المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة تحليلية للشاعر سمير الأمير(1)



الشاعرمحمدأسامةالبهائي
26/05/2007, 01:58 AM
شعر العامية و المقاومة
قراءة فى بعض دواويين شعراء اقليم شرق الدلتا الثقافى
للشاعر سمير الأمير
تمهيد :
يقول الدكتور "جابر عصفور": إن شعر العامية كان ولا يزال هو شعر المقاومة بكل المقاييس،."
فهل يكفى كلام الدكتور جابر عصفور صاحب مقولة( زمن الرواية) للدلالة على مشروعية سؤالنا عن العلاقة بين شعر العامية والمقاومة.. لنقرأ معا شهادة شاهد من أهلها :-
يقول الشاعر"طاهر البرنبالي" فى شهادة منشورة فى جريدة الوفد "يحفل تاريخ شعر العامية المصرية بصفحات ناصعة من النضال الوطني السياسي والاجتماعي منذ شاعر الثورة العرابية عبدالله النديم ومروراً ببيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين ووصولاً إلي عبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب وسمير عبدالباقي وأجيال لاحقة تحاول جاهدة ترك بصماتها علي صفحات التاريخ الوطني والإبداعي".
ويستطرد ،"هذه معركتنا نحن شعراء العامية التي يجب أن نواصلها بحماس وجدية برغم كل الحصار المفروض علي إبداعنا وأن نبتكر أشكالاً جديدة للتواصل مع الجمهور مثلما فعل شاعرنا سمير عبدالباقي علي سبيل المثال بنشره "الشمروخ""
ربما تجاوزت قليلا فى نقل كلمات الشاعر طاهر البرمبالى ولكنى وجدت كلمته دليلا حياً على ما يمكن أن نطلق عليه المساحة المشتركة فى وجدان شعراء العامية فى مصر، إذ لم ألتق فى حياتى بشاعر لا يفكر بهذه الطريقة اللهم إن كنا نتحدث عن هؤلاء الشعراء الذين أنتجتهم سنوات الهزيمة كجزء من الهزيمة نفسها هؤلاء الذين انسحبوا إلى داخل ذواتهم أو هكذا خيل لهم لأنهم لو كانوا قد تفهموا أنهم ذوات تاريخية أو أن ذواتهم هى ذوات فى موضوع أكبر هو الوطن لكنا ضممناهم إلى قراءتنا هذه دون ادنى تردد
من هنا أجد انه من الضرورة بمكان أن نتفق ولو مؤقتاً على تعريف شعر المقاومة وقد قلت (مؤقتاً)لأنه من رابع المستحيلات أن نتفق على تعريف دائم لشعر المقاومة، أعنى أننى أرغب فقط فى تثبيت مفهوم قد نغيره بمجرد خروجنا من باب القاعة التى نتحاور فيها ولأننى لست منظراً وقد تعلمت أن طرح الأسئلة هو أفضل الطرق لاختصار رحلة البحث عن إبرة يعتقد انها سقطت فى كومة القش، إذ ربما تكون الإبرة على وشك أن تخرق عيوننا ولا نراها كوننا نفكر فى الخديعة الكبرى التى يمثلها الحجم الهائل لكومة القش
ولنبدأ بالأسئلة البسيطة التى لا نحب أن نضبط متلبسين بها لأننا تربينا على أن المثقف هو ذلك الذى يقول كلاماً كبيراً لا يدعى فهمه إلا خاصة الخاصة...
هل القصيدة التى كتبها الشاعر لحبيبته وعبرت عن وجدانه دون اغتراب وجعلته أكثر فهماً لمشاعره ولإنسانيته ،هل يمكن أن نطلق عليها قصيدة مقاومة أم لا ؟
هل قصيدة تصب جام الغضب والشتائم على أم رأس أمريكا واسرائيل دون أن تضيف شيئاً حقيقياً لقائلها ولسامعها رغم أنها تطرح من الإجابات أكثر مما تطرح من الأسئلة وتوهم المستمعين أن الشاعر مسح بكرامة العدو الأرض بينما يظل الدمُ ينزف هناك بعيداً عن القاعات التى تضج بالتصفيق للشاعر الهمام- هل مثل تلك القصيدة هى قصيدة مقاومة أم لا؟
إننى هنا لا أصدر أحكاما قيمية وتنميطية تفضى فى النهاية إلى الاعتقاد أننى أسعى لجعل الشعراء جميعاً يكتبون هتافات شعارية ضد الظلم والاحتلال، إذ لا شك عندى أن المقاومة الابداعية شىءُُ مختلف تماماً، فقصيدة الحب التى تعيد صياغتنا لنصبح اكثر انسانية وجمالاً هى عندى فى طليعة شعر المقاومة بينما القصيدة الهتافية التى تستهلك الأحبال الصوتية لشاعرها وتصدع رؤسنا بصوتها العالى هى قصيدة تجعلنا أكثراغتراباً عن واقعنا وتصب فى النهاية فى صالح أعدائنا كونها تضبب رؤيتنا وتزيف وعينا أو تعوضنا عن الانتصار الحقيقى وذلك بسحق العدو ورجمه بالصور والمحسنات البديعية التى لا تضيف لنا سوى الوهم والزيف والشعور بالقوة بينما نظل فى الحقيقة قابعين عند أول درجات السلم هذا إن لم نكن قد نزلنا درجات فى الدرك الأسفل للتخلف ..
اعتذر طبعاً لعدم الالتزام بطرح الأسئلة فقط ، فأنا أيضا قد تلوثت بتلك الرغبة التى تجرفنا جميعا فى الوطن العربى إلى الهاوية.. أعنى الرغبةَ فى فى اعتلاء المنصة والشروع التام فى الكلام ولم لا؟ ألم استمع إلى احمد فؤاد نجم أكثر من فؤاد حداد لكون الأول كان بالنسبة لجيلى كقرص الاسبرين الذى ينهى صداع الرأس فى الحال بينما ظل الثانى عصياً على الذين يمارسون الشعر فى أوقات الفراغ وانا طبعاً أولهم/ (ففؤاد حداد) لم يقدم لنا المسكن ولكنه كان يدعونا معشر الشعراء إلى أن نمسك بأيدينا مبضع الجراح ونشق صدورنا كى نتأمل القلوبَ وننزع منها حظ الزيغ وبما أن الأمر ظل صعباً علينا حتى الأن فعلينا أن نتقبل حقيقة أن الكلام يتكاثر على حساب الشعر بما أن الشعر هوعملية كشف وصياغة مستمرة للوجدان كى يظل بمنأى عن الهزيمة والاستلاب وهنا تكمن المقاومة.. هل أوضحت أن الشعرَ الحقيقى هو فعل وليس كلاما بمعنى أن الكلام يعمل عند الشعر وليس العكس، هل يحق لنا هنا أن نسأل إن كان ما لدينا شعراً أم مجرد كلام( ربما موزون ومقفى).

قبل الدخول :

أحاول عبر قراءة النصوص أن أعيدها إلى ما أعتقد أنه منابع رؤيتها متجاهلاً تماماً كل هذا الركام الدخيل على لغتنا ونقدنا من مصطلحات ومن ثم لا أعتمد نظرية نقدية ما.. سوى نظرية الحياة بما أنها النص الحقيقى الذى يجمعنا كبشر مبدعين ومدمرين .

