المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص قصيرة للفيلسوف السوري لوقيان



عبدالسلام زيان
03/06/2007, 09:06 PM
الاسكندر الأكبر وأبيه

فيليب : إسكندر.. الآن لا يمكن لك أن تنكر أنك ابني, لو كنت ابن أمون لما مُت .

الإسكندر : يا أبتي , لم أشك في ذلك قطعيا , بأنني ابن فيليب وابن ابن أمينتاس , لكنني تمسكت بما قاله الكهنة والحكماء، فقد رأيت أنه الأصوب لي أن استفد من كوني ابن أمون لقضاء حوائجي .

فيليب : ماذا تعني بهذا ؟ هل استفدت من شيء عندما تركت نفسك مسخرة بين أيدي الكهنة ؟

الإسكندر : لا , لم تكن تلك نيتي , لقد نُشر الرعب بين الهمج , وعرض المسرحية بأنهم يتصارعون مع اله جعل ولا أحد منهم يتجرأ أن يقاوم ويدافع عن نفسه , وبهذه الطريقة صارت الأمور سهلة لأتغلب عليهم .

فيليب : بالنسبة لك نعم , لكن ما هي قيمة المعارك بالنسبة للشعوب التي تغلبت عليها..؟
لقد حاربت شعوبا مغلوبة على أمرها , جبناء ومساكين , لا تزيد معداتهم عن قوسا ودرعا صغيرا من الخشب , لكن سابقا كان شيئا آخر، فعندما انتصرت على الهللينيين , أهل أثينا والبونيتيون وجيش البر الأركادي وخيالة التوصاليك أو ضربك وانتصارك على التراكيون والبايونر , لقد كان شيئا آخر .
سابقا , كان عكس هذا , ألم تسمع لالمديانيين والفارسيين والكلدانيين , الضعفاء بمعداتهم الذهبية؟
ألم تسمع كيف قبل زمانك , عشرة ألاف إغريقي تحت قيادة كلياركوس شنوا حربا ضدهم وانتصروا عليهم ؟ لم يترقب الجبناء لقائهم واستعمال أياديهم للدفاع عن أنفسهم , يل فرّوا من المعركة قبل أن يصل الإغريق على مرمى من سهامهم .

الإسكندر : والآن الخوتيون والإندر بفيلهم على أي حال كان شيئا رائعا !! ليس عن طريق تهشيمهم الواحد تلو الآخر، أو عن طريق شراء انتصاري عليهم بالرشوة صرت سيدا عليهم . فذلك لم يحدث قط بل استعملت يمينا كاذبا وخنت وعودي لهم , أو بطريقة أخرى كنت مدينا لغدرهم لكي أصل إلي هدفي .
في ما يخص اليونان استحوذت على جزء منه بدون أن تسيل قطرة دم واحدة , لكن كيف انتصرت على التيبانر , إني واثق من أنك سمعت بذلك .

فيليب : نعم , كل هذا أعرفه , لقد علمت به عن طريق كليتوس , الذي عندما كان جالسا بطاولتك ثقبت جسمه برمحك , لأنه عندما تكلموا عن بطولاتك تجرأ ليدلي برأيه ومجد البعض من انتصاراتي .
لقد وصل بك الحال لتضع على جنب القلنسوة المقدونية , حسب ما سمعت , وغيرتها بالقفطان الفارسي ,ثم وضعت تاجا على رأسك، وكنت وقحا الى درجة أنك رفضت أن يعبدك أقاربك المقدونيون , إنسان حر , وأنت أسوأ إنسان على الأرض .
لقد أخذت عادات الشعوب التي انتصرت عليها , ولا أريد أن أتكلم عن الأشياء الأخرى التي أخذتها , وكيف وضعت واحدا وآخر من المتعلمين بين الأسود , وعدد الزيجات التي قمت بها , وكيف وقعت في حب غير طبيعي مع هيفاستيون.
شيء واحد فقط سمعته عنك وأفتخر به وهو أنك لم تمُس زوجته رغم جمالها الكبير واعتنيت بأمها وبناتها , ما قمت به تجاههم كان فعلا تصرف ملك نبيل .

الإسكندر : يا أبي , أليس لك شيئا تقوله حول شجاعتي العالية في حالة الخطر, أو كيف كنت أول من رمى بنفسه من فوق سور المدينة والجروح البليغة التي أُصبت بها .

