المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقد الفل وعقد اللؤلؤ



د. فوزية العشماوي
23/05/2007, 02:00 AM
عقد الفل وعقد اللؤلؤ
Le Collier de jasmin et le collier de perles

د. فوزية العشماوي

انا أتأرجح فوق مركب صغير تعصف به الأمواج العاتية ، وهو أمامي واقفا ممسكا بمجداف طويل يحاول أن ينقذ المركب ويمنعه من الغرق ، ولكنه لا يعرف كيف يجدف ولا في أي إتجاه . أنا أصرخ فيه وأطالبه بأن يقرأ الأرشادات الأولية المكتوبة أمامه بخط واضح فوق عجلة قيادة المركب ولكنه لا يأبه بكلامي و لا بصراخي وكأنه لا يسمع ما أقول ، نظراته غائرة ، تائهة ولا يحاول أن ينظر في الخريطة الملاحية أمامنا ، وأنا أمامه أصرخ وأتأرجح مع المركب والبحر حولنا هائج ومائج ومخيف ...

*************
تذكرت هذا الحلم الغريب وأنا أغتسل تحت الدش في الصباح وإستعدت ما جرى قبل النوم الليلة الماضية ، أخذني عنوة في جماع معه لم يدم دقائق معدودات ... أخذني عنوة بعد مناقشة سقيمة إستمرت حتى مطلع الفجر . وكعادته منذ سنوات طوال ، كلما إحتدم النقاش بيننا وعلا صوتي مطالبة بوضع حد لحياتنا الزوجية التي استمرت عشرين عاما رغم إستحالة التفاهم بيننا ، يضمني اليه بعنف غصبا عني ويخرسني بشفتيه الغليظتين فيكتم الصرخة في حلقي ، فيقضي على مقاومتي بقوته الجسدية .... القوة الوحيدة التي يتفوق بها علي فيهزمني .
دام النقاش بيننا عشرين عاما لم أستطع خلالها أن أقنعه بصواب رأيي ولم ينجح في أن يثبت لي أنه على حق . لم يحاول أبدا أن يسمع ما أقول ، أن يعيه ، أن يتفكر فيه ويجرب وجهة نظري في أي أمر من الأمور. لم يقبل أن يطبق نظرية واحدة من نظرياتي او مبدأ واحدا من مبادئي في الحياة .
وبالرغم من كل ما يمكن أن يقال عنا ، وبالرغم من إرتباطنا وحبنا العارم وعواطفنا المشتعلة دوما إلا أن كل منا كان يشعر في أعماقه بغصة ما ... بمرارة عدم التفاهم .
الماء البارد يدغدغ حواسي ، ولكن ما هذا الصوت ؟ وماذا يسقط مني ، من بين أفخاذي ؟ فتحت عيوني المغلقة تفاديا للشامبو فرأيت الماء ينساب من حول جسدي العاري ويسقط على أرضية البانيو ، ولكن ما هذه الحبيبات البيضاء التي تسقط مع حبيبات الماء ؟ حبات لؤلؤ؟ بحركة لا أرادية وضعت يدي حول عنقي فأذا بعقد اللؤلؤ قد أنفرط بعد أن أنقطع الخيط الرفيع الذي كان يضم الحبات الثمينة .
حبات اللؤلؤ المنفرطة تجري الواحدة تلو الأخرى وتسقط في بلاعة البانيو . لم أع في البداية أن عقد اللؤلؤ قد أنفرط ، فلم أتخيل أبدا أن بإمكاني أن أنسى أن أنزعه من عنقي قبل دخول الحمام . كيف حدث هذا ؟ عقد اللؤلؤ الثمين من محلات " كارتيه " في باريس ، أغلى ما عندي من مجوهرات ، كيف نسيت أن أخلعه قبل الدخول تحت الدش ؟ السرحان الدائم الذي أعيش فيه جعلني أعرض أغلى ما أملك للضياع .
اليوم ضاعت حبات عقد اللؤلؤ تحت الماء كما ضاعت سنوات عمري تحت العواصف ، وغدا من سينفرط ويضيع ؟ أخذت أنظر ببلاهة الى الحبات الغالية البيضاء وهي تضيع أمام عيني وأنا لاأقوي على أن أفعل لها شيئا ، ضاعت مني كما ضاعت سنوات عمري رغما عني . حاولت إيقاف ضياع حبات اللؤلؤ بقدمي ، سددت فم البلاعة وأحكمت سدها فأدخلت أصابع قدمي في الفجوة ، فقدت توازني وكدت أنزلق . ملت الى الأمام كأني أتأرجح ، كأني فوق مركب تغرق.

