المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العولمــة الثقــافيــة تلزمهـا ثقــافـة عالـميـة



NAJJAR
04/06/2007, 08:49 AM
العولمــــــــــة الثقــــــــــــافيــــــــة
العولمــة الثقــافيــة تلزمهـا ثقــافـة عالـميـة


من المقومات البديهية للعولمة الثقافيةCultural Globalization هى ضرورة إرتكازها فى خطابها الثقافى للمجتمعات المتباينة على ثقافة عالمية Global Culture تتصف بذلك فى طبيعتها وفى أطرها وفى كافة انواع الطرح الثقافى التى تقدمها. يجب أن تكون هناك ثقافة عليــا Superior فوقية، غير محدودة بزمان ولا بمكان. هذه الثقافة الفوقية يجب أن تتصف بالمرونة الطرفية والثبات المركزى. فهى تتناسب مع كافة أنواع البشر، مهما كانت إنتماءاتهم الثقافية ومهما كانت خلفياتهم التاريخية. وفى نفس الوقت فإن لهذه الثقافة ثوابها الأساسية التى لا تخضع للمساومة ولا يجرى عليها التغيير والتبديل مهما كانت المقترحات المقدمة رنانة ومعسولة.
يجب أن تكون هذه الثقافة غير عنصرية ولا ينفرد بها جنس دون آخر، وأن تتصف بالحيادية التامة بين مختلف أجناس البشر، وهو مايعنى أنها لا يجب أن تكون نتاجاً إنسانياً بحتاً. فكل نتاج إنسانى من طبيعته أنه يميل إلى مصدر انبعاثه ويدور حوله، مما يجعل الفكر الإنسانى غير مؤهل بطبيعته لصياغة أطر ثقافية فوقية تتصف بالحيادية المطلقة والثبات التام. والواقع يدل على ذلك بشكل فريد. فلم تصمد ثقافة واحدة تمت زراعتها فى أرض غربية عن أرض المنشأ دون أن يكون ذلك معززاً بالقوة الجبرية والمعاناة لقطاع كبير من البشر، بل ربما أن ذلك هو السبب الرئيسى لما شهده العالم من تناحر دموى فى كافة العصور، سيما القرن الماضى.
المشاعية الأفلاطونية، والإشتراكية الماركسية والشيوعية، والرأسمالية البرجوازية، والداروينية والماكس فيبرية، وأخيراً العلمانية التجريدية.. كل هذه الأفكار التى تفتق عنها ذهن الإنسان فى منأى عن ثوابت حضارية لشطحاته ولا ضوابط لأطروحاته، قد ساقت قطعاناً من البشر نحو التناحر والإقتتال، وآخرون ماتوا فى أدغال أفريقيا وصحاريها فى قسوة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً وعلى مسمع ومرأى ملايين البشر وبمباركة كاملة من دعاة التسامح والإنسانية التى تصب فقط فى مصلحة أقطاب الغرب وأذنابهم. فهى ثقافات غرضية ذات بنية تحتية استيطانية أحادية Self-Oriented ولا يتصور لها أن تعود إلى قيادة العالم، لما شهده العالم فى ظلها من كوارث لا يقبلها عقل.
لقد خلقت هذه الثقافات المتهافتة رصيداً ضخماً من الألم والعداء، لا يسمح لها بحال من الأحوال أن تتمتع بالقدر الأدنى من المصداقية العالمية التى تحتاجها كأحد شروط العولمة الثقافية الأساسية. وأما العلمانية فقد نشأت لمحاربة المعتقدات الدينية، فهى ليست بجديدة على عالم الأفكار، الذى نادى فيه كارل ماركس بأن الدين هو أفيون الشعوب. وأما العلمانية فهى تحارب الدين وتصفه بأنه هو المعوق الحقيقى للإنطلاقة الفكرية وحرية الإبداع. وهو ما يعنى عدم وجود فهم حقيقى لدى العلمانيين لحقيقة الدين وأنه أحد المكونات الطبيعية للحياة الإجتماعية التى لا يستطيع البشر أن يتجاهلها أو يعيش بدونها. وتعد محاربة العلمانيين لأى تأثير للدين على السياسة هى السمة الرئيسية للعلمانية، مع عدم وجود إنجاز معرفى فى محتواها يشجع على تقبل الأفكار العلمانية التى أقل ما يمكن أت توصف به هو التطرف، رغم إدعائها التجريد التام والإعتماد على الأحكام المعملية.
إلى هنا ويظهر واضحاً جلياً بأن الثقافة الوحيدة فى كوكبنا الأرضى التى تحظى بالمصداقية العالمية وتتسم بالإتساق والتناغم والكمال، هى القافة الإسلامية. فهى أولاً ليست نتاجاً إنسانياً بحتاً، وقد ثبت بالتجربة أن الإسلام الذى نجح فى البادية هو ذاته الإسلام الذى نجح فى حاضرة الشام وبغداد والقاهرة والآستانة وقرطبة وخراسان. والإسلام الذى نجح منذ القرن السادس الميلادى هو نفسه الذى يعد الآن أسرع الأديان إنتشاراً على وجه الأرض رغم ما تبذله هيئات التنصير من جهد ومال كان كافياً لحل مشاكل البشر لو أنه وجه لخدمة الإنسان الجائع فى أقصى الأرض ودانيها.
والثقافة الإسلامية هى ثقافة فوقية ذات أدلة علمية وعملية، تترك للإنسان الفرصة فى أن يبدع ويفكر داخل إطار من الشرعية والمصداقية، حتى لا يضيع الإنسان الكثير من وقته فى أفكار لا أصل لها ولا برهان، ثم يرتكب فى محاولة تطبيقها من الجرائم ما يهدد كيان البشرية جمعاء. والإسلام ليس ديناً محلياً وإنما هو لكافة البشر، ولا فضل فيه لجنس على سواه بغير ما يقدمه من إسهامات للبشرية. كما أنه دستور كامل للحياة ممثل فى كتاب القرآن الكريم ومفصل بالسنة النبوية. فالثقافة الإسلامية ثقافة ذات مرجعية وغير قابلة للتغيير – على مستوى ــ المركز غير أنها تسمح بصياغات خاصة لكل التكوينات البشرية، وهو ما يؤكده وجود مدرستين للشافعى فى الفقه، أحدهما قديمة فى العراق والأخرى حديثة فى مصر.
وعلى ذلك فإنه إن تكن هناك عولمة فلن تكون بغير الإسلام، والعلمانيون الذين ينادون بفصل السياسة عن الدين، يناقضون أنفسهم حين ينادون بالعولمة. إذ أنها أحوج ما تكون إلى الدين لتحقيق العالمية والمصداقية، وهو ما لا يتحقق بالتحديد إلا فى الدين الإسلامى. فأهلا بالعولمة الثقافية، بشرط أن تحقق المواصفات القياسية المفترضة فيها.