المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوجاع الواقع العربي المعاصر... في الفن و الثقافة و أشياء أخرى.



الدكتور ياسر منجي
16/05/2007, 09:10 PM
[ إرهاصات الحداثة في منتصف القرن التاسع عشر ] و سمة هذه الفترة من حيث الاتفاق على [ ضرورة الاستقلال عن النفوذ الخارجي المتمثل في الاحتلال ....أيضا الاستقلال عن النفوذ الداخلي المتمثل في الخطاب الأصولي ] .
إذا كانت الحداثة قد بدأت على هذا النحو الرامي إلى الاستقلال الخالص فإن الحقبة الحالية تشهد تناقضا في وقائع الخطاب الحداثي – و هو تناقض ذو شقين – أولا : من حيث نزوع كافة أشكال الإبداع إلى التماهي في عمومية النموذج العولمي و ثانيا : من حيث هذا التوجه المستشري في كافة القطاعات للانغماس في ممارسات و توجهات أصولية الطابع . و هذا يفرض علينا أن نبحث خلف كوامن التطورات التي حدثت منذ شهود الإرهاصات الأولى للحداثة و حتى الآن و التي بدلا من أن تدفع بالأمور قدما نحو المزيد من الاستنارة و الإبداع إذا بها تدفع نحو التحوصل الدفاعي في مقولات أصولية و انحصار الادعاءات الإبداعية في اقتباسات مباشرة – و أحيانا نقل كامل – عن الوافد الغربي .
إن غالبية الخطابات التي تحاول استشراف مستقبل التطور تلح دوما على أهمية ربط الموروث بالحاضر ابتغاء للمستقبل غير أنها تغفل اقتراح أو بحث كيفيات إجرائية من شأنها أن تؤدي إلى الخروج من السياق النظري إلى السياق العملي . و هو ما يذكرني بشخصية " حسن أرابيسك " في المسلسل المصري الشهير و اقتراحات " أسامة أنور عكاشة " الرمزية عن وجوب هدم الفيلا مختلطة الطراز و البدء من جديد دون اقتراح لسياق واضح ، هل هو البداية من لا شيء ؟ هل هو تشكيل مجلس حكماء من كافة التخصصات ؟
كما أن هذا لا بد و أن يقود في نظري إلى سؤال آخر ، هو : هل بالضرورة و أن يشمل المركب الثقافي ضمن عناصره امتدادا تراثيا ( كاختيار مقصود ) ؟ و على أي أساس يتم اختيار هذا الامتداد التراثي ( الجمال – النفعية – الحنين للماضي .. ) ؟
و بخصوص الأقلام التي تنعت مجتمع الخمسينيات من القرن العشرين على أنه [ مجتمع يخلو من قنوات الحوار ] فإنني أعتقد أنها تصدق و بشكل كبير على المجتمع الراهن خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المبدع و المتلقي من جهة و بين المبدعين و القائمين على أمر النص النقدي و المنظرين من ناحية أخرى .
كما تصدق أيضا مسألة اعتبار التحديث الصناعي كهاجس لفترة الخمسينيات بالمقارنة مع واقع الحال من حيث هوس المجتمع الراهن بأكذوبة التكنولوجيا الرقمية التي يتم دوما التشدق بكونها سمة آخذة في الانتشار بين طبقات المجتمع رابطة إياه بالمجتمع الكوني في الوقت الذي يؤدي فيه النبش خلف ظاهر الاستخدام إلى الكشف عن انحصار تام في قشريات الشاتينج و تخزين الأفلام و الدخول على المواقع الإباحية و مواقع التعارف و استخدام الكمبيوتر بوصفه مزيجا من الريكوردر و الفيديو و التليفون . و على مستوى إنتاج الفن التشكيلي نجد لهاثا خلف تتبع و تقليد كافة ما يلفظه الكيان الغربي .
