المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اشكالية ترجمة معاني القرآن للعبرية..



أبوبكر خلاف
02/06/2007, 04:15 AM
حول ضرورة ترجمة معاني القرآن للعبرية!


ربما يتصور المرء أي شيء إلا أن تُقدَّم معاني القرآن الكريم بالعبرية! فرغم أنها مجرد لغة أو وسيط للتواصل الإنساني لا تحمل في ذاتها قيمة أو دلالة؛ فإنها حُملت في الوعي العربي بدلالات وشحنات تحمل كلها معاني العداء والخصومة والمقاطعة! وغاب عنا- في جلبة الصراع- أنها لغة تخاطُب بشر. غير أن الأيام تعود لتثبت أن أفكارا في قضايا الصراع مع العدو الصهيوني تحتاج لمراجعة، ومنها قضية ترجمة معاني القرآن للعبرية؛ إذ يمكن القول بأنها صارت ضرورة، ليس هذا فقط؛ بل وواجبا ينبغي أن تتوافر على القيام به مؤسسات ومراكز عربية إسلامية مختصة.

هذا ما يمكن أن يخرج به القارئ حين ينتهي من دراستين مهمتين عن ترجمة معاني القرآن للعبرية للباحث المصري الدكتور عامر الزناتي المدرس بقسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس: الأولى بعنوان "الآيات الواردة عن اليهود في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم"، أما الثانية فعنوانها: "إشكالية الترجمة لأوجه بلاغية في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم"، وكانت أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراة مؤخرا من الجامعة نفسها.

الدراستان تعالجان قضية الترجمات العبرية التي أنجزها يهود للقرآن الكريم والسياقات التاريخية والحضارية التي ارتبطت بها والأخطاء -أو الخطايا- التي وقعت فيها لتخرج الدراستان بنتيجة وتوصية مباشرة: ضرورة أن تقوم جهات عربية وإسلامية بمهام ترجمة معاني القرآن للعبرية.رحلة ترجمة القرآن للعبرية

في الدراسة الأولى نطالع وصف الباحث للرحلة التاريخية التي قطعتها ترجمات القرآن للعبري، والتي بدأت في صورة تراجم جزئية من خلال ترجمة آيات محددة في العصور الوسطى؛ حيث تأثر اليهود بالمسلمين خلال العصر الأندلسي المزدهر، حين بدأ بعض اليهود ينهلون من الثقافة الإسلامية بكل صورها؛ حتى إن أحد شعراء اليهود كان يستشهد بآيات القرآن الكريم والقيم التي ينادي بها في قصائده، وفعل مثله الكثيرون، أبرزهم "القرقساني" والحاخام "سعديا الفيومي" المصري الذي كان أول من ترجم التوراة للغة العربية في القرن العاشر الميلادي، بعد أن اختفت العبرية بصورة ما، وبدأت تنحصر بين المتدينين منهم. ووصل الحال إلى أن اقتبس زعيم اليهود بالأندلس من القرآن قوله تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [من الآية 92 من سورة آل عمران]، وجعلها افتتاحية لصلواتهم وخطبهم.

ويمكن القول بأنه خلال الحقبة الأندلسية تحولت ترجمة أجزاء الآيات والتعبيرات القرآنية إلى ظاهرة؛ حيث كان اليهود يضيفونها على شعارهم وموادهم الفلسفية والمسروقة -بالحرف أحيانا- من الأصول العربية، ومن أشهر هذه الأشعار العبرية قصائد موسى بن عيزرا – شموئيل هانا جيد. بل وصل الأمر بأحد المفكرين اليهود ابن جبيرول إلى ترجمة سورة الفاتحة كاملة للعبرية وصياغتها على أنها إحدى الصلوات اليهودية، دون تحديد مصدرها أو الإشارة إليه، وفعل مثله العديد من المفكرين والفلاسفة اليهود.
والمفارقة أن الحقبة الأندلسية التي لم تأخذ حقها ولم يكتب عن آثارها الإيجابية في ازدهار الأدب العبري في العصر الأندلسي بفضل ما أتاحته من الحريات هي التي شهدت كذلك اجتراءات يهودية على النصوص القرآنية تحريفا وتشويها، وكان من أهمها كتاب "كيشيت أولجان" الذي وضعه الحاخام الأندلسي "شمعون بن تسميع" وكتاب "ابن النفريلة"، وذلك في إطار الجدل الديني ضد الإسلام، والاستشهاد بآيات قرآنية محرفة بعد ترجمتها للعبرية لأغراض غير نزيهة؛ وهو ما دفع ببعض الأئمة الأندلسيين إلى الرد عليهم، كما فعل الإمام ابن حسب في كتابه "الرد على ابن النفريلة اليهودي".

