المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القتل بدم بارد في نهر البارد



غالب ياسين
23/05/2007, 12:09 PM
لا بد أن الكوندليزا في جولاتها المكوكية بين الدول العربية و لقاءاتها المتكررة مع قادة الجيش والأجهزة الأمنية العربية لم تعطهم ضمن جدول اجتثاث المقاومة الفلسطينية وخنق آخر أنفاس التصدي تعليمات بمحاولة تجنب المدنيين والأبرياء والعزل ، لم تزودهم بأسلحة ذكية ولا مناظير ترى الجنين في بطن أمه ، لم تدربهم على أسلوب العمليات المحدودة التي تشتهر به المدرسة العسكرية الأمريكية، أسلوب يضرب في العمق ولكن دون ضجيج، ببطء ولكن بثقة slow but sure، إذ لا بأس فالضحايا ليسوا من مواطنيها والعمليات العسكرية في الدول العربية لا تتصف بالنجاح والفاعلية ما لم تلون الهواء والماء والأرض بالدماء والأشلاء والعفن ، ما لم ترمل النساء وتيتم الأطفال وتحيل المكان خراباً فوق رؤوس ساكنيه ، وهذا أيضاً من مصلحة أمريكا وحليفتها المدللة إسرائيل، فكلما زاد الضرب على الفلسطينيين العزل كلما زاد الضغط على الشعب الفلسطيني لتسليم السلاح والتخلي عن المقاومة.

وإلا فماذا يمكن أن يبرر ما يقوم به الجيش اللبناني من ضرب مخيم نهر البارد؟

إن هدف العملية المعلن هو القضاء على ما يسمى بالعناصر "الإرهابية" و لكن الناظر إلى الأحداث يرى أن المخيم برمته وسكانه تحولوا إلى "إرهابيين" فهم القتلى والجوعى والمشردون وعلى رؤوسهم تسقط القنابل والصواريخ التي لا تفرق بين معقل "الإرهابي" و بيت اللاجئ المنكوب.

كنا نسمع أن الأرواح تتناسخ ولكن أن تتناسخ النكبات فهذا ما يجب أن يتعود عليه الشعب الفلسطيني، إذ لم يمضي خمسة أيام على ذكرى النكبة الأولى حتى تولدت نكبات مصطنعة في داخل فلسطين وخارجها بأيدي عملاء في الداخل وبجيوش مستعربة في الخارج.

في نهر البارد حيث يتلظى اللاجئون الفلسطينيون بالعيش في مخيم باطن الأرض خير من الإقامة فيه إذ يفتقر إلى أبسط مؤهلات الحياة الإنسانية، مزاريب المياه القذرة هي ملاعب الأطفال ، وجيوب الآباء فارغة إلا من بعض قروش الإعانة ، جيتو فلسطيني في دولة عربية تحرمهم من العمل والتجنيس والعيش الكريم بحجة الحفاظ على حق العودة وعدم ضياع الهوية الفلسطينية بالانخراط في المجتمع اللبناني.

ولكن لا بد أن الفلسطينيين شعب جبار صبور ، ليس نسبة إلى شعب الجبابرة فهؤلاء كانوا قوم سوء وبطش ، ولكن تخلقاً بصفات التحمل والقدرة ، فعلى قدر ما نكبه إخوانه العرب وتآمروا وتاجروا بقضيته ، لم يتغير نحوهم بل منذ نكبته الأولى على يد عدوه الأوحد وهو يهرب إلى إخوته العرب هروب الطفل إلى صدر أمه للأمان والاحتضان، ولكن هذه الأم التي هرب إليها لم تكن إلا هاوية تزيد في حروقه وآلامه ، وما الإخوة إلا كإخوة يوسف الذين ألقوه في الجب وتركوه ليباع بثمن بخس.

لا بد أن شعار الفلسطينيين مع إخوانهم العرب منذ النكبة الأولى كان كوصف الشاعر:

وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هووا غيّ هويت لهم رشدا

وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي
زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

و لكن الزمن لم يعد يقيم وزناً لعرى الأخوة والعروبة والدم والجيرة ، فصار شعار العرب حيثما نزل بهم الفلسطينيون المنكوبون المشردون الملاحقون يقول : أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس فلسطينيون.

ماذا ينتظر أهل نهر البارد؟ هل ينتظرون تل زعتر آخر؟؟ أم اجتماعاً لمجلس جامعة الدول العربية يشجب و يستنكر؟

لن ننضم إلى المدرسة "العطوانية" بالخجل من كوننا فلسطينيين ولكننا نخجل من كوننا عرباً أعراباً وعرباناً لا نعرف لأوطاننا قدسية ولا لدمائنا حرمة ولا لأعراضنا حمية.!

إليهم جميعاً من المفرطين الغثاء ..يا ليتها تصبح علي وعلى أعادي.
http://www.alhaqaeq.net/?rqid=200&secid=8&art=75312