بديعة بنمراح
01/06/2007, 05:20 PM
كل هذا الحب قصة قصيرة
بدأ الرجل الشاب يحس بدوار، و غدت الدنيا تعتّم في عينيه في بعض الأحيان. كتم الأمر عن أمه كي لا تقلق ، وباح لخطيبته بمخاوفه ..
ـ إنه الإرهاق لا شك في ذلك ! تقول مها بحنان ، فمهنتك مهنة المتاعب ، وأنت تبذل مجهودات عظمى في عملك . ولاتمنح لجسدك حقه في الراحة و الاستجمام .
يحس فؤاد بالأمان و هو يتحدث إلى خطيبته ، فهي الأمل المضيء في حياته ، ويعود إلى بيته والفرحة ترفرف في صدره بعد أن يعِد مها أنه سيأخذ إجازة لمدة أسبوع يقضيه معها بين أحضان الطبيعة الجميلة، لكن بعد أن ينتهي من محاورة الأديب الكبير أحمد الراوي ، لأنه تعب كثيرا كي يأخذ منه هذا الموعد.
تستقبله والدته "زهور" بفرحة وتضمه بدفء
ـ في الأيام القليلة الآفلة ، ساورني قلق لست أدري سببه ، و بدت لي الحياة كريهة و أنا أراك حزينا مشغول الذهن ، تقول الأم و هي تحس أنفاس الابن الحارة تلفح وجهها و الجيد.
ـ إنها متاعب الشغل يا أمي ..يرد الابن وهو لا زال يغمر وجهه بين حنايا الصدر .
هذه المرأة كم يحبها . علمته عشق الحياة و الأمل . وأبت أن ترتبط بأي رجل آخر بعد زوجها جمال . ورغم حزنها الشديد عليه بعد مرض مفاجئ أودى بحياته خلال أسبوع واحد . لكن ابتسامتها لم تفارق ثغرها كلما ضمت ابنها بين دفات قلبها .
كان فؤاد على أبواب سنته الثالثة حين رحل الأب الرؤوف ، ولم تتجاوز "زهور" عامها الخامس والعشرين ، فوهبته كل حياتها و رضيته فارس أيامها وحبها الوحيد ..
ليلة سفر فؤاد ومها ، جلس الابن مع أمه جلسة حميمية وباح لها بالأحاسيس الجميلة التي يحملها لخطيبته ثم رجاها أن ترافقهما في هذه الرحلة التي ستكون ممتعة بلا شك . لكنها اعتذرت بلباقة وابتسامة مشرقة ، وأكدت له ارتباطها بموعد مع صديقتها منى في هذا اليوم بالذات .
قام فؤاد من مكانه ، قبّل أمه على خديها قبلتين تعبقان بالمحبة . و همّ بالانصراف . لكنه تعثر في الطاولة الزجاجية أمامه وانكفأ على وجهه فصرخ صرخة مدوية
ـ شبكة العين مصابة عند ابنك يا سيدتي !.. يقول طبيب العيون ، بعد أن أجرى فحصا شاملا لفؤاد. و نظره ضعف كثيرا حتى غدا لا يرى إلا طيوفا
ـ وما العمل الآن يا دكتور ؟ تتساءل الأم بهلع
فيصارحها الطبيب بالحقيقة المفجعة : المرض يغزو شبكية العين بسرعة مهولة ثم يضيف :
ـ في غضون ثلاثة أشهر على الأكثر سوف يصاب ابنك بالعمى التام ..إلا ..
يلمع الأمل خيطا رقيقا يضيئ قلب الأم فتقاطع الطبيب :
ـ هل هناك أي رجاء في شفاء ولدي يا دكتور؟
ـ أجل يا سيدتي! يرد الطبيب هذا إن وجدنا له عينا نزرعها بدل عينيه المريضتين ..