و أختلف مع الكتابات التي تصف الثقافة الشعبية بكونها الثقافة المهمشة في التراث الذي يحصره معظم دارسيه في الثقافة الرفيعة؛ و سبب اختلافي هو في كون التهميش حاليا أصبح عائدا و بالدرجة الأولى إلى أفراد المجتمع الشعبي ذاته و الذين هم دائمي التنصل من واقعهم تحت ضغط هاجس الالتحاق الشكلي بمجتمع الكماليات الوجاهية مما يؤدي إلى انخراطهم بأشكال مبتسرة في أنماط ممسوخة من شكليات المعيشة غير أنها بعيدة كل البعد عن مناطق السعي نحو التطوير الفعلي للذات الفردية أو الجمعية .
و لذلك أجد من الضروري أن ننتبه إلى ضرورة التخفيف من الغلو في تصوير جماعات الفن الحديث في مطلع القرن العشرين كفاتحين أبطال؛ فهذه الجماعة في الحقيقة كانت تعمل وفقا لفلسفة و أشراط الفن الغربي في فترة تكونها ؛ حيث كان الاتجاه نحو جماليات الشرق و الاستلهام منها بمثابة خطاب قوي في تلك الفترة لذلك كان إنتاج الجماعة مشروطا بمفهوم الفن الغربي عن فكرة الشعبية و يتضح ذلك بمقارنة عدد كبير من أعمال " الجزار (http://www.amwague.net/amwague/april6/fan.htm) " بأعمال " وليم بليك (http://en.wikipedia.org/wiki/William_Blake)" و " بوش (http://www.factmonster.com/ce6/people/A0808409.html) " و " ديورر (http://www.artchive.com/artchive/D/durer.html) " و في مقارنة أعمال " ندا (http://www.iraqihome.com/AS3AD.htm)" بأعمال فنون الكهوف و الفنون الأفريقية من منظور جماليات الحداثة الغربية . و يتشابه ذلك مع موقف منتجي الأعمال التي تسجل الجماليات الشعبية و الشرقية بنفس المفهوم الغرائبي الذي سبق و أن أرسته المدرسة الاستشراقية . و الخلاصة أن ذلك يقودنا إلى اليقين بأنه حينما يتبنى الغرب قضية ثقافية فإننا سرعان ما نتلقفها و نتبناها بدورنا حتى ترد إلينا قضية أخرى من ذات المصدر ، و هو ما يفسر حاليا تراجع في تبني أعمالنا للموضوع الشعبي و نزوعها نحو التماهي مع الأعمال التي تدور في فلك أهم دعامتين للعولمة ( المتعة – عدم بذل فائض الجهد سواء في الأداء أو الفهم )
و ربما يفسر ظاهرة الالتحاف بالمظهرية الدينية في أزمنة الأزمات ، حيث تكتسب الأصالة مفهوما سلبيا يترتب عليها تقديس التراث إلى حد توثينه أن اللاوعي الجمعي المصري و العربي في إحساسه بأنه مقدم على الذوبان و الانسحاق في خضم تنامي سياقات حضارية لا يملك أمامها خيارا يكون دفاعه الوحيد هو تشبثا شكليا بقشريات الدين كخط دفاعي أخير ضد واقع التلاشي الحضاري ، و هو الأمر الذي يتكرر على مستوى منتجي الفن من حيث لهاثهم خلف التماهي في الوافد الغربي على طريقة نزوع المغلوب للتشبه بالغالب وفقا للنظرة الخلدونية .
و فيما يتعلق ببحث بعض المرجعيات التراثية البصرية، كالأيقونة القبطية و وجوه الفيوم و الزخرف الإسلامي و الخط العربي ... أقول : لكل مجتمع كنوزه التراثية ، إلا أن هاجسه لا ينصب على إزكاء الحنين المتصل إليها كما هو الحال لدينا ، نعم هي من القيم المحتفى بها و المدروسة دوما ، غير أنها لم تكن أبدا هي الخيار الوحيد و لا المصدر الأوحد للتأسيس للآتي و إلا كان على الإنجليز و الأيرلنديين أن يستمروا في البناء على نسق الدولمنات ؛ الأمر الذي يؤدي أيضا إلى تأمل فكرة أعمق مفادها أنه لو تم التشبث بأي تراث حضاري مهما كانت عظمته من باب التخليد الدائم لما حدث الحوار النقدي في تفاعل المنتجات الحضارية ؛ فعلى سبيل المثال إذا كان المصريون كمسلمين قد واصلوا البناء على نسق العمارة المصرية القديمة لما وصلتنا ذخائر العمارة الإسلامية التي نواصل التحسر على انحسارها حاليا .
