الشاعرمحمدأسامةالبهائي
26/05/2007, 02:04 AM
الديوان الثانى
"على يد محضر" للشاعر: مصباح المهدى
من شعراء مدينة المنصورة بجمهورية مصر العربية
تراث المسخرة الشعبية فى ديوان " على يد محضر"
لعل أول مايلفت النظر فى ديوان مصباح المهدى" على يد محضر" هو هذا الحضور الطاغى لتراث المسخرة الشعبية التى يعتمدها الشاعر وسيلة لمواجهة ما أسماه" قمة هرم المأساة" والتى ذكر فى مقدمته أنها كانت سقوط بغداد فى 9 ابريل، ويرى مصباح أن سقوط بغداد كان له مقدمات وبعده تداعيات , إذ يصرح فى مقدمة الديوان أنه كتب قصائده من وحى الفجيعة والشعور بالمرارة.
يقول مصباح المهدى فى أول قصائد الديوان وهى بعنوان" نهارك سعيد"(""كل عام وانت راجل ما فيش منه خوف/ متنح مصلح قفاك للظروف/ مسبح بحمد الحرامى اللى حامى النعاج والخروف ""
هنا يضع مصباح أمامنا افتراضه بأن السقوط حدث لأننا من الأساس رجال قد فقدنا رجولتنا ولم يعد أحد يخشانا وغنى عن القول أنه يريد أن يقول لنا أن هزيمتنا فى الداخل وتسبيحنا بحمد الذين ينهبون أقواتنا وتقبلنا للقهر كانت مقدمات لذلك السقوط المدوى ونستطيع أن نلمح فى القصيدة ظل المثل الشعبى " حاميها حراميها"، ثم يغرقنا الشاعر بسخريته المريرة فيعدنا اننا سنشرب فى القريب العاجل لبن مع طعام الإفطار وسنجد النقود التى ستكفينا طوال يوم بأكمله وهو طبعأً لايتوقع أننا سنأخذ كلامه على محمل الجد فيقول:_ ( وتلقى الحبيب اللى مادد ايديه/ وتسكر بضحكة عنيه/ مش هزار)
وفى قصيدة( همبلاظة) وأعتقد أن هذه المفردة الساخرة ربما تكون صياغة خاصة للشاعر و السطر الأول للقصيدة يوحى بأن الشاعر يمارس المسخرة حتى على نفسه فيقول:-( (حد فاهم حاجه يجى قوللى فاهم بس أيه؟/ هللوا له)
في نفس القصيدة سنلمح التأثر بإسلوب الشاعر الراحل العظيم نجيب سرور فى صياغة الحوار المسرحى بالغ الروعة :-( إلا قوللى:- اللحمة فى الجنة بلاش؟/ والمره اما تنام تشوك راسها دقنك؟/ واللا فيه نسوان بجد؟)
هنا يرسم الشاعر بدقة حالة هروب الفقراء من واقعهم القمعى الشديد القسوة إلى ما يعرف بالدين الشعبى الذى يعدهم بعالم آخر بلا أسعار.. لكن مصباح يجعل الفجيعة تأتى فى ذات السياق الدرامى للحوار، إذ ان الطريق إلى هذا العالم الآخر يحتاج إلى قبر وأجرة للحفار (ومترين بفته وريال للمغسل).. ثم يجرى سؤالاً عبقريأ على لسان هذا الفقير( الا ليه لازم نغسل؟) والدلالة طبعاً واضحة بمعنى أنه إن كنا نعيش تلك العيشة( الهباب) وليس لدينا ما نقتات به فلماذا لانعفى من ( الغسل) ونوفر الريال الذى ليس لدينا أساساً، ،لا حاجة بى هنا إلى القول بأن الحوار قد يخالف المفهوم الدينى الذى نحترمه بطبيعة الحال ولكننا نعرف أن مثل هذه الحوارات تنتشر بين العامة ولا يجدون فيها أى غضاضه مثلما نتقبلها نحن أيضاً دون أن نشك أن إيمانهم قوى وفطرى.