الحبر دمع ووقت وشوية كلام
ديوان الشاعرة/ سهير متولى- كفر الشيخ
مقاومة الاغتراب فى ديوان الحبر دمع

إن المتأمل لدلالة العنوان سيعرف دون أدنى شك أن الشاعرة حددت لنفسها رؤية للشعر ولا أقول رؤية خاصة جرياً على عادة النقاد ولست منهم ولا الباحثين ولست أيضاً منهم فقد حددت منذ البداية أن الشعر فعلُُُ ابداعى يستخدم الكلام .. يمكننا إذن أن نضع عبارات موازية لتفسير دلالة العنوان فنقول مثلاً:- الشعر دمع أو الشعر ليس مجرد كلام أو الشعر معاناة واعية إذ أن المعاناة دون وعى لا تنتج دمعاً ويمكننى أن أقول أننا وصلنا من البداية إلى أن الشعر فعلُُ مقاوم ولأن كلمة الشعر إرتبطت فى أذهاننا عنوة بالحروف فقد حذفتها الشاعرة ووضعت محلها بفطرة المبدع كلمة ( الحبر) ليصبح الديوان فيما بعد فعلأ مادياً وإنسانياً من لحم ودم.،لكننا أيضا ينبغى ألا نغفل أن بقية العنوان( ووقت وشوية كلام) ينطوى على سخرية مريرة قد تعنى أن الشعر مهما بلغت درجة صدقه يتحول مع الوقت إلى مجرد كلام
لنقرأ أيضاً الإهداء الذى صدرت به الشاعرة ديوانها والذى يكفى تماماً لجعلنا نوقن أننا أمام وجدان يعى ماهية ما يكتب بفطرة سليمة دون أدنى تثاقف:-
(هـل يمكن أن أهدي ديواني لوجوه طيبة/ ونظرات صدق ومساندة لأناس لا يقرؤون/ الشعر ويمتلكون وجداناً نقياً وأحضاناً تسع/ من يكتبون الشعر مثلي،. لما لا . ./ إذن إليهم : أصدقائي الذين تعلمت منهم/
كيف يتحول الحبر إلى نظرة، و يد، وحضن / وارتعاش إحساس، أهدي ديواني .
هل حددت لنا الشاعرة هنا ماهو الشعر من وجهة نظرها؟ لندلف إذن إلى الديوان ونرى إن كانت ستلتزم بما حدتته أم لا؟.. تقول الشاعرة فى مطلع القصيدة ) الشُعرا بيحاربوا انتحارهم ع الورق/ وعلى الورق..الروح تصالح ف الوجع/ طعم الدموع بالحبر وقت على الورق/ خجل الطفوله وضعفها/ شوق الصبا للحب والحزن الجميل/ أو قُدرة الدهشه النبيله والقلق/ وقوافل الأحلام بيارق تنْفَرد/ وزمن زمن/ قُداّمنا مش ورا ضهرنا .)
من المؤكد هنا أن تيمة المقاومة حاضرة منذ البداية وأن الشاعرة تقول أن الشعر ربماً يصبح بديلاً للانتحار وهو بديل انتحارِ الشعراء وليس غيرَهم إذ أن الجنود لا يكتبون شعراً عندما يشرع العدو فى الضغط عليهم.. إن الشعراء هنا لهم أوجاعهم الخاصة التى هى بالتأكيد صدى لأوجاع بقية خلق الله ولكن الشعراء يقعون فى فخ الوقت والكلام فتشرع الروح فى مصالحة الوجع بالكتابة وعلينا ألا نغفل الدلالة الشائعة لعبارة( على الورق ) التى ربما توحى بأن الشعراء هنا يضببون على أنفسِهم.. إذ يتوهمون أنهم قادرون على مجابهة الإخفاق بمجرد الكتابة( وقوافل الأحلام بيارق تنفرد) ( وزمن زمن)( قدامنا مش ورا ضهرنا) فى السطر الأخير نلمح خروجاً مؤقتاً عن حالة التوهم التى تتلبس الشاعر حين يكتب إذ تفاجئنا الشاعرة بحقيقة أن الزمن لا زال أمامنا وكأن العبارة الأخيرة جاءت لتوقظنا من هذا الوهم الذى تأخذنا إليه قوافل أحلامنا/ أوهامنا.( وعلى الورق ../ مدن الحواديت تنفتح/ تهرب أميرات القصور/ ويزلزلوا عرش الملوك/ تُقع التيجان ع الأرض سور)
إن الشاعرة هنا تعى أن عمليةالتخييل التى يمارسها الشاعر على الورق لكى يعبر بها عن أحلامه قد تتحول إلى بديل غير حقيقى وقد يقع هونفسه فيها قبل أن يوقع فيها القارىء فأميرات القصور فى الواقع المعاش لا يهربن مع أبناء الفقراء وعروش وتيجان الملوك لا تسقط فى الواقع كما تسقط فى القصيدة.. والشاعرة هنا معنية بتحذيرنا من هذا التخييل/الإيهام- دون أن تقع هى نفسها فيه وبالتالى ليس أمامنا إلا التورط الحقيقى معها فى الفعل الإبداعى بمعنى أن القصيدة تحفر لها مجرى فى وجداننا يستحيل بعد قراءتها أن يبقى هذا الوجدان كما هو فثمة مطالبة متضمنة وخفية تجعلنا نعى منذ البداية أن المعركة الحقيقية هناك خارج النص وأن النص الشعرى يساعدنا على إدراك المعنى الأشمل للنص الأشمل وللصراع الأشمل وهو بالتأكيد نص الحياة نفسها – كمفهوم جمالى-التى ينبغى نعيشها ونواجهها فى آن معاً ولكى نؤكد على هذا المعنى لنتأمل الجزء التالى:- (ع المبخره بيطقطق الدم اللي سال/ والموت شبح فوق الحيطان/ والمُلك .. أتْفَه ع الورق .) فهناك على المبخرة- وهى شىء مادى- يطقطق الدم الذى سال وهذا هو الواقع .. وهناك فى المقابل( الملك أتفه على الورق ) فهل هو تافه حقاً( بمعنى ضعيف) ولا سيما أن الواقع الفعلى المتمثل فى( والموت شبح فوق الحيطان) مايزال شاخصاً أمامنا وما يزال يخيفنا، بمعنى آخر هل يشكل الانتصار ( على الورق) قدرة على المقاومة؟
إن سهير متولى هنا تؤكد ببراعة وموهبة على أهمية أن يكون الشعر مقاومة للقبح الماثل ف فى شبح الموت ليس بالقمع اللفظى البيانى للموت ولكن بالدعوة للتخلص من الخديعة الكبرى التى تمنحنا قدرة زائفة براقة ولكنها تظل قدرة لاتخرج من كونها( على الورق)
أى أن القصيدة التى تكتب على الورق تظل عاجزة عن مقاومة القبح او الزيف أو الظلم أو أى شىء يشل قدرة الإنسان مالم تتحول بالفعل إلى أحساس يؤثر فى الشاعر والسامع ويغيرهما ويجعلهما أكثر قدرة على التأثير فى الحياة .. إذ مهما غنينا للمقاومة ومهما علت أصوات الحناجر فإن ذلك يظل مجرد صراخ لامعنى له.. إننى ألمح حكمة نقدية فى ديوان سهير متولى تتجاوز النص الشعرى إلى انتقاد موقفنا جمعياً كعرب إذ أصبحنا كما يقول أعداؤنا مجرد ( ظاهرة صوتية) أى أننا استبدلنا وجودنا الفعلى الفاعل الحقيقى بالشعر/ الشعار الطنان الذى لم يعد يتجلى فى قصائد الشعراء فحسب بل أصبح علامة على خطب السياسيين والمسؤلين من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر/... ""غني يا ألحان العرب/ صُبي على جرح انفتح كبريت ونار/ صُبي على جرح انفتح كبريت ونار/ لسه السما المقفوله بتزُق الحصار/ وعلى الورق ../ راهنا على صوت الحناجر/ صوتنا باش/ فكينا / لكن ع الورق / شكل الحصار ""/.
متى إذن نتوقف عن ممارسة الهزيمة فى الواقع المعاش.. ؟ متى نتوقف عن ممارسة التزييف الجمعى للوعى؟ لعلى لا أبالغ إذ أقول أن ديوان " سهير متولى" الحبر دمع" يحمل لنا الإجابة لقد قامت الشاعرة المبدعة بمحاولة فك اغترابها/اغترابنا بحثاً عن ذات حقيقية وأشارت إلى وظيفة مهمة بل هى فى تقديرى أهم وظائف الابداع وهى وظيفة المعرفة معرفة الذات ومعرفة الموضوع تلك هى أول شروط المقاومة، عندئذ سنتوقف عن تسليم مفاتيح المدن بره الورق.. وسيصبح الكلام دالاً على واقعنا وعلى أحلامناً بدلاً من كونه بديلأ عنهما.( "غرناطه" فوقها الليل بيطلق شهقته/ ومعدش هيوضي المدن صوت الأدان/ سَلّمنا مفاتيح المدن بره الورق/ وعلى الورق ../ رشينا على وش السما حبر الكلام/ كــلام.. كــلام.. بس الكــلام .

والي الجزء الثاني من الدراسة الديوان الثانى بعنوان "على يد محضر" للشاعر/ مصباح المهدى — من شعراء مدينةالمنصورة
وتراث المسخرة الشعبية فى هذا الديوان " على يد محضر" .............. نلتقي وأشكركم