ويعد الحاخام "يعقبو هليفي" أول من قام بترجمة القرآن كاملا للعبرية في القرن الـ16 الميلادي، ولم تحظ هذه الترجمة حتى الآن بالطبع والتداول؛ إذ ما زالت مخطوطة يوجد منها نسخ في العديد من المكتبات العالمية مثل مكتبة الكونجرس الأمريكي ومكتبة المتحف البريطاني. وقد اعتمد الحاخام هليفي في ترجمته القرآن للعبرية على نسخة مترجمة للإيطالية، وقد تعمد في مقدمته توجيه النقد للقرآن وترديد الآراء اليهودية والاستشراقية المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، ووصل إلى حد الادعاء بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مصابًا بالصرع.

في القرن التاسع عشر أصدر المستشرق اليهودي الألماني "تسفي ركندورف" الترجمة العبرية الثانية للقرآن، والترجمة الأولى المطبوعة والمتداولة على نطاق واسع في إسرائيل والدول الغربية، واعتمد فيها على الأصل العربي مباشرة ومقارنته بالترجمات الأخرى التي قام بها المستشرقون الغربيون. وتعد هذه الترجمة أكثر الترجمات المتحاملة على القرآن والمحرفة له؛ حتى إن صاحبها "ركندورف" زعم فيها أن المصدر الرئيسي للقرآن هو "المقرا" اليهودية.

الغريب أن ركندورف لم يراع أنه يترجم كتابا مقدسا؛ فبدأ ترجمته بقصيدة رثاء في أبيه بعنوان "أبي الغالي"، وكتب مقدمة مهينة للرسول، ادعى فيها أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس أميًا، وأنه إنما استقى من علماء اليهود خلال رحلاته التجارية، وأنه تحفظ على اليهودية لتشددها؛ فبدأ في وضع الدين الجديد! واعتبر "ركندورف" -الذي يرفض الاعتراف بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم- أن الوحي كان من خياله لكثرة تأمله! بل تطاول إلى حد وصفه بأنه مريض بالاضطراب النفسي، وشكك في تدوين القرآن بادعاء أن أبا بكر تدخل فيه، ولم يدونه بالترتيب المفروض، ووصف القرآن عامة بأنه متدنٍ ولغته مثيرة للازدراء، ومليء بالأكاذيب والتكرار الممل، ويصفه بقيء الكلب وطيش الأحمق. وقد اعتمد في رؤيته هذه على كتاب اليهودي المتطرف أفراهام جافير "ماذا أخذ محمد من الديانة اليهودية؟" والذي أشار فيه إلى إبداء الرسول احترامه لليهود لمكانتهم وقتها، وإخفاء عدائه لهم داخله، إلا أن هذا لم يؤثر على أخذه من علومهم، حسب افترائه.

أما الترجمة الثالثة للقرآن بالعبرية فقد صدرت عام 1936، وطبعت أكثر من 5 مرات على يد الحاخام الصهيوني "يوسف ريفلين" الذي ولد في القدس، وعرف بكونه واحدا من أبرز عناصر الحركات الصهيونية في فلسطين!
وفي عام 1971 قام المستشرق الإسرائيلي د.أهارون بن شمش بترجمة القرآن للعبرية في رابع محاولة لترجمة القرآن للعبرية، وكان أبرز ما تميزت به هذه الترجمة عن غيرها التحريف الشديد الذي تمثل في ضغط المترجم لكل خمس آيات قرآنية في آية واحدة! وقد ركز أيضًا على كون القرآن كتابًا مؤلفًا والرسول مجرد تلميذ انقلب على أساتذته اليهود؛ حتى إنه عرف الإسلام على أنه يهودية عربية للتشابه الكبير كما يدعي. وبالغ في تبني وتأييد النظرية الاستشراقية القائلة بأن الإسلام هو يهودية تلائم العرب بمتغيراتهم، خاصة أن القرآن دافع عن اليهود -حسب زعمه- فيما يتعلق بتهمة قتل المسيح عليه السلام؛ بتأكيده أن المسيح رفع للسماء، ويدعي أن لغة القرآن تشبه كثيرًا لغة التوراة، إلا أنه مملوء بالتناقضات الداخلية.

مآخذ على الترجمات العبرية
وفي دراسته المهمة قدم الباحث عامر الزناتي نماذج لأبرز التحريفات اليهودية؛ منها تحويلها للون البقرة التي ورد ذكرها في الآية 69 من سورة البقرة من صفراء إلى حمراء؛ ففي القرآن تعد البقرة الصفراء فاقعة اللون إحدى معجزات سيدنا موسى عليه السلام لإحياء الموتى؛ حتى يقنع بني إسرائيل، لكن البقرة الحمراء تحولت إلى إحدى الأساطير الصهيونية المرتبطة ببناء الهيكل؛ حيث تعد أهم شروط بنائه حرقها ونثر ترابها لتطهير أرض الهيكل، كما أن هذا التحريف محاولة منهم لتأكيد زعمهم حول تقليد القرآن للتوراة.. ومن هذه النماذج أيضا الآيات 34 من سورة التوبة و93 و11 من سورة آل عمران و51 من سورة النساء وغيرها؛ وذلك لرفع شأن اليهود وإبعاد الجرائم العالقة بهم عنهم، وتبرير إدانة القرآن لهم بكره الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الدراسة الثانية "إشكالية الترجمة للأوجه البلاغية في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم" فتؤكد على أنه رغم التشابه الكبير بين أوجه البلاغة في اللغتين العربية والعبرية فإن هناك قصورًا في الأخيرة؛ من ذلك عدم إمكانية نقل بعض أوجه الالتفات (وهو مصطلح لغوي) مثل الالتفات المعجمي بين (سنة – عام)، (البحر – اليم)، وبعض أوجه الالتفات على مستوى الصيغ بين (نزل – أنزل)، (نُجي – أُنجي)، (ضلال – ضلالة)، وكذلك المخالفة على مستوى الإعراب، والمخالفة بين المذكر والمؤنث التي تخضع لطبيعة كل لغة على حدة، وكذلك عدم إمكانية نقل بعض أنماط التقديم والتأخير؛ الأمر الذي يؤكد على استحالة نقل الإعجاز القرآني إلى أي لغة غير العربية، وأن محاولة ترجمة القرآن الكريم ما هي إلا محاولة لترجمة معناه وجزء من مبناه، دون الإلمام التام بهذا المعنى ومعانيه المعجزة.

وقد أكد كل من ركندورف في ترجمته للقرآن في القرن التاسع عشر والمستشرق الإسرائيلي د.أهارون بن شمش في ترجمته عام 1971 للقرآن الكريم من العربية للعبرية من خلال عدم التزامهما بالظواهر البلاغية على عدم إدراكهما لجمال التعبير القرآني، وقصور فهمهما عنه، كما تأكد أنهما وإن التزما في عدد من الآيات فإن مبدأ التدخل في النص المقدس عند كل منهما بالتعديل والتغيير والتبديل يجعل ترجمتهما قاصرة عن أن تؤدي معنى القرآن الكريم؛ لما يحملانه من ضغينة ضد الإسلام ورسوله الكريم؛ فهما مجرد صدى لما أقره المترجمان في مقدمتيهما، ولما سار عليه الاستشراق الغربي زمنًا طويلا -وما زال- من القول بأن القرآن ما هو إلا ترهات وأكاذيب جمعها الرسول صلى الله عليه وسلم من المصادر اليهودية والمسيحية بل والجاهلية القديمة، وخرجت لنا في عباءة جديدة هي الإسلام، وأن أسلوبه ليس جديرًا بالاهتمام به؛ وهو ما يؤكد عدم أمانة كل منهما تجاه الأصل.
فالمترجمان لم يترجما القرآن لإحداث تواصل بين الأديان؛ بل ترجماه لإظهار ما يعتقدانه فيه من قصور وعيوب؛ محاولة منهما للطعن في القرآن الكريم أو في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبه فيما يدعيه من النبوة والرسالة للنيل من الإسلام والمسلمين، خاصة أن الدراسة أثبتت أن عدم نقل أوجه البلاغة القرآنية في إطار ظواهر علم المعاني بصفة خاصة رغم وجود نظيراتها في اللغة العبرية هو قصور من المترجم وتعمد واضح منه، وليس قصور لغة (مع إقرار الباحث بوجود قصور لغوي في بعض الجوانب)، إلا أن هذا ليس في عموم الظاهرة، وهو ما أمكنه من التفريق بين خطأ المترجم وقصوره، والقصور اللغوي؛ فقد أثبتت الدراسة عدم وجود قصور في الترجمات العبرية للقرآن الكريم بسبب اللغة إلا بنسبة ضئيلة، وفي مواضع معلومة؛ نظرًا للفارق اللغوي بين اللغتين خلافًا لما تعمده كل من ركندورف وبن شمش من عدم الالتزام في غالبية الأحيان بالظاهرة القرآنية؛ وهو ما يؤكد قصور ترجمتيهما عن معنى الأصل.