فيليب : لا , يا إسكندر , لا يمكن لي أن أقول أن ما قمت به حسن , وأيضا لا يمكن لي أن أقول إن ما قمت به غير مُشرف لملك كان بقيادة جيشه وجُرح!!
لكن ما حدث بالنسبة لك لم يكن مناسبا , فإن أردت أن يكون سائدا بين الناس إنك إله , فلا ينبغي أن تصاب من حين لآخر بجروح وتحمل فوق نقالة ليتم نقلك من المعارك ودمائك تقطر , وتتألم من الوجع .
إن هذا المشهد سيكون مضحكا وهزليا لمن يراك وزد على ذلك سيُلحق العار لأمون وسيُنظر له علي أنه دجال وكل الكهنته سيُنظرون إليهم علي أنهم نصابين .
وهل هناك من يمكن له أن يملك نفسه من الضحك عندما يرى أن ابن زيوس يصاب بالجنون وفي حاجة للعلاج ؟ والآن وانت بين الأموات , ألا تظن أن هناك الكثير ممن يسخرون من كل المشهد , عندما يروا أن إلههم جثة هامدة ومتعفن بالضبط كبقية اللحوم ؟
الإسكندر : العالم لا يفكر هكذا عني , بل بالعكس يضعونني بجانب هرقل وديونيسوس , المهم هو أني الوحيد الذي احتل صخرة أؤورنو ولا أحد آخر تمكن من ذلك .

فيليب : أظن أنك مازلت تتخيل أنك ابن أمون , لأني أرى وقاحتك عندما تقارن نفسك بهرقل وديونيسوس . عزيزي الإسكندر ألا يمكن لك وأنت بهذا المكان دفن نظرتك لنفسك بأنك عظيم , وتعليم نفسك كي تفهم بأنك ميّت .

هيفاستيون : كان قائد جيش الخيالة عند الإسكندر
داريوس : الملك الفارسي الذي انتصر عليه الإسكندر



.................................................. .....



مينيب ومركور

مينيب : فيلسوف فينيقي ينتمي الى المدرسة الكلبية

مركور : إله التجار وحارس المسافرين في الطرق والنشالين ومهمته هي قيادة الأرواح إلى الجحيم عندما يموت الإنسان

مينيب : يا مركور , أين الصبايا والصبيان الحلوين؟ سأطلب منك خدمة , أرني مكانهم : لقد وصلت توا .

مركور : يا مينيب , ليس لي متسع من الوقت لأكون دليلك , لكن , أنظر لهذه الجهة فقط , على يمينك , ترى هوياسينت , نرسيس , تيرو , هيلينا .. بكلمة واحدة , كل الحسناوات والفاتنات المشهورات في الأزمنة الغابرة ، أمامك الآن .

مينيب : لا أرى إلا عظاما , وجماجم عارية من اللحم , وكلهم يشبهون بعضهم البعض

مركور : أه , إنهم هنا أمامك , الساحرات اللاتي سحرن عقول الشعراء , تلك هي عظامهن التي تحتقرها الآن .

مينيب : دلني على هيلينا , علني أعرفها

مركور : أنظر , هذه جمجمة هيلينا

مينيب : ما هذا ؟ هل من أجل هذه الجمجمة جمعوا ألف سفينة حربية من كل أرجاء اليونان , ومات عدد غفير من اليونانيين والهمج , ومدن كثيرة خُربت ؟

مركور : نعم , لكن لو رأيت هذه الحسناء الجميلة عندما كانت على قيد الحياة لقلت : " إنه من الطبيعي أن نتعذب مدة طويلة ونتحمل المصائب من أجل امرأة مثلها , يا مينيب ! عندما نرى زهرة جافة فقدت لونها ننظر لها بدون رحمة ونراها خالية من الجمال , لكن عندما نراها مزهرة تبدو لنا فاتنة .

مينيب : يا مركور , صحيح ما تقوله , لكن الشيء الذي استغربه !!, ألم يفهم ويتعلم الإغريق أن كل المصائب التي لحقت بهم كانت من أجل جمال عابر وفان .

مركور : يا مينيب , ليس لي متسع من الوقت لأتفلسف معك , اختر المكان الذي تريده ونم , أنا سأذهب لأستقبل الأموات الجدد .



.................................................