و أعتقد أننا إذا أردنا فعلا أن نسم الفترة الراهنة من الواقع التشكيلي العالمي بسمة أساسية فإنها تكون ( تفجير شهوة الاختلاف لمجرد الاختلاف و الإعلاء من شأن الإتيان بجديد أيا كان هذا الجديد ) و ذلك لكي يتماشى الإيقاع الفني مع اللهاث المحموم لفيض التكنولوجيا الذي لا يتوقف . لذلك أرى أنه من الواجب مراجعة الدعوة إلى [ محاولة التمكن من آليات الحرفة الكامنة في الموروث المحلي و العالمي ] و التساؤل : هل هو التمكن من الآليات بغرض محاكاة الماضي ؟ أم بغرض بعثه ؟ أم بغرض الإمتاع الإكزوتيكي ؟ أم بغرض طرح نص مغاير فقط أيا كانت ماضوية هذا النص ؟
الحقيقة أن الغرب أصبح هو المتحكم حاليا في " الأوروبوروس " ؛ تلك الشارة السيميائية القديمة للثعبان الذي يعض ذيله بفمه دلالة على إتمام دائرة السعي و العودة من جديد لدورة أخرى مؤسسة على سوابقها في ديمومة أبدية ؛ فأية تراكمات كمية لمستجدات الفكر و التكنولوجيا في المجتمع الغربي لا تلبث أن تضغط بشدة بأثر التراكم مسببة تغيرا كيفيا سواء في المفاهيم أو في أسلوب التعاطي مع العالم ، مؤدية في ذلك إلى تولد مفاهيم جديدة تؤسس عليها إبداعات الفن و الأدب بشكل مبرر كونها إفرازات متولدة شرعيا عن الكيان الغربي نفسه .
و أعتقد أنه من المهم قبل البحث بخصوص [ إلى من يتوجه الفن التشكيلي في مصر ؟ ] أن نلتفت إلى حقيقة في غاية الأهمية ؛ تتعلق بتلك الكيانات المؤخرة التي بزغت مؤخرا و أدت إلى تولد سياقات فنية جديدة و مغايرة ؛ فالمتتبع لمجريات الأمور في الحركة التشكيلية المصرية الراهنة لا بد و أن يخلص إلى نتيجة عامة مفادها أن الواقع الفني المصري يشهد حالة شديدة السيولة و المراوغة ، حالة حبلى باحتمالات تستعصي على التكهن بما سوف يسفر عنه الأمر من نتائج قد تتمخض عنها هذه الحالة ضبابية المعالم . بل إن الأمر يتجاوز مجرد التكهن و تخمين النتائج إلى إشكالية أشد وعورة ، تتمثل في سؤال مباشر و شديد الصعوبة و هو : هل سنشهد قريبا انقشاعا لهذه الحالة المراوغة السيالة ؟ أم أنها مجرد بداية لمرحلة بأكملها في تاريخ الفن المصري ستذكرها الأجيال القادمة فيما بعد بوصفها ( مرحلة الاحتمالات المراوغة في الفن المصري ) ؟
فعلى الرغم من الازدهار الذي تشهده الحركة التشكيلية المصرية ، سواء على المستوى الكمي أو الكيفي من حيث تنوع العروض و عددها و شمولها لكي تغطي كافة أفرع الفن التشكيلي – الأصولي منها و المستحدث – و أيضا انفتاح الحركة على محاورة الخارطة التشكيلية العالمية ، و ازدياد فرص الاقتناء و السفر و المساهمة في العروض الخارجية أمام كافة الشرائح العمرية للفنانين المصريين ، و اشتباك ذلك مع واقع نقدي و نشاط تنظيري واسع النطاق، على الرغم من كل ذلك إلا أن شيئا ما يأبى إلا أن يطفو على سطح المشهد التشكيلي المصري في الآونة الأخيرة .
