المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب عزوف الشباب عن الحضور و المشاركة في الندوات و المناسبات الثقافية .



الدكتور ياسر منجي
29/10/2006, 04:45 PM
أسباب عزوف الشباب عن الحضور و المشاركة في الندوات و المناسبات الثقافية

الأساس النظري :
ينطلق البحث من فرضية نظرية مؤداها أن السياق العام للفضاء الثقافي - الذي تتم نشأة الوعي الثقافي للشباب في خضم تشابكاته المتعددة المستويات – هو المسئول عن الإفراز المتمثل في هذا التوجه العام المنسحب من معترك الفعل الثقافي من قبل عامة الشباب ، مع الاحتفاظ بهامش من الاستثناء لشريحة معينة ( و إن كانت غير متجانسة من حيث الدافع و أسلوب المشاركة ) ما زالت معنية بالانخراط في المناسبات الثقافية .
و تستدعي هذه الفرضية أن يتم تفكيك السياق العام لهذا الفضاء الثقافي إلى مركباته الفاعلة و المؤدية – فيما يرى الباحث – إلى نشأة الظاهرة على ما هي عليه ، حيث أتت هذه المركبات متمثلة فيما يلي :
1 – دور النمط السلوكي الاستهلاكي في التحول من المتسامي إلى السلعي .
2- الإرث الاصطلاحي العروبي المطابق بين ما هو لغوي و ما هو ثقافي وإقصاءه لبقية المركبات ، أو على أحسن الفروض اعتبارها بمثابة وسائل للترفيه.
3- استمرار الفكرة الرومانسية المطابقة بين مفهوم المثقف و مفهوم الشخصية الهائمة المستلبة و امتزاجها بفكرة المثقف الثوري المناوئ سياسيا و الساخط دوما .
أولا : دور النمط الاستهلاكي :
ساهمت التغيرات الاقتصادية التي طرأت على المجتمع المصري - و التي يميل معظم المتخصصين في الدراسات الاقتصادية إلى رصد منطلقاتها بدءا من مرحلة الانفتاح الاقتصادي – ، ساهمت في تغيير و تعديل و استحداث عدد من المفاهيم و الأنماط السلوكية التي تكرس لمفهوم ارتباط القدرة على الفعل و على حيازة التميز الاجتماعي بالقدرة على تحصيل الكم الأقصى من فائض السيولة المادية و تطويعها لأوجه الإنفاق المظهرية التي تستدعي إبراز التمايز الرفاهي بين من يملك و بين من لا يملك ، مزاوجة بين هذا المفهوم و بين مفهوم ( النجم ) الاجتماعي كاشتقاق معدل من فكرة ( الوجيه ) الأرستقراطي في عهود سالفة ، مع الفارق بأن الأعراف المرعية في شئون تربية نمط ( الوجيه ) كانت تعنى بالإعداد الثقافي كما كرسته موروثات البلاطات الملكية العالمية ، بينما انصبت فكرة ( النجومية ) المرفهة على تكريس مفاهيم القدرة و الاستطاعة من خلال كرنفالات التباري في اقتناء الأغلى ، الأحدث ، الأكثر و المفارق للنمط الثقافي المحلي .
ولدت هذه الظاهرة نمطين سلوكيين أساسيين لدى عامة الشباب :
الأول : تمثل في انخراط العدد الأكبر من المنتمين من الشباب إلى أبناء طائفة الأثرياء الجدد في دائرة السباق المحموم السالف ذكره ، مما أخرج الثقافة من دائرة اهتمام السواد الأعظم منهم و جعلها قاصرة على بعض السلوكيات المظهرية التي يتم استدعاؤها فقط لاستكمال عناصر التمايز الاجتماعي .
الثاني : وقوع قطاع الشباب المنتمين إلى الشرائح الاجتماعية الدنيا في أسر الإحباط الناتج عن المقارنة بين التراكم الأسطوري للثروة لدى القطاع السابق – خاصة مع وجود قنوات إعلامية مختلفة عملت على إظهار الصورة السابق ذكرها بتفصيلات مستفزة لواقع الشباب الأكثر فقرا – و بين رغبات و تطلعات الشباب في الارتقاء الاجتماعي – و هي رغبات فطرية مصاحبة لهذه المرحلة العمرية و مميزة لها – مما أسقط من حسابات هذه الشريحة الشبابية الدنيا أن يساهم الفعل الثقافي مساهمة عملية في حصولهم بالتبعية على أي تقدم ملموس فيما يختص بالواقع المادي .
