المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة تحليلية للشاعر سمير الأمير(3)



الشاعرمحمدأسامةالبهائي
26/05/2007, 02:16 AM
تابع دراسة الشاعر سمير الأمير
شعر العامية و المقاومة
قراءة فى بعض دواويين شعراء اقليم شرق الدلتا الثقافى

قصائد من المشهد الشعرى
لشعراء محافظة دمياط
والذي عقد بها موتمر أدبـاء الأقاليم مطلع 2007

تذخر محافظة دمياط بأسماء مهمة لشعراء عامية متميزين، منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الكبير/ محمد الزكى والشاعر الجميل / ضاحى عبد السلام والشاعر محروس الصياد ، وأحمد راضى وابو الخير بدر مما يجعلنى على يقين بأن قصيدة العامية فى دمياط تستحق أن يخصص لها بحث خاص، ولكن عملاً بقاعدة" ما لا يدرك كله لا يترك كله"، سأحاول أن أتناول بعض القصائد لشعراء مهمين أيضاً ملتمساً عذر من سبق ذكره من الشعراء إعتماداً على ما لى فى قلوبهم وما لهم فى قلبى من مكان ومكانة .
يا مولعين الشمع-قصيدة الشاعر/ سيف بدوى
جذورُُ بعمق الأرض ومعان باتساع الفضاء
لم أقرأ من قبل لهذا الشاعر البديع ومن المؤكد أننى خسرت كثيرأ فقصيدته" يا مولعين الشمع" هى ثمرة تنتمى لشجرة العامية ذات الجذور الممتدة الأصيلة وهى ثمرة لم تعبث بها هرمونات الحداثة ولم يلوثها
هذا الدخان الكثيف الذى يملأ فضاء المشهدِ الإبداعى برائحة المنتجات المعاد صنعها فى الوطن من نفايات الغرب، منذ البداية سنلمح كيف يستطيع الشاعر الحقيقى أن يعثر على تلك المنطقة التى يقوم فيها الشعر بين الحياة والموت/ بين الحقيقة والوهم، هنا سنجد كيف تشف اللغة وتأتى القوافى طائعة دون ادعاء وافتعال فتصبح القصيدة كائنًا حياً قادراً على مواجهة ذات القارىء فى كل حين، أنظر كيف يشترك الرمز الواحد والفعل الواحد فى مشهدين نقيضين هما الميلاد والموت(يا مولعين الشمع يوم السبوع/ يا مولعين الشمع في الأضرحة/ قلبي رغيف نايم علي المطرحة/ قلبي قتيل داخل علي المشرحة) وتأمل روعة التدفق عند سماعك( الأضرحة/المطرحة/ المشرحة) ، إن الجمال الذى تقع عليه هنا ليس سوى قمة جبل الثلج لكنه هناك خلف تلك الكلمات تكمن الدعوة غير المكتوبة للسفر فى العالم الذى يمتد بين القمح والقتل، بين رائحة العجين المختمر وفورمالين المشارح.
يقول سيف بدوى(قلبي اللي كان فاكر إن دي الجنة/ عصفور برئ كان نفسه يتحني/ عصفور غبي داخل علي الصياد) فى هذا العالم الشديد التناقض من السهولة طبعاً أن تنخدع البراءة لأن الأفاعى قد تتوج بذهور الحناء وما يبدو للقلب/ الإنسان جنة / سعادة.. ربما يخفى خلفه قدراً كبيراً من الغدر، وعلى القارىء أيضاً أن يلحظ أستخدام الشاعر لكلمة/ برىء/ وكلمة/غبى/ كمترادفين ربما ليخبرنا أن البراءة غير الواعية لاتعنى إلا الغباء وعلى الإنسان ألا ينخدع بظواهر الأشياء لأن عالمنا ملىءُُ بالشراك و فهم هذا العالم بأبعاده الكثيرة ليس بالمسألة السهلة.( مين اللي يقدر يفهم المعني/ لا هي دي زقزقة ولا هو دا مغني )( مين اللي يعرف يكشف المستور/ قنديل بيبرق صحيح بس دا مش نور)( يا مولعين الشمع يوم العيد/ الضحكة ع الشفتين بس البكا عناقيد/ هي البنات بتحب أيه فيا/ شابك فؤادهم صحيح ولا أهي غيه / ولا بحور الشعر والفضفضة ؟/ لو كنت قادر إني أرد القضا !/ صدرك يمامة بجناحين هزاز/ واقف قصادك في إيدي شقفة إزاز/ الليل محنِّى بدمي أم دمك !/ قمر السما يحدف شعاع واهن/ الحب تعلب عجوز بيلف ويداهن/ يا مولعين الشمع توفوا الندر/ عصفور جرئ لكن يخاف الغدر/ المعرفة بالشم هي دليل العمي/ ريحة البنات دي ولا ريحة السما/ ريحة السما ولا دي ريحة القلق/ أول ما شفتك صرخت صرخة وليد/ ولما بستك .. شهقت شهقة غرق/ . بالقطع نحن نلاحظ قدرة الشاعر على اصطياد عالمه الملتبس باستخدام ما يعرف بعبقرية الكلمة العادية فالتعبيرات فى مجملها يمكن سماعها فى كلام الناس العاديين الذى رغم بساطته يكتنز حكمة الشعب وخلاصة تجاربه،ولقد تمكن سيف بدوى بفطرة الموهبة وعبقرية البساطة إن جاز التعبير أن يكتشف طريقاً فى الشعر يفضى إلى رؤية تنأى به وبنا عن الوقوع فى شرك ادعاء المعرفة.


خدوش- قصيدة الشاعر/ سمير الفيل
المقاتل يكتشف الخديعة وهو يلعق جراح الروح

كثيراً ما أتساءل عن ماهية شعور المقاتلين الذين حققوا نصر اكتوبر العظيم حيال ما آل إليه حالُنا جميعاً من المحيط إلى الخليج، هل كانو مثلاً يتصورون أن الأمة العربية سوف ينتهى بها الحال إلى ما هى فيه من ضعف وفرقة وقابلية للاستلاب والانتهاك بل والاحتلال المباشر، وكثيراً ما أتساءل إن كان الشهداء الذين استشهدوا عند احتلال العراق، قد أخبروا من سبقوهم من الشهداء الذين استشهدوا فى سبيل فلسطين عن دخول جحافل الغزو الأمريكى إلى بغداد وسط صمت وتواطىء عربى الأصل واللغة ، لكننى بعد أن ترهقنى كل تلك الأسئلة أقول" لقدرحم الله الشهداء مرتين_ الأولى لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون والثانية لأن الله جنبهم الوقوف أمام المرايا وتأمل ندوبهم بحثاً عن ملامحهم فى العصر الأمريكى القبيح،
فى قصيدة سمير الفيل" خدوش" سنكتشف تلك المعضلة التى وجد فيها المقاتل نفسه بعد أن عاد من المعركة لينظر فى المرايا ليرى ماأحدثته الحرب من خدوش فى جسده فيصاب بخدوش أكثر إيلاماً فى جوهر روحه ووجوده_ ربما كانت تلك المرايا هى فاترينات المحلات التى انتشرت فى بلادنا إيذاناً ببدء العصر الجديد..(خدش روحي زجاج المرايا/ وصبح برتقاني اللون / بضيه يرميني ) ما الذى يفعله المقاتل غير العودة إلى عالمه الخاص بحثاً عما يرمم روحه وشعوره بالغربة ألم يقل درويش أن الذكريات هوية الغرباء ..(فــّادخل كل البنات اللي حبيتهم/ في القلب جوايا/ دي مش نهاية الوجود ../ ولا هي كمان البداية / لكنها دموع الانكسار/ لفارس بلا يقين).. جميل أن يطمئن المقاتلُ نفسه قائلاً أن ما حدث ليس نهاية الوجود وأن يدرك أيضاً أنها ليست البداية وهنا نلمح رغبة فى الإستعلاء على حالة الإنكسار لمقاتل انتصر فى المعركة لكنه أصبح بلا يقين بل أصبح متشككاً فى الوجود كله ليعطى لتلك المعضلة بعداً كونياً وفلسفياً..(الشك في بذرة الكون / وف مسامير الصلب الحديد/ الزمن هدني / " فعالٌ لما يريد "/ هل تنتظر من مزيد ؟ ).. ربما كان السؤال هنا موجه للذات .. تلك التى تكتشف فى لحظة المراجعة أن رصاصة العدو التى قتلت الشهيد كانت تقتل معه الزمن أيضا(إيد الشهيد اترفعت م الرمال/ وكان خلفه تبة / بتشهق للرصاص اللي عصف / وارتجف/ في المنتصف/ منتصف الصدر ، والأعوام !!) وربما كان السؤال موجه لنا جميعاً إذ ما الذى يمكن أن تكون عليه النتيجة سوى الشعور بالضياع طالما أننا لم نعرف الحرية على مدى تا ريخنا فقد قهرنا الأمويون كما قهرنا العباسيون..(متسلسلين من عهد أموي .. لعباسي)
مرة أخرى يجد الشاعر نفسه مشغولاً بمصيره الخاص ولكنه مايلبث أن يكتشف أنه حتى لو أصبح لديه المال الوفير فلن يعوضه هذا بأى حال عن السنين التى فقدها، فالمقاتل عاد ليصبح شاعراً فى زمرة شعراء محبطين قد ينتحرون كمداً واحتجاجاً كما فعل خليل حاوى.. أو يموتون بالقصور الذاتى لقوة وحضور موت الروح الناجم عن غياب الحرية(في زوايا الألم الصموت/ أيه تعمله بواكي البنكنوت/ لشعر أبيض/ وسواد فاحم بطعم الليل/ اتسجن / في كشف شعرا بيخافوا الرحيل/ بإرادتهم ، أو بقصورهم الذاتي).. إن الحرية هى شرط لإحساسنا باتساع ورحابة الكون ولذا فى غيابها يشعر الشاعر أن الكون أصبح لايسع حُلمه القديم..(ياكون/ يا أضيق من حلمنا القديم/ إنت غريب/ .. وضحكك مش دفا ولا كلامك حكيم /)
هنا لحظة كشف واعية ، لقد اكتشف الشاعر ما كان يخفى عليه حين كان يقاتل العدو.. إن المعركة تتحول هنا فى تاريخ المقاتل إلى قصيدة غنائية أما الدراما الحقيقية فظلت مختفية حتى عاد المقاتل وراح يتأمل جروحه التى بدت صغيرة مقارنة بجراح الروح التى صنعها عالم ينطوى على الغدر بالمقاتلين وخداعهم...( كان وجهي بيشلب دم/ خدوش من الزمان / وصاحبي زيي / الخنجر في ضهره ، ولم يهتم !)
هل يعنى سمير الفيل هنا أن كل فرد أصبح منشغلاً بجرحه الخاص لأنه مطعونُُ أيضاً من الخلف، الحقيقة أننى لم أفهم على وجه التحديد ما يعنيه الشاعر فصاحبه لابد أن يكون مقاتلاً مثله جمعتهم المعركة ، لماذا إذن لم يجمعهم الإحساس بالغدر والخديعة، ربما نستطيع نحن أن نجيب على هذا السؤال ذات يوم وعندها سنوقن أن القتال لم ينتهى بعد.( في كل خطوة/ أتحسس دروبي/ وأحاول اخفي الخدوش/ ليه البنات العذارى/ من جوه جرحي / للآن لسه ما طلوش؟؟)
********

ميم – قصيدة الشاعر محمد العتر
تحويل الضحية المسكينة إلى رمز
من ميزات محمد العتر أن قصيدته تشبه تماماً، أعنى أن قراءتها تخلف انطباعاً لايختلف كثيراً عن شخصيته الأبوية الحنونة الطيبة ورغم أننى أعرف أنه لاتوجد قصائد عامية طيبه وقصائد أخرى شريرة إلا أننى على استعداد لصك مصطلح القصيدة الطيبة وتحمل العواقب الوخيمة الناجمة عن تلك المحاولة غير الطيبة من جانبى، ولست بحاجة هنا للتأكيد على أن الشاعر محمد العتر من الشعراء الذين يمتلكون تجربة طويلة فى كتابة قصيدة العامية، لنعد إذن إلى مسألة الضحية وكيف تحولت إلى رمز فى
قصيدة "ميم" التى كتبها الشاعر عن " محمد الدرة" وإن يكن لم يذكره بالاسم إلا أنه ألمح فى آخر قصيدته إليه حين قال( أظن ما حدش فى الدنيا / مش عارف اسمك/ ولا حدش فينا مقراش الفاتحة على قبرك واتمنى يحاورك / يادرة كل الشهداء والأحياء/) ودرة هنا لها معنى فى السياق يتجاوز كون الشهيد اسمه" محمد الدرة" لقد جعل الشاعر الدرة رمزاً فى قصيدته ، فهو عنده(ضى عيون الكون) الذى يسعى القمر إليه كطفل ليتعلم منه سر الحياة( يحبى القمر ويجيلك/ تفرشله منديلك / وتعلمه سر الحياة) من المؤكد أن الدرة كطفل عادى فى واقع الأمر لا يعرف سر الحياة ولكنه كرمز فى قصيدة العتر يصبح أكبر من الحياة نفسها وفى اعتقادى أن تلك المبالغة مصدرها الطيبة التى تحدثت عنها آنفاً ( الكل بيدعى يسكن جواك/ وبيقرا آيات المصحف على صدرك/ وانت فى صدرك شلت الكل) ربما يتنا ول شاعر آخر نفس موضوع القصيدة بطريقة مغايرة تماماً بمعنى أن يحول مثلاً تلك الحادثة إلى محكمة تدين العجز الذى جعلنا لا نستطيع أن نحمى طفلاً قتله الأعداء ومات دون أن يعرف أننا نتحمل قدراً من المسؤلية عن موته ولكن العتر شاعر طيب القلب ولو كان تناول الموضوع بطريقة تختلف عن تلك التى كتب بها قصيدته لشعرنا بأن هناك ثمة تناقض.. لقد حولت قصيدة" ميم" محمد الدرة إلى رمز لوجودنا وأحلامنا بل جعله هو مسؤل عنا فبنص القصيدة أكد فينا "الدرة" الإباء وزرع العمر مرة اخرى فى أبداننا بعد أن كنا قد انتهينا وروى الأرض بدمه فطرحت فُلاً يكفى عبيره العالم بأسره(الأرض اللى روتها بدمك/ طرحت فل/ والفل عبيره كفى الكون).. ربما قال المرء بعد قراءة القصيدة "حقاً لقد كان لاستشهاد الدرة فوائد عظيمة "وهذا المعنى بالتأكيد لم يكن الشاعر يسعى إليه ولكن طيبة العتر وقلبه الحنون كأب كانا يكتبان معه فجاءت القصيدة لتحول الدرة إلى رمز صوفى وتجعلنا جميعاً مريدين نسعى للحلول فى كينونته..( حتى المهج فيك انطوت).. هل يمكن أن نقول أن قصيدة " ميم"
تنتمى لشعر المقاومة بقدر أكبر من القصيدة التالية وهى للشاعر الكبير محمد العتر أيضاً والتى رغم بساطتها تنطوى على حس إنسانى عميق و جميل.. لنقرأ معاً..(قالت لى:- بحبك/ قلت لها:- استنى عليه شويه/ ما قدرش أخاطر بيه/ ما قدرش أحبك/ وأنا قلبى غريب عن قلبك/ وغريب حتى عليه).. هنا يؤكد الشاعر إن الصدق مع مع الأخرين منبعه الصدق مع الذات وأن الاندفاع فى العواطف قد يؤدى لتزييف وجداننا فهو يطلب ممن تحبه أن تنتظر ريثما يتأكد من مشاعره حيالها لكى لا يضللها ولا يضلل نفسه وهو إن كان بحاجة لبعض وقت للتعرف عليها فهو أيضاً فى أمس الحاجة للتعرف على قلبه ومشاعره الحقيقية
فى ظنى طيبة الشاعر محمد العتر فى القصيدة الأخيرة كانت مسلحة بما يكفى من وعى يجعلنا نعرف أن الحب أكبر بكثير من مجرد كلمه... وأن المبالغة التى لاتستند إلى أسباب حقيقة قد تأتى بمعان عكسية وقد كنا نضحك حين نقرأ فى قصيدة الشاعر العربى البيت الذى يقول( إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً/ تخر له الجبابر ساجدينا)
-----------
هوامش :

1- جريدة الوطن القطرية" الثلاثاء 2/1/ 2007
-زمن الرواية/د جابر عصفور/ مكتبة الأسرة 2000
2- جريدة الوفد العدد الصادر بتاريخ ا3 اكتوبر 2006 .
3- ديوان "الحبر دمع ووقت وشوية كلام"- شعر/ سهير متولى(مخطوط)
4- "ديوان "على يد محضر"- شعر/ مصباح المهدى/ تصوير-على نفقة الشاعر/2005
5-ديوان " بنحب موت الحياة" شعر/ عزت إبراهيم/ الهيئة العامة لقصور الثقافة/1999
6-موقع أسمارhttp://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=3490
7- سجادة الروح / إقليم شرق الدلتا الثقافي / الهيئة العامة لقصور الثقافة / المنصورة / 2000.
8-ديوان " الطالع.. شعر/ محمد العتر/ المجلس الأعلى للثقافة/2003.