هذا ( الشيء ) الذي يكمن سببا رئيسيا فيما أذهب إليه من افتراض بزوغ المرحلة السابق ذكرها - ( مرحلة الاحتمالات المراوغة ) – يستأهل في رأيي تحليلا خاصا نظرا لكونه مركبا متعدد المستويات ، يحمل في طياته مستجدات جديرة بالرصد في اللحظة التشكيلية الراهنة .
أخذ هذا ( الشيء / المركب ) في التشكل و الوضوح خلال سنوات قليلة ، و بالتحديد خلال فترة العشر سنوات الأخيرة ، و هي فترة بسيطة إذا ما قيست بالتغير الكبير و النوعي الذي
أسفرت عنه في سياق التشكيل المصري المعاصر . و يتمثل أحد أهم معالم هذا ( الشيء / المركب ) في بزوغ كيانات جديدة فاعلة في الحركة التشكيلية المصرية . كيانات جاذبة مغرية يحمل كل منها فلسفته الخاصة المغايرة لخطة و فلسفة الكيان الرسمي متمثلا في قطاع الفنون التشكيلية . و قد أفلحت هذه الكيانات حقا في استقطاب و تبني عدد كبير من نجوم الفنانين الشباب الذين كانوا يدينون أساسا للكيان الرسمي بتبني مراحل تكوينهم الأولى ، هذا فضلا عن ( اكتشاف ) و ( زرع ) هذه الكيانات الجديدة لأعداد كبيرة من ( النجوم الجدد ) الذين اعتمدت معايير و مسوغات نجوميتهم على اعتبارات و مقاصد متعددة تكمن في صلب المناهج الجديدة التي تتبناها هذه الكيانات و تسعى إلى تفعيلها .
أسفرت هذه الوقائع عن عدد من المشكلات ، سواء بالنسبة للفنانين الذين بزغت أمامهم فرص متعددة تكتنفها أسئلة شتى ، أو بالنسبة للمؤسسة الرسمية التي ينبغي عليها أن تسعى للرصد و الفهم لهذا الجديد البازغ بغرض معاودة نقد الذات و وضع اليد على المواطن التي سوغت لهذه الكيانات إحراز مثل هذا الاستقطاب الواضح و المؤثر في الحركة التشكيلية المصرية . إلا أن السؤال الأساسي و الذي أراه هو الأجدر ببذل الجهد لمحاولة الإجابة عليه هو : هل تسببت الأجندة الرسمية لتكريس نجوم بعينهم في إفساح الطريق للكيانات الجديدة في مغازلة صفوف ( المظاليم ) من الذين فاتهم النصيب في كعكة العروض و الترشيحات و الاقتناء ؟ فالملاحظ أن الكيانات الجديدة بعد أن ركز بعضها في بداياته على استقطاب بعض الأسماء اللامعة من أبناء المؤسسة الرسمية بغرض لفت الأنظار إليها قد تحولت إلى استراتيجية مغايرة أساسها التعويل على مفاجأة الجميع بين الفينة و الأخرى بأسماء و وجوه و مذاهب مباغتة و تشترك في كون معظمها مفتقرا إلى أي تاريخ من الحميمية مع ذهن المتلقي ، و هو الأمر الذي قد يفجر منطقيا السؤال السابق طرحه حول مسؤولية المؤسسة عن تمهيد الطريق لهذه الظاهرة و تسويغ ارتماء بعض من المهمشين في أحضان الفرص التي تلوح بها الكيانات الأخرى – و بعضها شديد السخاء المادي و الأدبي إلى الحد الذي لا يطيق معه معظم الشباب المقاومة – فهل يمكن أن نبدأ بالتفكير بشأن استراتيجية مغايرة تتبناها المؤسسة بغرض توسيع
قاعدة العروض و تنويع مراميها و مقاصدها لتستوعب مجمل التنوعات الأسلوبية و المذهبية و تساوي في الفرص بين من نالوا حظا من النجومية و بين من لم يسعفهم الحال في فرص سالفة لتأكيد البصمات الخاصة بهم ؟ أستشعر أن توطئة المناخ لمثل هذا الحراك المتسع من شأنها أن تمتص قدرا غير قليل من بؤر الاحتقان في الجسد الفني المعاصر.