*******************
البحر هادئ أمامنا كبساط أزرق ناعم ممتد والزبد الأبيض يتراقص وسط الأمواج الصغيرة المتكسرة التي تستكين في خضوع ، على شاطئ السلسلة بالاسكندرية في أوائل الستينيات ، وأنا وحبيبي الأسمر جالسين على دكة نأكل الترمس والحلبة الخضراء ، بينما صوت "فيروز" الملائكي يصل إلينا عبر المذياع تغني أغنيتها الجديدة "شط إسكندرية " :
شط إسكندرية ياشط الهوا زرنا إسكندرية رمانا الهوى
ليالي مشيتك يا شط الغرام وإن أنا نسيتك ينساني المنام
صوته الخشن يعلو على صوت " فيروز " الناعم ، يدخل تعديلا على المقطع الأخير للأغنية فيردد : " وإن أنا نسيتك تنساني المدام " ، وتغرق " المدام " التي هي أنا ، في الضحك وتنظر الى الحليوه الإسكندراني الأسمر بدلال وتغني بدورها مقلدة صوت كوكب الشرق " أم كلثوم " :
أنساك يا سلام أنساك دا كلام أهو دا اللي مش ممكن أبدا
فينتشي الشاب الأسمرمن السعادة ويضحك عاليا وهو يقول : " أم كلثوم" تفوز على "فيروز " .
إسكندرية وليالي إسكندرية في الصيف : البحر ونورالقمر على صفحته الهادية الرقراقة والنسمات العليلة وبائعة الفل والياسمين تمر بين الجالسين على الدكك بطول الكورنيش من الشاطبي الى محطة الرمل . تختار بائعة الفل العاشقين المتيمين لتبيع لهم عقود الفل والياسمين . تقترب من الشاب الأسمر الذي يحيط خسري بذراعه ونحن جالسان أمام البحر وظهرنا للدنيا والناس ، تمد له عقدا أبيض من الفل وتغريه على الشراء بقولها :" ربنا يخلي لك الأمورة " ، وتضحك " الأمورة " التي هي أنا ، وتنظر الى حبيبها في دلال وكأنها تقيس مدى حرصه عليها ، فيدخل هو يده في جيبه ويخرج قرشين يدسهما في يد البائعة الذكية ويأخذ منها عقد الفل ويلفه حول رقبة " الأمورة" التي يزداد وجهها إشراقا وحبورا .
كم مرة إلتف عقد الفل حول عنقي في جلساتنا الخلوية على كورنيش أسكندرية ، أيام الخطوبة ؟ كم عقد عاش حول عنقي حتى صباح اليوم التالي ؟ كم مرة إغتسلت في الصباح وعقد الفل لا يزال حول عنقي ثم تبدأ أوراق الفل تتساقط مع الماء وينقطع الخيط الرفيع الذي يجمعها وينفرط عقد الفل من حول عنقي؟
كان يقول لي في كل مرة يضع عقد الفل حول عنقي :" سيأتي يوم إن شاء الله وأضع حول عنقك عقد لؤلؤ حقيقي من محلات " كيرلس الكبرى " في المنشية".
كنت أضحك وأشترط عليه بدلال :" لا يا حبيبي ، أنا عايزة عقد لؤلؤ من محلات كارتيه في باريس وجنيف ". يتحمس ويبدو في عينيه التحدي والثقة بالمستقبل ويحلف: "ومقام سيدي المرسي أبو العباس لأشتريه لك من محلات " كارتيه " مهما غى ثمنه ومهما طال الزمن ."
لم يطل بنا الزمن وإنسابت سنوات العمر وكبر الحليوه الاسكندراني وأصبح من كبار الدبلوماسيين وأستقر بنا الحال في مدينة جنيف الهادئة ، على شاطئ بحيرة ليمان ، في سويسرا بلد الحياد والأمان . ولكن الشاب الأسمر تغير مع الأيام وأصبح صدره ضيقا لا يتحمل النقاش ولا كتر الكلام ولكنة كان دائما كريما معي . ألبسني الحرير وأهداني الذهب والماس وسافرت كثيرا معه ، لفينا العالم ، معظم بلاد أوروبا بالسيارة . كان يحب قيادة السيارات وكان يغير سيارته كل عام وكل مرة تكون السيارة الجديدة أفخم من السابقة وأحدث موديلا وأكثر طولا .
في عيد ميلادي الثالث والثلاثين ، وبعد مرور سبع سنوات على زواجنا ، سافرنا معا الى باريس في رحلة شهر عسل جديد حسب قوله. ونزلنا في أحد أفخم فنادق عاصمة النور في الشانزليزية ، وحول مائدة مستديرة فوقها مفرش ناصع البياض وشمعدان فضي به شمعتان في لون الورد البلدي ، أخرج زوجي من جيبه علبة مخملية زرقاء مستطيلة وقدمها لي قائلا : " وعد الحر دين عليه ".
حين فتحت العلبة سطعت الحبات البيضاء ببريق آخاذ تحت ضوء الشمعتين الورديتين ، ومد يده السمراء وأخرج من العلبة عقد اللؤلؤ من محلات كارتيه بباريس ، لف عقد اللؤلؤ حول عنقي وهو يضع قبلة حانية فوق خدي ويهمس في أذني :" ربنا يخليلي الأمورة ".

