المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جراح في حضرة الياسمين



محمد دلومي
26/05/2007, 12:10 AM
http://www.logosdictionary.org/bimbi/images/balcone.jpg
كان ينظر إليها وهي تلملم من صنوف الورد والزهر أشكالا لتصنع منها باقات جميلة مثل السحر وتزين بها البيت وأركانه .. لم تترك زاوية من البيت ولا موضعا إلا وخلقت منه ربيعا صغيرا وملأته زهرا ونثرت عليه وردا .. على حواف النوافذ نثرت زهور الكاميليا الجميلة وعلى مائدة العشاء الممتدة على طول القاعة الواسعة المعدة لسهرة الليلة وضعت كثير من زهور الأقحوان وكثير من الزنابق والورود المختلفة الألوان جعلت من قاعة الضيوف جنة صغيرة وربيع يبهج ويفتح النفس على نشوة المشاعر الجميلة .. تحسس عطرها الذي يتطاير شذا في الأجواء فلم يفرق بينه وبين رائحة الإزهار والورود اختلط بشذى الأقحوان وشذى الورود والزنابق .. تأمل فستانها الأزرق الفاتح الذي يشبه لون السماء على أعتاب الربيع الجميل فكانت فيه بهية أبهى من الشمس .. فستان مفتوح من أعلى الصدر ليضيق في الخصر ويمتد واسعا فضفاضا في أسفله كان يراها بتلك الحلة مثل فراشة عملاقة زرقاء بين ورد الربيع المتناثر بل كانت هي الربيع الذي يوزع بسمات .. عيونه الحزينة جعلت قلبه يحترق ويذوب وجدا وهياما بها .. عيونه تلاحقها وهي تمرق بين الضيوف والمدعوين تداعب هذا وتلاطف تلك وتقدم لهذا كأسا من عصير ولذاك قطعة من حلوى .. نظرت إليه من بعيد وابتسمت شعر بالدم يتصاعد إلى وجهه خجلا وراحت تتقدم نحوه الهوينى .. وأحس أن المسافة بينها وبينه طويلة.. طويلة حتى لم يعد يرى من حوله سواها ولم يعد يسمع سوى وقع خطواتها القادمة نحوه ..توقفت أمامه قدمت له كأسا من عصير وابتسمت فخيل له أن الحياة تطل عليه من وراء ثغرها المشرق مثل شمسا في سماء زرقاء صافية .. أي حظ وأي بركة نزلت عليه اليوم إنها تبتسم له وتقدم له كأسا من عصير .. ابتسم في بله وأطرأ رأسه الأرض .. أمسكته من ذراعه وجذبته إلى الشرفة .. كانت نسمات الليل رقيقة تثير أجمل المشاعر ..أغمضت عينيها الجميلتين وأخذت نفسا طويلا كأنها تريد سحب رائحة الياسمين المتسلق عبر جدار الشرفة ..أمعن النظر في يدها الممتدة مع التواء ت الياسمين فلم يعد يفرق بين تلك اليد البيضاء وزهور الياسمين البيضاء .. تأمل تلك الخواتم التي تزين أناملها الرقيقة والاسورة الذهبية التي تحيط معصمها الأبيض فخيل إليه أن أصابعها تزين الخواتم ومعصمها يزين الاسورة .. كانت هي تزين الحياة .. كانت تزين الربيع تزين الزهور كانت يدها جميلة جدا لدرجة انه خاف أن يلمس تلك اليد فتنكسر كبلور .. نظر إلى وجهها الساحر فخشي أن تجرحه نسمات الليل الرقيقة كل شيء فيها كان جميلا ساحرا حتى الصمت بينهما كان رائعا . حاول أن يهمس ويقول شيئا فأخرسه ذلك الجمال الساحر .. وبقي مثل المصاب بالدهشة يتأمل زرقة ثوبها فراح يرسم صورة فراشة عملاقة تمتطي أغصان الياسمين .. ابتسم لفكرته وفكر في رسم صورة لهذا المشهد الجميل . أفاق من غفوة التأملات ورعش جسمه عندما قالت له : أني أحب نظر إلى عيونها الناعسة المتسترة تحت أهداب كحيلة طويلة وأخذ قلبه يخفق بشدة حتى خشي أن تتسرب دقاته فينتبه إليها المدعوين كلهم فشعر بحرارة تسري عبر كامل جسده لتستقر في رأسه وأن الدنيا كلها صمتت لتنظر إلى حمرة وجهه . ما لبث أن انفرجت أساريره عن بسمة مضطربة وزال عنه الخوف فقد كانت عيونها تنظر إليه في حنان رأى نفسه يحلق عاليا بلا جناح يطير ويخترق الأجواء يعلو ويعلو مثل طائر أطلق سراحه من قفص عاش فيه طيلة حياته .. أراد أن يهمس مثلها ويقول إني مثلك أحب .. لكنه بقي صامتا تتطاير الفرحة من عيونه المرتعشة . واصلت مسترسلة : أتعتقد أن الحياة بلا حب يكون لها طعم ..؟ .. أومأ برأسها أن لا حياة بلا حب … وردد بينه وبين نفسه لا حياة بدون حبك .. وانتظر أن تهمس ثانية له وتقول أني أحب وتصف له لوعتها وهيامها به .. لكنها سألته عن صمته .. رد بهدوء : لمَ كنتِ تكتمين حبك ..؟ قالت بدلال تصطنع الخجل : خشيت أن يتجاهلني او يردني .. او يحطم لي قلبا ويهدم لي حبا ويكسر لي روحا .. قال بينه وبين نفسه كيف أتجاهلك يا سيدة الروح والقلب ولا يكسر قلبك إلا عديم رحمة ولا يردك إلا أعمى لا يقدر جمالا .. ولا يهدم حبا إلا من كتب له الشقاء .. ليتني عرفت انك تحبينني من زمان .. ثم جهر بقوله قائلا : أي قلب هذا تلامسين أوتاره ولا يخفق بحبكِ. احمرت وجنتاها خجلا وقالت بصوت رقيق لا يكاد يسمع كان مثل الهمس : شكرا لكنك تبالغ . عم الصمت بينهما برهة من الزمن سرعان ما كسرت سكونه وسألته : هل تراه يقبل بحبي .. أم تراه يتجاهلني رغم ما أفعله لأجله ..؟ وعاد إلى نفسه مخاطبا : لمَ لا تفصحي يا عمري عن حبك بلا الغاز ..؟ لما تعذبينني ها قد اقتربنا وها قد تهامسنا وها قد نكاد نعترف لبعضنا البعض فلمَ لا تقولي إني احبك ؟ .. كيف أتجاهلك وأنتِ التي جعلتِ الشمس عني لا تغيبكان يقول كل ذلك ويحدث به نفسه دون أن يتسرب إليها شيء .. قالت بهدوء ورأسها إلى الأرض : لم ترد على سؤالي .. رد بصوت خفيض متلعثم : يحبك أكثر مما تحبينه .. ابتسمت ابتسامة مثل السحر وراحت تسأله بلهفة : كيف عرفت كيف ؟ أخبرني قلبي … قال ذلك وأطبق صمتا .. وعاد الصمت بينهما من جديد .. حاول كسره فلم يستطع .. لم يعد يرى في تلك الضوضاء وذاك الحفل سواها .. لم يعد يشعر إلا بوجودها .. لا يسمع إلا دقات قلبه وحشرجة أنفاسه وصوت الريق المبتلع في حلقه .. حاول أن يثير انتباهها بشيء لكنه وجد نفسه جامدا مثل تمثال من برونز مثبت على قاعدة من اسمنت .. أما هي فاستغرقت في تفكير طويل بحر من أحلام ممتدة في خيالها الذي سرحت فيه .. أراد أن يقطف زهرة من ياسمين ويزين يها خصلات شعرها كعربون محبة .. في الوقت الذي كان يحاول وضع الزهرة على خصلات شعرها المتطاير عبر النسمات ويقول لها لقد أحببتك قبل أن تعترفي لي كنتِ دائما في عيوني دائما في خيالي .. كان سيل الكلمات على عتبة لسانه يكاد يتسرب وينطلق بلا عودة .. فاجأته وراحت تشده من كتفه شدا .. فسقطت زهرة الياسمين من بين أنامله وكانت المسافة بين أنامله والأرض مثل رحلة حلم هارب من واقع الزيف .. وأنشأت تقول وهي تشير إلى الباب .. أنظر .. أنظر . ها قد دخل .. هذا الذي وهبته قلبا هذا الذي منحته حبا هذا الذي يذوب لأجله القلب وجدا .. وما شعر وما مال قلبه أو نظر .. شعر أن قلبه انشطر نصفين .. وزهرة الياسمين أخذت في الذبول كأن بها دم قلبه المهدور .. زهرة الياسمين التي كان ينوي أن تكون عربون حبه داستها إقدامها وهي تطوف حوله وتخاطبه بلهفة .. هذا هو هذا هو الذي هفا له القلب .. هذا ا الذي أحب .. أترجاك ان تكتب لي رسالة أن تخط لي فيها عذاب قلبي وهيامي وسهر الليالي .. لم يعد يسمع شيء .. كان صوت الريح فقط .. كان صوت الريح قويا .. كان مثل فراشة استهوتها لعبة النور اقتربت منها فاحترقت وضع يده في جيوبه وراح يمشي ناكسا رأسه إلى الأرض وزهور الياسمين تتساقط من حوله مثل قطع ثلج بيضاء كأنها تعلن الحداد على قلبه الذي كسر في حضرة الياسمين .. أما هي فأخذت تشيعه بنظراتها من شرفتها .. بعدما شعرت أنها أهدرت دم قلب واختفى بين زهور الياسمين في وسط الحديقة حتى لم تعد ترى منه إلا معطفه الجلدي الأسود الذي غطاه بياض الياسمين .. في الصباح الباكر تناثرت زهور الياسمين على الأرض تعبث بها النسائم معلنه عن فصل الخريف الحزين ..