المشكلة الأخطر و التي تجلت أيضا في سياقات إبداعية أخرى – كالأدب مثلا – تتمثل في توجيه بعض هذه الكيانات لعدد من المبدعين – الشبان على وجه الخصوص - نحو إثارة و تبني مناح فكرية من شأنها أن تنبش خلف مكامن موجعة و تحريك قضايا خلافية حادة ، و من ذلك أن يتم تكريس بعض الأعمال عالية النبرة و شديدة المباشرة التي تتبنى فكرا يدور حول الأقليات العرقية و الثقافية ، و هو الأمر الذي يجد صدى في سياق الفكر العولمي الراهن ، إلا أن خطورته تتعدى مجرد اتساع الصدر الثقافي إلى الاشتباك الخطير مع سياقات أخرى ذات ظلال معتقدية و سياسية خطيرة و وخيمة العواقب خاصة و أن تلك الكيانات الأخرى قد اعتمدت نشاطا دءوبا و ملموسا نحو توثيق و تنظير هذه الأعمال الخارجة من عباءتها ، و من ثم جمعها ضمن كتالوجات و مؤلفات تتم ترجمتها و تصديرها على نحو واسع للغرب على اعتبار أن العينات المحتواة بها هي النخبة المختارة من ( نجوم ) الفن المصري ، و هو الأمر الذي لا نجد له موازيا لدى المؤسسة الرسمية – فيما عدا كتالوجات الأحداث الفنية و اسطواناتها الرقمية – حيث غابت تماما الدراسات المنهجية المترجمة و البحوث الموثقة المطبوعة على نحو ملائم لمخاطبة الراصد و الباحث الغربي في عصر أصبح من المحتم فيه مخاطبة الآخر بلغته التي يعيها إذا شئنا ألا تضيع لنا ذاكرة .
الأمر الجدير بالرصد أيضا هو مدى تأثير الثورة الاتصالية الرقمية على تغيير آليات التواصل مع نظم العرض و التسابق الدولية ، و أيضا مع الأقلام النقدية و البحثية العالمية ؛ فلم يعد الأمر رهينا بالاختيار الرسمي لعدد من الفنانين لتمثيل مصر في المعارض و المسابقات الخارجية ، بل أصبحت مواقع الإنترنت الخاصة بهذه المعارض و الجهات متاحة لمن يرغب
في الاشتراك عن طريق تسجيل الأسماء إلكترونيا و الاستفسار و المتابعة عبر البريد الإلكتروني و أيضا تحميل استمارات المشاركة و إرسال نماذج الأعمال و دفع رسوم الاشتراك إن وجدت عبر الإنترنت ، و هو الأمر الذي فتح الطريق أمام ظهور فئة ثالثة من النجوم المشاركين بغزارة في الفعاليات الدولية – خاصة ذات التوجه شديد العصرية – مما أسفر عن مفارقة تمثلت في كون عدد كبير من هؤلاء النجوم معروفا على المستوى الدولي الرقمي ( عبر فضاء الإنترنت ) من خلال المعارض الرقمية و المواقع المحتضنة لصور أعمالهم على هيئة متاحف افتراضية دائمة ، بل و ظهور حراك شامل و مستقل خاص بالتذوق و التلقي الرقمي عن طريق الإنترنت و ظهور أجيال جديدة من النقاد و المنظرين الرقميين مما أفرز مجتمعا جديدا مهموما بالإبداع الفني و ممارسا إياه من خلال آليات جديدة تماما مكتفية بنفسها و منقطعة الصلة بالمجتمعات الفنية الاعتيادية ، في الوقت الذي ما زالت فيه إدارات المعارض الخارجية الرسمية تعاني من قصور فاحش على مستوى التبني الرقمي و ترجمة المخاطبات الأجنبية مما يؤدي