يمر الشهر الأول و الثاني ، والأمل في الشفاء يضمحل وتسوء حال فؤاد بتوالي الدقائق والساعات ، يهجره الفرح ويبتعد عن الحياة والناس حتى مها أصبح يقسو عليها ويجرحها بكلامه وهو يطلب منها أن تبتعد عنه وتتركه ليواجه مصيره القاتم وحده. ـ أما "زهور " فلم تفارقها الابتسامة والأمل طوال هذه الأيام العسيرة . بل مافتئت تؤكد لابنها بإصرار أن ما يمر به اختبار صعب لكن آخره فجر مشرق منير .
ويصحو فؤاد ذات ضحى على رنات الهاتف ليحمل له الطبيب على الطرف الآخر من الخط مفاجأة سارة لم يصدقها فؤاد.
ـ أبشر يا بني ! ستجرى لك العملية هذا اليوم! لقد توفي أحد الرجال إثر حادثة سير ، وكان قد تبرع بكل أعضائه قبل ..لم يشعر فؤاد بدخول مها إلا حين أحس لمسة يدها على كتفه . فأخبرته أن "زهورا" طلبت منها أن تأتي إليه ، لأنها مضطرة للغياب عن البيت بضعة أيام ..
تمت العملية على ما يرام ولم تفارقه خطيبته طوال تلك الفترة . لكنه رغم الفرحة الكبرى التي غمرته بعد أن عاد إليه نور عينيه ، أحس بحزن عميق لأن والدته لم تكن بجانبه .
ـ أمي كانت تعلم أني سأجري العملية في ذلك اليوم يا دكتور! لذلك طلبت من مها أن تأتي إلي ، أليس كذلك ؟!
ـ طبعا كانت تعرف ..يجيب الدكتور و تمنت لك حظا سعيدا .
ـ وكيف تتخلى عني في محنتي ؟ ولا تشاركني فرحتي؟ !
و تبدو الحسرة والذهول في عيني الابن و يشعر بغثيان ،حتى يخشي عليه الطبيب فيرأف بحاله و يبوح له بالسر الذي ائتمنته عليه الأم .
ـ "زهور" منحته نور الحياة حين أهدته عينيها الاثنتين ورحلت بعيدا
بدأ الرجل الشاب يحس بدوار، و غدت الدنيا تعتّم في عينيه في بعض الأحيان. كتم الأمر عن أمه كي لا تقلق ، وباح لخطيبته بمخاوفه ..
ـ إنه الإرهاق لا شك في ذلك ! تقول مها بحنان ، فمهنتك مهنة المتاعب ، وأنت تبذل مجهودات عظمى في عملك . ولاتمنح لجسدك حقه في الراحة و الاستجمام .
يحس فؤاد بالأمان و هو يتحدث إلى خطيبته ، فهي الأمل المضيء في حياته ، ويعود إلى بيته والفرحة ترفرف في صدره بعد أن يعِد مها أنه سيأخذ إجازة لمدة أسبوع يقضيه معها بين أحضان الطبيعة الجميلة، لكن بعد أن ينتهي من محاورة الأديب الكبير أحمد الراوي ، لأنه تعب كثيرا كي يأخذ منه هذا الموعد.
تستقبله والدته "زهور" بفرحة وتضمه بدفء
ـ في الأيام القليلة الآفلة ، ساورني قلق لست أدري سببه ، و بدت لي الحياة كريهة و أنا أراك حزينا مشغول الذهن ، تقول الأم و هي تحس أنفاس الابن الحارة تلفح وجهها و الجيد.
ـ إنها متاعب الشغل يا أمي ..يرد الابن وهو لا زال يغمر وجهه بين حنايا الصدر .
هذه المرأة كم يحبها . علمته عشق الحياة و الأمل . وأبت أن ترتبط بأي رجل آخر بعد زوجها جمال . ورغم حزنها الشديد عليه بعد مرض مفاجئ أودى بحياته خلال أسبوع واحد . لكن ابتسامتها لم تفارق ثغرها كلما ضمت ابنها بين دفات قلبها .
