المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنمية العربية وامتلاك التكنولوجيات الإلكترونية



د. تيسير الناشف
20/05/2007, 03:28 AM
التنمية العربية وامتلاك التكنولوجيات الإلكترونية

د. تيسير الناشف

لتحقيق النمو الاقتصادي السريع في الوطن العربي من اللازم أن يدخل هذا الوطن عصر التكنولوجيات المتطورة الجديدة للاتصالات والمعلومات عن طريق استحداث وتطوير التكنولوجيات الإلكترونية. ليس من شأن زيادة قوة قطاع الخدمات وزيادة الانفاق الحكومي الاستهلاكي، كما يحدث في عدد من البلدان النامية، أن تحققا النمو السريع. ولن يحقق النمو الاقتصادي الوطيد السريع في هذا الوطن إلا باكتساب الصناعات الإلكترونية المتطورة المتعلقة بالاتصالات والمعلومات وباستحداثها وتطويرها. وبذلك يمكن أن تكون له الميزة في المنافسة في المجالين القتصادي والأمني.
والاتجاه العالمي الحالي هو استحداث وتطوير تكنولوجيات إلكترونية جديدة للاتصالات والمعلومات. في العالم المتقدم النمو حققت الصناعة الإلكترونية - التي تضم الاتصالات السلكية واللاسلكية والوسائل الدفاعية والصناعة الالكترونية الاستهلاكية والحاسبات الإلكترونية والمعدات الصناعية - نموا باهر السرعة. فعلى سبيل المثال بلغ نمو قطاع الحاسبات الالكترونية حوالي عشرين في المئة سنويا في سنوات الثمانين. وإن ناتج الصناعة التحويلية في العالم قد زاد أكثر من مئة ضعف في القرنين الماضيين، وكانت القوة الدافعة لذلك نشوء موجة بعد موجة من التكنولوجيات الجديدة التي أدت إلى نشوء صناعات جديدة.
وفي الوقت الحاضر فإن التكنولوجيات الالكترونية الأكثر تطورا هي التكنولوجيات الأسرع نموا. تستهلك التكنولوجيات الالكترونية قسما كبيرا من الأموال المخصصة للبحث والتطوير في العالم وتستخدم أرفع المهارات وتدفع للعاملين فيها الرواتب الأعلى في المتوسط وتسوق منتجات ذات قيمة عالية وتدفق هذه التكنولوجيات الثروة على الاقتصاد الوطني وتشكل مصدرا كبيرا للعمالة. وبناء على ذلك يمكن تحريك وتنمية الاقتصاد الوطني العربي عن طريق اكتساب العرب للتكنولوجيات الالكترونية الجديدة وتطويرها ونشرها في الوطن العربي واعتيادهم على استحداثها المستمر. ونظرا إلى الأهمية الحاسمة لأن يكتسب العرب هذه التكنولوجيات ولأن يستحدثوها ويطوروها يجب أن تكون هذه الأهداف أهدافا ذات أولوية في سلم الأهداف القومي العربي.
والتجارة محرك هام للنمو. وتشكل تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الالكترونية أشد قطاعات النمو سرعة في التجارة وتشكل نسبة كبرى ومتزايدة الارتفاع في الصادرات الصناعية في العالم. وحتى تزداد بسرعة نسبة التجارة العربية في التجارة العالمية، مما من شأنه أن يؤدي بسرعة إلى تعزيز الاقتصاد والنمو الاقتصادي في الوطن العربي، من اللازم أن يكتسب العرب تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الالكترونية المتطورة وأن يطوروها وأن يوجدوا تكنولوجيات أشد تطورا في هذا المجال.
ويشهد العالم الذي نعيش فيه المنافسة الشديدة في شتى المجالات. وفي هذه المنافسة يتفوق المتفوقون على من دونهم. وتستعمل تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الالكترونية في أغراض التعلم والتعليم واكتساب المعرفة والمهارات التكنولوجية وتبادل المعلومات. ولهذه التكنولوجيات أثر إيجابي كبير في هذه المجالات. وهناك اتجاه صوب إقامة واستعمال محطات وشبكات الاتصالات والمعلومات الالكترونية العامة والخاصة لاستقاء المعلومات والقيام بالنشاطات التجارية في المكتب وفي المنزل حتى لدى الأسر ذات الدخل المالي الأقل. وشبكات الاتصالات والمعلومات أداة تعليمية. فعن طريق إقامة هذه الشبكات والمحطات يمكن للعرب أن يرفعوا المستوى المعرفي في شتى المجالات، مما من شأنه أن يولد الزخم التكنولوجي للعرب الذي يضمن الاستمرار وأن يعزز مركزهم الاقتصادي وأن يسهم في تعزيز قدرتهم على المنافسة في عالمنا الذي يتطلب النجاح فيه حسن الأداء وحسن التنظيم وتوفر المعرفة وامتلاك ناصية تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الجديدة والمتطورة.
ودول عربية كثيرة تعاني من مشاكل اقتصادية حادة فهي تعاني من العجز المالي والعجز التجاري ومن الديون الثقيلة الوطأة، ويتلقى عدد كبير من الدول العربية المساعدة المالية الأجنبية التي يكون توفيرها مشروطا أحيانا غير قليلة بشروط سياسية. ويمكن لهذه الدول أن تتخلص من هذه الصعوبات أو أن تخفف من حدتها على الأقل إذا طورت واستعملت تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات هذه.
