المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هيأة الإنصاف والمصالحة



محمد المهدي السقال
29/10/2006, 12:04 AM
ورقة متأخرة حول :

هيأة الإنصاف والمصالحة
في المغرب

في انتظارِ اكتمالِ النِّصابِ بِالأحْياء

محمد المهدي السقال

هل يندرج إحداث هيأة للإنصاف والمصالحة في المغرب , ضمن سياق التفاعل مع متغيرات الوضع الدولي , في اتجاه استكمال الشروط المؤهلة للاندماج في نظام العولمة ؟!؟!
هل كانت الهيأة منذ البداية , استجابة لضرورات المرحلة التاريخية , على خلفية التحول في رؤية النظام الرسمي , لمفهوم وممارسة اللعبة الديموقراطية ؟!؟!
أم أنها في النهاية , محصلة مخاض سياسي , عاشته النخب الإيديولوجية الطليعية , في صدامها مع المؤسسة الحاكمة ؟!؟!
بغض النظر عما شاب الولادة والنشأة والتكوين , من سجالات حادة , مرجع أكثرها , خلاف حول المبادئ و القيم والرؤى , بحثا عن تشكل أرضية للتوافق الممكن مرحليا ,
فإن الانتهاء إلى صيغة وبنية هيأة الإنصاف والمصالحة في المغرب , يمثل تحديا فعليا لوهم الخوف التاريخي من إمكانية تجاوز الطابو السياسي.....
بل يمكن اعتبارها بحق , ضمن شروط الظرفية الانتقالية لمؤسسة النظام, والمرتبطة بالحرص على الوفاء لديباجة الدستور , بمثابة الاعتراف الرسمي بعودة الوعي للحقيقة المغيبة , خلف حُجُب القلاع التي كانت و ما تزال منتصبة , و إن بدرجات متباينة , شاهدة على الزيف الذي تعرضت له الذاكرة الوطنية , خلال ما صار يصطلح عليه بسنوات الرصاص .... وهو تعبير لكثرة تداوله بين الخاصة والعامة بحق و بغير حق , بمناسبة و بغير مناسبة , أصبح مفتقدا لدلالته الأصلية , بل يمكن الادعاء بأنه فقد مصداقية الاستمرار في تداوله , بعدما تساوى في توظيفه في الخطاب والخطاب المضاد, بين الضحية والجلاد .
غير أن ثمة ترددا لدى البعض (فرادى وجماعات) , في التعاطي مع مصداقية الهيأة , انطلاقا من طبيعة تركيبتها , وظرفية وجودها , وهو تردد مبرر , بالنظر إلى تراكمات أكثر من نصف قرن ... مع ما رافقها من ضبابية في الرؤية للواقع وتقييمه , أو ما واكبها من نزوع نحو تضخيم الأنا الإيديولوجية , لمنع بروز أية قيمة مغايرة , يمكن أن تستند إلى مرجعية مذهبية أو عقدية..... ناهيك عما أثير في الكواليس , من عصبيات إثنية أو قومية , كادت تعصف بها منذ البداية....
وازداد هذا الحرج أكثر , بعد الاستماع للدفعة الأولى من الشهادات , ضمن الجلسات العمومية على شاشة التلفزة الوطنية , إذ تكون لدى البعض , إحساس بانحياز الصوت والصورة , للاستجابة الفنية للإخراج المسرحي ....
خاصة وأن الكلمات التي سمح لها بالتعبير , قد استجابت لمعايير لفظية وأسلوبية , تعكس حرصا مسبقا على عدم الوقوع في خطأ الانفلات تحت إكراه فورة الانفعال..... مما أعاد إلى الأذهان , ذلك التوجس , من عودة الحياة إلى لغة التوافـقـات الخشبية , كما أطرتها أفعال المحاضر الحزبية والنقابية , نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات.... بحيث هيمن بالواضح , منحى اللوم والعتاب والمؤاخذة , على الأموات من المسؤولين عن تلك الاختلالات والانحرافات . ( الأموات هنا على الحقيقة والمجاز , لأن كثيرا من الأسماء , مازالت حية ترزق , إما داخل الوطن وإما خارجه)....
و بدا واضحا توخي الحذر من عدم الزج بالأسماء الوازنة من الأحياء , وما أكثرها , سواء في الساحة السياسية , أو الاقتصادية أو الثقافية....
