المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غزة.. ملثَّمون في حصان طروادة!



جواد البشيتي
16/05/2007, 01:43 PM
غزة.. ملثَّمون في حصان طروادة!

جواد البشيتي

القيادة المدنية الفلسطينية العليا في قطاع غزة، والتي وقَّعت "اتِّفاق مكة"، و"تصلِّي" سياسيا، وعلى مدار الساعة، من أجل أن يُكْتَب له مزيد من البقاء، لم تَقُل، ولم تَفعل، في مواجهة القوى المصمِّمة على ذبح الفلسطينيين بسكِّين الحرب الأهلية، إلا ما يُظْهِرها، في وضوح متزايد، أمام شعبها على أنَّها عاجزة عن تنفيذ سطر واحد من الاتِّفاق الأمني ذاته الذي تُوقِّعه بَعْد كل جولة من الصراع بالحديد والنار، تمهيدا لبدء جولة جديدة، وكأنَّ قوى الحرب الأهلية "الملثَّمة" هي التي في يدها، أو يديها، أو أيديها، زمام الأمور، وتتحكَّم في الفلسطينيين، وحياتهم، وحاضرهم، ومستقبلهم.

كل يوم تُرْتَكب جرائم جديدة؛ وليس من حقيقة واضحة ظاهرة جلية سوى الجريمة والضحايا، فالمجرمون مع الدوافع والأسباب ليسوا بمرئيين، ولا ظاهرين، ولا مكشوفين؛ وكلٌّ يبرِّئ ساحته، ويحمِّل الطرف الآخر المسؤولية، فليس من رواية فيها من أدلة الإثبات أو النفي ما يَحْمِل الغالبية العظمى من الفلسطينيين على تصديقها.

إنَّها قوى منظَّمة جيدا، تعرف ما تريد، وتعي مصالحها الشخصية والفئوية الضيِّقة جيدا، وتعرف متى تَضْرِب، وأين، وكيف، وتعرف كيف تستثمر على خير وجه شيوع وانتشار العصبية القَبَلِيَّة في وجهيها السياسي ـ التنظيمي والاجتماعي، فالجسد الفلسطيني، الذي أثخنته الجراح، وأمعنوا في تمزيقه بحراب الحصار الدولي، واقتتال الأخوة، يوشك أن يلفظ روحه السياسية والقومية، ليصبح ممكنا تَقَبُّل الفلسطينيين للحل الأسوأ لمشكلتهم القومية، فليس من حقوق قومية لشعب باد وجوده السياسي القومي.

كل السلاح الذي في قطاع غزة لا يكفي مع كل حامليه ومستخدميه لجعل الفلسطينيين يملكون من قوَّة المقاومة العسكرية، وقوة الضغط العسكري، ما يَفْرِض على إسرائيل تلبية أصغر مطلب فلسطيني ولو كان من المطالب غير السياسية؛ ولكنَّه يكفي لإغراق الفلسطينيين في بحر من الدم، وللقضاء ليس على مقوِّمات وجودهم السياسي القومي فحسب، وإنَّما على مقوِّمات وجودهم الإنساني، وكأنَّ قطاع غزة لم تَخْرُج منه إسرائيل، سلاحا وجنودا ومستوطنين، إلا لتهيِّئ له، وللقضية القومية للشعب الفلسطيني بأسره، كل أسباب الموت والدمار، ولعلَّ خير دليل على ذلك أنَّ الفلسطينيين الحريصين على بقاء "القضية"، و"الحقوق"، و"الشعب"، يتمنون الآن، ليس "التحرير"، و"الدولة"، و"الاستقلال"، وإنَّما حماقة سياسية ـ استراتيجية إسرائيلية يعود بفضلها قطاع غزة إلى الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر، فهذا الاحتلال، وعلى كل سوئه، هو الذي يعود على القضية القومية للشعب الفلسطيني بالنفع والفائدة.

لقد عرفت إسرائيل كيف تنهي احتلالها لقطاع غزة بما يؤسس لـ "هولوكوست" لقضايا اللاجئين والقدس الشرقية والحدود، فالهدف الآن، في قطاع غزة، ليس التهجير والتشريد أو "الترانسفيير"، وإنَّما التنكيل الإسرائيلي والدولي والعربي والفلسطيني بالفلسطينيين هناك حتى يصبح ممكنا جعل "الراية البيضاء" إرادة شعبية عامة.

الفلسطينيون في قطاع غزة هُم الآن في وضع يتأكَّد فيه انتفاء الحاجة لديهم إلى كل هذا السلاح، وكل هؤلاء المسلَّحين، ولو تسربلوا مع سلاحهم بشعار "المقاومة". يكفيهم فحسب ـ وقد قُلْنا هذا من قبل غير مرَّة ـ قوَّة شرطة صغيرة بعددها وعتادها، فالسلاح مع حامليه ومستخدميه يجب أن يَخْرُج من الحياة السياسية للفلسطينيين قبل، ومن أجل، أن يَدْخُل فيها مزيد من الديمقراطية والديمقراطيين. في هذه الحال فحسب، يمكن أن يصبح الفلسطينيون مع قضيتهم القومية أقوى، ويمكن، بالتالي، أن يقاوِموا، وأن يفاوضوا، في طريقة مجدية ومثمرة.