المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنبقى لنعود - نثر شعري متناص-، لابن الأحمر (أ.د. جمال بن عمار الأحمر)



جمال الأحمر
30/01/2022, 08:13 AM
سنبقى لنعود !
-نثر شعري-

ابن الأحمر
(أ.د. جمال بن عمار الأحمر)


كانَتْ شمسُ المغِيبِ تَغرَقُ فِينا؛ لأنَّ تُرابَ (أندَلسٍ) عِطرُ أَرْوَاحِنا! وكانَ الفَتَى في كُلِّ مُنعَرَجٍ بِتَـمْزِيقِ إخوتهِ وَلُوع؛ فهنالكَ خَرّتْ قِمةٌ، وهنا هَوَى تَلٌّ مَنيعٌ! وانجرّ عَامَان مِنَ الحصَارِ؛ نُجومُهُما وشمسُهُما النَّجِيعُ؛ وبكلِّ رابيةٍ إِلى لحمِ ابْنِها ظَمَأٌ وجُوع! وانْتبَه الصَّريعُ، واهتاجَ ثانيةً فمَدَّ زُنودَهُ نَهرٌ ضَلِيع، وأحَاطتِ (الحمْراءَ) مِن أَقْوى سواعِدِهِ دروعُ!

***

وَذَهَبُوا حَامِلِينَ ‏وردَ سُيُوفِهِم نحوَ شُمُوسٍ مُغـبَـرَّةٍ ! ذَهَبوا فَاتِحين دَربَ الرَّاحِلينَ، فَبقَينا مُنتظرينَ عَودَتَهم أَمامَ عَريشَةٍ جَرداءَ، لنُمطِرهُم ‏بغِناءٍ مُؤجَّلٍ، على لسانِ جُـمَّيزَةٍ في الحقُول، بل لِنُمطِرهُم بمطْلعِ قَصيدةٍ، علَى لِسانِ شاعِرٍ مُبلَّلٍ بِالإِيقاعِ الخفِيضِ! ‏

***

وَقَتَّلَنَا، مِن بَعدِهِم مَوَّالُ الحَنِين؛ "أتَذهبون؟ أتَــ ــذ هـ ـــبووون؟"، لَكنْ ثَـمَّةَ صُراخٌ دَفينٌ، ثمةَ أجدادٌ لنا، نائِمونَ في (السَّبِيكَةِ) وفراشِ الأرضِ، وخيطٌ دمٍ يَسيلُ في القُبُورِ، بلْ كنا نَشُمُّ طَرَاوَةَ الدَّمِ السَّاخِنِ على الجدْرانِ وَنحن نَغسلُ ثِيابَ المذبَحَةِ وسَجَّادَ المنْـبَـرِ!

***

كأنْ سَمعْنا النِّدَاء مِن أَعالِي القِمَم: دَعُوا الآلَامَ في صُدُوركُم صَامتَةً تَتَأمَّلُ ذَاتَها، وتَمضِي إلى مُستَقَرِّها الأخيرِ فِي أعماقِكُم، كَي تُزهرَ بَساتينُ أوراقِكُم ! دَعُوا نُفُوسَكُم تَعُجُّ بِضَجِيجِ مُتَعِ التَّأفُّفِ، رافعةً رُؤُوسَها!

***

مَا أَكذَبَ النِّدَاء! أسْلَمُونا فَيا لَلْغَدْرَةِ؛ إذ سَرعَانَ (يا غرْنَاطَتِي) مَا ارتَدَّ ظِلُّ الأمْسِ، والْتَحَمَ التَوَقُّعُ والوُقُوعُ، فتنَادتِ النِّيرانُ، والتَقَتِ المصَارِعُ والجمُوعُ، ولكل شِبرٍ مِن دَمِ الشهداءِ تارِيخٌ نَصُوع! وزَغردَتِ المآتِمُ والدُّمُوعُ، وهَفَتْ أغَانِيهَا، تَضِجُّ لِيَسْلَمَ الشَّرَفُ الرَّفِيع! وهناكَ انْقصفَتْ يَدَان، وثَمةَ انتثَرتْ ضُلُوعٌ! أَرَأَيتَ حَيثُ تَسَاقَطوا كَيفَ ازدَهَى النَّصْرُ الْـمُرِيعُ، ثم اغْتَلَى الوَادِي وَلَفَّ رِجَالَنَا الصَّمْتُ الْـجَزُوع ؟!

***

رضَعَ الدُّجَى دَمَهُم فَأشمسَ قَبلَ أَنْ يُعِدِ الطُّلُوعَ؛ حَيثُ التَقَى السَّيفَانِ ذابَ الغَيمُ واحترَقَ الصَّقِيعُ، حَيثُ ارتَمى الأبْطَالُ أَوْرَقَ مَنْجَمٌ، وشَدَا رَبِيعٌ!

***

انتَهَى في جُثَّةِ الأمسِ النَّـزوعُ، وزَوَتنا حُفرتهُ، وأَطبقَ فَوقَ مَرقَدِه الهُجوعُ ! شئنَا الرُّجُوعَ وسَلَّحَتنَا البيدُ، فَانتَحَرَ الرُّجُوعُ. وَمَرَرنا بالمعَابرِ واقِفِينَ عَلى الكَلَام، بَلْ مرَرنا بَاكِينَ، وتَحتَ أقدَامِنا جَـمرُ المنَافِي!

***

وقال المستَجِنُّونَ نحنُ لا نُعلِي رايةً للسّيدِ الأبيضِ؛ نحنُ لم نزلْ مُقيمينَ في الرِّيحِ، مثلَ العَصافيرِ؛ إذْ كانتِ أرضُنا مُهيَّأةً لِسِرْبِ الطُّـيُورِ المهَاجِرَةِ فِي فُسْحَةِ الشَّجَرِ المنتَصِبِ عَلَى الطُّرُقَاتِ! فَلا يَعْتَمِدَنّا بِالإِسَاءَةِ غَافِلٌ، فَلَا بُدَّ لابْنِ الأَيْكِ أَنْ يَـتَـرَنَّـمَ بِالأَحزَان !

***

وترَكُوني خَلفَهُم غَريبًا، أنا ابنُ الضُّحى، لا تَفيضُ عَينايَ بِالدَّمعِ، وأنَا لا بَيتَ لي؛ فعَرَفتْني المدُنُ المبَلَّلَةُ بالنُّعَاسِ! مدنٌ للدُّخان والقَار، يسكُنُها بُزاقٌ يَشخُر، بُزاقٌ مِن أَعلَى ومِن أَدْنى!

***

خُوذٌ تحرُسُ كلَّ الطُّرُقاتِ خَوفا عَلى رُوحِ الطَّاغِيَة الأَنْوَك! أَنَا لَا أَقَرُّ عَلَى القَبِيحِ مَهَابَةً، إِنَّ القَرَارَ عَلَى القَبِيحِ نِفَاقٌ! عَابُوا عَلَيَّ حَـمِيَّتِي وَنِكَايَتِي والنَّارُ لَيْسَ يَعِيبُها الإِحْرَاقُ! وخَلْقٌ مُرتَعِدٌ مِن ضَبٍّ، حتى في السرِّ يَـخافُ مِنَ الْـحُلْمِ! إنَّه عَدَمٌ يقعُدُ مُستَقْبِلًا شَاشتَهُ الغَبيّة، ويَرتَدِي الصَّمتَ خَوفاً مِن نُطقِ الحقِيقةِ. لا خَيرَ في عَيشِ الجبَانِ يَـحُوطُهُ مِن جَانِبَيهِ الذُّلُّ والِإمْلَاقُ!

***

وَصَارتْ كلُّ العَوَاصمِ تَـجْدُلُ لَـحْمِي، وتَنطِقُ بالمنِّ في كُلِّ حِينٍ، مِثلَ امْرَأَةٍ تَتَمَشَّى في حَرِيرِ الكَلَامِ لِتَهُزَّ شَجَرَةَ الحيَاةِ ! لم تَعلَم أَني خُلِقْتُ عَيُوفًا لَا أَرَى لابنِ حُرَّةٍ عَلَيَّ يَدًا أُغْضِي لَـهَا حِينَ يَغْضَبُ! قَلبِي عَلَى ثِقَةٍ، وَنَفْسِي حُرَّةٌ تَأبَى الدّنَى، وصَارِمِي ذَلَّاقٌ!

***

يا كُلَّ هَذا (الشَّتاتِ) الألِيمِ، أتسمعُ صوتَ عَقلي، وتَرَى جُمَّار قَلْبي؟ صِرتُ في حَاجةٍ إلى قَلبٍ، لأقرأَ ‏عَلى شُرُفاتِ العُمُر وَصايا الرِّيحِ همْسًا! وَحِيدةٌ هِي قُلوبُ أطفَالي التَّائِهِينَ في البَرَارِي!

***

أُريدُ أنْ أمْلَأَ بَيْتَ الذَّاكِرَةَ بما يَلِيقُ بِسِيرَةِ النَّهْرِ؛ وأحتاجُ إلى مِلحِ ذاكرةٍ يَرثِي (المدِيــنــة)، راسِمًا عُرسًا تَشَظَّى، لأبْقَى على قَيدِ ‏الحُبِّ الذِي لَا يَموت، وأَقولُ للنَّصرِ "انْطَلِق فَمَجالُكَ الأَبَدُ الَّلمُوعُ !"، ولِمُرضِعِي (غَرناطَةٍ) دَمَهَا: "لقَد شَبَّ الرَّضِيعُ" !

***


-ابن الأحمر-
ليلة السبت 25/6/1443هـ

جمال الأحمر
19/02/2022, 03:17 AM
بسبب الحصار الذي يضربه عليَّ أصحاب الأخدود في العالم، وعلى رأسهم الصَّحْوَجيون القتّالون في بلاد العرب، والعلمانجيون منافقو العرب المعاصرون، والفرنسيس، والزوّاف Zouaves، وملة شتام الله من أعراب الهلاليين في الجزائر. ها هو الرابط الذي أنقذت به المقال من هذا الجحيم:


http://www.wata.cc/forums/showthread.php?109217-%D3%E4%C8%DE%EC%20%E1%E4%DA%E6%CF%20-%20%E4%CB%D1%20%D4%DA%D1%ED%20%E3%CA%E4%C7%D5-%A1%20%E1%C7%C8%E4%20%C7%E1%C3%CD%E3%D1%20(%C3.%CF .%20%CC%E3%C7%E1%20%C8%E4%20%DA%E3%C7%D1%20%C7%E1% C3%CD%E3%D1)