وفى قصيدة ( الشقلباظ) نلمح الفلاح المصرى الذى أن أراد أن يعاتبك بقوة يقول ( متشكرين قوى قوى على عملته) وهو بالطبع لا يريد أن يشكرك بل يقول ذلك لشدة غضبه وفى نفس الوقت لأنه يرى أنك فى نظره أصبحت غير جدير بالمعاتبة وذلك لدفعك لكى تثبت له عكس ذلك، يقول الشاعر:- (متشكرين!! الأرض نزرع قمح/ تطرح مخبرين.) لعلنا نلمح هنا أيضاً تأثراً بالشاعر العظيم نجيب سرور حين يقول:-(0 يابلدنا فيكى حاجه محيرانى/ نزرع القمح فى سنين/ تطلع الكوسه ف ثوانى).
ومصباح المهدى فى هذا الديوان غير مشغول باستشراف آفاق جديدة للمستقبل بل ويبدو أحياناً أنه لا يختلف عن مجمل المقهورين فى كونه لا يسعى للوصول إلى باب الخروج من تلك الحالة التى يتمسخر عليها بحرفية وفنية عالية ,وإن لم تغب عن الديوان بعض القصائد التى تشير إلى إمكانية الخروج من النفق المظلم الذى تعيش فيه أمتنا وهو يشاركنا أيضاً فى حالة الهروب/ الحنين إلى الماضى فيقول فى قصيدة (جمال ابن عمى) ويقصد جمال عبد الناصر بالطبع
( نهدد .. نجدد.. نهدد بإيه/ يا حسرة عليه اللى سايب عنيه تشوف للنهارده) أوفى قصيدة( حلقى مرار) عندما يقول( يا مين يدخلنى ف بيات/ برة الزمن)
وأظن أن الشاعر عليه أن يفارق تلك الرؤية المحبطة قليلاً وعليه أن يدعونا إلى الشوف ولا يخيفنا من نتائجه، بل أزعم أن ما حدث لأمتنا كان نتيجة لعدم الشوف وليس لوجوده، ربما يقصد أن ما نراه اليوم لايبعث على الأمل ولذا يقول_( ياريت كنت وردة ف جاكتة جمال)- مسترجعاً أياماً كنا نشعر فيها بقدرتنا وقوتنا ويقول أيضاً فى نفس القصيدة( جمال اللى عدت معاه الخسارة/ نفس من سجارة)
نلمح هنا طبعاً فهلوة أولاد البلد حين يتحدثون عن (المجدعة) وتحمل الهزيمة ولكن الدلالة هنا قد تأتى بتأثير عكسى إذ ربما قال المتلقى( نعم عدت معاه نفس من سيجارة ولكنها (عدت) فوق جماجمنا وأصابتنا تلك الخسارة التى هى بالطبع هزيمة 67 بعلل اجتماعية واقتصادية ونكوص فكرى لم نشف منه حتى الأن وذلك أيضا لا يعنى الاختلاف مع الشاعر حول شخصية جمال الوطنية العظيمة وحول مشروع النهضة الذى مثله ولكن الخلاف هنا حول ضرورة التقاط ما يمثل الانتصار وهو كثير بالفعل.
