المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فؤاد قاعود الشاعر الذى تورط فى الوجود



مسعود شومان
28/10/2006, 06:23 AM
[فـؤاد قاعـود
الشاعر الذى تورط فى الوجود
مسعود شومان
برحيل الشاعر الكبير فؤاد قاعود نكون قد فقدنا أخر أضلاع مثلث ريادة شعر العامية المصرية، فقد كان ضلعه الأكبر هو "والد الشعراء" فؤاد حداد، أما ضلعه الأشهر فقد كان صلاح جاهين، بينما يمثل قاعود الضلع الذى وقف سامقا بعيدا عن الضجيج لا يشغله شهرة ولا تغويه غير الكتابة.
إن تجربة فؤاد قاعود تعد واحدة من أهم التجارب الشعرية فى العامية المصرية، فهى كتابة لا تشبه إلا ذاتها، فالمتأمل لدواوينه فى تتابعها سيكتشف صفاء صوته، فلم يغرق فى أبحر حداد بفوران موجها، وتقلبات موسيقاها، وعصف أشجارها المحملة بالثمار من كل نوع، ولم ينهل من حكمة وبساطة جاهين حيث كانت الحكمة طريقه والبساطة طريقته، لكنه جمع بين الجموح والحكمة، بين الفوران والإمساك بالبنية التى يحكم كل مفردة فيها دون أن يغلق على التداعى الحر بابه، من هنا استطاع أن يصنع لنهره مجرى خاصا تفرد به عن شعراء جيله، كما زاوج فى بساطة معجزة بين التراكيب الفصحى التى نستطيع أن نردها لمصدرها البعيد، والمفردات العامية التى تستدعى تخييلا مفارقا، بين هذين السياقين كان يتحرك نصه، صانعا علاقة يراها وجودية بين الشعر ودوره الاجتماعى / الجمالى.

 اللعب صانع العالم
إن فؤاد قاعود وقصائده يمارسان اللعب مع الكلمات وبها، لكنه ليس اللعب الذى تحدثه صدفة اصطكاكات الحروف، وإنما اللعب المنتج الذى يقف وراءه ذهن يقظ يتخفى وراء ألوان اللوحة فلا يبين من عناصرها إلا عوالم كاشفة توقع الرائى / القارىء فى محبتها :
"وقعدت ألعب بالكلام
نحت كلمه صلده زى الحجر
حنتفتها بقت اسطوانيه
ثبت فوقها كلمه أصغر شويه
وكلمه أصغر ف أصغر
بقت عمود السوارى " (1)
هنا تتجلى قدرته على اللعب بجدارة العارف بقوانينه، ليس لعبا مجانيا، وإنما بقدرته على توليد المفردة تلو المفردة، وهو إذ يمارس اللعب ينبئك بقوانينه التى تخصه لكنك لو مارست اللعبة فلن تصل إلى ما وصلت إليه نهاية اللعبة، فهو يصنع القانون ليفارقه عبر تداع حر، فموسيقى مفردة "السوارى" تقف لتعلن عن نقلة جديدة فى اللعب
"البحر ساحر والمناخ قارى
يا جنة النور والهياج اللذيذ
الرؤيه واصله للبوغاز العزيز
والريح بيعمل فى الستائر عبر
الموت فى لحظه ولا شك الإبر
وانا ما قريت الغث غير فى الكبر
وسط الزحام
ورجعت ألعب بالكلام" (2)
والمتأمل لقصيدة "اللعب" سيتأكد من تحول الحروف، ثم الكلمات إلى عوالم حية، ففى مجموعة قليلة من السطور يشكل، بل يقيم نخلة، يتحلق حولها بعض الدور الطينية الصغيرة، ليبدأ العالم فى ممارسة الكلام وخلق العوالم، وحينما ينتهى الخلق يبدأ من جديد "اللعب" وكأن اللعب مقصود لذاته، فالشعر فى تجل من تجلياته لعب بالأصوات والحروف والكلمات، لكنه لعب لتنظيم الفوضى
وزهقت م الرسوم
رشيت عليه حبة كلام مدغوم
ما فضلش شىء معلوم
وإيه فضل فى جعبتك ياليوم
أرسم سفينه ولا عصفوره
ولا عجوز ساحر ببنوره
ولا أهد الحروف وألمها فى الدرج
وانا همومى ماليه كل الخرج
لكن يجينى ويعترينى الوئام
ساعة ما بلعب بالكلام (3)
 الشاعر المتورط فى العالم