أكد البحث على ضرورة الاعتماد على منهج التكافؤ الشكلي في ترجمة معاني القرآن الكريم؛ باعتباره أنسب المناهج لنقل جزء من بلاغة القرآن خلافًا لمنهج التكافؤ الدينامي الذي يسعى لنقل المعنى العام للآية دون اهتمام بمبناها وأثره في هذا المعنى.
وأوصى البحث بضرورة الاهتمام بترجمة ريفلين التي ظهرت عام 1936، ومحاولة تصويب ما بها من هنات وأخطاء، وإصدارها في طبعة جديدة تحمل هذه التصويبات؛ لتكون وسيلة نافعة في نقل معاني القرآن الكريم إلى القارئ اليهودي حتى يتسنى له الاطلاع على هذا الكتاب الكريم دون تدخل من المترجم؛ بل تحت إشراف عربي مسلم بما يساعد في خدمة هذا الدين، بالإضافة لكون هذه الترجمة هي المعول عليها من قبل الباحثين الإسرائيليين المنصفين واليهود عند تعاملهم مع القرآن الكريم.

لماذا الاهتمام بالترجمة العبرية؟

يرجع الباحث اهتمامه بقضية ترجمة القرآن الكريم للغة العبرية إلى سببين: أولهما أكاديمي لسد النقص في مجال دراسات الترجمة من العبرية للعربية على أساس أن إسرائيل تترجم كل منتج في العالم، والعرب يترجمون أقل من 1% مما يترجمه العالم للغات الأخرى.
وثانيهما ديني؛ حيث الحاجة إلى عرض القرآن الكريم بشكل يؤكد صلاحية الكتاب لكل زمان ومكان، وأنه كتاب أصيل، وليس مقتبسا من كتب سابقة عليه مثل التوراة أو الإنجيل؛ فالقرآن يؤيد ما فيهما من أحكام وليس ضدهما، كما أن ظاهرة ترجمة القرآن للعبرية جاءت في ضوء المد الاستعماري الذي ارتبطت به حركة الاستشراق العالمي؛ حيث لا يمكن تأريخ ترجمة القرآن للغات الأخرى بما فيها العبرية دون ربطها بدور الاستشراق؛ حتى إن مقدمة الترجمة الأولى والثالثة تحملان نفس الرؤية الاستشراقية التي سادت في القرن الـ19 ضد الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأصبح دور الباحثين تصويب هذه التراجم، وإظهار الأخطاء التي وقع فيها المترجمون عن عمد أو غير عمد، وهي محاولة تصحيح وتحييد موقف اليهودي المثقف من الإسلام من خلال إعطائه صورة صحيحة عن الدين الإسلامي ومعاني القرآن الكريم.

---------
بقلم أحمد فوزي حميدة**
اسلام اون لاين

أحمد الأقطش
03/06/2007, 08:42 PM
بارك الله فيك أخي الكريم على هذا النقل الرائع والممتع

واسمح لي بهذه الملاحظة البسيطة :

قال كاتب المقال:
كما فعل الإمام ابن حسب في كتابه "الرد على ابن النفريلة اليهودي".

(*) الصحيح : الإمام ابن حزم .

(*) أورد الكاتب في مقاله اسم هذا اليهودي بالفاء في أكثر من موضع ، والصواب أن اسمه هو ابن النغريلة بالغين .

وتقبل مودتي واحترامي :fl:

أبوبكر خلاف
04/06/2007, 02:29 AM
جزاك الله خيرا
هي اخطاء مطبعيه لاذنب لي ولا له بها

والله الموفق

أحمد الأقطش
04/06/2007, 02:55 AM
تحيتي على مجهودك الرائع
وقد كان غرضي التوضيح للتصحيح
فجزاك الله خيراً