***************
أمسكت بيدى اليمنى الجزء المتبقي حول عنقي من عقد اللؤلؤ المنفرط ، صف بسيط لم يعد به سوى حبات قليلة . ضغطت بيدي على الحبات المتبقية لأمنعها من اللحاق بالأخريات . أحسست وكأني أمسك بيدى ما تبقى من سنوات عمري.
شعرت بدوار مفاجئ وسقط جسدي العاري في البانيو الواسع الذي إمتلأ بالماء لأنني ما زلت واضعة أصابعي في فتحة البالوعة لأمنع تسرب حبات اللؤلؤ .
أمسكت باليد الأخرى جدار البانيو ، حاولت الوقوف فلم أستطع ... أصابع قدمي لا تزال ملتوية داخل فجوة البلاعة لتنقذ ما يجري من حبات اللؤلؤ. بدأت أسترخي رويدا رويدا في الماء الدافئ المنهمر من الدش وأنا أحملق في تموجات الأبيض والأزرق في جدار الفسيفساء من حولي .
وحين عاد في المساء أخبرني أنه مسافر الى باريس لحضور مؤتمر في اليونسكو لمدة يومين ، وسألني أن كنت أحتاج لشئ من هناك . لزمت الصمت طويلا ثم نهضت ببطء من مقعدي حول مائدة العشاء الزاخرة بما لذ وطاب والتي بقيت أطباقها الشهية مليئة بمحتوياتها. صعدت الى غرفة النوم ونزلت سلم الفيلا بعد دقائق وأنا أحمل في يدي العلية المخملية الزرقاء المستطيلة وبداخلها ما تبقى من حبات عقد اللؤلؤ المنفرط ، ومددت له يدي بالعلبة وأنا أقول له :" أرجوك تعطيه لمحلات كارتيه في باريس لإعاده لفه وإكمال الحبات الضائعة ... ضاع منه عشرون حبة .

**************

الشاعرمحمدأسامةالبهائي
23/05/2007, 07:33 AM
http://www.upload2world.com/pic19/upload2world_44b2e.gif
حبيبي أحتميت بك قد ماروحي طارت بك
ومبقاش حبيبتك لو ماخفت وغيرت قوي من غيبتك
ما أنا ما أتمنيتش لما أحتميت بك أكتر من إني اكون حبيبتك

ــــــــــــــــــــــــــــــ
وانفرطت سنين العمر وضاعت رغم الأستماتة علي عدم ضياعها وسقوطها هباءً أسقطتتني لأني أغمضت عيني لأجعل من نصيبي ينساب علي جسدي كالماء الدافئ أو ربما أستشعرته هكذا لا أمتلك اللحظة لأطلاق صرخاتي لا لكي أحيا وأنما لأستشعر الحياة حرية تعوضني عن ضياع الخيط الرفيع مابين العيش والحياة إنها قصتك عقد جف وعقد أنفرط وكما أري هذا القرب من الألتماس مابين الرمز والمباشرة عقدين أولهما فيه متنفس الحياة وعنفوانها والثاني غني بالتجربة الحياتية فينقضي عقد الشباب وعقد الأتزان
إلا أن هناك خاتمة لاتتوافق والحلم وهاتفه المتكرر لكي يفيق ويعلم أننا في مركب واحد ولابد من الأبحار لعالم التوحد. المطلق قبل الغرق.


شكراً
دكتورة فوزية العشماوي
ودوماً بكل الألق والتألق

http://www3.0zz0.com/2007/05/17/19/37851969.gif
أخيك
محمدأسامةالبهائي
بورسعيد

ابراهيم عبد المعطى داود
23/05/2007, 07:50 PM
النفس الانسانيه كالنهر الجارى ينساب أحيانا برفق وأحيانا يهدر بصخب 00وتارة تصفوا مياهة 00وتاره تتعكر هذه المياه 00
وأحيانا يفيض وأحيانا ينضب 00
وفى أحيان قليله تكون النفس محمله بكل ماسبق 000
هذه هى الحياه 00
نص جميل وبديع ينساب برقه وعزوبه كجدول مياه فى حديقة الشلالات بالاسكندريه أيام الزمن الجميل 000
وما أجمله من زمن 000
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم