المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "مبادَرة إسرائيلية" أم فخٌّ لـ "المبادَرة العربية"؟!



جواد البشيتي
21/05/2007, 01:05 PM
"مبادَرة إسرائيلية" أم فخٌّ لـ "المبادَرة العربية"؟!

جواد البشيتي

بيريز وَعَد، وأعلن وأكَّد.. ونحن، مع عمرو موسى، ننتظر، مع أنَّ طول الانتظار هو مَضْيعة لِما بقي من وقت للسلام، أي لِما بقي من عُمْرٍ لـ "الفرصة الحقيقية الواقعية.. الأخيرة" للسلام؛ ونحن، حتى الآن، لم نسمع أنَّ الدول العربية، التي أعلنت، جميعا، وأكَّدت، غير مرَّة، التزامها السلام خيارا استراتيجيا يمكن أن تستمر على قولها بتلك الفرصة بعد انتهاء العام الحالي، وإنْ كنَّا نتوقَّع، بعد وبسبب الضياع المؤكَّد، على ما نعتقد، لتلك الفرصة أن تتوفَّر الدول العربية (جميعا) على تطوير موقفها من "إسرائيل التي أبت أن تغتنم تلك الفرصة" بما يؤسِّس لـ "خطاب سلامي" عربي جديد، تُظْهِر فيه الدول العربية وتؤكِّد الحقيقة المتناقضة الآتية: "فرصة السلام الحقيقية الواقعية.. الأخيرة" انتهت إذ أضاعتها إسرائيل ورفضت اغتنامها؛ ولكن الدول العربية ما زالت على التزامها السلام (مع إسرائيل) خيارا استراتيجيا (لا رجعة عنه وإلا فَقَدَت "استراتيجيته" معناها).

احذروا بيريز، وما وَعَدَنا (أو توعَّدنا) به، ألف مرَّة، فنحن لسنا في حاجة، والسلام أيضا ليس في حاجة، إلى أنْ تردَّ إسرائيل ـ أي حكومة اولمرت ـ بيريتس التي إنْ تجرَّأت وتشجَّعت على أن تختار فلن تختار إلا جولة أو جولات جديدة من الحرب ـ على "المبادرة" بـ "مبادرة"، فـ "مبادرتها"، إنْ خَرَجَت من الظلمة إلى النور، لن تأتي إلا في معنى الـ "لا" لـ "مبادرة السلام العربية"، جوهرا وأساسا ومنطقا.

في "مبادرتها" المتوقَّعة، إذا ما كان لـ "الواقعية السياسية" من مكان في أقوال بيريز التي هي أقرب إلى "زلَّة اللسان" منها إلى القول الواعي والإرادي، ستقول إسرائيل من الـ "لَكِنْ" ما يَجْعَل "نَعَمُها" في معنى الـ "لا". أمَّا "النتيجة" التي تريدها إسرائيل وتسعى إليها فهي "استدراج" جامعة الدول العربية إلى "تفاوض سياسي مباشِر"، بدعوى أنَّ "تضاد المبادرتين" لا ينفي، وإنَّما يؤكِّد، الحاجة إلى هذا التفاوض، توصُّلا إلى "حلٍّ وسط". هذا هو على وجه الدِّقة والتعيين معنى ومنطق "الردِّ على المبادرة بمبادرة".

ما يحتاج إليه السلام، إذا ما كانت إسرائيل تحتاج إلى السلام، إنَّما هو في المقام الأول أن تَعْلِن إسرائيل قبولها لـ "مبادرة السلام العربية" أساسا لتفاوض سياسي مع جامعة الدول العربية، يمكن ويجب، في آخر المطاف، الذي هو ليس "يوم القيامة"، أن يُثْمِر اتِّفاقا يلبِّي، في جوهره وأساسه، شروط ومتطلبات "إعلان نهاية النزاع" كما تضمَّنتها "مبادرة السلام العربية".

وهذا القبول الإسرائيلي، الذي لا تشترطه الدول العربية وإنَّما السلام ذاته، يمكن أن يقترن بـ "ورقة مكتوبة" تشرح فيها إسرائيل وتوضِّح وجهة نظرها في شأن السلام، مبادئ وسُبُلا.
وفي هذه الورقة، يمكن ويجب أن "تستعير" إسرائيل "المنطق" الذي وِفْقه صيغت "مبادرة السلام العربية".. "منطق التنازل المشروط"، أو "إذا الشرطية"، فقد حان للدولة اليهودية أن تقول للعرب والعالم إنَّها "مستعدة لـ .. إذا ما لبَّت الدول العربية الشروط والمطالب الآتية..". الدول العربية، وفي كلام جامع مانع، قالت إنَّها، جميعا، مستعدة لإعلان نهاية النزاع مع إسرائيل، وللسلام وتطبيع العلاقة معها، إذا ما أنهت احتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، وسمحت بقيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، وقَبِلَت حلا نهائيا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، "متَّفَقٌ عليه"، ويتَّفِق، أو يتوافق، مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194.

وبما يماثِل هذا "المنطق".. "منطق التنازل العربي المشروط"، ينبغي لإسرائيل أن تقول: "هذه هي شروطي لقبول وتلبية الشروط والمطالب العربية تلك". أمَّا أن تستمر على قولها إنَّ في "مبادرة السلام العربية" عناصر إيجابية وأخرى سلبية، ولا بدَّ من الإبقاء على "الإيجابية" وتطويرها، مع تعديل، وتغيير، "المبادرة" بما يؤدِّي إلى إزالة "السلبية"، فهذا إنَّما يعني ويؤكِّد أنَّها تسعى ليس إلى اغتنام "فرصة السلام المتاحة الآن"، وإنَّما إلى اغتنام كل فرصة للقضاء على "فرصة السلام" تلك.

"المبادرة الإسرائيلية" التي وَعَد بها بيريز، بلسانه أو إذ زلَّ لسانه، لا يمكننا فهمها إلا على أنَّها تَعْكِس مَيْلا لدى حكومة اولمرت إلى أن تَنْصُب لـ "المبادرة العربية" شرَّاً، فإسرائيل، في "مبادرتها"، إنَّما تعتزم أن تبادِر إلى أن تَنْصُب فخَّا لـ "مبادرة السلام العربية"، وللساعين إلى "تفعيلها". وهذا "الفخ" سنراه واضحا جليَّا عندما تُعْلِن إسرائيل "مبادرتها"، وتقول، بعد ذلك، مخاطبةً جامعة الدول العربية: تعالوا لنتفاوض، توصُّلا إلى "حلٍّ وسط"، نَرْفَع (أي نُزيل) به التناقض والتضاد بين مبادرتنا ومبادرتكم.