و قد برزت هذه النقطة بالتحديد في بزوغ نماذج من النجومية المصاحبة للنمط الاستهلاكي ، عملت على إقصاء و إخماد نماذج النجوم الثقافية لدى الشباب ، و تتمثل شريحة النجوم الجدد كأوضح ما يكون في لاعبي كرة القدم و مقدمي النمط الغنائي الخفيف و المنتشر بكثافة حاليا ، حيث مثلت هذه النماذج الجديدة تحققا مثاليا لارتباط نشاط رفاهي ذي طابع ترويحي بإمكانية الحصول على الشهرة و توابعها من تراكم الثروة و النفوذ ، و زاد من رسوخ هذا المفهوم لدى الشباب أن نمط الغناء المذكور لم يعد يستلزم متطلبات الموهبة الصوتية و التدريب الشاق الذي كان من لوازم الغناء الشرقي حتى وقت قريب ، بما يعني سهولة انضمام ( أي شخص ) إلى زمرة النجوم الجدد مع قليل من الحظ و فهم جيد بآليات ( الوسط ) ، و هي عوامل ملموسة كشفت إخفاق نموذج ( النجم الثقافي ) و عجزه عن تحقيق مثل هذه المكتسبات بنفس السرعة و وهج الشهرة .
ثانيا : دور الإرث الاصطلاحي العروبي :
اعتمدت حركة الإصلاح الفكري و النهضوي التي واكبت صياغة الهوية الوطنية في مصر على منطلقات إحيائية تتمثل التراث العربي و تنسج على منواله ، و هو ما تمثل في حركة التجديد الشعري لدى " البارودي " متساوقا مع الفعل الوطني في ثورة " عرابي " ، و ما تبعهما من أجيال ساهمت بقوة في إذكاء الحركة الأدبية و الفكرية ، متخذين من الصحافة منبرا لبث ما يصدرون عنه من فكر ، و ما تجود به قرائحهم من إبداعات مما أكسبهم تواصلا ممتازا – بمقاييس زمنهم – مع شرائح اجتماعية متعددة ، و عضد فلسفتهم العامة التي اتكأت على فكرة الإحياء التراثي العربي . و برغم انفتاح عديد منهم على مستجدات الفكر الغربي – كما في حالة " العقاد " المتواصل بقوة مع الآداب الإنجليزية ، و " المنفلوطي " المتواصل مع منابع الفكر الفرنسي - ، و أيضا برغم وجود أصوات منادية بضرورة اتخاذ النمط الغربي نموذجا للنهضة العلمية ك " سلامة موسى " ، إلا أن التيار العام كان يصب بقوة في اتجاه الإحياء التراثي المطعم بروح عصرية تكاد لا تتعدى إلباس القديم حللا عصرية ، و تبدى ذلك بأقوى ما يمكن في مسألة الاتكاء على اللغة كمنبع لكل ما يمكن أن يمثله مفهوم الإبداع الذهني و الطرح الثقافي ، مما أفضى إلى التركيز على الآداب بوصفها زبدة للثقافة و مرادفا لها ، و تبوأ الشعر طبقا لذلك مكان الصدارة في مقدمة الأنواع الفنية المستقطبة للإسهامات الإبداعية .
فالمتتبع للفترة المشار إليها يلحظ بجلاء مدى الانتشار الكمي للمساهمات الشعرية من قبل الشباب في تلك الفترة ، تأسيا بنجوم الحركة الثقافية آنذاك ، و ربما تليه من حيث العامل الكمي مساهمات الكتابة النثرية في مجال المقال الأدبي الوطني .
هذا الزخم الملح على صدارة الأدب أدى – في رأيي – إلى التباس في المفهوم العام للثقافة لدى عموم الشريحة المتلقية ، مما كرس لمسألة المطابقة بين ما هو ثقافي و ما هو لغوي عروبي على وجه التحديد ، و هو الأمر الذي قلص من جهة مساحة الإبداعات التي كان من الممكن أن توجه نحو أوجه الإسهام التي تستهدف الإبداع البصري أو الموسيقي أو عموم الدراسات التي تصب في حقل الثقافة العلمية أو حتى ذات الصفة العلم / إنسانية كعلوم الاجتماع و الأنثروبولوجيا ، مما جعل الاعتماد على جهود الغرب في هذا النطاق اعتمادا كاملا لعب فيه الشرق دور المتلقي المتابع .
و قد كرست هذه المركزة اللغوية في الواقع الثقافي المصري لعدة مسلمات استمر بعضها حتى الآن بينما اندثر البعض الآخر نتيجة التقلبات التطورية في النمط الثقافي المشار إليها في بداية البحث . فمن المسلمات التي استمرت كعرف سائد و مصدر للتندر في آن واحد هو مفهوم استعلاء المثقف و مفارقته للغة الخطاب السائدة و تحصنه خلف شفرة لفظية قوامها المهجور من الألفاظ و المستغرب من تراكيب القول ( لاحظ هنا مرة أخرى حضور مركزية اللغة ) .
