا الذى قام به اليهود ضد الإمبراطورية الرومانية فى الفترة132 -135 ميلادية. ولا توجد معلومات متاحة ذات مصداقية عن أسباب التمرد، وإن كان اليهود يزعمون أن سببه رفضهم عبادة القيصر، غير أن هذا الزعم لا سند له من الوثائق القليلة المتاحة عن هذه الفترة. وقد نجح التمرد لفترة محدودة تولى خلالها بركوخبا الحكم وسك عملة باسمه كرمز للسيادة السياسية. غير أن جيوش الرومان تمكنت فى النهاية من قمع التمرد.

[v] مملكة يهودا: المملكة الجنوبية التى أقامها بنو إسرائيل فى فلسطين بعد انقسام المملكة الموحدة بعد وفاة سليمان عليه السلام. ويقدر البعض عمر هذه المملكة بنحو335عاماً ويقدره البعض الآخر بنحو 380عاماً. أقيمت مملكة يهودا عام928 قبل الميلاد تقريباً ودمرت مع دمار الهيكل الثانى عام 587 ميلادية تقريباً. وقد حكم المملكة عشرون ملكاً من ذرية داود عليه السلام.

[vi] مسادا: كلمة آرامية تعنى القلعة. وهى قلعة يزعم اليهود أنها كانت آخر قلعة يهودية سقطت فى أيدى الرومان أثناء تمرد بركوخبا. تقع هذه القلعة فوق قمة صخرة مرتفعة تطل على البحر الميت. وكان اليهود قد استولوا على القلعة أثناء التمرد وذبحوا جميع أفراد الحامية الرومانية بعد أن وعدوهم بالأمان إن استسلموا لهم، وهو ما يفسر خوف اليهود من الاستسلام عند هزيمتهم، ورغبة الرومان فى الانتقام الوحشى منهم. وقد حاصر الرومان القلعة لسنوات وعندما أحدثوا ثغرة فى جدارها قام اليهود المحاصرون فيها بانتحار جماعى مات فيه 960من الرجال والنساء والأطفال. وتقول الباحثة اليهودية "ويسى روزماري" أن نتائج دراساتها تؤكد أن قصة مسادا هذه هى قصة خرافية ملفقة، وأنه ليس من الممكن تاريخياً الاستدلال على صحة الكشوف الأثرية التى تستند إليها هذه القصة. وقد أحاطت الحركة الصهيونية هذه القصة الأسطورية بهالة من البطولة وحولتها إلى اسطورة قومية.

[vii] يتحدث الكاتب هنا عن تقسيمات وليس عن تقسيم، حيث يعتقد أن أول تقسيم لما يزعم أنه أرض إسرائيل هو تقسيم ضفتى الأردن إلى دولتين هما الأردن وفلسطين تحت الانتداب، وأن التقسيم الثانى كان تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية.

[viii] زئيف جابوتنسكى: (1880 - 1940) من أبرز قيادات الحركة الصهيونية. مؤسس الكتائب العبرية أثناء الحرب العالمية الأولى، ومؤسس الحركة التصحيحية. وهو كاتب وشاعر ومترجم وخطيب. ولد فى أوديسا. ودرس القانون فى سويسرا وإيطاليا.

[ix] المزامير(126 /1) المصطلح المستخدم فى النص العبرى هو نفس المصطلح المستخدم للتعبير عن العودة إلى صهيون، وقد ترجمه النص العربى رد سبى صهيون.

[x] منظمة بيتار: منظمة صهيونية دولية لها فرع فى إسرائيل، وقد سميت بهذا الإسم كاخنصار يضم الأحرف الأولى من تعبير "حلف يوسف ترومبلدور". وهو أحد نشطاء الحركة الصهيونية، مات أثناء اشتباك فى تل حى، ودارت حوله أساطير مفادها أنه أثناء سكرات الموت كان يتغنى بأنه يموت فى سبيل أرض إسرائيل. غير أن صحة هذه الأساطير أصبحت مؤخراً محل شك كبير نظراً لاكتشاف بعض الباحثين أنه تحدث فى ذلك الوقت باللغة الروسية التى كان يجيدها بحكم أصله، والتى لم يكن أى من مرافقيه يعرفها.

[xi] النشيد الوطنى الإسرائيلى.

[xii] صدرت هذه المقولة عن هرتسل فى كلمته فى افتتاح المؤتمر الأول للحركة الصهيونية.



المقال ترجمة: الدكتور أشـرف الشـرقـاوى