حوار بالبحر


أينيبيوس وبوسيدون


أينيبيوس : يا بوسيدون سأكون صريحا معك , لقد ارتكبت أنت عملا قبيحا, خلقت جسمك على صورتي واختطفت حبيبتي , ظنت أنك أنا وارتمت بين أحضانك

بوسيدون : نعم يا أينيبوس , لأنك عاملتها معاملة سيئة , غير مبال بها , متكبرا ومتجبرا . لم تهتم بها وكنت تتلذذ بتعذيبها رغم أنها تتألم من حبها لك وتركض ورائك يوميا , كانت تمشي هائمة على شواطئك وترتمي من حين لآخر بمياهك ولا تتوق لشيء سوى أن تكون قريبة من جسمها , لكن كنت دائما غير مكترث بها .

إينيبيوس : وبعد !! هل دفعك هذا لسلب عشيقتي , وتلعب دوري وتخدع البريئة تيرو ؟

بوسيدون : غيرتك أتت متأخرة يا إينيبيوس , بعد احتقارك لها , لكن لا تخف ولا تحزن على تيرو إنها تظن أنها ضحت بـــي .. من أجلك

إينيبيوس : لا , ليس بصحيح , قبل أن تغادرها كشفت عن نفسك وقلت لها أنك بوسيدون , وهذا ما تركها تغضب وتحزن , وانتهكت عرضي لأنك تنعمت بشيء أنا أولى به , واختفيت وراء أمواج أرجوانية لتغطي كلاكما واحتضنت الصبية مكاني

بوسيدون : يا عزيزي , إنك لم ترغب في صحبتها من قبل فما الذي يبكيك عليها الآن!!


...............................................

كروسوس – بلوتون – مينيب – ميداس وسردنابل

كروسوس : يا بلوتون , لا يمكن لنا أن نتحمل أن يكن بيننا هذا الكلب مينيب , إما تُنقله من هنا أو سنرحل ونفتش عن مكان آخر نسكن فيه

بلوتون : أي شر فعله ؟ إنه ميت مثلكم

كروسوس : كل مرة نتكلم عن ذكرياتنا وكيف كانت حياتنا , ميداس وذهبه، وسردنابل وشهواته، وأنا كروسوس وثروتي وكنزي.. يشتمنا ويهيننا ويلقبنا بالعبيد والوضاعة والمخادعة , وعدة مرات يغني ليشوش علينا عندما نبكي ونحكي عن الماضي , أستطيع القول بكلمة واحدة انه لا يطاق .

بلوتون : ماذا يقولون يا مينيب ؟

ميتيب : الحقيقة يا بلوتون !! أنا أحتقرهم وأكرههم, إنهم جبناء, ألم يشبع المنحوسون البائسون
( من) فسادهم وشرهم فوق الأرض, لكي يعيدوا تجربتها مرة أخرى وهم أموات, كم هم يأسفون علي نهاية الحياة ، لذا أجدها متعة خاصة بالنسبة لي عندما أسخر منهم وأكبحهم

بلوتون : لا تفعل ذلك , يكفيهم ما نالوا من عقوبة كبيرة بخسارتهم لتلك الحياة

مينيب : أنت أيضا أحمق يا بلوتون عندما توافق على تصرفاتهم هذه وبكائهم وعويلهم

بلوتون : علي العكس , إني أتألم بسبب الانقلابات والثورات بينكم هنا بالجحيم ولا أريد ذلك

مينيب : هذا لا يهمني ,هؤلاء السفلة , من الأشوريين والليديين والفريجيين لن أتركهم في حالهم بل , سأتابعهم وأزعجهم وأعذبهم بغنائي وسأضحك على حالهم المزري

كروسوس : ماذا تقول ؟ أليس هذا يعد احتقارا وشتما !!

مينيب : لا !! الاحتقار والشتم من خصالكم عندما كنتم أحياء لأنكم طلبتم من الأحرار أن يعبدوكم ونسيتم نهائيا أنكم ستفنون كبقية البشر, الآن أتى دوركم للبكاء بعدما خسرتم كل شيء

كروسوس : أيها الآلهة !! إنني أتذكر ثروتي التي لا تحصى ولا تعد

ميداس : وكل ذهبي

سردنابل : وعظمتي ومجدي وشهواتي

مينيب : هذا جزائكم , النواح والبكاء أما أنا فسوف أكرر المرة تلو الأخرى في آذانكم المثل القديم : " أعرف نفسك " , أظن أن هذا المثل أحسن أغنية كرد على عويلكم وأنينكم .





.................................................


شكرا للسيدة نادية كيلاني على المساعدة

أديبة وروائية وكاتبة صحفية مصرية
* تعمل صحفية بدار الهلال
* عضو اتحاد كتاب مصر
* عضو نادي القصة
* عضو رابطة الأدب الإسلامي
* عضو جمعية الأدباء، والكاتبات المصريات