أما المسلمات التي تعرضت لوطأة التقلبات الثقافية العصرية فربما يكون أظهرها ذلك التحدي الكاسح الذي شهده الشعر العربي بشكل يكاد ينذر بالخطر من قبل أجناس القصة و الرواية – بوصفها إعادة تمثل للمبتكرات الغربية في هذا الصدد و ليس باعتبارها تجليات لغوية بديلة – حيث أصبح ( ديوان العرب ) مهددا بالاستبدال تأسيسا على التقاليد الغربية المعاصرة ، و هو ما يفسر التوجه الطاغي من قبل شباب الأدباء نحو اتخاذ القصة القصيرة قالبا للإبداع ، و النهج فيها على غرار المعاصر الغربي .
و يرى الباحث في هذه المركزة اللغوية واحدا من أهم العوامل التي ساهمت في صرف غير قليل من اهتمام الشريحة المتابعة للثقافة عن الفن التشكيلي ، معارضا في ذلك لوجهة النظر السائدة و التي ترى في الأجناس البصرية القائمة على التجريب و اتجاهات ما بعد الحداثة سببا في انصراف جمهور المتذوقين المصريين ، فالشجاعة تقتضينا أن نعترف أن الثقافة في مجملها كانت في الكثير من تجلياتها بعيدة عن اهتمام حقيقي يجعلها في الصدارة من شواغل شرائح المجتمع ، و إن حدث فإنما تكتنفه مغالطات جمة بفعل الموروث و المستحدث تقولبه في صالح اللغوي و الأدبي .
و في هذا الصدد تتبدى أهمية مثقف عربي راحل هو الفقيد " إدوارد سعيد " من حيث كونه من القلائل الذين هدموا هذه الفكرة الدوجماطيقية للمثقف اللغوي ، و ذلك حين اجتمعت في مركب ثقافته الكونية إسهاماته في مجال الأدب إلى جانب بحوثه العلمية في مجالات الحضارات المعاصرة بأسلوب تحليلي مقارن ، إلى جانب إسهاماته المتعددة في التأليف حول جماليات الموسيقى – التي كان من أمهر عازفيها – متكئا على أدوات نقدية علمية صارمة تقصي تماما شبهة الرطانة اللفظية و فنون القول المسوقة لذاتها .
ثالثا : الفكرة الرومانسية / الثورية :
إذا تعرضنا لمسألة البحث عن مفهوم ( المثقف ) في مخيلة القطاع الأكبر من الشرائح الاجتماعية المختلفة المكونة لنسيج المجتمع المصري فسنجد حضورا قويا لما يسميه الباحث بمركب ( الرومانسية / الثورية ) ، فالمتتبع لمفهوم شخصية المثقف لدى معظم المصريين ، بل و لدى بعض المثقفين منهم ، سيلاحظ أن المفهوم الرومانسي عن الشخصية الحالمة المستلبة المفارقة للواقع و التي تتخبط في مثاليات تعجزها عن التصالح مع المجتمع المحيط ، فكرة راسخة بقوة مما يجعلها نقيضا مثاليا لما تتطلبه على الجانب الآخر شخصية ( النجم الاستهلاكي ) من صفات النشاط المراوغ و الذكاء الاجتماعي و استخدام أسلوب المنفعة المتبادلة ، مما يستدعي نفورا على المستوى اللاشعوري تجاه هذا الخنوع و الخيبة من قبل المثقف لدى جمهور الشباب الذي يتشوف إلى بطل تتجمع فيه صفات القوة و النجاح إلى جانب الجاذبية .
و على الجانب الآخر فقد ساهمت فترة ازدهار الحركات اليسارية في بلورة صورة أخرى لا تقل التباسا عن سابقتها الرومانسية ، متمثلة في المثقف الثوري الساخط و المنخرط دوما في أنشطة سياسية محظورة بشكل يضعه دوما في سلة خاسرة على المستويين المادي و الأدبي طبقا لعديد من الحالات الشهيرة في التاريخ المعاصر ، فضلا عما يلتصق به دوما من صورة الفرد المهموم العابس و المهمش اجتماعيا ، و هي صفات أبعد ما تكون عن اعتبارها نقاط جذب لمخيلة شباب طموح مهموم بتكوين الذات طبقا لمعطيات عصرنا الراهن .