يبدو الشاعر فى قصيدة( سكا باكا) على وعى بسيولة العالم التى ينجم عنها صعوبة تحديد المواقف ولكن قصيدته تشير أن مفتاح المقاومة يبدأ بالرفض لمواجهة هذا الارتداد الحضارى الذى جاءت به آلة الحرب الأمريكية الهمجية ، هذا النكوص فى التاريخ البشرى يخبرنا الشاعر أنه لن ينتهى دون أن يكف المقهورون عن عادة الإنحناء أمام الريح( ديجتال ؟ راح فين البال وسيكام/ وسى بوش وسخام الطين/ مالقاش حد يقول مين!!/ ساكتين/ نشرب سكوتين)
هل سنرفض هزيمتنا أم أننا ماضون إلى شرب السكوتين كما يقول الشاعر؟ نكون أو لا نكون؟ تلك هى المهزلة
"على يد محضر" للشاعر: مصباح المهدى
من شعراء مدينة المنصورة بجمهورية مصر العربية
تراث المسخرة الشعبية فى ديوان " على يد محضر"
لعل أول مايلفت النظر فى ديوان مصباح المهدى" على يد محضر" هو هذا الحضور الطاغى لتراث المسخرة الشعبية التى يعتمدها الشاعر وسيلة لمواجهة ما أسماه" قمة هرم المأساة" والتى ذكر فى مقدمته أنها كانت سقوط بغداد فى 9 ابريل، ويرى مصباح أن سقوط بغداد كان له مقدمات وبعده تداعيات , إذ يصرح فى مقدمة الديوان أنه كتب قصائده من وحى الفجيعة والشعور بالمرارة.
يقول مصباح المهدى فى أول قصائد الديوان وهى بعنوان" نهارك سعيد"(""كل عام وانت راجل ما فيش منه خوف/ متنح مصلح قفاك للظروف/ مسبح بحمد الحرامى اللى حامى النعاج والخروف ""
هنا يضع مصباح أمامنا افتراضه بأن السقوط حدث لأننا من الأساس رجال قد فقدنا رجولتنا ولم يعد أحد يخشانا وغنى عن القول أنه يريد أن يقول لنا أن هزيمتنا فى الداخل وتسبيحنا بحمد الذين ينهبون أقواتنا وتقبلنا للقهر كانت مقدمات لذلك السقوط المدوى ونستطيع أن نلمح فى القصيدة ظل المثل الشعبى " حاميها حراميها"، ثم يغرقنا الشاعر بسخريته المريرة فيعدنا اننا سنشرب فى القريب العاجل لبن مع طعام الإفطار وسنجد النقود التى ستكفينا طوال يوم بأكمله وهو طبعأً لايتوقع أننا سنأخذ كلامه على محمل الجد فيقول:_ ( وتلقى الحبيب اللى مادد ايديه/ وتسكر بضحكة عنيه/ مش هزار)
وفى قصيدة( همبلاظة) وأعتقد أن هذه المفردة الساخرة ربما تكون صياغة خاصة للشاعر و السطر الأول للقصيدة يوحى بأن الشاعر يمارس المسخرة حتى على نفسه فيقول:-( (حد فاهم حاجه يجى قوللى فاهم بس أيه؟/ هللوا له)
في نفس القصيدة سنلمح التأثر بإسلوب الشاعر الراحل العظيم نجيب سرور فى صياغة الحوار المسرحى بالغ الروعة :-( إلا قوللى:- اللحمة فى الجنة بلاش؟/ والمره اما تنام تشوك راسها دقنك؟/ واللا فيه نسوان بجد؟)
هنا يرسم الشاعر بدقة حالة هروب الفقراء من واقعهم القمعى الشديد القسوة إلى ما يعرف بالدين الشعبى الذى يعدهم بعالم آخر بلا أسعار.. لكن مصباح يجعل الفجيعة تأتى فى ذات السياق الدرامى للحوار، إذ ان الطريق إلى هذا العالم الآخر يحتاج إلى قبر وأجرة للحفار (ومترين بفته وريال للمغسل).. ثم يجرى سؤالاً عبقريأ على لسان هذا الفقير( الا ليه لازم نغسل؟) والدلالة طبعاً واضحة بمعنى أنه إن كنا نعيش تلك العيشة( الهباب) وليس لدينا ما نقتات به فلماذا لانعفى من ( الغسل) ونوفر الريال الذى ليس لدينا أساساً، ،لا حاجة بى هنا إلى القول بأن الحوار قد يخالف المفهوم الدينى الذى نحترمه بطبيعة الحال ولكننا نعرف أن مثل هذه الحوارات تنتشر بين العامة ولا يجدون فيها أى غضاضه مثلما نتقبلها نحن أيضاً دون أن نشك أن إيمانهم قوى وفطرى.