ريمه الخاني
26/05/2007, 03:02 PM
قصة رائعة بحق
تحية لقلمك

محمد دلومي
28/05/2007, 05:44 PM
قصة رائعة بحق
تحية لقلمك

الروعة في تواجدك

عبد الحميد الغرباوي
31/05/2007, 04:21 PM
قرأت قصتك، أخي محمد دلومي، قرأتها من البداية و إلى النهاية...
ليس لأن واجبا ما يفرض علي ذلك، بل لأن اللغة التي أفرغت فيها كل تلك الشحنة من الأحاسيس الفياضة و المشاعر العاطفية ، التي تعكس شجنا ذاتيا عميقا، كانت لغة رشيقة، شاعرية، سلسة تشد القارئ إليها...
لوحات رومانسية عطرة، مفعمة بالجمال...
الفكرة تبدو عادية، و ليس تناولها بجديد، لكن الجديد هنا، الحبكة المتينة، و العين اللاقطة، الراصدة التي اختارت فأجادت الزوايا التي شكلت مكان الحدث...
أود أن أثير انتباه الكاتب المبدع إلى ضرورة تجاوز أخطاء ، في المستقبل، وردت في النص:
* وضعت كثير من زهور الأقحوان، و كثير من الزنابق: كثيرا
* تحسس عطرها الذي يتطاير شذا : فعل تحسس!!/ شذى
* أطرأ رأسه: أطرق
* و أن الدنيا كلها صمتت لتنظر إلى حمرة وجهها: الجملة هنا، بدت كما لو أنها تفتقر إلى رابط يربطها بما سبق
* أومأ برأسها: برأسه
مودتي

محمد دلومي
03/06/2007, 01:43 AM
قرأت قصتك، أخي محمد دلومي، قرأتها من البداية و إلى النهاية...
ليس لأن واجبا ما يفرض علي ذلك، بل لأن اللغة التي أفرغت فيها كل تلك الشحنة من الأحاسيس الفياضة و المشاعر العاطفية ، التي تعكس شجنا ذاتيا عميقا، كانت لغة رشيقة، شاعرية، سلسة تشد القارئ إليها...
لوحات رومانسية عطرة، مفعمة بالجمال...
الفكرة تبدو عادية، و ليس تناولها بجديد، لكن الجديد هنا، الحبكة المتينة، و العين اللاقطة، الراصدة التي اختارت فأجادت الزوايا التي شكلت مكان الحدث...
أود أن أثير انتباه الكاتب المبدع إلى ضرورة تجاوز أخطاء ، في المستقبل، وردت في النص:
* وضعت كثير من زهور الأقحوان، و كثير من الزنابق: كثيرا
* تحسس عطرها الذي يتطاير شذا : فعل تحسس!!/ شذى
* أطرأ رأسه: أطرق
* و أن الدنيا كلها صمتت لتنظر إلى حمرة وجهها: الجملة هنا، بدت كما لو أنها تفتقر إلى رابط يربطها بما سبق
* أومأ برأسها: برأسه
مودتي

الفاضل عبد الحميد الغرباوي ممتن لمرورك الجميل
وسأحاول جاهدا أن اتفادى ما نبعتني اليه مستقبلا .. مرة اخرى لك مني فائق تقديري واحترامي .