إن القارىء لأشعار شاعرنا الكبير فؤاد قاعود سيتأكد أنه ليس الشاعر الذى يصنع عالما ثنائيا كتليا ينبنى بين ضفتين كبيرتين وتكون مهمته ملء مابينهما، لكنه ذلك الشاعر المتورط فى العالم؛ عالمه الرؤيوى الخاص، العالم بمعناه المجرد، العالم المعيش بما فيه من جماعات وأفراد، لذا سنجد فى عدد من القصائد أنه تم توريطه فى العالم رغما عنه ليتم سحبه من قوقعته / عالمه الكهفى الذى اختاره للتأمل تارة، وللسخرية من بعض النماذج البشرية تارة أخرى، لكنها ليست سخرية الزجل، وإنما سخرية تتمحور حول عدد من الأفكار الوجودية، وهو إذ يختار مكانه الساحر البعيد كى يسمح له بمساحة لمكاشفة العالم بما فيه من نماذج إنسانية، لكنه يرى نفسه أكثر، يراها فى تورطها لنقف أمام ذات متسائلة، تشعر بالغربة فى عالم لم تكن سببا فى وجوده، وإنما متورطة فيه، فما كان لها إلا أن تعاين تورطها وتورط الأخرين لتقول شهادتها شعرا صادما وكاشفا بحدة وبعمق فى آن معا :

"أقر إنى شفت عند الشروق
الشمس طالعه
وأقر إنى شفتها بتنزل
عند الغروب
لكن جريمة القتل ما شفتهاش!" (4)
هنا تتبدى قدرتـه على اكتناه الشعر وكشف العالم، نعم لقد تورط القارىء معه فى المتابعة، بل أصبح مثله يقر بحقائق كونية كشروق الشمس وغروبها، لكن السؤال أى قتل قد تم، ومن القاتل، ومن المقتول، ومن أجبره على الإقرار، هو يقف إذن كشاهد على حادث وقع فعلا، لتبدأ الأسئلة فى محاصرته:
"سمعت إيه ؟
سمعت موج البحر بيزمجر
على بعد مليون ميل
لكنى ما سمعتش صريخ الضحيه
برغم قربى من مكان الحادث"(5)
من هذه النقطة المركزية، ومن قدرته على التخييل تنطلق القصيدة لتنبنى مرتفعة بقارئها ليصبح شاهدا على ما حدث، بل متورطا فيه:
"أيوه أنا شفت النجوم بالليل
وكان ما بينهم نجمه حمرا بترتعش
كأن لو زاد الهوا عليها
ح تنطفى
لكنى ما اتذكرش وجه القاتل
مع إنه فات
من جنبى واتبادل معايا الكلام" (6)
من هنا تبدأ الأسئلة فى محاصرتنا أيضا خاصة مع العالم الغامض الذى رسمه، عالم لا يحفل بيقين تمارس فيه "كأن" لعبتها وقدرتها على التخييل، ماهى هذه النجمة الحمراء التى ترتعش، وما شكل القاتل، هل هناك قاتل حقا ومقتول، أم أنها لعبة تورطنا فيها كقراء فأصبحنا فى قلب الحقيقة :
"كان شكله إيه ؟
طويل قوى وقصير
وتخين رفيع أسمرانى وأشقر
لا له حدود مميزه
ولا شكل ثابت" (7)
هكذا يصبح العالم أكثر غموضا، ويصبح الشاهد غير قادر على التعرف على ما رآه، أو لأنه لم ير شيئا، حيث كان يمارس تأمله ليصنع عوالمه الخاصة، تورط أو تم توريطه فى شهادة، من هنا يمارس عدم معرفته/ معرفته الكاملة عبر السخرية من خلال جمع ما لا يجتمع (تخين – رفيع – أسمرانى ـ أشقر) هل يرواغ فى شهادته، أم يجمع صورا للقتلة والمقتولين، هل يؤكد أنهم أكثر من قاتل وأكثر من قتيل تجمعت فى ملامحهم كل هذه السمات:
ما دام فى كل قضيه يلزمكم
قاتل ومقتول وشاهد
ممكن قوى
أكون أنا القاتل أو المقتول
لكن بلاش أشهد وأقول الحق "(8)
ولأن شعوره المتحلق حول دلالات "التورط" تكاد تنتشر فى عدد كبير من قصائد دواوينه فقد آثر العزلة، ورأى فيها منجاته من الضجيج والصراع الذى قد يحوله إلى ترس فى آلة؛ أية آلة سواء كانت الكتابة – الشهرة – السياسة – البشر، من هنا فقد اكتفى بالشعر وباكتشاف بعض الموهوبين عبر بابه فى صباح الخير "الفرازة"، وبعض كتابات محبة عن بعض الشعراء لعل أهمهم بيرم التونسى الذى كان تأثيره كبيرا على مسيرة فؤاد قاعود الشعرية، من هذا الاختيار الوجودى، تمخض الشعر، أو ربما كان الشعر هو الذى اختار له مكمنه الخاص لا يلتمس شهرة ولا يسعى إلى نشر دواوينه، لا حظ أن كل دواوينه تم نشرها فى دور نشر خاصة (9)، عدا مختاراته الشعرية (10)
ومن خلال قراءة أشعاره ندرك أن العزلة / الوحدة تمثل اختيارا أصيلا، ففيها يكمن الأمان والشعر وكشف الذات، ويختار لعزلته قوقعة حصينة تستعصى على "حوافر الغيلان"
أخدت وجبتى م الذكريات
وشربت قهوتى
وعن سلام النفس والهدوء
بحثت جوه وحدتى
لكنما الأصوات
بتفوت من السدود
وتشدنى لغوغائية المدينه
ما تخبطيش يا ريح على الشباك
ولا تولولى حوالين غرفتى
دى القوقعه أمان
جعلتها من ذاتى حصن بدون بيبان
جدرانه أصلب من حوافر الغيلان (11)
والشاعـر فى قوقعته المختارة أمكنه التعرف على نفسه، قابلها فى غموض وعتمة كهفها، وتتجلى المفارقة حين يتعرف إليها فى "ليل غميق"، بل حينما نظر إلى هذه الحلكة قد وجدها فيه، وكأنها الليل بعينه، إنه موقف وجودى يعلن فيه أن الضوء خادع ولا يمكن أن تتعرف على ذاتك بحقيقتها خلاله
فى قلب كهفى ليل غميق
نظرت فيه
عرفت نفسى مين ؟
لكن فى نور الشمس يا عيون
بيلمع السراب ويختفى اللياب (12)
وفى طريقه للاعتزال يغاير عادات الشعراء فى الائتناس بالقمر ومصاحبته، وكذلك عشقهم لمفردات الطبيعة التى تكون ذات تأثير على كتابتهم، لذا فهو يؤكد أنه ليس بحاجة إلى ضياء القمر فلا تأثير له – حزنا أو فرحا – عليه، كما أنه قد فقد شوقه للبحور بوصفها العوالم الحية الأقل صخبا، لكنه رغم تشوقه ليس بحاجة إليها لما فيها من وحشية، فاندماجه يعنى أن يكون شاهدا أو متورطا، وهو يطارد هذا الشعور دوما فى أشعاره :
بلاش تسرسب يا قمر ضياك
من كوتى الوحيده
انا لا يبكينى سقوطك فى الغيوم
ولا يفرحنى خلاصك م الضباب
ولا كنا يوم صحاب
فقدت شوقى للبحور
لما رأيت قوافل الحيتان
ممدده على الشطوط
وشفت فى الكابينه أخطبوط
بيصطبح بدم بنت (13)
الشاعر إذن يعانى من كائنات الوجود ويراها مقتحمة حياته، وكأنه يجعلنا نعيد تأمل مقولـة "الجحيم هم الأخرون"، فرغم عصمته، بل اعتصامه بكهفه إلا أنه أدرك منابع الألم، ووصل إلى ذروة الفلسفة حينما تتخلل الشعر مؤكدا أن العذاب أبدى، وهو قرين الحياة، لا ينتهى إلا إذا انطوى الكتاب وعدنا مرة إلى التراب، ليتناص مع الآية القرآنية "وخلقنا الإنسان فى كبد"، يالها من حقيقة محاصرة ندركها لكننا لم نختر سواها، ولا ينتهى العذاب :
"ضربت حسبتى مع الحياه
لقيتنى من يوم الميلاد
بدفع فى كل بسمه صرختين طوال
وما ينتهى العذاب
غير لما ينطوى الكتاب
ويرجع التراب للتراب" (14)
وتتجلى آثار الوحدة فى فى إعادة النظر إلى البديهيات، فالعالم مختلف فى الوحدة، وبالتالى فالأستلة بالتبعية ستكون مختلفة، وأن ما نعرفه من بديهيات أمر اتفاقى يمكن أن نتفق على غيره، ولن يتغير العالم بتغيره، فنحن أسرى وجودنا فى هذا العالم:
"فضلت عيونى مفتحه فى الضلام
سألت نجمه خارج المجموعه
خمسه وخمسه يبقوا كام
قالت لى خمسه وخمسه مش عشره
ولو اتفقنا فى أول الحسبه
بإن خمسه وخمسه ستاشر
ما كانش يحصل شىء" (15)
ولأن العالم مقبض، ولا سبيل للذات إلا الاحتماء بقوقعتها الخاصة، لكن الوحدة فى عالم زاخم بالأصوات والحركة يعد اختيارا قاسيا قد تتمرد الذات عليه، خاصة إذا زادت الجدران وكبلت الذات وحريتها:
"طلع النهار
ودخلت فى حديث طويل
مع الجدار
لعنت صلفه وقسوته
لكنه لم ينهار
ولما ران الصمت ع الموجودين
لجأت للتفكير بصوت عالى
ونسفت جدرانى اللى جوايا"(16)
ولا يتوقف الأمر عند الوحدة بوصفها منهج حياة، لكن الوحدة تنتج قدرا عاليا من "الخواطر" والتوجسات فيمن خارجها، وكأن الخارج يمثل عدوا سافرا يتسلط دوما على أعز وأثمن ما تملكه الذات وهو وحدتها، هذه الوحدة التى تصنع نوعا من الخيالات، وتطرأ فيها بعض الأفكار التى تجتذب الشعر:

ونا وحدى نص الليل
طرأت فى خاطرى فكره ممنوعه
فى ساعتها رن الجرس
دخلوا تلاته م الحرس
واتنين محققين " (17)
فالأفكار الممثلة فى "الخاطر" تنمو وتنمو لنصبح أما عالم كامل وشخوص يحاكمون وتحقيقات، ليصنع الوهم حقيقة كبرى نستطيع معاينتها فى الوجود، هكذا بلا ذنب وبلا جريمة تتم المحاكمة؛ محاكمة صنعتها العزلة أم أنها تم استدعاؤها فى العزلة لنتأكد أنها كانت اختيارا له ما يبرره فى الواقع:
"حاسبونى من غير كلام
وسجلوا فى الدوسيه
نقط بدون انتظام
أقواس ما بينها فراغ
علامات تعجب حاده واستفهام"(18)
 صيغة جديدة للموال

لقد شكلت الجماعة الشعبية عدة صيغ للموال منها: الرباعى – الخماسى – الخماسى الأعرج – السباعى، وزادت أغصان هذه المواويل لتصل إلى أعداد أكبر مثل الموال (19 زهرة)، والموال (25 زهرة) وكان نمو المواويل يتم ـ عرفا ـ بأعداد فردية، فضلا عن تكون الموال من ثلاث حركات بنائية هى: عتبة الموال – بدن / ردف الموال – رباط / غطاء الموال، فالجماعة الشعبية قد استقرت على أبنية موالية ليس من ضمنها الموال الثمانى فى حدود ما نعلم، وفى حدود الجمع الميدانى المتواتر، هذا بالنسبة للموال الشعبى، أما الموال فى الزجل فقد كتب بيرم التونسى عدة مواويل تتكون من ثمانية أغصان، وقد تعامل بيرم مع هذا الشكل على نظامين:
• أ- الموال الثمانى الذى يتكون من حركتين جناسيتين

إن هذا الشكل لم نجد مثيلا له ـ فى حدود ما تم جمعه ميدانيا ـ فى الشعر الشعبى ، لكنه يقارب فى نظامه الموال السباعى ، فهو يسير بنائيا على النظامين التاليين :
(1) ـــــــ أ (1) ـــــــ أ
(2) ـــــــ أ (2) ـــــــ أ
(3) ـــــــ أ (3) ـــــــ أ
(4) ـــــــ ب (4) ـــــــ أ
(5) ـــــــ ب (5) ـــــــ ب
(6) ـــــــ ب (6) ـــــــ ب
(7) ـــــــ ب (7) ـــــــ ب
(8) ـــــــ أ (8) ـــــــ أ

1) فى حـارة القِدره دَلَّاله اسمهـا أم خليـل
2) خمسين سنه عمرهـا لكن من الشماليـل عتبة الموال
3) وراها قنطار شغت شايـلاه وهـم تقـيل
4) بالاختصار لمـا تـمشى تفكـرك بالفيـل
5) والبـرقع لى على الأنـف العريض محطوط ردف الموال
6) بالصنعه والفن فوق كرسـى كـان ممطوط
7) ما يظهر إلا عيـون متكحلـه وخـطـوط
8) ويـخفى داهيـة حنك وصـدغ طويــل رباط الموال / الغطاء
إن بيبرم فى هذا الموال قد تمثل الشكل السباعى، لكنه أضاف شطرا للحركة الأولى ، فأصبح الموال ثمانيا ، من هنا فقد تناص بيرم مع النظام الهندسي للموال السباعى ، إضافة إلى استدعائه لبعض الموتيفات Motifs الشعبية المستمدة من الحارة المصرية والتى منها (الدلاله –البرقع – التكحيل ) ، فكل مفردة تستدعى عالما يتساوق مع الأفكار الشعبية خاصة فى أحياء المدينة الشعبية ، كما أن استدعاءه للحارة يضمر خلفه مجموعـة من العادات والتقاليد ، وطريقة فى الزى والتجميل ، بل طريقة فى الكلام تخص بعض الحارات المصرية . ولبيرم فى الشكل الثمانى نموذج آخر يغاير به بين عدد كل من الحركتين، فيجعل الأولى مكونة من أشطر ثلاثة، والثانية من أربعة أشطر على عكس الموال السابق ، ثم يأتى بشطر ثامن يكون رباطا أو غطاء للموال .

• ب – الموال الثمانى المتبادل القافية

وهو يتكون من حركة واحدة، يتم فيها تبادل قافيتين بشكل متوال على النحو التالى :

(1) ـــــــ أ
(2) ـــــــ ب
(3) ـــــــ أ
(4) ـــــــ ب
(5) ـــــــ أ
(6) ـــــــ ب
(7) ـــــــ أ
(8) ـــــــ ب

الفـن فى الشـرق منه قلـبنا ممغـوص أ
من كتر ما بيجلب الأوخـام والأوجاع ب
صبح هلاهيـل لابسها مدعى بلبـوص أ
على المسارح وع الشاشه وفى المذيـاع ب
من كل تيجان ملـوك الفن فيها فصوص أ
اللى سرقها اشتهر واللى بدعها ضـاع ب
على المسارح تروح تسمع كلام مرصوص أ
عن الحكم والمواعـظ سقفوا يا رعـاع ب

إن لنص بيرم حركية أوسع من القوالب الشعبية – هذا ليس حكما بالقيمة – فمن خلال معرفته بها، وإدراكه لأسرارها، ينوع فى أبنية أزجاله، ويفارق بنصوصه الأبنية الشعبية فى معظم الأحايين، لكنه يظل خاضعا لبعض قوانينها دون فكاك من أسرها كلية. (19) أما شاعرنا الكبير فؤاد قاعود وهو من عشاق بيرم فقد كتب ديوانا كاملا بعنوان "المواويل "، جميعها جاءت ثمانية الأغصان لكنه فارق النص الشعبى، ونصوص بيرم فى طريقة بنائها، وقد جاءت مواويل قاعود على هذا النحو (أ . أ . أ . ب . ب . ج. ج. أ) أى (3 + 2+2+1) ولقد تفنن فيه باستدعاء القوافى البكر ، كما أنه استطاع تحميل هذه الأغصان بثمرات فلسفية عميقة لتقف المواويل إلى جانب رباعيات جاهين معلنة أن العامية / الشعر قادرة على نفى مقولات رخيصة من مثل "العامية وعاء من ورق لا يستوعب الفن الرفيع" ، ولنتأمل مواويل قاعود وما تحمله من دلالات شديدة العمق ومعرفة كبيرة بالسياق الذى يبدع فيه :
ببنى المواويل سبيل واوقفهـا للمجاريح
خطّاب سراب المنى وبـلابـل التبريـح
واعمل بشارف شجر وارف وضل مريح
وديَّا طقـطـوقه تشبـه بنت ممشـوقه
الصدر مطلع وعنـد الخصـر معفوقـه
ونا اللى خص الهـوى قدرى فى دنياتى
بقـد قفلـة عجــم وبحضـن بيـاتى
بوهب غنايا عطايـا للمطـر والريـح (20)
إن تأمل هذا الموال ـ هو الموال الافتتاحى ـ يؤكد على معرفة قاعود العميقة باصطلاحات الموسيقى والموسيقيين (المواويل – بشارف – طقطوقه – مطلع – معفوقه – قفلة – عجم – بياتى ) ، وهو من البداية يجعل هذه المواويل وقفا على المجاريح ، هى إذن هبته للطبيعة بما فيها من ناس ومطر وريح ، وتتجاور المواويل صانعة حالة مدهشة لتؤكد قدرة قاعود الهائلة على حبس السماء والأرض فى قفص الشكل
داريت بكوخـي رضوخي للسنين البور
وخلقت ويا المكان لغوة لسان وشعـور
وجعلت بالفكـر مرتع بكر في المنظور
وصنعت والبـدر غـافي كـل أطيافي
ولا كانش رغم انصرافي سمتكم خافي
أرسل شريط الرؤى في وحده موصوله
وتو مـا اتفـك منـي يـد مغلولـه
أقطع بمقطع بيسطع من حروفه النور(21)
والملاحظ أن قاعود يبث الموال من ذاته أفكاره الأثيرة عن الاختلاء والعزلة وعدم السعى وراء الشهرة ، فالهدف هو الشعر ولا غير ، لذا فهو يوجه خطابه لطالب الشهرة بسخرية :
لـو غيتـك شهرتـك اعمـل لها طبـال
صوت الكفوف ع الدفوف يدوش لكين قتال
والشهره مهره حويطة تقلـب المختــال
تجمـح وترمـح وتقـزح باللي راكبهـا
يا يـطـب للديـل يا يطلع فـوق مناكبها
تعانـد اللي ركبـها والغـرور سـاقـه
وتصـاحـب اللـي يلجمهـا بأخـلاقـه
والحـر لجـل الحقيقـة يـركب الأهوال (22)
ورغم أنت أشعار قاعود تلقى بقارئها فى جب الوحدة والإحساس بالألم والقهر والتورط فى الوجود إلا أن "أشعاره لم تفقد الأمل أبدا في أن تشرق يوما الشمس التي توزع الدفء والضوء على الجميع، وهذا ما يرجح عندي القول بأن هذا القهر ليس كونيا، لكنه قهر موضوعي مرتبط بعوامل محددة في الواقع الاقتصادي – السياسي – الاجتماعي، قهر لا يتعالى على قدرة الإنسان على الفعل والتغيير .. إن ملامح العالم الشعري لفؤاد قاعود تتحدد أكثر فأكثر على ضوء هذه البلورات الصغيرة، هذه الفرائد، حين انتظمها خيط واحد هو الذي ينتظم إبداع الشاعر على العموم: القهر، والرفض ، والتماس سبل الخلاص أشعار قاعود إذن هي ثمرة ناضجة من شعر العامية المصرية، لشاعر آثر أن يعتزل ضجيج السوق، فوقف بعيدا، لا يحول شئ بينه وبين أن يقول كلمته، مؤمنا بأن لا شئ يأتي ويذهب دون أثر" . (23)[/size][/size]