وفى قصيدة ( الشقلباظ) نلمح الفلاح المصرى الذى أن أراد أن يعاتبك بقوة يقول ( متشكرين قوى قوى على عملته) وهو بالطبع لا يريد أن يشكرك بل يقول ذلك لشدة غضبه وفى نفس الوقت لأنه يرى أنك فى نظره أصبحت غير جدير بالمعاتبة وذلك لدفعك لكى تثبت له عكس ذلك، يقول الشاعر:- (متشكرين!! الأرض نزرع قمح/ تطرح مخبرين.) لعلنا نلمح هنا أيضاً تأثراً بالشاعر العظيم نجيب سرور حين يقول:-(0 يابلدنا فيكى حاجه محيرانى/ نزرع القمح فى سنين/ تطلع الكوسه ف ثوانى).
ومصباح المهدى فى هذا الديوان غير مشغول باستشراف آفاق جديدة للمستقبل بل ويبدو أحياناً أنه لا يختلف عن مجمل المقهورين فى كونه لا يسعى للوصول إلى باب الخروج من تلك الحالة التى يتمسخر عليها بحرفية وفنية عالية ,وإن لم تغب عن الديوان بعض القصائد التى تشير إلى إمكانية الخروج من النفق المظلم الذى تعيش فيه أمتنا وهو يشاركنا أيضاً فى حالة الهروب/ الحنين إلى الماضى فيقول فى قصيدة (جمال ابن عمى) ويقصد جمال عبد الناصر بالطبع
( نهدد .. نجدد.. نهدد بإيه/ يا حسرة عليه اللى سايب عنيه تشوف للنهارده) أوفى قصيدة( حلقى مرار) عندما يقول( يا مين يدخلنى ف بيات/ برة الزمن)
وأظن أن الشاعر عليه أن يفارق تلك الرؤية المحبطة قليلاً وعليه أن يدعونا إلى الشوف ولا يخيفنا من نتائجه، بل أزعم أن ما حدث لأمتنا كان نتيجة لعدم الشوف وليس لوجوده، ربما يقصد أن ما نراه اليوم لايبعث على الأمل ولذا يقول_( ياريت كنت وردة ف جاكتة جمال)- مسترجعاً أياماً كنا نشعر فيها بقدرتنا وقوتنا ويقول أيضاً فى نفس القصيدة( جمال اللى عدت معاه الخسارة/ نفس من سجارة)
نلمح هنا طبعاً فهلوة أولاد البلد حين يتحدثون عن (المجدعة) وتحمل الهزيمة ولكن الدلالة هنا قد تأتى بتأثير عكسى إذ ربما قال المتلقى( نعم عدت معاه نفس من سيجارة ولكنها (عدت) فوق جماجمنا وأصابتنا تلك الخسارة التى هى بالطبع هزيمة 67 بعلل اجتماعية واقتصادية ونكوص فكرى لم نشف منه حتى الأن وذلك أيضا لا يعنى الاختلاف مع الشاعر حول شخصية جمال الوطنية العظيمة وحول مشروع النهضة الذى مثله ولكن الخلاف هنا حول ضرورة التقاط ما يمثل الانتصار وهو كثير بالفعل.
يبدو الشاعر فى قصيدة( سكا باكا) على وعى بسيولة العالم التى ينجم عنها صعوبة تحديد المواقف ولكن قصيدته تشير أن مفتاح المقاومة يبدأ بالرفض لمواجهة هذا الارتداد الحضارى الذى جاءت به آلة الحرب الأمريكية الهمجية ، هذا النكوص فى التاريخ البشرى يخبرنا الشاعر أنه لن ينتهى دون أن يكف المقهورون عن عادة الإنحناء أمام الريح( ديجتال ؟ راح فين البال وسيكام/ وسى بوش وسخام الطين/ مالقاش حد يقول مين!!/ ساكتين/ نشرب سكوتين)
هل سنرفض هزيمتنا أم أننا ماضون إلى شرب السكوتين كما يقول الشاعر؟ نكون أو لا نكون؟ تلك هى المهزلة