سمات النمط العام الذي يميز الشخصية العزوفة عن المشاركة الثقافية :
فإذا أردنا الآن أن نستخلص السمات العامة للشخصية الشبابية العزوفة عن المشاركة الثقافية ، في ضوء الأساس النظري السابق – و مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة أن تجتمع هذه السمات بأكملها معا لدى شخصية واحدة ، فقد تكفي إحداه أو بعضها لإحداث الأثر نفسه – فسنجد أنها تتمثل في الآتي :
1- شخصية مشغولة بمظاهر النمط الاستهلاكي على اعتبار أنها هي المظاهر التي تترجم مفهوم الرفاهية إلى جانب مفاهيم القدرة و النجاح و التميز الاجتماعي .
2- شخصية ترى في نجوم المجتمع الاستهلاكي – كلاعبي الكرة و مؤدي الأغاني الخفيفة – مثلا عليا تسعى للتماهي معهم ، مستبدلة إياهم بمن عداهم من رموز الفكر و الإبداع الثقافي .
3- شخصية تعاني من مفاهيم مغلوطة مزدوجة المصدر ، حيث تشربت بإلحاح جيل الإحياء على مركزية اللغة من حيث كونها مرادفا للثقافة مع إقصاء ما عداها إلى الصفوف الخلفية ، و من جهة أخرى تسربت إليها مشاعر العدمية تجاه هذا الإرث تبعا لإخفاقاته الحضارية أمام الوافد الكاسح من مستجدات غربية مفارقة و متسيدة في آن .
4- معاناة من هيولية المصطلح و تهويمه لدى هذه الشخصية ، فيما يتعلق بمفهوم المثقف ، مما دفعها لا شعوريا إلى النفور من لعب دوره في أكثر من بعد من أبعاده .
الخروج من العام إلى الخاص :
ثم يهدف البحث إلى استلهام النتائج السابقة كأدوات تحليلية يتم بمقتضاها بحث ما هو خاص بالإفراز الثقافي المشتبك بالفنون التشكيلية ، و ما ينتمي إليه من فعاليات إجرائية تتمثل في الندوات و المناسبات الثقافية الموازية و المصاحبة للمعارض الفنية على اختلاف أنواعها و درجاتها ، من منطلق التساؤل حول عدد من النقاط المتعلقة بهذه المناسبات ، و منها :
أولا :مدى فعالية الشكل التنظيمي لهذه المناسبات :
الملاحظ على غالبية المناسبات المقامة بغرض تفعيل الحراك الثقافي بالتوازي مع حدث فني معين أنها تقام من باب ذر الرماد في العيون ، مقتصرة في الغالب على اتخاذ التيمة العامة للحدث الفني منطلقا للأفكار المناقشة مما يكسبها في الغالب سمة نوعية شبه تخصصية ، فضلا عن اقتصار أسلوب العرض على طريقة إلقاء البحوث ، أو طريقة محاورة المنصة بين مجموعة من المتخصصين مع السماح من آن لآخر بإجراء المداخلات من قبل الحضور ، أو طريقة الموائد المستديرة للحوار ، و هي طرق تضفي على هذه المناسبات سمة أكاديمية بحتة تبتعد عن مرونة و جاذبية ما يمكن أن تحققه أساليب مبتكرة للتواصل و عرض المعلومات .
كما أن الدعوات الموجهة في هذا الصدد تتجاهل تماما إمكانية إلمام غير المتخصص بالشخصيات المستضافة ، خاصة من النقاد و الأكاديميين ، حيث يقتصر التعريف بهم داخل مطبوعات هذه المناسبات على ذكر الأسماء و الألقاب العلمية ، مع إغفال تعريف غير المتخصصين بموجز سيرتهم و موقعهم من حركة الثقافة عامة ، و تعريف التخصصات التي يزاولونها و معناها ، لاسيما و هي تمثل لدى قطاع كبير من غير المتخصصين علامات استفهام مجهولة المعنى .