إلى عدد من المشكلات المحرجة . و على الرغم من أن التجربة المصرية في هذا الشأن ما زالت في حكم التكوين قياسا على مثيلاتها من تجارب البلاد الأخرى إلا أن هناك عددا من الأسئلة و الافتراضات التي تجبرنا على التفكير بشأنها و التي من أهمها : هل يمكن أن نشهد قريبا بزوغ كيان تشكيلي رقمي مصري مواز للكيان الواقعي و حاملا في بنيته الرقمية لشروط مغايرة و نظريات نقدية و اتجاهات فنية مستقلة عن المتعارف عليه في الكيان الواقعي ؟ أذكر هنا للتاريخ أن التجربة الأدبية العربية قد سبقت التشكيل في هذا الصدد ؛ و ذلك حين تم تأسيس ( اتحاد كتاب الإنترنت العرب ) – و الذي يشرف كاتب هذه السطور بعضويته – و في غضون شهور قليلة استطاع هذا الاتحاد أن يستقطب نخبة من أهم الكتاب العرب ، و المفارقة أن عددا كبيرا منهم هم أصلا من الأعضاء و الإداريين في اتحادات الكتاب الأخرى ، كما خرجت من عباءة الاتحاد عدة نظريات جديدة مثل مفهوم ( الواقعية الرقمية ) و ( الرواية الرقمية ) ... الخ . فهل أتى الدور على الفن التشكيلي ليتنكب نفس الطريق ؟ و هل نسمع قريبا عن ( النقد الافتراضي ) أو عن ( الاتجاه الرقمي في التذوق ) ؟!!!
و يبقى السؤال الأساسي في ضوء ما سبق : ترى ، عم يمكن أن تسفر هذه الحال شديدة السيولة بعد انقشاع ضباب الغليان و استقرار الأوضاع الجديدة ؟ و عن أي نوع من أنواع الفن سوف تفصح هذه الوقائع ؟ عن فن أصلي مستوف لمقومات و شروط البقاء ؟ أم عن فن هوليودي محموم الإيقاع ما يكاد يبزغ ضوء النجم فيه حتى يقصيه آخر جريا على مقتضيات سوق الموضة ؟
و بذلك يتضح مما سبق أن المسألة لم تعد مجرد قضية [ نخبة أو صفوة ] فنية و إنما قضية منخرطين فاعلين أو عاجزين عن التعاطي مع التحديات المحيطة ، و إن كان الغرب لا يعاني بنفس القدر من مسألة القطيعة بين الفنان و المتلقي فذلك لأن المنظومة المجتمعية الغربية قد امتلكت تذليلا لآليات اتصال قنواتها بعضها ببعض مع وعي كل الشرائح بأهمية دور كل شريحة في سياق التطور .، الأمر الذي ينتفي في الحالة العربية تحديدا .
و للأسف فما زال تعامل الجميع مع التقنيات الرقمية خاضعا – و بإذعان كامل – لأشراط السوق في أكثر أبعادها هبوطا من حيث الذوق الفني ؛ فليس سرا أن المشتغلين بسوق الدعاية و الإعلان و الرسوم المتحركة و الوسائط المتعددة – و غالبيتهم من شباب الأكاديميين – لا يملكون سوى الانصياع لمتطلبات العميل و ذوقه الذي لا يخرج عادة عن سياق الإشباع الفج لمتطلبات رأس المال الشعبي ، و في أفضل الأحوال تتبع الذائقة الغربية و تقليد المستحدثات على مستوى البرمجيات أو الأداء .
إلا أن التحدي الأخطر يظل كامنا في صلب أيديولوجية العولمة ذاتها ؛ و التي لا تخرج في رأيي عن تبني الاستراتيجية التي يمكن إيجازها فيما يلي : ( استخدام الأداة في ظل مقولة أيديولوجية معلنة بغرض ترسيخ نقيضها تماما !!! ) .