إن تحقيق استحداث وتطوير تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الالكترونية في الوطن العربي من شأنه أن يتطلب توفر روح الابتكار وأن يتطلب الاستفادة من شتى مجالات المعرفة وإنفاق مبالغ مالية كبيرة على بحوث التطوير وأن يتطلب توفر مناخ الحرية الفكرية. وانطلاقا من ذلك يمكن القول إن رجل الاقتصاد الياباني فومو كوداما كان محقا حينما وصف شركة التصنيع بأنها مكان للتفكير أكثر من كونها مكانا لصنع الأشياء.(1)
إن الكثيرين من الأشخاص الذين لديهم حظ أكبر من المواهب الفكرية الابداعية في اليابان يشتغلون في شبكات الابتكار. وشبكة الابتكار شبكة معقدة من الأخصائيين والأساتذة الجامعيين ومن الدعم المتبادل بين الصناعات والتكنولوجيات. وتدمج تلك الشبكات في التجربة الحديثة لإدارة المشاريع التي تسوق أشد التكنولوجيات حداثة في أسواق العالم. إن تكنولوجيات المستقبل ستكون امتدادا لتكنولوجيات اليوم. وشبكة الابتكار هذه، دماغ الأمة، هي التي تسهم في تكوين المستقبل.
وإذا أراد العرب إنشاء هذه الشبكات - ويجب عليهم أن ينشئوها إذا أرادوا تحقيق التنمية - وجبت التوعية بأهميتها الاستراتيجية والقومية والاقتصادية ووجب توفير الدعم الحكومي بشتى أنواعه، ومنها إتاحة الحرية الفكرية، ووجب تجنيد خيرة الأدمغة والمهارات العربية الأكثر تطورا.
وحتى يدخل الوطن العربي عصر التكنولوجيات الالكترونية المتطورة للاتصالات والمعلومات من الضروري أن يؤسس مزيد من الجامعات التكنولوجية ومراكز البحوث التكنولوجية والفضائية وأن تقام بنية أساسية لإنتاج الكمبيوترات وبرامج الكمبيوتر وآلات الاستنساخ المتطورة وأجهزة الفاكس وأجهزة الطباعة باللازر وأجهزة التليفزيون والأقراص الضوئية والتوابع الاصطناعية وغيرها من الأجهزة الالكترونية المتطورة والمتزايدة في مجال الاتصالات والمعلومات.
وفي إقامة هذه الصناعة الالكترونية قد تكون البداية صعبة. ولكن الصعوبة، إن وجدت، تذلل بالإرادة الواعية القوية. لم تحقق بلدان غربية ذلك فحسب ولكن بلدان غير غربية أيضا مثل كوريا وماليزيا وتايلند وتايوان واليابان والصين والهند وأجزاء من إندونيسيا. وتوجد دلائل على دخول بلدان من أمريكا اللاتينية أيضا في هذا المجال.
ويمكن للدول العربية تحقيق هذا الغرض عن طريق مضافرة الجهود العربية على المستويين الحكومي وغير الحكومي، ويمكن أن تشمل هذه الجهود إقامة شركات عربية ابتكارية. الشركات الوطنية هي التي يمكن أن تحقق أهدافا وطنية.
ومن الواضح أن الوطن العربي بحاجة إلى مزيد من أصحاب الكفاءات والمهارات العالية في شتى العلوم ومزيد من رأس المال الاستثماري ومزيد من التدريب التكنولوجي والصناعي والتدريب على اكتساب المهارات في تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الجديدة وإلى إجراء البحوث والقيام بأنشطة التطوير والاستحداث في مجال هذه التكنولوجيات. وحتى تكون هذه الأنشطة كافة مكتملة ومتكاملة يجب أن توجهها إدارة نشيطة لديها الجرأة والرؤيا والحافز.
والوطن العربي بحاجة إلى زعماء سياسيين يفهمون الحقيقة التي تواجهها الأمة العربية ويمكنهم أن يستنفروا الأمة وكأنها في حالة من الاستنفار العام. على الزعماء السياسيين أن يوجدوا البيئة المؤاتية لإقامة تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات ولتطويرها ابتغاء خدمة أغراض منها زيادة الصادرات وتقليل الواردات العربية وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي العربي وزيادة حجم التبادل التجاري العربي. وفي هذا المسعى على الحكومات العربية أن تشارك الشركات الصناعية والتجارية العربية في اكتساب التكنولوجيات في مجال الاتصالات والمعلومات.
ولتحقيق هذه الأهداف كلها يجب تغيير جوانب كثيرة من الثقافة العربية، بما في ذلك قسم من مواقفها وعاداتها وتقاليدها وطرائق أدائها. ويجب أن تنشئ الأمة العربية جوانب ثقافية تشجع خيرة أصحاب المواهب على اكتساب معرفة التكنولوجيا الجديدة وعلى تطبيقها. كلمات المستقبل السحرية ينبغي أن تكون أخذ زمام المبادرة واكتساب التكنولوجيا وتطبيقها والابداع التكنولوجي والانطلاق الفكري وطرح الأوهام والقدرة على المنافسة في مجال التكنولوجيا والابداع والابتكار على الصعيد العالمي والتميز الإداري والشعور الكامل بالثقة بالنفس والحس والاعتزاز بالانتماء إلى الشعب العربي وإلى الوطن العربي والاعتقاد بتكامله الاقتصادي والثقافي والتحلي بالشعور بحمل رسالة قومية وحضارية إنسانية.
إن المشوار أمامنا طويل ولكن يجب أن نقطعه وأن نبدأ بقطعه، وكلما تأخرنا في الشروع في قطع الطريق زاد الضعف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الذي يصيبنا لأن لتخلفنا عن ركب التقدم في مجالات التكنولوجيا الحديثة آثارا ضارة بمركزنا السياسي والاقتصادي والاستراتيجي على كوكب للتفوق التكنولوجي فيه أثر ذو شأن عظيم.

-----
(1)Fumo Kodama, Analysing Japanese High Technologies (London: Pinter, 1991).