المراجع والحواشى
1) مختارات فؤاد قاعود، قصيدة: اللعب، ص 34، سلسلة كتاب الثقافة الجديدة، ع (42) ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، فبراير ، 1997.
2) السابق.
3) السابق.
4) السابق، قصيدة الشاهد، ص 9
5) السابق.
6) السابق.
7) الساب .
8) السابق.
9) وقد صدرت هذه الدواوين على الوجه التالى :
- الاعتراض، دار العالم الجديد، القاهرة، 1977.
- المواويل، كراسات الفكر المعاصر، القاهرة، 1978.
- الخروج من الظل. مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.
- الصدمة – مكتبة مدبولي ، القاهرة 1997.
- ضمير المتكلم بعد 11 سبتمبر، شرح الجرح، الأحمدى للنشر 2002،
- كتب عددا من الأغانى للشيخ أمام منها : أحزان القرد – الشجره بتخضر – العزيق – بائع متجول – لكل فعل رد .
10) وقد صدرت طبعتها معيبة خاصة ديوان المواويل حيث تداخلت حروف القصائد، ناهيك بعض الأخطاء الطباعية، راجع، مختارات فؤاد قاعود، سلسلة كتاب الثقافة الجديدة، ع (42)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، فبراير، 1997.
11) مختارات فؤاد قاعود، مرجع سابق، قصيدة، القوقعه ، ص 14 .
12) السابق .
13) السابق.
14) السابق .
15) مختارات فؤاد قاعود ، مرجع سابق ، قصيدة ، الغريب ، ص 18 .
16) السابق.
17) مختارات فؤاد قاعود ، مرجع سابق ، قصيدة ، الخاطر ، ص 24 .
18) السابق.
19) راجع ، مسعود شومان ، الإبداع بالعامية ، دراسة فى آليات استلهام التراث والمأثور الشعبى ، ضمن كتاب أبحاث مؤتمر أدباء مصر ، الدورة العشرون ، ص 441.
20) مختارات فؤاد قاعود ، ديوان المواويل ،موال إهداء ، ص 215.
21) مختارات فؤاد قاعود ، ديوان المواويل ، موال العزله ص 242.
22) مختارات فؤاد قاعود ، ديوان المواويل ، موال الشهرة، ص 242.
23) فاروق عبد القادر، مقدمة ديوان المواويل، كراسات الفكر المعاصر، القاهرة، 1978.

اشرف الخريبي
09/11/2006, 09:13 PM
شكرا لك الصديق مسعود شومان

اين انت ايها الغالى
قرأت اسمك هنا واسترحت لوجودك

دراستك القيمة الرائعة عن الشاعر البديع فؤاد قاعود
تستحق كل تقدير ايها الغالى
اتمنى دوام التواصل

اشرف الخريبي

مسعود شومان
10/11/2006, 05:07 AM
الشاعر الأستاذ : اشرف الخريبى
انا أمارس فضيلة الصمت ، ويالها من ممارسة شاقة ، أعكف لانجاز ما سكت عنه طويلا ، ربما نزرع فى الأرض البور شجرة يستظل بها المتعبون من أمثالنا
تحياتى وتقديرى لك
دمت محبا
مسعود شومان
shomanfolk@yahoo.com

اشرف الخريبي
10/11/2006, 07:07 PM
جميل انك لقبتنى بالشاعر
لازلت تذكر ذلك النص الذى قرأته عليك
رغم أنى روائى وناقد حسب تسجيلى
المهم
هذا رقم هاتفى واعطنى هاتفك كى نتقابل
0108167091

مسعود شومان
09/12/2006, 03:52 AM
الكاتب الأستاذ أشرف الخريبى
اقبل اعتذارى
يبدو ان انحيازى للشعر والشعراء جعلنى اتعجل كتابة اللقب هكذا وعموما انت شاعر فى كتابتك
كما يبدو ان الانشغال بالرد السريع قد اوقعنى فى هذا الخطأ
ارجو المعذرة
محبتى وتقديرى
مسعود شومان