المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "ثقافة التميُّز".. عندنا!



جواد البشيتي
20/05/2007, 01:39 PM
"ثقافة التميُّز".. عندنا!

جواد البشيتي

"لوحة رقم السيَّارة".. إنَّها الآن من أهم المواضيع التي يتحَّدث فيها الناس؛ وكثيرا ما ينتقل التحادث منها إلى الانتخابات البلدية والنيابية، أو من "الانتخابات" إلى "اللوحة"، فالأمران يَعْدِل كلاهما الآخر تقريبا لجهة أهميته بالنسبة إلى كثير من المواطنين. في الحديث المتشعِّب عن "اللوحة"، والذي بعضه يتفرَّع من الحديث اليومي والدائم عن الفساد بأوجهه كافة، أثار انتباهي واهتمامي هذا المَيْل المتِّسع في مجتمعنا إلى "أرقام الرغبة في التميُّز"، فالذين يرغبون في "التميُّز" في كل ما يُظْهِر ويؤكِّد "فَقْر الشخصية في مضمونها" يتهافتون على شراء اللوحة ذات الأرقام القليلة، أو التي أرقامها متماثلة كثيرا. ولوحة التميُّز تلك تُباع بآلاف الدنانير، فالطلب في هذه السوق يفوق كثيرا، ودائما، العرض.

لا تسأل أحداً من هؤلاء الراغبين في هذا التميُّز عن سبب شرائه للوحةٍ حتى لا تحرجه، أو تُشْعِرَه بأنَّ وزنه الحقيقي في ميزانك لم يَزِدْ ولو قليلا. دَعْهُ يَسْتَثْمِر "تميُّزه" هذا حيث يَعْتَقِد بجدوى الاستثمار، فـ "الوجاهة" هذه لا يراها إلا أناس يَرَوْن ما يرى من أهمية هذا الأمر وخطورته.

لقد تفشَّت فينا "ثقافة التميُّز" تلك، فما عُدْنا نملك من أنماط الشخصية إلا ما يجعلنا نشبه كثيرا بعض أنماط "الإعلان التجاري" التي نراها في التلفزيون، فالبضاعة (أو المُنْتَج) تَظْهَر في "الإعلان" بصفات وخواص تكاد تُناقِض بالكامل صفاتها وخواصها الحقيقية، وكأنَّ "الغش" مُشْتَرَك بين شخصياتنا ومنتجات "الإعلان التجاري".

"ثقافة التميُّز" تلك، كفانا الله شرها، رأيْناها، أيضا، ومن قبل، في ما يبتنيه بعضنا، في بعض أحياء ومناطق عمَّان، من منازل فخمة ضخمة، وكأنَّ الرغبة في هذا التميُّز، وفي الوجاهة، هي التي تَسْتَنْزِف أموالنا، وتمنع قسم كبير منها من الجريان في مجاري الاقتصاد، فروح المباهاة والتفاخر بـ "الحجر" تفوق فينا الروح الاستثمارية، والرغبة الاستهلاكية تَغْلِب فينا الرغبة الإنتاجية. أمَّا السبب فهو في جزء كبير منه "ثقافة التميُّز" تلك والتي بها، وبما يوافقها، نبتني شخصياتنا.

حتى "النيابة" لم تختلف في دوافعها وثقافتها عن دوافع وثقافة "لوحة رقم السيَّارة"، فـ "الوجاهة الشرقية ـ العربية" الغنية عن الوصف والشرح هي من أهم، إنْ لم تكن أهم، ما يغري بعض المواطنين بالنيابة، التي لا يرى منها النائب إلا امتيازاتها و"السيَّارة النيابية" التي تقوده إلى حيث لا وجود للشعب وقضاياه ومصالحه واحتياجاته.

"ثقافة "التميُّز" التي تستبد بنا إنَّما هي ثقافة تُنْتِجها وتُوَلِّدها في بعضنا الحاجة إلى اتِّخاذ "الشكل" حِجاباً يُحَجَّب به الفقر والنقص في "مضمون" الشخصية، وكأنَّ "الجَمَل" يكفي أن تزركشه، أو يتزركش، حتى يعلو مقاما ومنزلة، ويغادر عالَم الجِمال إلى غير رجعة. ولا شكَّ في أنَّكم تعرفون تلك الخيمة الشهيرة المقامة في إحدى الصحارى العربية والتي إنْ دُعيتُم إلى زيارة صاحبها ترون في داخلها من "التجهيز" و"التأثيث" و"التكنولوجيا" ما لا ترونه في أفْخَم القصور الغربية، فهي، في رمزيتها، إنَّما تعكس فَهْمنا لـ "الوحدة الجدلية الهيجلية العليا" بين "الأصالة" و"الحداثة"!

عَجْزُنا المتزايد عن "الإنتاج".. عن إنتاج كل ما يَجْعَلنا أبناء شرعيين لـ "الحداثة"، يُسْتَكْمَل الآن بعجز آخر، هو عجزنا عن "الاستهلاك" السليم والناجع لِمَا يُنْتِجُه غيرنا؛ ومع ذلك نزداد إصراراً على أن نبقى "أُمَّة جواب" لا يخالطها شيء من "أُمَّة السؤال"، فنحن، حتى في ماضينا المعرفي والثقافي، نَعْلَم عِلْم اليقين أمْر كل ما يعده الغرب اكتشافا معرفيا جديدا، وكأننا نأبى أن نكون "أُمَّة سقراطية" بلغت منزلة معرفية رفيعة فأعلنت أنَّ كل ما تعرفه هو أنَّها لا تعرف شيئاً!

صبيحة شبر
20/05/2007, 05:28 PM
الاخ العزيز
موضوع جميل جدا يضع اليد على احد مواضع الداء في دنيانا العربية
ويسلط الضوء على مفهوم ( التميز) الذي بدلا ان يكون في المضمون
وفي التقدم في ميادين العلم والفكر والفنون واذا به يصبح جريا اليا
وبدون روية وراء احدث صيحات الموضة من اقتناء السيارات
والمنازل الفارهة على حساب اشياء اخرى اكثر اهمية