كان فؤاد على أبواب سنته الثالثة حين رحل الأب الرؤوف ، ولم تتجاوز "زهور" عامها الخامس والعشرين ، فوهبته كل حياتها و رضيته فارس أيامها وحبها الوحيد ..
ليلة سفر فؤاد ومها ، جلس الابن مع أمه جلسة حميمية وباح لها بالأحاسيس الجميلة التي يحملها لخطيبته ثم رجاها أن ترافقهما في هذه الرحلة التي ستكون ممتعة بلا شك . لكنها اعتذرت بلباقة وابتسامة مشرقة ، وأكدت له ارتباطها بموعد مع صديقتها منى في هذا اليوم بالذات .
قام فؤاد من مكانه ، قبّل أمه على خديها قبلتين تعبقان بالمحبة . و همّ بالانصراف . لكنه تعثر في الطاولة الزجاجية أمامه وانكفأ على وجهه فصرخ صرخة مدوية
ـ شبكة العين مصابة عند ابنك يا سيدتي !.. يقول طبيب العيون ، بعد أن أجرى فحصا شاملا لفؤاد. و نظره ضعف كثيرا حتى غدا لا يرى إلا طيوفا
ـ وما العمل الآن يا دكتور ؟ تتساءل الأم بهلع
فيصارحها الطبيب بالحقيقة المفجعة : المرض يغزو شبكية العين بسرعة مهولة ثم يضيف :
ـ في غضون ثلاثة أشهر على الأكثر سوف يصاب ابنك بالعمى التام ..إلا ..
يلمع الأمل خيطا رقيقا يضيئ قلب الأم فتقاطع الطبيب :
ـ هل هناك أي رجاء في شفاء ولدي يا دكتور؟
ـ أجل يا سيدتي! يرد الطبيب هذا إن وجدنا له عينا نزرعها بدل عينيه المريضتين ..
يمر الشهر الأول و الثاني ، والأمل في الشفاء يضمحل وتسوء حال فؤاد بتوالي الدقائق والساعات ، يهجره الفرح ويبتعد عن الحياة والناس حتى مها أصبح يقسو عليها ويجرحها بكلامه وهو يطلب منها أن تبتعد عنه وتتركه ليواجه مصيره القاتم وحده. ـ أما "زهور " فلم تفارقها الابتسامة والأمل طوال هذه الأيام العسيرة . بل مافتئت تؤكد لابنها بإصرار أن ما يمر به اختبار صعب لكن آخره فجر مشرق منير .
ويصحو فؤاد ذات ضحى على رنات الهاتف ليحمل له الطبيب على الطرف الآخر من الخط مفاجأة سارة لم يصدقها فؤاد.
ـ أبشر يا بني ! ستجرى لك العملية هذا اليوم! لقد توفي أحد الرجال إثر حادثة سير ، وكان قد تبرع بكل أعضائه قبل ..لم يشعر فؤاد بدخول مها إلا حين أحس لمسة يدها على كتفه . فأخبرته أن "زهورا" طلبت منها أن تأتي إليه ، لأنها مضطرة للغياب عن البيت بضعة أيام ..
تمت العملية على ما يرام ولم تفارقه خطيبته طوال تلك الفترة . لكنه رغم الفرحة الكبرى التي غمرته بعد أن عاد إليه نور عينيه ، أحس بحزن عميق لأن والدته لم تكن بجانبه .
ـ أمي كانت تعلم أني سأجري العملية في ذلك اليوم يا دكتور! لذلك طلبت من مها أن تأتي إلي ، أليس كذلك ؟!
ـ طبعا كانت تعرف ..يجيب الدكتور و تمنت لك حظا سعيدا .
ـ وكيف تتخلى عني في محنتي ؟ ولا تشاركني فرحتي؟ !
و تبدو الحسرة والذهول في عيني الابن و يشعر بغثيان ،حتى يخشي عليه الطبيب فيرأف بحاله و يبوح له بالسر الذي ائتمنته عليه الأم .
ـ "زهور" منحته نور الحياة حين أهدته عينيها الاثنتين ورحلت بعيدا