بعد إطلاق العنان للمزايدة على الغائب نكرة أو معرفة .... لدرجة التوصل على التواصل بين طرفي السلب والإيجاب , إلى ما يشبه الاقتناع , بأن العزف على نغمة الحاضر وآفاق المستقبل , بديلا عن النقر في الماضي و أبعاده , يمكن أن تحيل على الأمل والرجاء , فيصبح الغدُ موضوعَ الحوار , بعد أن كانت الموائد في الأصل , مُعدَّة للوصف بالبيان والتوصيف بالقانون , بل موضوعة للتعرِّي دون الافتضاح بالإساءة للضحية والجلاد ...
وهكذا , بدأ الترويج للتأليف بين المتنافر , إطرابا للنفوس الجريحة في صمت , وتمويها للحق بلباس الباطل , على صهوة يركبها فرسان عزل لا يملكون غير رصيد يبحث عن تحويل بالعملة الوطنية أو الصعبة ,
فهل كان مقصوداً ذلك السكوتُ عن إثارة مَنْ تُرجى شهادته , ولو على سبيل الاستئناس ( ومرة أخرى سواء كان داخل الوطن أو خارجه).
من هذا المنطلق , يطرح السؤال حول جدية الاتجاه الذي تسعى فيه هيأة الإنصاف والمصالحة , مادام عملها متكئا على عصا واحدة , في غياب المشاركة الفعلية للأحياء , ممن لهم كلمتهم في تبيان الحقيقة , قبل أي حديث عن المصالحة.... واللائحة طويلة عريضة , تعرف نفسها كما يعرفها التاريخ بشقيه الرسمي والشعبي ,
بمعنى أن الهيأة مطالبة باستدراج كل المعنيين بالشهادة على العصر, في موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب , تحقيقا لاكتمال النصاب القانوني , واكتساب الحكم المُتداوَل بشأنها , مصداقية إجرائية قمينة بالإقناع قبل المواساة.
أما بعد , فإذا كان الأموات جسديا , من المسؤولين قد انتهوا , ولم تتبق سوى ملامح الوشم في الذاكرة , لقراءة أسطرها المكتوبة بحروف مخضبة بالدم والنار ,
وإذا كان الأموات معنويا من المفضوحين أو المسكوت عنهم , مطالبين بالإدلاء بشهادتهم , لإنجاح مشروع طيِّ صفحة الماضي , و الانتقال بالفعل إلى مرحلة المصالحة.... مصالحة صريحة تسمي الأشياء بأسمائها , دون مجاز أو استعارة أو حتى كناية ,
فما أحوجنا إلى سماع أصوات الأحياء أيضا , ممن كان لهم نصيب ماديا كان أومعنويا , من قريب أو بعيد , في دوران طاحونة تلك الانتهاكات .... بالقول كما بالفعل , بالهمز كما بالغمز واللمز , بالإشارة كما بالتلميح والإيحاء ...
ذلك أن استمرار هيأة الإنصاف والمصالحة في الوجود , مرهون بقوة الدفع التي يمكن أن يساهم بها هؤلاء الأحياء , على اختلاف انتماءاتهم وطبقاتهم ومواقعهم , إما من تلقاء أنفسهم , بدافع المصالحة مع الذات , في إطار النقد الذاتي , وإما بإيعاز أو إشارة , ممن يعتبرون مكلفين شرعا وقانونا , بتحريك الدعوى العمومية , ضد الخطأ الجسيم في حق المجتمع المدني......
قال أحد الأصدقاء , معلقا على هذا الموضوع ,
ولماذا لا تقول: ما أحوجنا إلى هيأة موازية , تكتفي بالسماع , من خلف حجاب , للأسماء الفاعلة في التاريخ المعاصر للمغرب , ممن كانوا شهودا على الأزمات , فكانوا فاعلين و منفعلين بها , جسدا و روحا وفكرا وجدانا....
وما حسبت صديقي إلا ساخرا مما أدعو إليه , لولا أنه ألح على السير في هذا الاتجاه , مقترحا تعديل الهيأة , لتـضم تمثيليات المنظمات الجماهيرية , السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ..... وعلى رأسها قياديو الأحزاب والنقابات و الجمعيات المهنية , والدينية .... للاجتماع فيما بينهم , والخروج منهم بلجنة يتحرى فيها الصدق بالإجماع , لتشكيل هيأة للحكماء , تكون قيمة على الفصل في الشهادات , على أساس الأخذ بها أو طرحها....دون مواربة أو مكايسة .
كان علي أن أعـترف لصديقي بمنطلقي حين فكرت في الكتابة حول هذا الموضوع ,
فما كنت منشغل البال , إلا بالوقوف عند لفظة الهيأة من الناحية اللغوية , ولسان حالي يسأل: هل استشير اللغويون في صياغة تسمية الهيأة؟

لست أدري لماذا اختير لفظ الهيأة دون اللجنة
هل يمكن للهيئة أن تنفتح على مختلف مكونات المجتمع المدني , من خلال فعالياته غير الحكومية , من جمعيات حقوقية وثقافية ودينية واقتصادية ومنظمات جماهيرية , من نقابات وأحزاب وتجمعات .؟
يبدو للمتتبع الحقوقي في المغرب , أن الاتجاه الذي تسير فيه الدعوة للإنصاف والمصالحة , ذو بعد واحد , بحكم مراهنته على التصالح مع المعارضة الإيديولوجية , ذات الطابع اليساري الماركسي بالمنطق الستيني , وقد كانت تتأسس على خلفية تنازع السلطة مع النظام , انطلاقا من الاعتقاد المبدئي بقيم التغيير .
ثمة سؤال يطرح حول مدى استفادة الأحزاب السياسية خاصة , من انفتاح النظام المغربي على المجتمع المدني , وإقدامه على فتح صدره بكل جرأة , للاستماع لجراحات الأمس , هل سيجرؤ حزب سياسي من العيار الثقيل مثلا , على فتح أبوابه لمناقشة الملفات الخاصة بدوره فيما صار يصطلح عليه بسنوات الرصاص....
هل ستعلن نقابة من العيار الثقيل مثلا عن اعتزامها تكوين لجنة وطنية مستقلة ,تناط بها مهمة الفحص والتحري في ملفات الفساد والتواطؤ , كما توكل إليها مهمة الاستماع إلى كل المتضررين والشهود , ولو على سبيل إعادة الاعتبار ونفض الغبار.......

محمد المهدي السقال
المغرب

fizaziabdeslam
20/11/2006, 09:53 PM
عزيزي محمد
كم كنت أتمنى أن أشاركك نفس الاحساس، ونفس الهم المتعلق باسطورة الانصاف والمصالحة، مما دفعني دفعا الى كتابة مقالات في هذا الصدد تحت عنوان: لا تصالح من لم يعتذر... ولعلك تتبعتها في حلقات في جريدة النهار المغربية..واليك بعضا منها للاستئناس انت الذي اراك تحمل كلكل هذه المعضلة على كاهلك، لأنك حقا اكتويت بحمولتها أكثر من غيرك، فاليك مني ألف تحية ومحبة..


لا تصالح من لم يعتذر…

تصالح من مع من، ونسيان ماذا وممن، وهيأة إنصاف من وممن، ومصالحة ماذا، وكيف ! أسئلة استفزتني أنا الطفل الصغير الذي كنته، والعاشق للوطن منذ أن تعلمت أن الوطن هو بيت أبي وأمي، ولا حق لأحد أن يصادره مني، كيف ما كان، ومن يكون… أسئلة رجعت بي إلى السنوات العجاف، سنوات الرصاص بامتياز:1958/1959، وأنا ابن ثلاثة سنوات؛ يوم هجرت أسرتنا المقاومة من احتلال فرنسا محتمية باستعمار إسبانيا، تلافيا لمحاكمة أبي المقاوم.. فكانت الهجرة تتم ليلا صوب بني ورياغل- زاوية الحاج الكاموني الشريف…- ليلتحق الأب بجيش التحرير المغربي سنة1956، فكانت بداية المنفى الاضطراري؛ أب في الجندية وأسرة مهجرة تعيش في كنف زاوية سيدي مسعود مع ثلة من المهاجرين الآخرين…ودارت الأيام تلو الأيام لتبدأ مأساة 1958/1959 حيث رفض السي سلام أمزيان ومن معه تسليم السلاح إلى النظام، والحال أن المغرب لم يحصل بعد على الاستقلال النهائي. ولم يكن هذا الأخير مناهضا للنظام كما زعم أفقير ومن كان يدور في فلكه من شتى الزعامات التي ستختلف مع توالي الأيام لغتها ومساعيها، وتتشتت شيعا وأحزابا، بل كان الرجل المناضل المجاهد مقتنعا أن الكفاح يجب أن يستمر ضد الاستعمار إلى أن يسترجع المغرب استقلاله الكامل، والحال أن سبتة ومليلية كانتا بالنسبة لعبد الكريم الخطابي واتباعه القلب النابض للريف؛ ولا يمكن البتة لأنفة المغربي الريفي على الخصوص أن يفرط في شبر من أرضه… وكانت الوسائط جارية بين السي سلام أمزيان وبطانته من أعيان الريف مع بعثة تتكون من عبد الكريم الخطيب، والمحجوبي أحرضان، والمذبوح… باعتبار هذا الأخير ابن المنطقة، ونظرا لاحترام الريفيين لرموز الوطنية اعتذروا لهم عن عدم قبول مسعاهم الذي كان نفس مسعى النظام آنذاك، أما بالنسبة للجنرال المذبوح فاعتذروا قائلين:«أما أنت يا محمد، فإننا نعرفك جد المعرفة، إنك بالنسبة لنا نصراني ليس إلا، فلا شيء يجمعنا وإياك/ أما شك آمحمد، قاش ذارومي من غارنغ أنك ألزيك… سير مانيس أتوسيذ/ ارجع من حيث أتيت، وقل لصاحبة الجلالة أن الريفيين يطالبون بمواصلة المعركة إلى أن يتحقق الاستقلال الكلي للمغرب…وبالمناسبة نحن نريد ملاقاة الملك المغربي سيدي محمد الخامس مباشرة، ولا نقبل بأي وساطة كيفما كانت، وممن كانت…وتوالت الأحداث إلى أن اجتاحت القوات المسلحة الملكية الريف بمؤامرة من أفقير الذي كان يكن عداوة دفينة للريفيين، فعاث في الريف فسادا وقتلا وتنكيلا يندى لها الجبين. فكانت التصفية الجسدية حاضرة بامتياز، وبأشكالها التي كانت من اختصاصاته الدنيئة تعلمها أيام كان يعمل للمخابرات الغربية… وكان البطش بأسرة السي سلام الذي حبكت ضده أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها على سبيل المثال:لقد كان الاجتياح صيفا حيث الحرارة المفرطة، وكانت النساء الريفيات يهيئن عجينهن صباحا كما العادة، فلما اشتدت وطأة الحرب المباغتة، تركت النساء أشغالهن اليومي، وبدأن ينتظرن الموت الذي يأتيهن وأبنائهن جوا وبرا إلى درجة جعلت الديدان تنخر العجين، فاستخلص أفقير أسطورته الحقيرة مفادها: أن الملك دعا على الرفيين دعوة تمثلت نتيجتها في ظهور الديدان في عجينهم… وتناقلتها الألسن السخيفة، والتقطتها الآذان المدربة على القيل والقال وما يقولون، وأصبح بقدرة قادر المجاز حقيقة وليشرب الريف البحار… ولم يلتزم أفقير وزبانيته بهذه الأسطورة التي لم تشف الغليل، فحاول جاهدا أن يخلق التفرقة بين المغاربة، حيث ألصق بالرفيين أسطورة ثانية مفادها: أحذر، ولا تجعل الريفي يقف وراءك لأنه غدار آثم، بل اجعله دائما وأبدا أمامك حتى تتمكن منه في كل وقت وحين..
وهكذا، عاش الريفي الأبي مؤامرات أفقيرية محبوكة خسيسة مزدوجة، ولزم حدوده قائلا: «ربي انهزمت فانتصر…».. أما كان على الأخ جمال سلام إن كان يدري أن يتقيأ ما في القلب من أسى عشعش أمدا طويلا في قلوب بني جلدته… ويبوح بما ظل دفينا كي يتنفس، ونتنفس معه الصعداء ما دام زمن الوضوح قد أشرق من حيث ندري ولا ندري…فما أقسى من أن يعيش الريف التهميش بأوجهه المتعددة.. من التقتيل الجماعي إلى التنصل من أخلاقياته وشهامته، إلى التنكر له ولجغرافيته وتاريخه، فكان عرضة للقصاص البشري والقدري على حد سواء…أتذكر أنا الطفل الصغير الذي كنته، كيف تآمر أفقير على تاريخ الريف وثارت ثورته ضد من نعتهم بأبشع النعوت، هو الخائن ضد من منحه كل شيء، وجعله سادنا من سدنة مغربنا العزيز، ولم يكن النظام يعلم أن السفيه مهما كرمته يبقى لئيما، لأنه جبل على ذلك منذ كان انتمائه لمافيا الغرب إلى أن استقبله المغرب بالأحضان… أجل، بعد تعرض ولي العهد آنذاك الحسن الثاني لما تعرض في الريف انتقاما من أفقير وزبانيته وليس من ولي العهد، اجتاحت الجيوش المغربية الريف بعد أن سمح لها الكيل بالمكيالين، والبطش بالناس والأنعام، وقيل لها أن لا تبقي على الأرض من الريفيين ديارا، وكان على رأس هذه الجيوش أفقير الذي اختص بفصل الرأس على الجسد لكل من حامت حوله الشكوك، فكان بذلك يشبع غرائزه العدوانية بشتى أنواع الترهيب والتقتيل.. كان عليك يا جمال سلام أمزيان أن تبوح يوم حصحص الحق بأن افقير انتقم من الريفيين يوم لم يفلح بملاحقة سلام واكتفى بسجن الأسرة والتنكيل بها، يوم ذاك كان يتلذذ بوضع القنابل العنقودية في مؤخرات جلابيب اخوتك الريفيين المغلوبين على أمرهم ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف. كان قد أعطى الضوء الأخضر لزبانيته من الجنود الذين تربوا على يديه لاقتحام البيوت والناس نياما، وهتك أعراضهم وأعراض النساء أمام أعين الأنام.. فلماذا اكتفيت أيها الأبي، المتسامح قائلا: «أنا لا أتهم أحدا، ولست ناقما على أحد، ولا حاقدا على أحد…» ألأنك طبقت مقولة: ليس من رأى كمن سمع؟.. إنني أخاف أن بنزكري وغيره لم يتوصلوا ولن يتوصلوا بعد إلى هذه الحقيقة المرة التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تمحى من الذاكرة الموشومة، ما دام الجلاد والسدنة يمشون على الأرض هونا، على اعتبار أن أنفة الريفيين تأبى أن تفضح سرائرهم ما داموا قد سلموا أمرهم إلى الله، هو الذي سيتولى السرائر.. كم يحزنني أن أسمع من أحمد حرزني وما أدراك ما أحمد وهو ينعت موقف المصالحة الغير المكتملة بـ: النضج، وعين العقل، والحال أنني أعرف أنه لم يكن يوما يقدم الولاء لأحد، لأنه كان ابن الموقف الثابت، وابن قل الحق ولو على نفسك…، وكم أحببت آل الآسفي، وبالضبط الوديع الذي تطاول على جلاده ودعاه لمقابلة تلفزيونية يفضح من خلالها ازدواجية السياسي القاتل.. فتناسى الوديع الوقع وهتف قائلا:«إن أجمل يوم في حياتي هو يوم جلس الضحايا على منصة إحدى قاعات مركز الندوات…» فقلت أينك أيها الصلب، وأنت العارف بخبايا اخوة لك في ربوع الريف المنسي، لم يعد الوقت وقت قول الشعر، ولا وقت الاستمتاع بالجلسات الحكائية والغرائبية، إنما الوقت هو وقت وصفه الله تعالى قائلا: «اقرأ كتابك إنه اليوم عليك حسيبا»؟.
كم أصبحت أتذكر أنا الطفل الصغير الذي كنته، يوم كان الحاج سيدي أحمد الكاموني يتلو على عادته في ضريح جده الحاج مسعود القرآن الكريم جريا على مسعى أجداده الأبرار مع ثلة من الشرفاء الأحرار، حيث اقتحم الجنود الضريح الذي يقدسه الريف من أقصاه إلى أقصاه، وضربوه إلى أن طار من بين يديه الكريمتين المصحف وهو يردد في حشمة ووقار: « اللهم لا تآخذهم بفعلتهم الشنعاء هذه، إنك عفو تحب العفو فاعف عنهم…». ولم تغب عنه فكرة اقتحام الزاوية ككل، فأرسل من يخبر جدتي كي تعلق بطاقة أبي الجندية « النكوة » الذي كان يوم ذاك نزيل المستشفى وإلا كان ضمن فيلقه الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من أسرته، وثلة من أبناء المقاومة الذين نزحوا هربا من ملاحقتهم من طرف الاستعمار الفرنسي.. وهكذا أصبحنا نسمع عن « بوقبار» أي الجنود أصحاب الخوذيات الرمادية، وهي تسمية كان ينعت بها المستعمر الفرنسي، وكان شعارهم القيام بالأفعال التي يؤمرون بها دون أدنى مناقشة تذكر، ويا ما حاول بعض الجنود استدراج الأطفال الصغار الذين لم يكونوا يفقهون اللعبة الكبرى التي قدم من أجلها هؤلاء الجنود الذين اكتسحوا الجبال والبراري والسهول والشعاب، وكانوا يحاولون ما استطاعوا إليه سبيلا إغراء الأطفال ببعض علب السردين التي لم يكن الأطفال يعرفون لها معنى ولا ماذا تحمل في طياتها…كانوا يحاولون استغلالهم لمعرفة مكان شباب القبيلة كي تتم مطاردتهم، الشباب الذين طاروا مباشرة بعد الاجتياح صوب أعالي الجبال مخافة ملاحقتهم والتنكيل بهم، ويكون مصيرهم هو نفس مصير من قطعت رؤوسهم من الشيوخ والعجزة الذين لم يبرحوا مكانهم اعتقادا منهم انهم لا يتحملون مسؤولية هذه الحرب المجانية التي لم تكن تخطر لهم على بال… لكن محاولة الجنود مع أطفال القرية لم تكن مثمرة لأن التواصل معهم كان مستحيلا ما دام واقع اللغة يختلف بين السائل والمجيب.. ولقد استشعرت بعض الحميمية من بعض الجنود الذين حاولوا أن يقدروا سمعة أبي الذي تبين لهم أنه حقا زميلا له في الجندية، وشاءت الظروف الربانية أن يكون بعيدا عن هذه المسرحية الدونكشوتية.. ولقد قيل أن الملازم امحمد اعبابو كان على رأس نفس الطابور وكأنني به وقع في المحضور ما دام ينتمي بدوره لنفس المنطقة الموالية لأجزناية/ تامجونت.. ومن يدري هل كان يشعر بغصة تجاه ما كان يقوم به ضد منطقته أم تراه كان لا يفكر إلا في تنفيذ المهام العسكرية المنوطة به… ! تلك أسئلة لا يستطيع الجواب عنها إلا من عاش نفس الظروف، ونفس الأحاسيس، خارج منطق محاولة استنطاق الأحداث المرتبطة بنفسية الأحياء فما بالك بالأموات… ولقد حاولت مرارا أن أتقمص شخصية هؤلاء إلا أن الأمر بدا يتجاوز البوح بالحقيقة الدفينة مع الأحداث والأشخاص الذين عملوا على تحريك نفس الأحداث، فبقي المبهم مبهما، والقابل للاسترجاع ممكنا ما دامت الجغرافية هي هي، والتاريخ قابل للاستنطاق ولو من قبل الذين اجزموا على أن لا يتفوهوا بكلمة لأن آثار الوقع وما أصابهم من ذوي القربى لا يمكن أن يقال في سطور وفي واضحة النهار عملا بمقولة:« إذا ابتليت بفعل فاجر كفار فاستتر ما استطعت إليه سبيلا، وليتولى الله كيد الكائدين..».

أخوك عبد السلام فزازي

محمد المهدي السقال
21/11/2006, 12:54 AM
عزيزي محمد
كم كنت أتمنى أن أشاركك نفس الاحساس، ونفس الهم المتعلق باسطورة الانصاف والمصالحة، مما دفعني دفعا الى كتابة مقالات في هذا الصدد تحت عنوان: لا تصالح من لم يعتذر... ولعلك تتبعتها في حلقات في جريدة النهار المغربية..واليك بعضا منها للاستئناس انت الذي اراك تحمل كلكل هذه المعضلة على كاهلك، لأنك حقا اكتويت بحمولتها أكثر من غيرك، فاليك مني ألف تحية ومحبة..


لا تصالح من لم يعتذر…

تصالح من مع من، ونسيان ماذا وممن، وهيأة إنصاف من وممن، ومصالحة ماذا، وكيف ! أسئلة استفزتني أنا الطفل الصغير الذي كنته، والعاشق للوطن منذ أن تعلمت أن الوطن هو بيت أبي وأمي، ولا حق لأحد أن يصادره مني، كيف ما كان، ومن يكون… أسئلة رجعت بي إلى السنوات العجاف، سنوات الرصاص بامتياز:1958/1959، وأنا ابن ثلاثة سنوات؛ يوم هجرت أسرتنا المقاومة من احتلال فرنسا محتمية باستعمار إسبانيا، تلافيا لمحاكمة أبي المقاوم.. فكانت الهجرة تتم ليلا صوب بني ورياغل- زاوية الحاج الكاموني الشريف…- ليلتحق الأب بجيش التحرير المغربي سنة1956، فكانت بداية المنفى الاضطراري؛ أب في الجندية وأسرة مهجرة تعيش في كنف زاوية سيدي مسعود مع ثلة من المهاجرين الآخرين…ودارت الأيام تلو الأيام لتبدأ مأساة 1958/1959 حيث رفض السي سلام أمزيان ومن معه تسليم السلاح إلى النظام، والحال أن المغرب لم يحصل بعد على الاستقلال النهائي. ولم يكن هذا الأخير مناهضا للنظام كما زعم أفقير ومن كان يدور في فلكه من شتى الزعامات التي ستختلف مع توالي الأيام لغتها ومساعيها، وتتشتت شيعا وأحزابا، بل كان الرجل المناضل المجاهد مقتنعا أن الكفاح يجب أن يستمر ضد الاستعمار إلى أن يسترجع المغرب استقلاله الكامل، والحال أن سبتة ومليلية كانتا بالنسبة لعبد الكريم الخطابي واتباعه القلب النابض للريف؛ ولا يمكن البتة لأنفة المغربي الريفي على الخصوص أن يفرط في شبر من أرضه… وكانت الوسائط جارية بين السي سلام أمزيان وبطانته من أعيان الريف مع بعثة تتكون من عبد الكريم الخطيب، والمحجوبي أحرضان، والمذبوح… باعتبار هذا الأخير ابن المنطقة، ونظرا لاحترام الريفيين لرموز الوطنية اعتذروا لهم عن عدم قبول مسعاهم الذي كان نفس مسعى النظام آنذاك، أما بالنسبة للجنرال المذبوح فاعتذروا قائلين:«أما أنت يا محمد، فإننا نعرفك جد المعرفة، إنك بالنسبة لنا نصراني ليس إلا، فلا شيء يجمعنا وإياك/ أما شك آمحمد، قاش ذارومي من غارنغ أنك ألزيك… سير مانيس أتوسيذ/ ارجع من حيث أتيت، وقل لصاحبة الجلالة أن الريفيين يطالبون بمواصلة المعركة إلى أن يتحقق الاستقلال الكلي للمغرب…وبالمناسبة نحن نريد ملاقاة الملك المغربي سيدي محمد الخامس مباشرة، ولا نقبل بأي وساطة كيفما كانت، وممن كانت…وتوالت الأحداث إلى أن اجتاحت القوات المسلحة الملكية الريف بمؤامرة من أفقير الذي كان يكن عداوة دفينة للريفيين، فعاث في الريف فسادا وقتلا وتنكيلا يندى لها الجبين. فكانت التصفية الجسدية حاضرة بامتياز، وبأشكالها التي كانت من اختصاصاته الدنيئة تعلمها أيام كان يعمل للمخابرات الغربية… وكان البطش بأسرة السي سلام الذي حبكت ضده أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها على سبيل المثال:لقد كان الاجتياح صيفا حيث الحرارة المفرطة، وكانت النساء الريفيات يهيئن عجينهن صباحا كما العادة، فلما اشتدت وطأة الحرب المباغتة، تركت النساء أشغالهن اليومي، وبدأن ينتظرن الموت الذي يأتيهن وأبنائهن جوا وبرا إلى درجة جعلت الديدان تنخر العجين، فاستخلص أفقير أسطورته الحقيرة مفادها: أن الملك دعا على الرفيين دعوة تمثلت نتيجتها في ظهور الديدان في عجينهم… وتناقلتها الألسن السخيفة، والتقطتها الآذان المدربة على القيل والقال وما يقولون، وأصبح بقدرة قادر المجاز حقيقة وليشرب الريف البحار… ولم يلتزم أفقير وزبانيته بهذه الأسطورة التي لم تشف الغليل، فحاول جاهدا أن يخلق التفرقة بين المغاربة، حيث ألصق بالرفيين أسطورة ثانية مفادها: أحذر، ولا تجعل الريفي يقف وراءك لأنه غدار آثم، بل اجعله دائما وأبدا أمامك حتى تتمكن منه في كل وقت وحين..
وهكذا، عاش الريفي الأبي مؤامرات أفقيرية محبوكة خسيسة مزدوجة، ولزم حدوده قائلا: «ربي انهزمت فانتصر…».. أما كان على الأخ جمال سلام إن كان يدري أن يتقيأ ما في القلب من أسى عشعش أمدا طويلا في قلوب بني جلدته… ويبوح بما ظل دفينا كي يتنفس، ونتنفس معه الصعداء ما دام زمن الوضوح قد أشرق من حيث ندري ولا ندري…فما أقسى من أن يعيش الريف التهميش بأوجهه المتعددة.. من التقتيل الجماعي إلى التنصل من أخلاقياته وشهامته، إلى التنكر له ولجغرافيته وتاريخه، فكان عرضة للقصاص البشري والقدري على حد سواء…أتذكر أنا الطفل الصغير الذي كنته، كيف تآمر أفقير على تاريخ الريف وثارت ثورته ضد من نعتهم بأبشع النعوت، هو الخائن ضد من منحه كل شيء، وجعله سادنا من سدنة مغربنا العزيز، ولم يكن النظام يعلم أن السفيه مهما كرمته يبقى لئيما، لأنه جبل على ذلك منذ كان انتمائه لمافيا الغرب إلى أن استقبله المغرب بالأحضان… أجل، بعد تعرض ولي العهد آنذاك الحسن الثاني لما تعرض في الريف انتقاما من أفقير وزبانيته وليس من ولي العهد، اجتاحت الجيوش المغربية الريف بعد أن سمح لها الكيل بالمكيالين، والبطش بالناس والأنعام، وقيل لها أن لا تبقي على الأرض من الريفيين ديارا، وكان على رأس هذه الجيوش أفقير الذي اختص بفصل الرأس على الجسد لكل من حامت حوله الشكوك، فكان بذلك يشبع غرائزه العدوانية بشتى أنواع الترهيب والتقتيل.. كان عليك يا جمال سلام أمزيان أن تبوح يوم حصحص الحق بأن افقير انتقم من الريفيين يوم لم يفلح بملاحقة سلام واكتفى بسجن الأسرة والتنكيل بها، يوم ذاك كان يتلذذ بوضع القنابل العنقودية في مؤخرات جلابيب اخوتك الريفيين المغلوبين على أمرهم ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف. كان قد أعطى الضوء الأخضر لزبانيته من الجنود الذين تربوا على يديه لاقتحام البيوت والناس نياما، وهتك أعراضهم وأعراض النساء أمام أعين الأنام.. فلماذا اكتفيت أيها الأبي، المتسامح قائلا: «أنا لا أتهم أحدا، ولست ناقما على أحد، ولا حاقدا على أحد…» ألأنك طبقت مقولة: ليس من رأى كمن سمع؟.. إنني أخاف أن بنزكري وغيره لم يتوصلوا ولن يتوصلوا بعد إلى هذه الحقيقة المرة التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تمحى من الذاكرة الموشومة، ما دام الجلاد والسدنة يمشون على الأرض هونا، على اعتبار أن أنفة الريفيين تأبى أن تفضح سرائرهم ما داموا قد سلموا أمرهم إلى الله، هو الذي سيتولى السرائر.. كم يحزنني أن أسمع من أحمد حرزني وما أدراك ما أحمد وهو ينعت موقف المصالحة الغير المكتملة بـ: النضج، وعين العقل، والحال أنني أعرف أنه لم يكن يوما يقدم الولاء لأحد، لأنه كان ابن الموقف الثابت، وابن قل الحق ولو على نفسك…، وكم أحببت آل الآسفي، وبالضبط الوديع الذي تطاول على جلاده ودعاه لمقابلة تلفزيونية يفضح من خلالها ازدواجية السياسي القاتل.. فتناسى الوديع الوقع وهتف قائلا:«إن أجمل يوم في حياتي هو يوم جلس الضحايا على منصة إحدى قاعات مركز الندوات…» فقلت أينك أيها الصلب، وأنت العارف بخبايا اخوة لك في ربوع الريف المنسي، لم يعد الوقت وقت قول الشعر، ولا وقت الاستمتاع بالجلسات الحكائية والغرائبية، إنما الوقت هو وقت وصفه الله تعالى قائلا: «اقرأ كتابك إنه اليوم عليك حسيبا»؟.
كم أصبحت أتذكر أنا الطفل الصغير الذي كنته، يوم كان الحاج سيدي أحمد الكاموني يتلو على عادته في ضريح جده الحاج مسعود القرآن الكريم جريا على مسعى أجداده الأبرار مع ثلة من الشرفاء الأحرار، حيث اقتحم الجنود الضريح الذي يقدسه الريف من أقصاه إلى أقصاه، وضربوه إلى أن طار من بين يديه الكريمتين المصحف وهو يردد في حشمة ووقار: « اللهم لا تآخذهم بفعلتهم الشنعاء هذه، إنك عفو تحب العفو فاعف عنهم…». ولم تغب عنه فكرة اقتحام الزاوية ككل، فأرسل من يخبر جدتي كي تعلق بطاقة أبي الجندية « النكوة » الذي كان يوم ذاك نزيل المستشفى وإلا كان ضمن فيلقه الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من أسرته، وثلة من أبناء المقاومة الذين نزحوا هربا من ملاحقتهم من طرف الاستعمار الفرنسي.. وهكذا أصبحنا نسمع عن « بوقبار» أي الجنود أصحاب الخوذيات الرمادية، وهي تسمية كان ينعت بها المستعمر الفرنسي، وكان شعارهم القيام بالأفعال التي يؤمرون بها دون أدنى مناقشة تذكر، ويا ما حاول بعض الجنود استدراج الأطفال الصغار الذين لم يكونوا يفقهون اللعبة الكبرى التي قدم من أجلها هؤلاء الجنود الذين اكتسحوا الجبال والبراري والسهول والشعاب، وكانوا يحاولون ما استطاعوا إليه سبيلا إغراء الأطفال ببعض علب السردين التي لم يكن الأطفال يعرفون لها معنى ولا ماذا تحمل في طياتها…كانوا يحاولون استغلالهم لمعرفة مكان شباب القبيلة كي تتم مطاردتهم، الشباب الذين طاروا مباشرة بعد الاجتياح صوب أعالي الجبال مخافة ملاحقتهم والتنكيل بهم، ويكون مصيرهم هو نفس مصير من قطعت رؤوسهم من الشيوخ والعجزة الذين لم يبرحوا مكانهم اعتقادا منهم انهم لا يتحملون مسؤولية هذه الحرب المجانية التي لم تكن تخطر لهم على بال… لكن محاولة الجنود مع أطفال القرية لم تكن مثمرة لأن التواصل معهم كان مستحيلا ما دام واقع اللغة يختلف بين السائل والمجيب.. ولقد استشعرت بعض الحميمية من بعض الجنود الذين حاولوا أن يقدروا سمعة أبي الذي تبين لهم أنه حقا زميلا له في الجندية، وشاءت الظروف الربانية أن يكون بعيدا عن هذه المسرحية الدونكشوتية.. ولقد قيل أن الملازم امحمد اعبابو كان على رأس نفس الطابور وكأنني به وقع في المحضور ما دام ينتمي بدوره لنفس المنطقة الموالية لأجزناية/ تامجونت.. ومن يدري هل كان يشعر بغصة تجاه ما كان يقوم به ضد منطقته أم تراه كان لا يفكر إلا في تنفيذ المهام العسكرية المنوطة به… ! تلك أسئلة لا يستطيع الجواب عنها إلا من عاش نفس الظروف، ونفس الأحاسيس، خارج منطق محاولة استنطاق الأحداث المرتبطة بنفسية الأحياء فما بالك بالأموات… ولقد حاولت مرارا أن أتقمص شخصية هؤلاء إلا أن الأمر بدا يتجاوز البوح بالحقيقة الدفينة مع الأحداث والأشخاص الذين عملوا على تحريك نفس الأحداث، فبقي المبهم مبهما، والقابل للاسترجاع ممكنا ما دامت الجغرافية هي هي، والتاريخ قابل للاستنطاق ولو من قبل الذين اجزموا على أن لا يتفوهوا بكلمة لأن آثار الوقع وما أصابهم من ذوي القربى لا يمكن أن يقال في سطور وفي واضحة النهار عملا بمقولة:« إذا ابتليت بفعل فاجر كفار فاستتر ما استطعت إليه سبيلا، وليتولى الله كيد الكائدين..».

أخوك عبد السلام فزازي

أخي عبد السلام

تحية ود

في البداية ,

أتقدم بالتحية الصادقة للذاكرة الموشومة بآثار النفي والإقصاء ,

أما بعد ,

فقد أسعفتني بقراءة نص أفاض من جديد حرقة الحنين إلى تلك الذاكرة ,

قد تجدني مقصرا في عدم القراءة لك من قبل ,

لكنك حتما ستعذر تخلفي عن مواكبة ما يستجد في الموضوع ,

حين تعلم أنني لعشر سنوات خلت , انزويت مهزوما بذاكرتي الجربحة ,

في محاولة يائسة للتخلص من سماع التزييف العمد للتاريخ ,

في الثمانينات , وبعد غضبة الأوباش في جغرافية الشمال ,

نشرت مقالة في البيان الثقافي آنذاك , تحت عنوان :

" المسألة الريفية من جهة المحكي "

وقد دعوت في حينها , إلى تقديم شهادات تاريخية من المحكي في الذاكرة

الشعبية ,

بهدف التصدي لعمليات التجميل التي انبرى لها بعض مروجي الخطاب الديماغوجي

لمقولةالولاء لوهم اسمه الوطن ,

أخي عبد السلام

سأعمل جاهدا على البحث عن المقالة , لموافاتك بها ,

شعورا مني بأن ثمة ما يتصل فيها بمضمون كتابتك الوازنة,

تحياتي

محمد المهدي السقال

fizaziabdeslam
21/11/2006, 10:23 AM
عزيزي محمد
القلوب عند بعضها يا عزيزي محمد، ولمجرد قراءة كتاباتك في واتا، اكتشفت انسانا يكتب انطلاقا من مواقف ثابتة، فقلت مع نفسي إن العالم الذي نكتب عنه بحرقة ما زال فيه شرفاء، يعطون الكلمة الملتزمة حقها في زمن يريدون منا استئصال هذا الحق؛ لكن أنى لهم ذلك، علما أن الكلمات حين تقال لا تموت على الشفاه المطبقات لأنها خرجت من حناجر مبحوحة تبحث لها عن آذان ليس فيها وقرا..وأنت حين كتبت عن الانصاف والمصالحة، قلت يجب أن اراسلك مباشرة ولا أكتفي بقراءة كتاباتك الناقدة التي قليلا ما يتجرأ كائنا من كان تبنيها.. ولك مني الف تحية..
أخوك عبد السلام فزازي