ثانيا : مدى تماس المحتويات النظرية لها مع الشواغل الواقعية للشباب من الفنانين الذين يفترض أن يشتبكوا معها بقوة :
فالملاحظ أيضا أن المشكلات المتناولة في خضم هذه المناقشات أكثر ما تتعرض للقضايا النظرية العامة التي تتعلق غالبا بالإشكاليات الناجمة عن أثر المقولات و المستجدات الوافدة من الغرب على المنتج الفني المحلي و ما يتفرع عن ذلك من قضايا اصطلاحية و اختلافات بين أنصار المألوف و المستحدث ، مما لا يفضي في الغالب إلى نتائج قاطعة في هذا الصدد إلى جانب إغفال المشكلات الحقيقية المؤرقة للشباب و هي التي تتعلق بمصير فنهم و مستقبلهم من حيث سعي هذه الاحتفاليات و الندوات إلى محاولة ترسيخ مكانة ملموسة للثقافة البصرية ، بما يدفع إلى التفات المجتمع إليها كقيمة تنويرية و إزالة الصفة النخبوية الكمالية عنها سعيا إلى تكاتف المؤسسات بغرض حل مشكلات التمويل و التسويق – و هي الهموم الحقيقية التي تكبح من إرادة الفعل الثقافية لدى الشباب – جريا على ما هو حادث في الغرب ، حيث لم يعد الفصل معترفا به بين ما هو ثقافي خالص و بين ما هو جالب للربح المادي ، و ذلك على عكس المشاهد لدينا من تعارض الأولويات المعيشية لشباب الفنانين مع مساهمتهم الحقيقية في الفضاء الثقافي .
ثالثا : مدى ما تم تحقيقه فعليا في الواقع الفني بمقتضى التوصيات و النتائج التي سبق و خلصت إليها الندوات و المناسبات الثقافية السابقة ( و جميعها من الأسباب التي تطرح علامات استفهام حول جدوى الفعل الثقافي ذاته في الوسط التشكيلي ) :
فالمشاهد أن الغالبية العظمى من التوصيات و النتائج التي تخلص إليها الندوات و المناسبات الفنية الثقافية إنما تعامل بمقياس التوثيق المصاحب للحدث ، و نادرا ما تتخذ بشأنها إجراءات عملية تؤدي إلى نتائج عملية ملموسة ، مما يحيط مصداقيتها لدى الشباب بظلال كثيفة ، و مما يؤدي أيضا تكرار التناول للعديد من القضايا التي سبق و أن تم تناولها من قبل دون أن يتخذ بصددها إجراء فعلي ، و هو الأمر الذي يصبغ بعض هذه المناسبات بالملل الناتج عن اختفاء عنصر التجديد و اختلاف زوايا الرؤية .
أزمة الثقافة :
و تبقى هنا كلمة تفرضها تداعيات إحدى النظريات الثقافية الشائعة و التي تقول بزوال ( السرديات الكبرى ) Meta narratives ، بما يستدعيه ذلك من تهميش كافة المفاهيم المركزية القائمة على أوليات كلية تتخذ منها منطلقات لمناهج فكرية يتم بمقتضاها التعاطي مع تجليات مختلفة للنشاط و الفعل ، ففي ضوء مقارنة هذه الفرضية بما هو مروج له حاليا كفرضية ( نهاية التاريخ ) ل " فوكوياما " فسنجد أن الواقع المحلي لا يبتعد كثيرا – و إن كان بشروطه الخاصة – عن إرهاصة زوال ( الثقافة ) من حيث مفهومها السالف كمعيار للنواتج الإبداعية و منظومة مبررة لما يؤسس عليها ، حيث أصبحت – و بقوة – بسبيلها للخضوع لمتطلبات السوق و معايير مجتمع الرفاهة .
التوصيات :
1- محاولة الاستفادة من إمكانيات وسائل الإعلام بمستجداتها في إحداث كسر للجمود في أساليب التنظيم و العرض للمناسبات الثقافية المصاحبة و الموازية للأحداث الفنية التشكيلية ، مع اتساع قنوات التغطية و العرض للوصول إلى قطاع أوسع من المتلقين . هذا إلى جانب مراعاة الجانب الدعائي و المعلوماتي فيما يتعلق بالتعريفات و المفاهيم و الشخصيات و القضايا و معاني المصطلحات الواردة ضمن فعاليات الحدث .
2- إعطاء القضايا و المشكلات الملموسة لدى الشباب حضورا أعلى ضمن المحاور المغطاة خلال هذه الندوات و المناسبات الثقافية ، و عدم الاقتصار في طرحها على الأسلوب النظري ، بل محاولة إيجاد صياغات عملية لإشراك المؤسسات المالية في هذا الصدد جريا على آليات الرأسمالية الغربية في هذا الخصوص .
3- تشكيل لجان من تخصصات مختلفة من قبل وزارة الثقافة بغرض متابعة التوصيات و النتائج الخاصة بكل حدث – كل في نطاق تخصصه – لاتخاذ اللازم بصدد تحقيق ما يتسنى منه بشكل عملي ، مع إمكانية الاستفادة من جهود المنادين بهذه التوصيات من الشباب ضمن فرق العمل و اللجان المنوط بها المتابعة لكسر الحاجز الناشئ بينهم و بين الجهات التنظيمية ذات الصبغة الوظيفية البحتة .